«النهضة» التونسي.. خلعَ «جلباب الإخوان» خوفاً من مصيرها، فهل ينجو من فخ «المساواة في الإرث» الذي وضعه السبسي؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/13 الساعة 17:32 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/13 الساعة 17:33 بتوقيت غرينتش
راشد الغنوشي رئيس حزب النهضة التونسي/رويترز

من المفترض أن حزب النهضة التونسي يدخل عصراً ذهبياً، ولكن الواقع أنه يعاني من سياق جيوسياسي غير ملائم، إذ يجب عليه أن يختار بين تلميع صورته وإغراء جمهور الناخبين، إذ أنه بات في مواجهة "فخ" "المساواة في الإرث" الذي اقترجه الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي.

فوز حزب حركة النهضة في الانتخابات البلدية في 6 مايو/أيار 2018، إلى جانب كونه صاحب الكتلة الأكبر في البرلمان التونسي، كان من المفترض أن يكون بمثابة بداية عصر ذهبي، ولكن مع ذلك، يأبى الحزب أن يتغير، حسب وصف تقرير لمجلة Jeune Afrique الفرنسية.

فبعد أن خسر أكثر من نصف ناخبيه منذ عام 2011، إذ فقد 1.2 مليون صوت في الانتخابات التشريعية خلال عام 2012، مقابل 500 ألف في الانتخابات البلدية خلال عام 2018، يعلم هذا الحزب كيف يحقق النجاح أمام أزمة سياسية مستمرة، حتى إذا ما كان مفهوم النجاح نسبياً.

أما الآن، هناك خطر أكبر يهدد حزب راشد الغنوشي، يتمثل في خطر الخسارة التدريجية للدعم الدولي.

حزب النهضة التونسي لتجنب مصير الإخوان المسلمين في مصر.. التحول لنهج الأحزاب المسيحية

منذ الإطاحة بالإخوان المسلمين في مصر عام 2013، يخشى حزب حركة النهضة من أن يلقى المصير نفسه، حسب تقرير Jeune Afrique.

فقد كان الحزب حريصاً على أن ينأى بنفسه عن جماعة الإخوان المسلمين. أما داخلياً، فضل الحزب استعادة مقاليد السلطة التي كان ممسكاً بزمامها حتى عام 2014، فتستر وراء اتفاقيات قرطاج التي تسمح له بالتأثير على القرارات دون أن يتحمل المسؤولية.

بعد ذلك، كان الوقت قد حان للبحث عن اسم تسويقي جديد وبناء صورة جديدة.

في الوقت الراهن، يقول حزب حركة النهضة أنه باشر عملية "الخروج من الإسلام السياسي"، وهو تحديث يستبعد توظيف الوعظ الديني لنهجه.

وفي هذا الصدد، قال الرئيس السابق للجمهورية التونسية منصف المرزوقي: "لقد أصبح هذا الحزب شبيهاً بالأحزاب الديمقراطية المسيحية في إيطاليا".

ولكن مازالت تحالفاته تمثل مشكلة.. السلفيون وليبيا نموذجاً

وغالباً ما يُذكر الحزب كمثال على تبني نهج الإسلام القابل للتكيف مع الديمقراطية، إلا أنه وجد نفسه في قلب الصراع عندما تم تصوير راشد الغنوشي دون علمه خلال عام 2012، وهو يقر بعلاقاته الجيدة بالسلفيّين، ليصفهمْ في وقت لاحق خلال مؤتمر صحفي بأنهم "أبناؤنا".

منذ ذلك الحين، حرص حزب حركة النهضة على التخفيف من حدة تصريحاته نظراً لأن انقلاب الموازنات الجيوسياسية كان مكلفاً بالنسبة له.

وفي الوقت الذي كان فيه حزب حركة النهضة يتلقى دعم الولايات المتحدة على أعلى مستوى بفضل عضو مجلس الشيوخ جون ماكين وبفضل التونسي الأميركي رضوان المصمودي، مؤسس ومدير مركز الإسلام والديمقراطية (CID)، أربك ظهور دونالد ترمب هذا التوافق.

ولكن أميركا لم تنس ثأرها.. والآن الكونغرس سيضعه على محك الاختبار

ولم تنس إدارة ترامب الهجوم الذي شنه السلفيون على السفارة الأميركية في تونس خلال عام 2012.

فقد كانت النتيجة، تصنيف اللجنة الفرعية لمجلس الأمن القومي لحزب حركة نهضة منظمة تابعة لجماعة الإخوان المسلمين، التي يصنفها الكونغرس مجموعة إرهابية منذ عام 2015. وسيتم التصويت على هذا الاقتراح خلال جلسة عامة ستُعقد في سبتمبر/أيلول القادم 2018.

وحتى أوروبا تعاقب تونس بسببه

على الجانب الأوروبي، لا يعد الوضع في أفضل حال. ففي فبراير/شباط 2017، وضع البرلمان تونس ضمن عدد من البلدان الفاشلة فيما يتعلق بتمويل الإرهاب.

