«السجين» الذي انتقدت السعودية وضعه في كندا مؤلفٌ ثري لواحدٍ من أكثر الكتب مبيعاً.. هكذا ردَّ على ما قالته الرياض عنه

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/12 الساعة 16:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/27 الساعة 20:44 بتوقيت غرينتش

في غضون ساعات من طرد السعودية للسفير الكندي، سارع المذيعون والشبكات الاجتماعية التابعة للمملكة في البحث عن فضائح يلصقونها بعدوهم الجديد. ووصل الإعلام السعودي إلى درجة اعتبار أن الأستاذ بجامعة تورنتو، جوردان بيترسون، من سجناء الرأي في عز الأزمة السعودية الكندية .

وحسب تقرير لموقع National Post الكندي، فإن أحد الأفكار المتكررة في الهجمات السعودية ضد كندا هي: "من كان بيته من زجاج فلا يقذف الناس بالطوب"، وهو تعبير مشترك تقريباً في الإنكليزية والعربية.

ومع ذلك، فلكي تستقيم هذه الحجة، وُضعَ رجال الدعاية السعوديون في موقفٍ حرج لإثبات أنَّ كندا دولة منبوذة يحدث فيها قمع وموت ومعاناة. وقد اختاروا مجموعة من المواضيع من أجل ذلك.

جوردان بيترسون سجين سياسي في نظر الإعلام السعودي

بدأ الأزمة السعودية الكندية لأنَّ كندا أطلقت حملةً علنية ضد سجن المدون السعودي رائف بدوي. ونتيجةً لذلك، فإنَّ أسهل طريقة لتشويه سمعة كندا كانت من خلال إيجاد دليل على سجن الأخيرة لمنشقين سياسيين هي الأخرى. وفي يوم الإثنين، أذاعت قناة العربية المملوكة للسعودية مقطعاً عن ظروف مروعة مزعومة في السجون الكندية، وسط مزاعم بأنَّ 75٪ من المحتجزين الكنديين يموتون قبل الوصول للمحاكمة. زعم هذا المقطع أيضاً أنَّ جوردان بيترسون، الأستاذ بجامعة تورنتو، سجينٌ كندي من سجناء الرأي.

مما لا شك فيه أنَّ لدى بيترسون تحفظاتٍ على نظام العدالة الكندي: فقد بزغ نجمه أولاً عندما انتقد قانون أونتاريو الخاص بالتعبير عن الجندرية. لكنَّ الأستاذ الجامعي لا يزال رجلاً حراً. وقد كتب تغريدةً ينفي فيها تعرضه للسجن، ساخراً من الخبر إذ قال: "أنجدوني، أنجدوني، أنا أتعرض للقمع".

في الحقيقة، فمن الممكن القول إنَّه يمثل عكس المسجون: فهو مؤلفٌ ثري لواحدٍ من أكثر الكتب مبيعاً، وهو كتابٌ يباع خارج المسارح في القارة بأسرها. بينما في السعودية، لا يصبح منتقدو الحكومة السعودية زعماء فكر مشهورين، وإنَّما يُسجَنون.

أحد "سجناء الرأي" الآخرين الذين ظهروا في تقرير العربية كان وينيس رانكور، وهو أستاذ دائم بجامعة أوتاوا، فُصِلَ من عمله لأنَّه لا يؤمن بتقييم الطلاب بالدرجات. لكنَّ رانكور حر هو الآخر. في الحقيقة، فقد تكلم رانكورهذا الأسبوع مع شبكة سبوتنيك الموالية لروسيا، وقال لهم إنَّه يعتقد أنَّ انتقادات كندا لحقوق الإنسان في السعودية "غير صريحة".

والشوارع ملآى بالمشردين

يرجع الفضل في معظم مدخلات هذه القائمة إلى إياد البغدادي، وهو لاجئ مقيم في أوسلو ومعلق على الشؤون العربية (ولديه إذاعة أيضاً). كان البغدادي أول من فهرس الهجمات السعودية ضد كندا في سلسلةٍ طويلة من التغريدات، وقال إنَّه بينما قد تبدو هذه الحملة "مجنونة" للغربيين، "فإنَّها أيضاً المعتاد داخل العالم العربي منذ فشل الربيع العربي".

