بعد مقتل 44 طفلاً في اليمن.. الكونغرس الأميركي منزعج، ويتخذ إجراء بحق التحالف السعودي وربما عقوبة

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/16 الساعة 12:28 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/16 الساعة 12:56 بتوقيت غرينتش
United Nations Humanitarian Coordinator in Yemen, Lise Grande, looks at a boy injured in last week's air strike that killed dozens, mainly children, in Yemen's northern province of Saada, at a hospital in Saada, Yemen August 14, 2018. REUTERS/Naif Rahma

يتكدَّس الأطفال في الحافلة، ويسند كل ثلاثة منهم أجسادهم النحيلة إلى مقعدٍ واحد، ويقف الذين أتوا متأخرين في الممر. يشعرون بقلقٍ لا يخلو من إثارةٍ في الرحلة الميدانية التي خاضوها ذلك اليوم، يتحدَّثون بصوتٍ عالٍ عن ولدٍ طويلٍ يحاول جذب انتباههم، واضعاً يديه على أذنَيه ويصيح.

بعد ساعات، كان أغلبهم في عداد الموتى.

خلال استراحة لتناول الوجبات الخفيفة في قرية ضحيان الفقيرة الواقعة شمالي اليمن، شنَّ التحالف العربي، الذي تقوده السعودية، غارةً جويةً وقعت بالقرب منهم، أدت إلى تناثر الحافلة إلى قطعٍ معدنية ملتوية، أما حمولتها من البشر فإما كانوا مصابين أو قتلى في عرض الطريق، طبقاً لإفادة الشهود وآباء الأطفال.

عدد من الأطفال الذين أصيبوا بالغارة
عدد من الأطفال الذين أصيبوا بالغارة

قال طفلٌ مُلطَّخٌ بالدماء باكياً: "ساقي ملتوية"، وهو يتفحَّص ساقه المصابة، مضيفاً في مقطع فيديو مُصوَّر في موقع الحدث بعد الغارة الجوية: "ضربتنا طائرة".

أعلن مسئولو الصحة اليمنيون أن الغارة الجوية خلَّفت 54 قتيلاً، 44 منهم أطفال، بالإضافة إلى عددٍ أكبر من المصابين.

بدأ الصراع في اليمن عام 2014 عندما سيطر الحوثيون، المدعومون من إيران، على العاصمة اليمنية صنعاء، ونفوا الحكومة خارج البلاد. وفي مارس/آذار 2015، شكَّلت المملكة العربية السعودية -الخصم الرئيسي لإيران في القوة والنفوذ في الشرق الأوسط– تحالفاً للدول العربية، وأطلقت حملةَ تدخُّلٍ عسكري لكي تستعيد الحكومة اليمنية مكانتها. لكنها لم تنجح حتى الآن في تحقيق ذلك.

الغارة كانت صادمة

كانت غارة التاسع من أغسطس/آب على وجه الخصوص صادمة، حتى في الحرب التي كان الأطفال فيها هم الضحايا الرئيسيين، إذ كانوا يعانون في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، مع سوء التغذية الضاري وتفشّي مرض الكوليرا. خلَّفت هذه الحرب أكثر من 10 آلاف قتيل طبقاً لآخر إحصائية للأمم المتحدة قبل أن تتوقَّف عن تحديث حصيلة القتلى منذ عامين.

أثارت هذه الغارة الجوية تساؤلاتٍ من جديد حول أساليب التحالف العربي ودعم الولايات المتحدة للحملة.

ويصر القادة العسكريون الأميركيون، الذي أبدوا سخطهم من الغارات التي قتلت المدنيين في الأسواق وحفلات الزفاف والجنازات، على أن الولايات المتحدة ليست طرفاً في الحرب. وتقول منظمات حقوق الإنسان إن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تنكر دورها، إذ إنها باعت أسلحةً بمليارات الدولارات إلى دول التحالف، وزوَّدَتها بمعلوماتٍ استخباراتية، وأمدَّت مقاتلاتها بالوقود في الجو.

ومؤخراً، أبدى الكونغرس الأميركي قلقه المتزايد من الحرب. وتضمَّن مشروع قانون السياسة الدفاعية الذي وقَّعه الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الإثنين الماضي 13 أغسطس/آب نصاً -أيّده الحزبان الجمهوري والديمقراطي- يشترط على وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أن يُلزِم السعودية وحليفتها الوثيقة الإمارات العربية المتحدة –الدولتين اللتين تقودان التحالف– باتخاذ إجراءاتٍ لوقف قتل المدنيين.

وإذا لم يحصل بومبيو على موافقتهما، فإن القانون يحظر على أميركا تزويد مقاتلات التحالف العربي بالوقود.

منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن تبكي خلال زيارة الأطفال الجرحى
منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن تبكي خلال زيارة الأطفال الجرحى

وناقش بومبيو موضوع قصف الحافلة هذا الأسبوع هاتفياً مع محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي ووزير دفاع المملكة. وبعث جيمس ماتيس، وزير الدفاع الأميركي، فريقاً من الجيش إلى العاصمة السعودية الرياض؛ للضغط على السعودية لفتح تحقيق في حادث قصف الحافلة.

وعقب هذه الغارة الجوية، دعا أعضاء في الكونغرس الأميركي الجيش لتوضيح دوره في الغارات الجوية على اليمن والتحقيق فيما لو أدى دعم هذه الغارات الجوية إلى تعرض أفراد الجيش الأميركي إلى المساءلة القانونية بتهم جرائم الحرب.

وبرغم ذلك، ضغطت شركة Raytheon الأميركية المتخصصة في أنظمة الدفاع على المشرّعين القانونيين ووزارة الخارجية للسماح لها ببيع 60 ألف وحدة من الذخائر دقيقة التوجيه، إلى السعودية والإمارات في صفقاتٍ بمليارات الدولارات.

رواية السعودية

وقال التحالف الذي تقوده السعودية إنه يتجنب وقوع ضحايا من المدنيين ويتهم أعداءه الحوثيون باستخدام المدنيين كدروع بشرية.  

وفي يوم الغارة الجوية، قال العقيد الركن تركي المالكي، المتحدث باسم التحالف العربي، إن قوات التحالف ضربت "هدفاً عسكرياً مشروعاً" بعد القذيفة التي أطلقها الحوثيون وأسفرت عن مقتل شخص وإصابة 11 في جنوبي المملكة السعودية المتاخمة لليمن.

وقال المالكي في تصريحٍ لشبكة العربية المملوكة للسعودية: "استُهدِفَت جميع العناصر الموجودة في الحافلة"، مشيراً إلى أن ذلك شمل "طاقم العمل والمنظمين".

وفي اليوم التالي، أعلن التحالف العربي أن واقعة القصف أُحيلَت لتحقيقٍ داخلي بعد ظهور تقارير تفيد بأن "الحافلة تعرضت لأضرارٍ جانبية".

تشكيك في رواية التحالف الذي تقوده الرياض

وقالت منظمات حقوق الإنسان إنها تتشكَّك في أن يثبت التحالف العربي خطأه في أي تحقيق.

وقال لاري إل لويس، المسؤول السابق بوزارة الخارجية الأميركية الذي زار السعودية 5 مرات عامَي 2015 و2016 لتدريب القوات الجوية السعودية على رفع مستوى إجراءات تحديد الأهداف والاستقصاء: "إن السعوديين لا يتعلمون. إنهم يرتكبون نفس الأخطاء التي وقعوا فيها من قبل. لن نلح عليهم في هذا الأمر. سنتركهم يفعلون ما يشاءون".

ومن خلال زيارة موقع الغارة الجوية، والحوارات مع شهود العيان، ومراجعة مقاطع الفيديو المصورة لهذا اليوم، يمكننا تصوُّر حجم الخسائر البشرية التي خلَّفَتها الغارة.

تراوحت أعمار الأطفال في الحافلة من 6 إلى 16 سنة، ومعظمهم من قرية ضحيان، وهي قريةٌ فقيرة في محافظة صعدة اليمنية على طول الحدود مع المملكة السعودية.

وتعد هذه المحافظة موطناً للحوثيين، وقد قصفها التحالف العربي عدة مراتٍ بضراوة. ومن جانبهم، استخدم الحوثيون المنطقة لشنِّ غارات وإطلاق قذائف على الحدود السعودية.

آخر لحظات رحلة الأطفال

كان الصبية جزءاً من برنامجٍ صيفي ديني ينظَّمه الحوثيون، وكان من المُقرَّر لتلك الرحلة الميدانية أن تكون شيئاً مميزاً.

عندما صعد الأطفال على متن الحافلة ذلك الصباح، استخدم أحدهم، اسمه أسامة، هاتفه الخلوي لتصوير زملائه بينما يتارصّون في مقاعدهم. كان الكثير منهم يرتدون معاطف رياضية فوق العباءة اليمنية، التي تُرتَدَى في مناسباتٍ خاصة.

ثم يعرض الفيديو الأطفال بينما يقفون في محطتهم التالية، وكانت عبارة عن مقبرة ونصب تذكاري تسمّى حديقة الشهداء تقع في قرية مجاورة.

قادهم رجلٌ بينما يدعون ويكبرون وسط حظيرة كبيرة مزينة بصور الرجال الذين لقوا حتفهم في الحرب. بجوار الباب الذي يحمل شعار الحوثيين، تقع لافتةٌ مكتوبٌ عليها: "الله أكبر والموت لأميركا وإسرائيل. لعنة الله على اليهود والنصر للإسلام". بعض الأولاد ضحكوا عندما صوَّرَهم أسامة، وبعضهم وضعوا أيديهم على الكاميرا.