وخلال شرحه هذا القرار، أشار سفير الاتحاد الأوروبي في تونس، باتريس بيرغامي Patrice Bergamini، إلى النهضة باسم "حزب الإخوان المسلمين".

وقد أثار هذا غضب قادة الحزب، الذين يعملون منذ عام 2014 من أجل إقامة جدار عازل بينهم وبين الحركات التي توصف بالمتطرفة.

ولتحقيق هدفه لجأ الحزب للاستعانة بمساعدة صديق أميركي

واستعان الحزب بخدمات بيرسون مارستيلر Burson-Marsteller، الوكالة الأميركية لإدارة الأزمات والضغط الدولي.

وتختص وكالة Burson-Masteller الأميركية في مجال العلاقات العامة والتواصل أثناء الأزمات واللوبيات السياسية. وتمتلك أكثر من 2500 مستشار يتوزعون في ست قارات و110 دولة و157 مكتباً. وبناء على تقرير نشاطها لسنة 2016، " تعد مصر، على غرار السعودية ودبي، سوقاً مهمة في منطقة الشرق الأوسط".

وتعرض الوكالة قائمة هامة لتدخلاتها في مجال حل الأزمات على غرار العلاقات التجارية بين رومانيا والولايات المتحدة (سنة 1970)، والحادث الذي استهدف محطة للطاقة النووية في جزيرة الثلاثة أميال بالولايات المتحدة (1979)، ووضعية حقوق الإنسان في الأرجنتين (1976-1983)، والتحضير للألعاب الأولمبية في سيول (1988)، وإدارة أزمة ما بعد مذبحة تيمور الشرقية في إندونيسيا (1992-1998)، وتدخلها على إثر تحطم طائرة روسية في مصر.

ولقد أبرم العقد بمبلغ قيمته 18 مليون دولار من خلال مكتب النهضة في لندن. ويكمن الغرض من هذه المصلحة في "مساعدة الحركة في أنشطتها الإعلامية والعلاقات العامة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وبلدان أخرى".

وتحث الوكالة على التأكيد على أن هذه التشكيلة "انتُخبت بطريقة ديمقراطية عن طريق الاقتراع العام"، كما اعتمدت "الدستور الأكثر تقدماً في العالم العربي".

ومن هنا فصاعداً، يُطالب حزب حركة النهضة، الذي أصبح صارماً للغاية في هذا الشأن، بأن يتم وصفه "بالحزب الديمقراطي المسلم" وليس "بالإسلامي" ذلك أن هذا المصطلح يُعتبر "مضللاً ومؤذياً".

وفي المغرب العربي مازال يواجه مشكلة بوتفليقة

في المغرب العربي الكبير أيضاً، أضحى حزب حركة النهضة معزولاً. وعلى الرغم من عدم وجود أي صلة خاصة تربطه بحزب العدالة والتنمية المغربي، إلا أن هذا الحزب يواجه العداء الجزائري (في ظل  وجود خلاف جزائري مغربي).

فبالنسبة للجزائر، لم يتغير موقفها من حزب حركة النهضة حتى بعد التغييرات التي أجراها، إذ أنه في سنة 2014، أبلغ عبد العزيز بوتفليقة راشد الغنوشي أن بلاده ستمنع تنصيب رئيس إسلامي عند حدودها، بشتى الوسائل.

حينها، أصيب الغنوشي بالحيرة وطالب بتوضيح معنى هذه التصريحات، إلا أن الرئيس الجزائري اكتفى بتكرار عبارة "بشتى الوسائل".

ولذا قرر تعزيز تحالفاته الداخلية.. ولكن لم تأت الرياح بما يشتهي

وفي ظل الوضع الجيوسياسي الذي يتعارض مع مصالحها، لم يعد أمام حزب حركة النهضة أي خيار سوى تعزيز تحالفاته الداخلية، في محاولة منها لإيجاد حل لوضعية الضعف التي تُعاني منها. لكن انهار اتفاق الحركة مع الرئيس الباجي قائد السبسي.

وفي هذا السياق اعتبر حزب حركة النهضة تصريح رئيس الدولة التلفزيوني الذي بُث في شهر يوليو/تموز 2018، الذي قال فيه: "إنني أستطيع التعويل على علاقاتي الدولية"،  بمثابة تهديد. ومنذ ذلك الحين، عاد الحزب إلى دعم رئيس الوزراء يوسف الشاهد.

وتظل الانشقاقات داخل الحزب هي المشكلة الأكبر

من ناحية أخرى، يجب على النهضة التعامل كذلك مع انشقاقاتها الداخلية حيث تعتقد قاعدة هذا الحزب أنه كان بإمكان النهضة استغلال انهيار منافسها الأول، حزب حركة نداء تونس، للوصول إلى السلطة.