وقد كانت مشكلة التشرد في كندا هدفاً متكرراً لحسابات تويتر المؤيدة للسعودية، إذ استخدمت معظم المنشورات الصورة ذاتها: وهي صورة مأخوذة من موقع مؤسسة The Canadian Roger and Tatum، تُظهِر أحد سكان مونتريال يحمل لافتةً مكتوباً عليها "كندا بلد المشردين". وجاء في هذا المنشور المتكرر: "السعوديون يطالبون بتحسين حالة الأطفال المشردين في كندا". وهم ليسوا على خطأ، فلدى مونتريال وحدها حوالي  3 آلاف شخصٍ ينامون في الشارع.

ومع ذلك، ففي عام 2007، جاء في تقريرٍ لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض أنَّ السعودية لديها ما يصل إلى 83 ألف طفل مشرد. لكنَّ هذه المشكلة في السعودية ليست على القدر ذاته من الوضوح بسبب الإجراءات الصارمة المتكررة للسلطات السعودية. إذ تُلقِي السعودية بشكلٍ روتيني القبض على "الشحاذين"، وسجنت صحافيين يحاولون تصوير المناطق الأفقر في البلاد.

بل إنها واحدة من أسوأ مضطهدي النساء في العالم

من بين جميع وسائل البحث عن فضائح تخص كندا، تركز المصادر السعودية بشكلٍ غير مفهوم حول معاملة كندا للنساء. إذ زعم المعلق الكويتي فهد الشليمي على التلفاز السعودي الأسبوع الجاري أنَّ لكندا واحدةً من أعلى معدلات قمع النساء في العالم. وكتبت إحدى حسابات تويتر التي تحظى بمتابعةٍ كبيرة في الرياض: "ماذا عن لغز جرائم القتل الألف ضد النساء في كندا؟". ونقلت حسابات الشبكات الاجتماعية تقرير إحصائيات كندا حول العنف ضد النساء في كندا، وأسموها "عار" كندا.

ومع ذلك، فإنَّ نظرةً أكثر عمقاً لهذا التقرير سوف تكشف أنَّه قد أمضى وقتاً طويلاً في أرشفة أشياء لا تعتبرها السعودية حتى من قبيل الجرائم. فالعنف المنزلي والاغتصاب الزوجي ليسا مُجرَّمين في السعودية، ويمكن جلد السعوديات بتهمة الزنا لو تعرضن للاغتصاب. ومن المفارقات أنَّ الإدانات السعودية لكندا بصفتها مكاناً سيئاً للنساء تحدث في الوقت ذاته الذي تنتقد فيه السعودية وزيرة الخارجية الكندية كريستيا فريلاند. طبعاً ليس ثمة نساء مثل فريلاند في الحكومة السعودية. وبخلاف النساء السعوديات، فلدى فريمان أيضاً الحق القانوني في اتخاذ قرارات العمل والسفر دون إذنٍ من ولي أمرها الذكر.

كما أن سكانها الأصليين يعانون مثل الروهينغيا بميانمار

الكنديون وحكومتهم من بين أوائل الناس في ملاحظة أنَّ معاملة بلدهم للسكان الأصليين اتسمت بالبشاعة منذ اليوم الأول، ولا تزال أصداء هذه المعاملة تتردد حتى يومنا هذا. وهو السبب الذي من أجله كلما اختلفت كندا مع بلدٍ سلطوي يكون هذا أول موضوع تنتقد كندا بسببه. فعندما فرضت كندا عقوباتٍ على حكومة جنوب إفريقيا أواخر الثمانينيات، أصيبت حكومة الفصل العنصري فجأةً بقلقٍ عميق حول محنة السكان الأصليين لكندا. وفعلت إيران الأمر ذاته عندما قطعت كندا معها العلاقات الدبلوماسية عام 2012، ووصل الأمر حتى إلى إذاعة قصصٍ وحشية حول فرق مكافحة الإرهاب التي تخطف أطفال السكان الأصليين للتربح من ورائهم.

ويحاول المدافعون عن السعودية اتباع الأمر ذاته في الأزمة السعودية الكندية ، لكن بدلاً من التركيز على المشكلات المعاصرة للسكان الأصليين مثل الإسكان غير الملائم والتعليم، بدا أنَّ الكثير من المنشورات تقول إنَّ السكان الأصليين في كندا ليست لديهم حقوق قانونية على الإطلاق. ففي لجنة مناقشة على التلفاز السعودي الأسبوع الجاري، قارن المعلقون محنة السكان "الأصليين" لكندا بمحنة الروهينغيا، وهي أقلية عرقية تعاني المذابح والاغتصابات الجماعية والطرد على يد سلطات ميانمار.

