تسببت الحرب السورية في تحويل جملة الأحياء السكنية بثالث أكبر المدن مساحة في البلد إلى حطامٍ. ويجري الآن صهر أفدنة من الخردة المعدنية إلى حديد التسليح بواسطة مصنع للصلب لإعادة بناء المنازل المُهدمة في سوريا . ويمتلك المصنعَ سامر فوز، وهو رجل أعمال ذو نفوذ ومال، بنى ثروةً من حربٍ مزقت وطنه.
ظلَّ فُوز بسوريا، في وقتٍ هرب فيه العديد من رجال الأعمال بسبب احتدام الحرب، يقول تقرير لصحيفة The Wall Street Journal الأميركية، ويضيف أنه تعامَلَ مع أطرافٍ متعددة في النزاع؛ إذ وزع القمح على أراضٍ تحت حكم تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وعلى أراضٍ أخرى تحت سيطرة الأكراد. وأدار أعمالاً تجاريةً تنوَّعت بين صناعة الأدوية والأسمنت، وظلَّ قريباً من الحكومة أيضاً، ومؤخراً بدأ في مشاركة الأعمال التجارية معها.
أهم وسيط لنظام الأسد في الصفقات التجارية
حقق فُوز إنجازاً نادراً ببناء ثروة بالاقتصاد السوري في أثناء الحرب من دون أن يُعاقَب أو تُفرَض عليه جزاءات، ونتيجة لهذا، أصبح فُوز أهم وسيط لنظام الأسد لإجراء الصفقات التجارية.
ويُخطِّط فُوز لبناء ناطحات سحاب في أرض بدمشق استحوذت عليها قوات النظام بالقوة من المعارضة. وفي وقتٍ سابق من العام الجاري (2018)، حاز فُوز أغلبية أسهم الفندق الفاخر Four Seasons بالمشاركة مع الحكومة السورية، حيث يقيم المسؤولون الأجانب وهم يحاولون تقديم مساعدات إنسانية وإثبات حضورهم الدبلوماسي.
وَقَعَ فُوز، (45 عاماً)، في أزمات مع السلطات التركية، وقادت علاقاته مع النظام إلى تساؤل بعض الدبلوماسيين في المنطقة عن سبب عدم تعرُّضه لعقوبات غربية.
وبالنسبة للمرحلة التالية من حياته المهنية، يريد فُوز أن تكون أفران مصنعه للصلب في حمص حجر أساس في إعادة إعمار سوريا حتى قبل الوصول إلى تسويةٍ سياسيةٍ. ويسعى إلى حشد مستثمرين أجانب وَجِهات مانحة، ممن يتجنبون سوريا طالما لا يزال الرئيس بشار الأسد في السلطة.
وفي حين تُمنع الهيئات الأميركية من الاستثمار في سوريا بوجهٍ عام، يُسمَح للشركات الأوروبية إجراء أعمال تجارية مع السوريين، بشرط ألَّا يكونوا أعضاء من الحكومة السورية، أو من قوات الجيش، أو من عائلة الأسد، وإلَّا تعرَّضوا لجزاءات. وفي العام الماضي (2017)، كانت شركة فُوز الأم، Aman Group، راعيةً لمعرضٍ تجاري دولي أُقيم بدمشق.
من إنتاج السكر وتجميع السيارات إلى صناعة الأدوية والعقارات
في حين كان يشرب الشاي قرب منتصف الليل، بمطعمٍ في بيروت، تحت مراقبة حرسه الشخصي، قال فُوز، الذي نادراً ما يجري حواراتٍ صحافية، إن دافعه كان المصلحة الوطنية، وليست مصلحته هو فقط. من إنتاج السكر إلى تجميع السيارات وسوق العقارات، يقول إنه يهدف إلى إرجاع اللاجئين مرة أخرى إلى سوريا بتوفير آلاف فرص العمل.
يقول فُوز بينما يقرأ رسالة من زميل عبر هاتفه الجوال: "بمجرد أن تحصل على قدرٍ كافٍ من المال، تبدأ التفكير فيما يمكن أن تقدمه لوطنك، إن لم أفكر في إعادة إعمار وطني، فمن سيفكر؟".
