أظهرت روسيا وتركيا وإيران دلائل واضحة أنها تأثرت أمام العقوبات الاقتصادية التي وجَّهتها لهم أميركا مساء أمس الإثنين، 13 أغسطس/آب.
من جانبها، أعلنت روسيا، التي تترنح أمام خطر فرض عقوبات جديدة، أنها كانت تسعى لتقويض دور الدولار الأميركي كمرجعية في التجارة الدولية، ردا على العقوبات الاقتصادية حسبما نقلت صحيفة The Times البريطانية.
وقالت الصحيفة إن دعوة بوتين استخدام العملات المحلية جاءت دعماً لدعوة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الدول لاستخدام عملاتها المحلية في المعاملات التجارية بدلاً من الدولار ردا على العقوبات الاقتصادية.
بينما توجه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى أنقرة، في زيارة تستمر ليومين يجري خلالها محادثات لبحث الرد على العقوبات الاقتصادية.
وفي تركيا، خسرت العملة عند نقطة ما بالأمس 11% من قيمتها لتصل إلى 7.24 ليرة مقابل الدولار الأميركي، في الوقت الذي حاولت فيه الحكومة أخيراً التحرك لدفع العملة نحو الاستقرار بسبب العقوبات الاقتصادية.
أما في إيران، فقد أمر المرشد الأعلى بتدشين حملة قمعية ضد القطاع المالي في الدولة، واعتقال 67 مسؤولاً متهمين بـ"الفساد المالي".
ويُقال إنهم تكنوقراطيون متحالفون مع الحكومة الإصلاحية للرئيس روحاني.
وتقاربت الدول الثلاث بشكل كبير، بسبب العقوبات الاقتصادية وتعهَّدت بأن تساعد بعضها البعض عقب معارضة القيادة الأميركية الاقتصادية والسياسية حول قضايا عدة، مثل: سوريا، وحقوق الإنسان، وقواعد التجارة.
ودخلت الإدارة الأميركية في منافسة مع الدول الثلاث، ردا على العقوبات الاقتصادية
ففي يوم الثلاثاء، 7 أغسطس/آب، دخلت حيز النفاذ المرحلة الأولى من العقوبات الاقتصادية التي فرضها الرئيس ترمب على إيران، بعدما انسحب من الاتفاقية النووية الموقعة في 2015.
وأعقبت الخارجية الأميركية ذلك بفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية على روسيا، بسبب واقعة تسميم سيرغي سكريبال وابنته في مدينة سالزبوري البريطانية، في شهر مارس/آذار الماضي.
ويوم الجمعة، 10 أغسطس/آب، وفي ظلّ التراجع الذي تشهده الليرة التركية، أعلن الرئيس ترمب فرض تعريفة جمركية جديدة على واردات تركيا من الصلب والألومنيوم إلى الولايات المتحدة، بسبب قضية القس الأميركي الذي تحتجزه أنقرة، منذ أكتوبر/تشرين الأول 2016.
وستؤثر بشدة الجولة الأولى من العقوبات الاقتصادية ضد روسيا على صناعتي الأسلحة والطاقة، وستستهدف مرحلة ثانية محتملة من العقوبات القطاع المصرفي.
وفي هذا الصدد، اعتبر رئيس الوزراء الروسي دميتري ميدفيديف، أنَّ الوضع بين البلدين تطور إلى إعلان "حرب اقتصادية" بسبب العقوبات الاقتصادية.
فيما صرَّح دميتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، بأن موسكو ما زالت تنظر في أي الإجراءات الثأرية ستتخذها رداً على العقوبات الاقتصادية.
وفي غضون ذلك، فضلت موسكو إجراء معاملاتها التجارية باستخدام العملات المحلية
لكن هذا التعليق كشف عن المعضلة التي تواجهها هذه الدول الثلاث: فهي عازمة على تحدي القيادة الدولية الأميركية، لكنها تعول على تمويل خارجي أو تجارة يحكمها الدولار.
