«العرب هم السبب».. لماذا لا يلوم الإيرانيون ترمب هذه المرة على أزماتهم الاقتصادية؟.. هؤلاء المسؤولون في نظرهم

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/13 الساعة 18:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/13 الساعة 18:42 بتوقيت غرينتش
العقوبات الأميركية تزيد من تعميق أزمة الإيرانيين

"الموت لخامنئي" هكذا ردد المتظاهرون في شوارع إيران هذا الأسبوع، كما هتفوا "الموت للتضخم"، محاكين هتاف "الموت لأميركا" الذي شاع بعد قيام الثورة الإسلامية عام 1979، وهي إشارة قد تبدو جديدة تجاه الموقف من أميركا وعقوباتها وكل التاريخ المعقد معها.

في الماضي، عندما كانت الأمور تتخذ منحى سيئاً في البلاد، كان قادة طهران يلقون باللوم على القوى الخارجية، وكان مواطنوها يثقون بهم إلى حد كبير. فـ"الشيطان الأكبر" كان مسؤولاً عن كل مشكلة تقريباً يعاني منها الشعب.

لكن مجريات الأمور تغيَّرت هذه المرة، حسب تقرير لصحيفة The Telegraph البريطانية.

الفيلات المهيبة تقول إن هناك نخبة إيرانية

"تحاول إيران القول إنَّ ترمب وراء كل ما نعانيه من بؤس، لكنَّ اللوم لا يقع على أحد سوى بيت خامنئي (المرشد الأعلى)"، هكذا قال مراد، وهو كهربائي يبلغ من العمر 45 عاماً وأب لثلاثة أبناء.

ونقلت صحيفة The Telegraph البريطانية عن مراد، الذي ينحدر من أحد أحياء الطبقة العاملة في العاصمة طهران، قوله: "ينظر الناس إلى بعض المنازل والفيلات المهيبة، وأسلوب الحياة الذي تتبعه النخبة، ويتساءلون كيف استطاعوا الحصول على هذا كله على الرغم من انتماء أغلبية الشعب إلى الطبقة الفقيرة".

وأصبح الشعب ينتقد قيادة بلده قبل الهجوم على أميركا

قرر مراد الانضمام إلى التظاهرات بعدما تراجعت قيمة أجره، وفَقَد أصغر أبنائه وظيفته، ولجأ إلى الاحتجاج للمرة الأولى في حياته.

وقال: "لم يعد الناس يلومون رئيس أحد البلدان الأجنبية، بل يلومون قيادة هذا البلد".

وانخفضت قيمة الريال بنسبة 50% منذ بداية عام 2018، بينما تضاعفت أسعار المواد الغذائية، وتقود النخبة سيارات فارهة مستوردة، وتستثمر ثرواتها في الذهب عندما يتعثر الاقتصاد، فيما يكافح الواقعون في الطبقة الدنيا للحصول على أساسيات العيش.

الأسوأ أن تأثير العقوبات الأخيرة لم يظهر بعد

كان الاقتصاد الإيراني يعاني بالفعل من صعوبات شديدة، لدرجة أنَّ قليلين فقط شعروا بآثار العقوبات الأميركية الجديدة، التي صدرت في وقت سابق من هذا الأسبوع.

وقد وصفها الرئيس دونالد ترمب بأنَّها "الأكثر إيلاماً" حتى الآن، على الرغم من أنَّ ما تسمى "العقوبات التي سرعان ما رجعت" أعادت ببساطة فرض الإجراءات التي كانت سارية قبل الاتفاق النووي لعام 2015، الذي تخلى عنه ترمب في مايو/أيار 2018.

ولم تؤدِّ العقوبات إلا لزيادة مشكلات إيران الأكثر تجذُّراً والمتمثلة في الفساد، والنظام المصرفي الفوضوي، وارتفاع معدلات البطالة بعد عقود من سوء الإدارة، وارتكابها تجاوزات في ما يتعلق بالشؤون الإقليمية.

والإيرانيون يلومون الآن حكومتهم بسبب العالم العربي

وترى الأغلبية أنَّ العداء الأميركي جزء لا يتجزأ من حياة الشعب الإيراني، لذا فهم يُوجِّهون إحباطاتهم إلى حكامهم لعدم تعاملهم مع الموقف بشكل أفضل.

وقال مراد، الذي لم يرغب في التصريح بلقب عائلته خوفاً من العقاب: "إيران بلد غني جداً، لكنَّ حكومتنا تبدو أكثر قلقاً بشأن رفاهية غير الإيرانيين في العالم العربي".

وهناك استياء متزايد داخل البلاد حول الكيفية التي تُنفَق بها أموال النفط.