ليس من الممكن تقدير حجم ثروة فُوز، وهو لن يكشف عنها، ولكنَّ سوريين يقولون إنه أصبح من أثرى رجال الدولة، بمصالحه التي تشمل تصنيع الأدوية، وتكرير السكر، وتجميع السيارات، وتعبئة المياه، والتنقيب عن الذهب، بالإضافة إلى الصلب، والفنادق، والإسكان.
إمبراطورية فُوز التي قد تصبح "طوق نجاة" لنظام الأسد
إنها إمبراطورية بناها بعد العودة من الدراسة بالخارج إلى تجارة العائلة التي بدأها والده. يُوظف مصنع فُوز للصلب أكثر من 1000 سوري، ونحو 100 هندي ومجموعة من الخبراء الروس.
يعد جهاد يازجي، وهو محلل اقتصادي تتبَّع مسيرة فُوز المهنية عن قرب، بحكم عمله محرراً في Syria Report، وهو موقع إلكتروني يختص بالاقتصاد ومقره بيروت، مِن بين مَن يدَّعون أن إمبراطورية فُوز التجارية بمثابة طوق النجاة لنظام الأسد.
يقول يازجي: "لو بدأت الحكومات والشركات الغربية التعامل مع فُوز، فهذا يعني أنهم بصدد اتخاذ خطوات متقدمة تجاه تسوية العلاقات مع النظام". ويشير فُوز إلى أنه بحاجة إلى العمل مع البيروقراطية بدرجةٍ ما لإجراء الأعمال التجارية في سوريا، ولكنه أنكر أنه كان الأقرب إلى الأسد عن أي رجل أعمال آخر بسوريا. ولم تُجِب الحكومة عن أي تساؤلاتٍ تخص فُوز.
ورغم قربه من النظام، فإن شعاره "كلما قلَّ ظهورك قلَّت أخطاؤك"
رجل الأعمال ذو المكانة الرفيعة، صاحب العينين الزرقاوين والشعر الأملس المائل إلى الخلف، يقول إنه يحاول البقاء بعيداً عن الأنظار، وذكر: "كلَّما قلَّ ظهورك، قلَّت الأخطاء التي ترتكبها".
وُلِدَ في عام 1973 بمدينة اللاذقية الواقعة على ساحل البحر المتوسط، لرجلٍ عمل صيدلانياً. نشأ في زمنٍ وضعت فيه عائلة الأسد الحاكمة سياساتٍ لتشجيع الاستثمارات؛ ما أسفر عن توليد نخب تجارية. وفي عام 1988، أسَّسَ والده، زهير، شركةً باسم Foz for Trading والتي تطورت إلى Aman Group، وهي محور أعمال العائلة الآن.
درس سامر فُوز في الجامعة الأميركية بباريس في أوائل التسعينيات، ويقول إنه درس في جامعتي بوسطن وسان دييغو. وعلى الرغم من وصفه الفترة التي قضاها في فرنسا بأنها "أفضل سنوات حياتي"، فإن الولايات المتحدة هي التي أثارت طموحه. يقول فُوز: "بالولايات المتحدة يمكن أن تحلم كيفما تشاء، أما في فرنسا فكل الأمور لها حدود".
بالعودة إلى سوريا، وسَّعَ فُوز من تجارة العائلة، باستيراد معدات زراعية وأسمنت. ولقلة الاتصالات والعلاقات لم تنمُ تجارته كثيراً، وقال عن تلك الفترة: "كنَّا من رجال الأعمال من الفئة الثانية والثالثة".
اندلاع النزاع السياسي السوري في 2011 غيَّرَ كل ذلك. قادت الحرب إلى فتح مجالٍ لتجارة الأعمال وخلفت مناخاً فوضوياً نجمت عنه أفضليةٌ لرواد الأعمال الأذكياء الذين تمكَّنوا من البقاء في سوريا للاستفادة من النظام وبعض المجموعات المعارِضة.