إذ إنَّ سعر الغاز والنفط عالمياً لا يزال يُحدد بالدولار، وروسيا وإيران بوصفهما من مصدريهما لا يمكنهما تسعير المصدر الأساسي لدخلهما بقيمة أقل.
أضف إلى هذا أنَّ تركيا لديها في جعبتها ديون ضخمة بالعملات الأجنبية، في الوقت الذي خسرت فيه الليرة أكثر من 40% من قيمتها هذا العام.
وقال أردوغان إنَّ "الإرهابيين الاقتصاديين" يتآمرون للإضرار بتركيا.
ونقل الإعلام أنباء حول أشخاص يبيعون مدخراتهم من الذهب والمجوهرات والعملات الأجنبية في محاولة لتحفيز الاقتصاد.
وظهر أحد رجال الأعمال في مقطع فيديو، وهو يحرق دولارات كنوع من الاحتجاج، رداً على العقوبات الاقتصادية.
وذكرت وزارة الداخلية التركية أنها ستُحاسب أصحاب 346 حساباً على الشبكات الاجتماعية، الذين نشروا تعليقاتٍ حول سعر الصرف، والتي أضرَّت بـ"التصورات حول الاقتصاد".
من جانبه، قال الرئيس أردوغان، إنَّ الشبكات الاجتماعية نشرت شائعات تسبَّبت بعمليات بيع الليرة.
حديث تركيا عن "حرب اقتصادية" لامس وتراً حساساً لدى إيران.
إذ صرَّح المرشد الأعلى آية الله خامنئي بإقالة مسؤولين ماليين، رداً على خطاب رئيس السلطة القضائية الإيرانية صادق لاريجاني، الذي طلب فيه الإذنَ بالتعامل مع "مخرّبين اقتصاديين" من خلال القضاء.
وتعهَّد بإصدار أحكام مشدَّدة، قد تصل إلى الإعدام. وأجاب آية الله: "تمت الموافقة على توصياتك".
وجاءت هذه الحملة عقب اعتقال أحمد عراقجي، مساعد محافظ البنك المركزي، الذي تلقَّى تعليمه في نيويورك، الأسبوع الماضي. وهو ابن شقيق نائب وزير الخارجية عباس عراقجي.
وعَلِقَ النظام الإيراني بين المطرقة والسندان نتيجة الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت واتهمت الحكومة بسوء الإدارة الاقتصادية، وكل ذلك بسبب العقوبات الاقتصادية الأميركية على البلاد.
فمنذ أن أعلن ترمب فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية ضد إيران في شهر مايو/أيار، زعمت طهران أنها ستتخلص بسهولة من الضغوطات الأميركية، بفضل دعم روسيا والصين وحلفاء آخرين.
وجاءت الحملة ضد المسؤولين -وما انطوت عليه من انتقادات ضد إدارة روحاني للاقتصاد- عقب ثورة غضب من الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد. إذ طالب الرئيس روحاني ولاريجاني وأخاه علي، رئيس البرلمان، بالاستقالة.
واشتبك أحمدي نجاد، المعارض لمعسكر روحاني، بدوره، خلال فترة توليه الرئاسة في جدال مع شخصيات محافظة دينياً، غير أنَّ رسالته الشعبوية حول القومية ودعم الفقراء لا تزال لها جمهورها.
وتلقَّت إيران صفعةً قويةً أخرى حين أعلن العراق، الذي يعتمد بشدة على دعمها في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، أمس، أنه ليس لديه أي خيار سوى الامتثال للعقوبات المالية الأميركية.
إذ قال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، من العاصمة بغداد: "ليس لدينا خيار آخر".
وانتقد آية الله خامنئي، ليل أمس، الولايات المتحدة بشدة، ولكنه قال إنَّ المستقبل بين أيدي إيران.
وصرَّح خامنئي، بحسب ما نقل تلفزيون الدولة: "إلى جانب العقوبات، طرح الأميركان خيارين: الحرب والمفاوضات. لن تحدث حرب، ولن ندخل كذلك في مفاوضات".