أثار الرئيس الأميركي الشكوك هذا العام (2018) لدى عدد من "الصداقات" الدولية للولايات المتحدة؛ إذ هاجم ترمب الاتحاد الأوروبي واليابان، وها هو الآن يهاجم تركيا، حيث كان سبباً في أن تهوي عملتها خلال نهاية الأسبوع، من خلال فرض رسوم جمركية جديدة على البلاد، وهو ما جعل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ينتقد أميركا.
ومثلما كان الحال مع الاتحاد الأوروبي، استثارت تحركات ترمب رد فعل شديد اللهجة من جانب الحكومة التركية. ولكن، يقول تقرير نشرته صحيفة The Washington Post الأميركية، إنه عكس ما حدث مع الاتحاد الأوروبي، ربما لم يكن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يخادع عندما قال إن لديه بديلاً حقيقياً للولايات المتحدة.
الغرب الأكثر استثماراً في تركيا لكنهم ليسوا الوحيدين
وكتب أردوغان في مقال رأي نُشِرَ الجمعة 10 أغسطس/آب 2018: "قبل فوات الأوان، يجب أن تتخلَّى واشنطن عن الفكرة الخاطئة بأن علاقتنا يمكن أن تكون غير متكافئة، وتقبل بحقيقة مفادها أن تركيا لديها بدائل".
لم يكن الانقسام بين تركيا والولايات المتحدة غير مُتوقَّع كلياً، بعد أعوام من الخلاف حول سوريا، والإصلاحات الديمقراطية، والسياسات الاقتصادية. حتى هذه اللحظة، لا تزال البلاد الغربية تمثل أغلب الاستثمارات في تركيا. ولكن نظراً إلى بروز الخلاف مع أوروبا والولايات المتحدة، عملت تركيا على تعزيز شراكاتها مع بلاد أخرى خلال الأعوام الأخيرة؛ أولها وفي المقام الأول روسيا، والصين، وقطر.
ونقل الحساب الرسمي للرئاسة التركية بموقع تويتر، على لسان الرئيس أردوغان، أنه قال: "إن تركيا بلد عظيم ومهم لمحورها على أن تكون مقصورة على منطقة واحدة". وأضاف: "ومن هذا المنطلق، نعمل على تعميق تعاوننا مع المنظمات الإقليمية مثل مجموعة بريكس، والاتحاد الإفريقي، ورابطة آسيان".
President Erdoğan: "Turkey is too great and important a country for its axis to be confined to a single region.
In this spirit, we work to further deepen our cooperation with regional organizations such as BRICS, African Union and ASEAN." pic.twitter.com/v3WcAUGbIV
— Turkish Presidency (@trpresidency) August 13, 2018
فالعلاقات بين أنقرة وموسكو حققت تقدماً مهماً
لا يخفى على دوائر السياسة الخارجية في واشنطن تزايد العلاقات القوية التي تحظى بها تركيا مع روسيا. فطالما كان لتركيا صلات مكثفة مع الكرملين أكثر من أي من حلفاء للولايات المتحدة في المنطقة، الذين لم يقيموا معها علاقاتٍ إلا مؤخراً.
ومنذ محاولة الانقلاب الفاشلة بتركيا في يوليو/تموز 2016، كثَّف أردوغان من خطابه المناهض للولايات المتحدة والغرب؛ ليحشد مؤيديه. واتهم الزعيم التركي، مراراً وتكراراً، الولايات المتحدة بتواطؤها مع مدبري الانقلاب؛ وهي الاتهامات التي تزامنت مع تطور العلاقات مع موسكو.
وعلى مدى العامين الماضيين، شارك المسؤولون الأتراك أيضاً في لقاءاتٍ تجمعهم بنظرائهم الروس والإيرانيين؛ لمناقشة قضايا الأزمة السورية. وتشير الحقيقة التي تفيد بأن الولايات المتحدة لم تُدْعَ خلال المشاورات، إلى المدى الذي وصل إليه الانقسام بين البلدين العضوين بمنظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو).
في عام 2016، نقل جوش روجين، كاتب العمود بصحيفة The Washington Post، ما قاله أيكان إردمير، العضو السابق بالبرلمان التركي: "إن انحراف تركيا عن تحالفها الأطلسي وتحرُّكها في اتجاه روسيا وإيران يُصاغ منذ فترة طويلة. بالنسبة لأردوغان، أصبحت الولايات المتحدة غير ذات أهمية؛ لأن الأفعال في الشرق الأوسط تُحسب أكثر من الخطابات، ومن منظوره كانت واشنطن تتحدث أكثر مما تفعل".