إذ أقحمت إيران نفسها في قلب حروب مكلفة في سوريا واليمن، وأنفقت المليارات لدعم الوكلاء المسلمين الشيعة في معركة الهيمنة مقابل المملكة العربية السعودية.

كان المتظاهرون يهتفون قائلين: "ليس لغزة، ولا لبنان، أضحي بحياتي لإيران".

إنه أمر لم يحدث منذ عام 1979

الفجوة بين الناس والمؤسسة هي الأوسع منذ عام 1979، حسبما يقول محللون.

ويرى الكثيرون أنَّ الرئيس الإيراني حسن روحاني فشل في الوفاء بوعود الإصلاح الانتخابية وإنهاء الكسب غير المشروع.

وحاول روحاني بدوره تهدئة المتظاهرين هذا الأسبوع عن طريق الإقرار بشكواهم، لكنَّه تجاهل مطالباتهم بالتفاوض على صفقة جديدة مع ترمب.

وقال روحاني عن عرض الرئيس الأميركي بالتفاوض دون شروط: "هل يمكن أن يطعنك شخص ما في ذراعك، ويطلب في الوقت نفسه التفاوض معك؟".

وأوروبا وعدت إيران بالمساندة للتخفيف من أثر العقوبات

وتستهدف الدفعة الأولى من العقوبات تجارة السيارات والذهب ومعادن أخرى، أما الثانية فتستهدف صادرات النفط والتحويلات المالية من البنك المركزي في إيران وإليه.   

في الوقت الحالي، يعتمد روحاني كلياً على الدول الأوروبية التي وعدت بتلبية احتياجات إيران الاقتصادية للحفاظ على الاتفاق متعدد الأطراف.

ويعمل الاتحاد الأوروبي على إنجاز خطط، من شأنها تخفيف تأثير الإجراءات العقابية الأميركية على إيران، وفقاً لصحيفة The Financial Times الأميركية.

والسلاح الأساسي الذي طوَّره الاتحاد الأوروبي -في هذا الصدد- هو نسخة مُحدَثة من "قوانين الحجب" الذي صيغ في فترة التسعينيات لمواجهة العقوبات الأميركية ضد إيران، وليبيا، وكوبا؛ إذ يمنع القانون الشركات الأوروبية من الامتثال للتدابير الأميركية، ويسمح لها بالمطالبة بتعويضات عن الأضرار التي تنشأ عن العقوبات "من الشخص الذي تسبب فيها".   

ولكن الشركات الأوروبية قد تتجاهل أوامر حكوماتها

غير أن قدرات الأوروبيين يبدو أنها لا تستطيع مواكبة نواياهم، إذ إن واشنطن حذرت شركات الاتحاد الأوروبي من أنَّها ستواجه "عواقب وخيمة" إذا استمرت في التعامل مع طهران. وقد انسحب عددٌ منها، بما في ذلك شركة النفط الفرنسية Total، وشركة Maersk الدنماركية للناقلات والشحن، بعدما فشلت في الحصول على استثناء من العقوبات الجديدة.

كما انسحب عملاق السيارات الفرنسي مجموعة Groupe PSA المُصنِّعة لسيارات بيجو وسيتروين من السوق الإيراني.

وفي عام 2017، أنتجت المجموعة 440 ألف سيارة في إيران، لكنَّها بدأت بإغلاق نقاط تجميعها مع صُنَّاع السيارات المحليين. (تقول المجموعة إنَّها ستسعى للإعفاء من العقوبات من واشنطن).

وعلقت شركة "إينفست سكيوريتيز" للتحليل المالي على هذا القرار بالقول: "إن إيران سوق كبيرة للسيارات للمجموعة، حيث باعت نحو 450 ألف عربة في 2017، وإن هذه السوق يمكن أن تزداد ثلاثة أضعاف بحلول 2030 ويمكن أن تتفوق على السوق الفرنسية نفسها".

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2016، أكد رئيس "PSA" كارلوس تافار أن إيران ستلعب دوراً "مركزياً" في تطوير المجموعة داخل الشرق الأوسط، الذي يكتسي -على حد قوله- أهمية استراتيجية. وستكون المصنع الأول في المنطقة، وقاعدة التزويد الأولى للمنطقة".  

فهل يضطر روحاني إذاً إلى قبول دعوة ترمب الجديدة لإعادة التفاوض؟

وقد يؤدي اضطرابٌ أكبر في الداخل إلى إجبار روحاني على إعادة النظر في موقفه.

وقال معاون للرئيس الإيراني حسن روحاني إن على الولايات المتحدة العودة للاتفاق النووي المبرم بين ست قوى عالمية وإيران عام 2015، وذلك من أجل تمهيد الطريق لعقد قمة مع زعيم إيران.