كما أنه استفاد من "هروب" و"اختطاف" مئات من رجال الأعمابسبب الحرب السورية
اختُطِفَ أكثر من 500 رجل أعمال بواسطة قوات المعارضة مقابل فديةٍ في النصف الأول من 2012، وذلك حسب فارس الشهابي، رئيس اتحاد الغرف الصناعية السورية. وأدى فرار رجال الأعمال من سوريا إلى اختفاء هؤلاء المتمسكين بتقاليد حلب لصناعة الصابون العريقة، وصناع الشوكولاتة، والآلاف من تجار النسيج والأقمشة الذين أنتجوا بضاعة كالحرير الثمين وثياب الشعائر المسيحية واليهودية.
وأتاح رحيل العديد من رجال الأعمال فرصاً أمام فُوز، استثمرها بالتعامل مع أطرافٍ متعددة في النزاع السوري. يقول فُوز: "عملت 4 أعوام بلا منافسة على الإطلاق".
عاقبت الحكومات الغربية بعض رجال الأعمال الذين بقوا في سوريا، بمنع الشركات والمواطنين من التعامل معهم، وتجميد ممتلكاتهم في الخارج. وشملت قائمة المعاقَبين واحداً من أشهر رجال الأعمال السوريين، وهو رامي مخلوف، رجل الأعمال الثري والناجح في قطاع الاتصالات، وابن خال بشار الأسد، والذي صرَّحَ الاتحاد الأوروبي عنه بأنه "يمول النظام". استأنف رامي مخلوف ضد إدراج اسمه ضمن القائمة، ولكن بلا جدوى. عُوقِبَ آخرون لتسهيل مبيعات النفط لداعش أو لتمويل القوات الموالية للنظام.
لكن.. لماذا يريد الأوروبيون معاقبة فُوز!
ومع صعود اسم فُوز كشخصيةٍ عامة، اقترحت العديد من السفارات الأوروبية ببيروت، في أثناء اجتماع للسفراء، أن فُوز يجب أن يُعاقَب لقربه من النظام، حسب دبلوماسيين غربيين. ولكن، لم يطرح أي عضو من الاتحاد الأوروبي اسمه رسمياً، وهي الخطوة الأولى لتوقيع العقوبات. يقول فُوز إنه لم يُعاقَب؛ بسبب استثماراته في مجالات لا علاقة لها بشؤون النظام العسكرية، وأنه حين وزَّع سلعاً غذائيةً، كانت نوعاً من المعونات الإنسانية.
وقال: "لو عُوقِبت، حينها يجب أن تُعاقَب الأمم المتحدة".
يذكر رجلٌ من اللاذقية على معرفة وثيقة بفُوز، أنه اشترى قمحاً مصاباً بالحشرات من داعش، وخزَّنَه في تركيا، وغيَّر اسم المُصنِّع، ليمرر القمح باعتباره روسيّاً، وباعه مجدداً لمناطق في شمال سوريا.
أنكر فُوز القصة، مدَّعياً أنها تُروَّج من جانب أعدائه لتشويه سمعته، وقال: "هذه كراهية خالصة بين مجتمع رجال الأعمال". وانتقل فُوز وزوجته وأولاده إلى تركيا منذ 5 سنوات؛ ليحميهم من المعارضة السورية، وبالاستثمار هناك تمكَّن من الحصول على إقامةٍ في تركيا.
وهو متهم بـ"جريمة قتل" لا يزال متابَعاً فيها بتركيا
في أواخر 2013، وُجدت جثة رجل الأعمال المصري الأصل، الأوكراني الجنسية رمزي متى، بتركيا، بعد فشله في تحويل 14 مليون دولار أميركي مقابل شحنة قمح لفُوز. ألقت السلطات التركية القبض على فُوز بتهمة التحريض على قتل رجل الأعمال والتلاعب بالأدلة.
حُرِّر فُوز بعدها في مايو/أيار 2014. وقال إنه أُخلي سبيله بعد جلسة الاستماع الثانية، وذكر أحد المسؤولين الأتراك أنه دفع غرامة قيمتها نصف مليون دولار أميركي. وبعد 6 أشهر من إطلاق سراحه، صرَّح المسؤول بأن محكمة إسطنبول حكمت على فُوز بالحبس 4 أعوام وشهرين للتلاعب بالأدلة، وعُلِّق الحكم انتظاراً لنتيجة الاستئناف، وهو ما أنكره فُوز.