ثم ركضوا داخل المقبرة المجاورة، حيث نما العشب على صفوف القبور التي تحمل علاماتٍ بلاستيكية أو شواهد بيضاء وعليها صور الموتى. وصاح أسامة بينما كان يمشي وسط القبور: "أنا أصوِّر!".

يقف طفلان آخران إلى جوار نافورة، ينادي أسامة عليهما: "تعالوا وأنا هصوَّركم". ثم انتهى الفيديو.

لحظة الضربة

كان من المفترض أن تكمل الحافلة الرحلة حتى تبلغ الصعدة، العاصمة الإقليمية، من أجل زيارة مسجد تاريخي، ولكنها لم تفعل ذلك.

وقفت المجموعة على الطريق لشراء العصير والوجبات الخفيفة حين ضربت القذيفة موقعهم.

تشييع جثامين الأطفال
تشييع جثامين الأطفال

قال علي عبدالله الحملة، صاحب مخبز محلي، إنه سمع الانفجار ورأى سحابةً ضخمة منبعثة من الموقع، ثم رأى شاباً مغطّى بالدماء يجر نفسه بعيداً. اقترب الحملة من الموقع، وإذا به يرى جثث 7 أطفال متناثرة في المكان.

وقال: "في بعض الحالات لم يُعثَر إلا على الجزء العلوي من أجساد الأطفال". بل وعُثِرَ على جثةٍ مُشوَّهة لأحد الأطفال دفعتها قوة الانفجار أعلى سطح مبنى.

تُظهِر مقاطع الفيديو التي صُوِّرَت في أعقاب الحادثة الحافلة المُدمَّرة، وجثتي طفلين على الأرض. في حين توجد باقي الجثث على الأرض في مكانٍ قريب. كان البعض يعانون حتى يتمكَّنوا من التحرُّك. بينما مات آخرون وأزيلت أحشاؤهم واختلطت بقاياهم بالشوارع ومخلّفات الانفجار.

وأردف: "لم يسبق لي في حياتي أن رأيت مثل تلك المذبحة المرعبة".

وكان من بين الموتى الطفل أسامة الذي كان يُصوِّر زملاءه. وعُثِرَ على مقاطع الفيديو على هاتفه بعد الانفجار، وفقاً ليحيى الشامي، الذي يعمل لدى المحطة التلفزيونية التابعة للحوثيين "المسيرة" التي بثَّت صور الحادث.

سلاح صُنع في أميركا

بعد بضعة أيام، أظهر مسؤولو الأمن المحليون لصحيفة The New York Times ذيلاً معدنياً، قالوا إن له علاقة بالقذيفة وإنهم وجدوها في موقع قريب. تشير الكتابات الموجودة على الذيل إلى أنه من صناعة شركة General Dynamics الأميركية، وأنه أُلحِقَ بالقذيفة التي تزن 500 كيلوغرام على أنه نظام توجيه لها. ولم تتمكَّن صحيفة The New York Times من تأكيد أن الذيل يخص القذيفة التي استُخدِمَت في الضربة.

لكن كثيراً ما كانت توجد بقايا الأسلحة الأميركية الصنع بصفة متكرِّرة في أنقاض الغارات الجوية على اليمن.

يقول مسؤولو إدارة ترمب إنهم لا يتحكَّمون في القذائف التي تشتريها السعودية والإمارات تجارياً من مقاولين دفاعيين أميركيين أو غربيين آخرين. ويقول مسؤولو البنتاغون إنهم عرضوا مراراً المساعدة على البلدين بشأن وضع قوائم "عدم الضرب"، ولكنهم لا يشاركون في اختيار الأهداف، ولا يعرفون مهام الطائرات الحربية للتحالف، التي تعيد الولايات المتحدة تزويدها بالوقود.

وفي مستشفى قريب، كان عبدالرحمن العجري يواسي ابنه حسن، البالغ 11 عاماً، الذي كان يئن من ألمٍ في ساقه المكسورة. كان الطفل على متن الرحلة التي قادتها الحافلة، وكان والده غاضباً من أن التحالف قال إن الحافلة حملت على متنها متآمرين عسكريين.

قال العجري بسخرية: "هذا هو العقل المدبر مع شركائه، كيف يمكن لأولئك الأطفال أن يتآمروا على أي شيء؟ إنهم أطفال مسلحون فقط بالأقلام والدفاتر والكتب".

ولم يتردَّد قط في توجيه اللوم، قائلاً: "أميركا هي رأس الشر، وإلى جانبها النظام السعودي وعملاؤه المأجورون".

علامات:
تحميل المزيد