وأضاف حميد أبوطالبي، وهو مستشار لروحاني، على تويتر: "احترام حقوق الأمة الإيرانية وخفض الأعمال العدائية والعودة للاتفاق النووي خطوات يتعين اتخاذها لتمهيد طريق المحادثات الصعب بين إيران وأميركا".

وكان ترمب عبَّر، في يوم الإثنين، 30 يوليو/تموز 2018، عن استعداده للقاء الزعيم الإيراني دون شروط مسبقة؛ لبحث كيفية تحسين العلاقات بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، قائلاً: "إذا كانوا يريدون اللقاء فسوف نلتقي".

وقالت غولناز إسفندياري، وهي صحفية ومحللة إيرانية في مجموعة فريدوم هاوس، التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها: "أعتقد أنَّ العقوبات والموقف المتشدد لإدارة ترمب سيزيد من الضغوط التي يتعرض لها القادة الإيرانيون من أجل التحدث إلى الولايات المتحدة".

وأخبرت غولناز "التلغراف" أنَّ ذلك "أثار بالفعل نقاشاً داخل البلاد، إذ يرى السياسي المخضرم علي أكبر ناطق نوري أنَّ المجلس الأعلى للأمن القومي في البلاد عليه أن ينظر في عرض ترمب لإجراء محادثات".

وقد تتفاقم الاحتجاجات مع موجة العقوبات الجديدة

وتفتقر الاحتجاجات حتى الآن إلى الأعداد والتنظيم الذي شُوهِد في "الثورة الخضراء" عام 2009، وهي إحدى أهم الانتفاضات الأخيرة ضد النظام.

وتغلب الطبقة العاملة على المحتجين في الشوارع، الذين يُعبِّرون عن غضبهم من التكلفة المتصاعدة للغذاء وغيره من الضروريات، في حين بقي أغلب أفراد الطبقة الوسطى الأقل تأثراً في ديارهم.

لكنَّ ذلك قد يتغير بمجرد أن يذوقوا أيضاً مرارة العقوبات المفروضة مؤخراً، التي تستهدف تعاملات الدولار الأميركي، والتجارة مع إيران في قطاعات السيارات، والمعادن الثمينة، والطائرات التجارية، والسجاد، والمواد الغذائية.

وفي 5 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل 2018، ستضرب موجة ثانية قطاع النفط الحيوي، بالإضافة إلى عمليات الشحن والمعاملات المالية، ما يعني أنَّ إيران ستشهد انخفاضاً حقيقياً في جزء كبير من عائداتها النفطية، ومن المرجح أن تجد البنوك الإيرانية نفسها منفصلة عن الجزء الأكبر من النظام المصرفي الدولي.

وقال المعلق السياسي الإيراني حشمت علوي: "مع تصاعُد المظاهرات في أنحاء إيران، وتغلُّب المحتجين على مخاوفهم في مواجهة سلطات الدولة وقوات الأمن، فإنَّ النظام الحاكم يقف أمام أزمة ضخمة تتعلق بكيفية احتواء اثنتين من أخطر الكوارث المحلية والأجنبية".

إذ يبدو أن ترمب يريد تغيير النظام الحاكم في طهران

يقول البعض إنَّ انسحاب ترمب من الاتفاق النووي هو محاولة مبطنة لتغيير النظام، فهو لم يخفِ انعدام ثقته العميقة بطهران، التي يصفها بأنَّها الراعي الرئيسي للإرهاب في العالم.

وربما تأمل إدارته في أن يؤدي وضع ما يكفي من الضغط الاقتصادي على الشعب الإيراني إلى اقتياده نحو حافة الانهيار.

وقال أحمد غلام نجاد، من مدينة أصفهان بوسط البلاد، حيث بدأت الاحتجاجات: "لو كنا ننظم تظاهرات لتغيير حكومتنا، فإنَّنا نفعل ذلك لأنَّنا سئمنا منها، وليس بسبب الولايات المتحدة".

اقرأ أيضاً

 طهران تضع شروطاً لعقد قمة بين روحاني وترمب.. الرئيس الأميركي عرض اللقاء وإيران لم تتأخر في الرد

 

إيران تعود لبناء قدراتها النووية.. والأوروبيون لم يستطيعوا لومها ولا حتى حماية "بيجو".. فهل اقتربت لحظة انهيار الاتفاق؟

 

"قانون الحجب" سلاح أوروبا للتغلب على عقوبات واشنطن ضد إيران.. لكن مهلاً، فهذا القانون من الممكن أن يفشل لهذا السبب