وجاء في إحدى الرسائل المكررة بالحرف على عددٍ من حسابات تويتر السعودية: "لو تكلمنا عن حقوق الإنسان، فينبغي لك أولاً أن تعود إلى أوروبا وتترك كندا لسكانها الأصليين". بل إنَّ إحدى المدافعات عن السعودية نشرت ورقةً حول إرث السياسة الكندية الهندية العنصرية، كتبتها بينما كانت تدرس بإحدى الجامعات الكندية.

ليس ثمة شيء خاطئ في هذه الورقة، لكن من الجدير بالملاحظة أنَّ انتقاداتٍ مشابهة أدلى بها رائف بدوي تجاه حكومته أدت إلى سجنه في المقام الأول. أما الطالبة السعودية، فقد قالت إنَّها حصلت على "درجة الامتياز العالي" من الأستاذ الكندي.

العنصرية منتعشة تحت ظل ورقة القيقب (شعار كندا)

هل تذكرون عندما أخذت امرأة سكرى في ليثبريدج دينيس منذ 4 شهور تصيح بعنصرية في طاولةٍ ملآى برجالٍ أفغان؟ أصبحت هذه القصة فوراً واحدةً من أهم القصص في البلاد، وأُدينَت المرأة من أقصى البلاد إلى أقصاها، وتبعها فيضانٌ من الدعم للرجال الذين استهدفتهم. وفي يوم الثلاثاء نشر سلمان الأنصاري، وهو أحد كبار قادة جماعات الضغط لصالح السعودية في العاصمة واشنطن، هذا الفيديو على تويتر مع تعليق: "العنصرية في كندا مقلقة للغاية". وقد يكون السياق مناسباً الآن لذكر أنَّ السعودية تحظر الممارسة العامة للديانات غير الإسلامية، وأنَّه بحسب منظمة Human Rights Watch، فإنَّ المصادر الحكومية تُستَخدَم بشكلٍ روتيني لتشويه الأقلية الشيعية في البلاد. وظهر الأنصاري الأسبوع الحالي أيضاً على شبكة الإذاعة البريطانية BBC وقال إنَّ كندا "واحدة من أكثر 10 دول في العالم في العنف المنزلي".

كندا داعمة للإرهاب الدولي

مرةً أخرى، هذا أمرٌ شاق على السعوديين. فأسامة بن لادن و15 من أصل 19 من مختطفي الطائرتين في هجمات 11 سبتمبر/أيلول كانوا سعوديين. وهناك أيضاً وجاهة في اتهام السعودية بالترويج العالمي لنسختها القاسية بشكلٍ استثنائي من الإسلام، التي كانت مسؤولةً وحدها عن الانتشار العالمي لعنف المتطرفين الإسلاميين. ومع ذلك، فثمة مقطع في التلفاز السعودي لمعلق يزعم فيه أنَّ كندا تنحاز إلى الإرهابيين بمعارضتها للسعودية.

وسكان كيبيك أقلية مقموعة تتطلع لتنفس الحرية

وأخيراً، فقد كلف عددٌ من حسابات تويتر المؤيدة للسعودية أنفسهم بالحديث عن محنة أهل كيبيك المضطهدين. إذ كتبت إحدى الحسابات: "نحن في السعودية.. ندعم حق أهل كيبيك في أن يصبحوا أمةً مستقلة"، وعبروا عن دعمهم لكيبيك حرة على الرغم من أنَّه قد بدا أنَّهم لا يعرفون أية لغة يجري الحديث بها فعلاً هناك. وجاء في التغريدة: "نحن في السعودية قلقون للغاية، ومهتمون بالمتحدثين بالإنكليزية من أجل استقلال شعب كيبك". وقد كان الكنديون المتحدثون بالعربية المقيمون في كيبيك الأكثر حماساً في انتقاد هذه التعليقات. إذ رد أحدهم قائلاً: "إنَّني على ثقة أنَّكم سوف تدعمون حق الشيعة في السعودية لتكون لهم دولتهم المستقلة، أليس كذلك؟". كما كان للطرفين رؤى مختلفة للغاية حول تغطية الرأس.


اقرأ أيضاََ

"ليس لدينا صديق واحد".. لماذا تخلَّت أميركا عن كندا في أزمتها مع السعودية؟

لماذا تصعِّد السعودية بهذا الشكل تجاه كندا؟.. 3 أسباب تقف وراء موقف الرياض المفاجئ

كندا تطلب خبرة دولتين انتقدتا سابقا حقوق الإنسان بالسعودية، وتلجأ إلى دول أوروبية وعربية لحل الأزمة