إذ إن الغضب التركي بسبب تقاعس الرئيس الأميركي عن منع إقامة دولة كردية موحدة نتج عنه تحوُّلٌ من كونه معارضاً قوياً للرئيس السوري بشار الأسد، إلى موقف قبولٍ بحكم الواقع لدعم روسيا له.
وهي العلاقة التي قد تتطور إلى "تعاون أوسع"
يمكن أن يُترجَم التعاون في قضايا الأزمة السورية قريباً إلى شراكة أوسع. بعد أن اقترحت تركيا في نهاية الأسبوع، أنها كانت تخطط للتحايل على الرسوم الجمركية الأميركية عبر التخلي عن الدولار والتبادل التجاري مع بلاد مثل الصين وروسيا عن طريق عملات أخرى، أشار الكرملين إلى اعتزامه قبول المقترح.
تكمن الإشكالية حول هذه الفكرة في أن إقامة مثل هذه الآلية لن تحدث بين عشية وضحاها. ورغم أن خلافها الحالي مع أميركا يمكن أن يجعل موسكو شريكاً أكثر جاذبية لتركيا، فإن تخليهما عن الدولار سوف يستغرق وقتاً.
ولتركيا علاقات "أعمق" مع قطر
لطالما تمتعت الدولة الخليجية الغنية، بعلاقات عميقة مع تركيا، مع تجديد الالتزام الرسمي بتوسيع نطاق علاقتهما في 2015. تتمركز بعض القوات التركية في قطر، واتفقت الدولتان على إجراء تدريبات عسكرية مشتركة. يُنظر إلى العلاقات العسكرية التركية-القطرية بحالة متنامية من الريبة من جانب بلاد أخرى في المنطقة، فقد كان إيقافها مطلباً رئيسياً من جانب ائتلاف عربي فرض حصاراً على قطر في العام الماضي (2017).
غير أن الحصار المستمر حقق عكس ما كان يُرجى منه. أوقفت السعودية ودول عربية أخرى صادراتها إلى قطر، فأرسلت تركيا على الفور طائرات شحن، في تحرك ذكَّر البعض بجسر برلين الجوي بين عامي 1948 و1949، عندما أمدت الطائرات الأميركية البضائع إلى الأجزاء الغربية من المدينة بعد أن قطع السوفييت جميع طرق الإمدادات. وسَّعت قطر في المقابل استثماراتها في تركيا، ولكن نظراً إلى أن قطر تخوض معركتها الخاصة، ليس واضحاً إلى أي مدى ستتمكن الدولة الخليجية الصغيرة من مساعدة صديقتها على الخروج من الإشكالات التي تواجهها.
والصين تقدم لصالح أردوغان "بديلاً" عن الاتحاد الأوروبي
للوهلة الأولى، لا تبدو الصين شريكاً مثالياً لتركيا ذات الأغلبية المسلمة، في ظل اضطهاد بكين أقلية الإيغور المسلمة. لكن الصين تعِد تركيا بالشيء الذي طالما سعت إلى الوصول إليه مع الغرب.
لم يطرأ قَط أي تقدُّم على جهود تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، لكن الصين أشارت إلى أن تركيا قد تكون قادرة في النهاية على الانضمام إلى بديلها الخاص عن الاتحاد الأوروبي، وهي منظمة شنغهاي للتعاون.
وأعلنت تركيا والصين، في الأسبوع الماضي، عن توسع العلاقات العسكرية في وقت يبدو فيه مستقبل منظمة الناتو غير مؤكَّد أكثر من أي وقت مضى.
وتتوق بكين إلى سد فجوة القوى العالمية التي تركتها الولايات المتحدة، ولا سيما بعد انسحاب الرئيس الأميركي من الاتفاقات التجارية، أو إثارة التساؤلات حول مستقبل الناتو. وفي جزء من جهودها لخلق نظام سياسي واقتصادي بديل بموجب مبادرتها العالمية البالغة قيمتها تريليون دولار والمسماة "الحزام والطريق"، تضاعف حجم التجارة بين تركيا والصين 27 مرة خلال الأعوام الـ15 الماضية، ليصل الآن إلى 27 مليار دولار سنوياً، حسبما أشار الزميل آدم تايلور.
وتسعى تركيا لمزيد من تقارب العلاقات مع الصين، ويبدو أن ذلك الشعور مشترك من جانب الصين أيضاً. كتب كيم بينغ، محلل الشؤون الآسيوية في صحيفة South China Morning Post، في مقال حديث له: "إذا فشلت تركيا، فستُسقِط العالم معها".
___________
اقرأ أيضاََ
رداً على دعوة أردوغان.. الكرملين يعلن رغبته في تبادل تجاري مع تركيا بالعملة الوطنية