أما المجلس الاستشاري (المعروف باسم "مجلس الشورى") والمجلس التنفيذي، فيكافحان من جهتهما لإخفاء اختلافاتهما الاستراتيجية.

ففي الوقت الذي يطمح فيه قادة الحزب إلى إبراز مدى انفتاحهم على القضايا المجتمعية، يُعبر مجلس الشورى، شديد التحفظ، عن معارضته لذلك، مستنداً إلى قواعد الشريعة ما يشكل عقبة أمام تطور الحزب.

والآن وضع الرئيس التونسي النهضة أمام الاختبار الأصعب

النقاشات الداخلية القادمة حول مشروع الإصلاحات المتعلقة بالحريات الفردية والمساواة، التي وعد بها الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، ستؤكد (أو ستنفي) مدى ثقل الأيديولوجية الدينية للنهضة، وفقاً للمجلة الفرنسية.

وشهدت تونس جدلاً حول موضوع يعتبر من المحظورات في العالم العربي، بعد دعوة الرئيس الباجي قائد السبسي إلى تكريس المساواة في الميراث بين المرأة والرجل، ولاقت الدعوة ترحيباً من قبل أطراف عديدة ومعارضة من قبل أطراف أخرى.

الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي
الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي

وتكشف عمليات استطلاع الآراء النادرة أن أغلبية الأشخاص ضد مبدأ المساواة. وبالرغم من ذلك، فإن عدداً من العائلات يطبق المساواة عن طريق ما يمنحه الأبوان وهما على قيد الحياة للأبناء.

وتظاهر أكثر من 1500 شخص بداية آذار/مارس 2018 للتعبير عن رفضهم للجدل الدائر حول المساواة.

وفسّر بعض الأوساط في تونس المقترح الرئاسي بمحاولة جذب تيارات إسلامية إلى ملعب الجدل السياسي وإظهارها في مظهر غير المواكب للعصر وفتح أبواب الجدل بين الإسلاميين والمجتمع التونسي، فيما رأى آخرون أن الرئيس التونسي قدّم اقتراحه المثير للجدل لغايات انتخابية بحتة بعد ظهور ملامح طموحات لديه للترشح مجدداً في الانتخابات الرئاسية المقررة سنة 2019.

ويعتبر أصحاب هذا الرأي الأخير أن مبادرة السبسي محاولة مبكرة منه لاستمالة نساء تونس اللاتي صوّتن بكثافة له خلال الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2014، ومن ثم قطع الطريق أمام أي مرشح إسلامي.

رد فعل الحزب كان غريباً، لكن أياً كان قراره فإنه سيواجه مخاطر في الحالتين

حركة "النهضة"  اختارت عدم الدخول في مواجهة مع المبادرة التي طرحها الرئيس الباجي قائد السبسي حول المساواة في الميراث وزواج التونسية المسلمة من أجنبي على غير دينها، حسبما لاحظ متابعون للشأن السياسي التونسي.

وكان مراقبون يتوقعون أن تترك تداعيات على علاقة التحالف القوية بين "النهضة" بزعامة راشد الغنوشي، وحزب "النداء" الليبرالي الذي يرأسه شرفياً الرئيس السبسي.

ولكن تفادت "النهضة"، في مواقفها الرسمية، الرد بوضوح على مبادرة الرئيس التونسي حول الميراث وزواج التونسية من أجنبي غير مسلم، واكتفت بـ"المتابعة والمراقبة"، وقالت في بيان إن كل المبادرات لا تصبح سارية المفعول إلا بعد مرورها بمختلف أطوار النقاش والمصادقات داخل المؤسسات الدستورية، وبخاصة تحت قبة البرلمان.

غير أنه كان لافتاً موقف نائب رئيس حركة "النهضة" الشيخ عبد الفتاح مورو، الذي تجاوز موضوع الإرث إلى مسألة شائكة أكثر وهي زواج التونسية برجل غير مسلم واعتبر ذلك "اختياراً شخصياً" يندرج ضمن حرية الضمير التي نص عليها الدستور التونسي.

وسيكون موقف حزب النهضة من هذه المسألة بمثابة اختبار رئيسي له أمام الرأي العام الدولي.

وتبدو المعضلة الي يُواجهها بسيطة؛ إما عدم الالتزام بالوعود التي قدمها لمنتخبيه أو البروز كحزب مناهض للديمقراطية.

وفي كلتا الحالتين، سيكون قراره محفوفاً بالمخاطر، ذلك أنه سينعكس حتماً على نتائج الانتخابات التشريعية والرئاسية التي ستُنظم سنة 2019.

_______

إقرأ أيضاً

صعود الإسلاموية وسقوطها: حزب حركة النهضة التونسي نموذجاً

 

هذا مخالف لعاداتنا الإسلامية.. قيادي في "حزب ليبرالي" يرفض تولِّي امرأة من حزب النهضة منصب عمدة العاصمة تونس رغم فوزها

علامات:
تحميل المزيد