في لقائه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في هلسنكي، نَدَبَ الرئيس الأميركي دونالد ترمب الوضع الخطِر الذي آلت إليه العلاقات الروسية الأميركية، ثم أعلن أنَّ زمَن توتُّر العلاقات انتهى، وأنَّ عهداً من التعاون سيحل محله، وقبل ذلك تغزل ترمب ببوتين ووصفه بـ"الرجل الصلب".
كان ذلك قبل أن يشكِّك الرئيس الأميركي بالتدخُّل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية، مفضِّلاً تصديق إنكار بوتين، فضلاً عن تقييمات أجهزة مخابرات بلاده. وعاد ترمب لأميركا ليواجه أسئلةً تُطرَح من جديد عن تملُّقه الرئيس الروسي، ثم اتخذ موقفاً متشدداً من موسكو، بحسب ما ذكرته صحيفة The Times البريطانية، الجمعة 10 أغسطس/آب 2018.
ولم يكن ترمب حاضراً الأسبوع الماضي عندما اجتمع رؤساء أجهزة الاستخبارات الأميركية الأربعة، ليقِرُّوا علناً أنَّ هناك خطراً بحدوث تدخلٍ روسي في الانتخابات المقبلة.
وقال دان كوتس، مدير الاستخبارات القومية الأميركية: "إنَّ الخطر حقيقيّ ومستمر". وحذَّرت كرستين نيلسن، وزيرة الأمن الداخلي، أنَّ النشاط الروسيّ قد وضع الديمقراطية الأميركية "في موقفٍ عصيب".
"سياستان في أميركا!"
وبحسب الصحيفة البريطانية، يبدو أنَّ ترمب لا يقدر على توجيه انتقادٍ واحدٍ حتى إلى الكرملين، لكن مستشاري الأمن القومي لديه قد دعوا للاستمرار في ممارسة الضغط على موسكو حتى وإن كان رئيسهم يضغط في المقابل نحو النقيض من ذلك.
وقال مايكل مكفول الذي كان السفير السابق إلى روسيا تحت رئاسة أوباما، إنَّ الوضع الآن كما لو كانت هناك سياستان تجاه روسيا؛ واحدة من جانب الإدارة الأميركية، والأخرى من جهة ترمب.
وجلبت العقوبات المفروضة على روسيا، على خلفية حادث تسميم العميل البريطاني السابق سيرغي سكريبال، عنصراً جديداً إلى المشهد: حكم القانون وسلطة المؤسسات الأميركية التي بوسعها وضع الأمور موضع التنفيذ.
ولم يكن فرض العقوبات هذه على روسيا قراراً اتَّخذه ترمب. بل تبدَّت مِن قانون أقرَّة الكونغرس الأميركي عام 1991 وأوجَب فرض العقوبات على أيِّ دولةٍ يُكتَشَف استخدامها أسلحة كيمياوية أو بيولوجية. وتُمنَح الحكومة خياراً بتنفيذ ثلاث من أصل ستة إجراءات مشدَّدة، تُطّبَّق بعد ثلاثة أشهر في حال عدم امتثال الدولة الجائرة.
ودخل توقيع العقوبات حيِّز التنفيذ عندما أجمَعَت الولايات المتَّحدة على تقدير بريطانيا بأنَّ روسيا كانت وراء الهجوم على سكريبال. وليس واضحاً ما إن كان ترمب على علمٍ بهذه التطوُّرات أم لا.
وعندما نُصِحَ ترمب بطرد الدبلوماسيين الروس على غرار ما فعلته بريطانيا وحلفاء أميركا الأوروبيون، وافق ترمب على مضض.
وأفادت تقارير بأنَّ ترمب اعتقد أنَّه سيطرد عدداً يماثل ذاك الذي طردته فرنسا أو ألمانيا، واستشاط غضباً عندما اكتشف أنَّ الولايات المتحدة أجلَت روساً بلغ عددهم عدد الدبلوماسيين المطرودين من القارة الأوروبية بأكملها.
ومن جهته، لم يتوان الكونغرس الأميركي عَن تذكِرة الإدارة الأميركية بواجباتها. وجاء إعلان فرض العقوبات بعد مرور شهرٍ كامل على المُهلة المحددة للتنفيذ والبالغة 60 يوماً، وهو تأخيرٌ دفع تطبيقها لِما بعد اجتماع هلسنكي.
لم يتَّضح بعد رد فعل ترمب. وبعد مرور نحو 24 ساعة على إعلان العقوبات لم يعلِّق ترمب إلى الآن، رغم تشدُّقه بأنَّ ليس ثمة رئيسٌ أميركي أقسى منه على روسيا. لكن وحتَّى يد الرئيس قد تعلوها يد القانون، هذا ما يكتشفه ترمب الآن، بحسب صحيفة The Times البريطانية.
مولر يتهم روسيا بالتدخل في الانتخابات
وكان المدّعي العام الأميركي، روبرت مولر، قد وجه في يوليو/تموز الماضي اتهامات إلى 12 ضابطاً من الاستخبارات الروسية، باختراق أنظمة انتخابات الرئاسة الأميركية لعام 2016.
وفي وقت سابق، نشرت صحيفة Washington Post، تفاصيل عن لائحة الاتهامات التي وجَّهها مولر، والتي تكشف تفاصيل عن كيفية اختراق الروس للحزب الديمقراطي، وكيف مرروا رسائل بريد إلكترونية إلى موقع التسريبات الشهير Wikileaks، والذي كان سبباً في تراجع غريمة ترمب أيام الانتخابات، هيلاري كلينتون.
وأشارت الصحيفة الأميركية، إلى أنه مع أنَّ الخطوط العريضة لحملة الاختراق والتأثير في النتيجة قد تناقلتها وسائل الإعلام على نطاقٍ واسع، إلا أن الاتهامات الجديدة تصف للمرة الأولى هوية المخترقين، وأساليب وتكتيكات عملية زعزعة الديمقراطية الأميركية.
ويضم قرار الاتهام تفاصيل عن كيفية تمكُّن الروس باستخدام ملفٍ مشفر مرفق بالتعليمات، من إيصال كنز رسائل البريد الإلكتروني المخترقة إلى موقع Wikileaks الذي يقوده جوليان أسانج، والذي أصبح موقعه المنصة الرئيسة التي يستعرض عبرها الروس رسائل البريد الإلكتروني.
وفي 22 يوليو/تموز 2016، قبل ثلاثة أيام من بدء المؤتمر الوطني الديمقراطي، نشر الموقع أرشيف رسائل البريد الإلكتروني الخاصة باللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي، الذي يضم أكثر من 20 ألف رسالة بريدٍ إلكتروني ووثائق أخرى حصلت عليها مديرية المخابرات الرئيسية الروسية، وفقاً للاتهامات.
وتُظهر الاتهامات أيضاً العملية الشرسة، المفتقرة نوعاً ما إلى المهارة التي استخدم فيها المخترقون خوادم الحواسيب نفسها في غسيل الأموال، بواسطة العملة الإلكترونية بيتكوين، كما فعلوا من أجل استدراج ضحاياهم ومن أجل تسجيل المواقع المستخدمة في عملية الاختراق.
وبالإضافة إلى ذلك، سرق الروس معلوماتٍ تخص خمسمئة ألف ناخب، تضمَّنت أسماءهم وعناوينهم وأجزاء من أرقام الضمان الاجتماعي وتواريخ الميلاد وأرقام رخص القيادة، بحسب قرار الاتهام.