وبحسب المسؤول التركي، لا يزال فُوز يواجه تهماً تتعلَّق بالاشتباه في تحريضه على جريمة القتل، ويأتي إلى تركيا بانتظام لحضور جلسات المحاكمة.
إلا أن ذلك لم يمنعه من مواصلة "مراكمة" الثروة
خلق الدمار الاقتصادي الناجم عن الصراع السوري، والذي بلغ 226 مليار دولار أميركي بحسب تقديرات البنك الدولي، مناخاً عدائياً لرجال الأعمال عدا الذين استقروا بسوريا في أثناء سنوات الحرب، وبنوا علاقاتٍ مع النظام. وأرجع فُوز صعوده إلى اعتباره من النخبة التجارية السورية، وباستحواذه على نادي Orient Club الراقي في دمشق، وعلى غالبية أسهم فندق Four seasons والتي اشتراها من الملياردير السعودي الوليد بن طلال.
وفي العام الماضي (2017)، جاءت الشراكة الأوضح مع النظام بدخوله في مشروع رفيع المستوى مع القطاع الإداري في دمشق التابع للحكومة. حصل على حق إنشاء 3 أبراج و5 وحدات أصغر على أرضٍ يصفها دبلوماسيون غربيون بأنها صودرت من معارضي النظام في بداية الثورة بسوريا.
يقول مسؤولون غربيون متخصصون بالشأن السوري إن مُلّاك المنازل السابقين دُفِعَت لهم تعويضاتٌ، ولكنها لن تكون كافيةً لشراء وحدات سكنية في الأبراج التي سيتم بناؤها. ودافع فُوز عن تورُّطه في المشروع الإنمائي المعروف رسمياً باسم Marota City، ولكن يطلق عليه غالباً اسم Project 66 بعد مرسوم رئاسي، بقوله إن المنازل المُهدمة لم تكن مُرخَّصَة، إلى جانب أنه لم يكن مَن صادرها.
لدرجة أنه أصبح يتدخل لحل مشاكل رجال الأعمال مع النظام في سوريا
في العام الماضي (2017)، أدانت الحكومة السورية رجل الأعمال السوري البارز عماد غريواتي بعد انتقاله إلى دبي. وسيطرت القوات النظامية السورية على مصنع كابلات تعود ملكيته لرجل الأعمال عماد غريواتي، وبدأت في نهب آلاته، وبعد أن طلب غريواتي من فُوز التدخل، حسب أحد المطلعين على تلك الأمور، اشترى فُوز المصنع بثمنٍ بخس.
وأبرم فُوز أول عقدٍ له مع شركة تتمتَّع بعلاقةٍ مع أوروبا بقيمة 250 مليون دولار أميركي؛ إذ تقوم الشركة التونسية الشريكة Biomass Industries Associates بشراء آلات من الشركة الألمانية لإنتاج السكر BMA Group وشحنها إلى مصنع لإنتاج السكر في سوريا يمتلكه فُوز.
لم تستجب Biomass بطلب إبداء تعليقها حول الأمر، وأكدت شركة BMA أنها تمتلك تعاقداً لإمداد شركة تونسية بالمعدات، وكانت على علم أنه سيتم شحنها إلى سوريا. يأمل فُوز عبر صفقات كتلك أن يُدخِل الاستثمارات الأجنبية إلى سوريا من دون أن يتعرَّض لعقوباتٍ دولية تحدُّ من إعادة التعمير.
في حمص، التي أصبحت معقلاً للمعارضين سُحِقَ بعد 3 أعوام من قصف النظام، تجد ملصقات بجوار بقايا منازل متفحمة تُصوِّر بشار الأسد يلوح بيديه معلناً: "معاً نبني". في مصنع الصلب بحمص، والذي كان خارج الخدمة حين استحوذ عليه فُوز في العام الماضي (2017)، صارت 3 أفران من أصل 5 تعمل الآن.
يقول فُوز إن "إعادة البناء هي عملية إعادة السوريين وتوفير عمل لهم، هي إعادة تدوير العجلة من جديد".
________
اقرأ أيضا
بعد سيطرة بشار الأسد على درعا.. The Daily Beast: الحرب انتهت والعالم تخلَّى عن المعارضة السورية