لماذا حاول راهبان مصريان الانتحار بالدير الذي شهد اغتيال الأنبا إبيفانيوس؟ “لعنة” أصابت دير النطرون الذي عارض قيادة الكنيسة، وهذا سرّها

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/10 الساعة 17:29 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/12 الساعة 08:10 بتوقيت غرينتش

"حاول قطع شرايينه، وحين فشل، قاد سيارته، وذهب إلى عيادة دير النطرون، وصعد لأعلاها وقفز من الدور الرابع".

بهذه الكلمات تروي تحقيقات النيابة المصرية قصة محاولة انتحار الراهب فلتاؤس المقاري، بدير الأنبا مقار في منطقة وادي النطرون بمصر يوم الإثنين 6 أغسطس/آب 2018.

ولكن لم تكن هذه محاولة الانتحار الوحيدة في الدير، فالراهب أشعياء المقاري، حاول الانتحار في الدير واليوم ذاته.

حيث قالت تحقيقات نيابة وادي النطرون إن أشعياء المقاري، الراهب المُجرد من الرهبنة، حاول الانتحار عن طريق تناول السم في الدير.

لا تأتي الحوادث فرادى، فمحاولتا الانتحار جاءتا بعد حادث قتل غامض وقع في الدير ذاته راح ضحيته الأنبا إبيفانيوس رئيس الدير الذي وقعت فيه هذه الأحداث المتلاحقة.

تتابع هذه الحوادث الغريبة دفع البعض للربط بينها، بما في ذلك تقارير إعلامية ألمحت لوجود علاقة بين انتحار المقاري وقتل الأنبا إبيفانيوس، وهي العلاقة التي سرعان ما نفتها مصادر قالت لاحقاً إنه لا علاقة لمحاولة انتحار الراهبين، بمقتل الأنبا إبيفانيوس.

أي مسيح الذي باعه هذا اليهوذا؟

"سمعنا إن واحد حاول ينتحر، طيب يهوذا حاول ينتحر بعد ما باع السيد المسيح"، هكذا علق البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية على واقعة محاولة انتحار الراهب فلتاؤس المقاري.
وأضاف: "كل مجتمع يظهر به يهوذا، ومن بين كل 12 شخصاً يظهر يهوذا".
هذا الغموض وأحياناً في الروايات المنسوبة لمصادر كنسية، وغياب رواية رسمية فتح المجال للعديد من الروايات الأخرى المشككة في الأمر برمته.

صراع كبير تشهده الكنسية المصرية بين الإصلاحيين والمحافظين
صراع كبير تشهده الكنسية المصرية بين الإصلاحيين والمحافظين

وعلم "عربي بوست" من مصادر مطلعة بمستشفى "الأنجلو أميركان" الذي يعالج به الراهب فلتاؤس المقاري، الذي حاول الانتحار يوم الإثنين 6 أغسطس/آب، أن الراهب بدأ يفيق من غيبوبته، وإن كانت حالته لا تسمح باستجوابه حتى الآن.

وكان التقرير الطبي المبدئي لحالة الراهب يشير إلى إصابته بقطع في شرايين يديه وكسور فى العمود الفقري والحوض، مما يوحي بأنه قفز من مكان مرتفع.

ماذا حدث قبل يوم واحد من محاولة الانتحار؟

"وائل سعد تواضروس" هذا هو الاسم الأصلي للراهب أشعياء المقاري الذي قررت الكنيسة أن يعود له بعد أن جرده البابا تواضروس الأحد 5 أغسطس/آب 2018 من رهبنته، حسبما كشف مصدر كنسي بدير الأنبا مقار في وادي النطرون بمحافظة البحيرة.

وفِي اليوم التالي، حاول الراهب أشعياء المقاري، الانتحار بالسُم.

وجاء فى نص بيان الكنيسة: "بعد التحقيق الرهباني، مع الراهب أشعياء المقاري بخصوص الاتهامات والتصرفات التي صدرت عنه والتي لا تليق بالسلوك الرهباني والحياة الديرية والالتزام بمبادئ ونذور الرهبنة من الفقر الاختياري والطاعة والعفة، قررنا تجريد الراهب المذكور وطرده من مجمع دير القديس العظيم مكاريوس الكبير بوادي النطرون (دير الأنبا مقار) وعودته إلى اسمه العلماني وائل سعد تواضروس وعدم انتسابه إلى الرهبنة مع حثه على التوبة وإصلاح حياته من أجل خلاصه وأبديته".

وهذا ما جعل البعض يربط بين انتحار أشعياء المقاري بالسُم وبين قتل الأنبا إبيفانيوس

التكهنات التي ربطت بين محاولة انتحار أشعياء المقاري وجريمة قتل الأنبا إبيفانيوس، جاءت بعد تم تسريب ورقة تتضمن قراراً بعزل الراهبين يعقوب المقاري (الذي يسيطر على دير لا تعترف به الكنيسة) والراهب أشعياء المقاري، والذي جاء بعد أيام من مقتل الأنبا إبيفانيوس مما أثار شكوك البعض باحتمالية تورّطهما بمقتله صباح الأحد 29 يوليو/تموز.

والأنبا المقتول إبيفانيوس كان قد أصدر عام 2015 بياناً رسمياً فيه قطع أي علاقة بين دير الأنبا مقار وبين الراهب يعقوب المقاري مع التحذير من أية معاملات مالية تتم معه.

ولكن الكنيسة وصفت خطاب تجريد الراهبين بغير الدقيق، خاصة وأنه خرج قبل أن يوقعه البابا ودون ختم الكنيسة.

وخرج المتحدث الرسمي باسم الكنيسة القبطية القس بولس حليم، موضحاً أن لجنة شؤون الرهبنة بالمجمع المقدس لم تصدر حتى الساعة أية قرارات تقضي بتجريد الراهبين من رتبهما الكهنوتية.

الكنيسة وصفت خطاب تجريد الراهبين بغير الدقيق وخرج قبل أن يوقعه البابا
الكنيسة وصفت خطاب تجريد الراهبين بغير الدقيق وخرج قبل أن يوقعه البابا

لم يكن تصريح المتحدث الرسمي واضحاً بدرجة كافية، فهو لم ينفِ الواقعة بوضوح.

وفي اليوم التالي مباشرة، أصدر البابا تواضروس خطاب تجريد إشعياء المقاري فقط بخط يده، لأن القرار كان يستلزم توقيع رئيس الدير الأنبا إبيفانيوس مثلما تنص قوانين الكنيسة، إلا أن قتله حال دون ذلك، فكتب البابا الخطاب بيده وأتاحته الكنيسة للصحافة والرأي العام.

أما يعقوب المقاري فإن محاولات الساعات الأخيرة التي أجريت معه، أسفرت عن التوصل لاتفاق بخضوع الراهب إلى الكنيسة وتسجيل ممتلكات الدير باسم البابا تواضروس الثاني، وأن يشرف على الدير الأنبا متاؤس رئيس دير السريان بوادي النطرون، تمهيداً للاعتراف بالدير، حسب ما ذكرته صحيفة الوطن المصرية.

ولكن يوم الإثنين 6 أغسطس/آب 2018 ، كان حافلاً بشكل استثنائي في هذا الدير.

إذ أقدم راهب آخر على محاولة الانتحار أيضاً.

وهناك أيضاً عداء بين الراهب فلتاؤس المقاري والأنبا المغدور

كان الراهب فلتاؤس المقاري أحد المعارضين لرئيس الدير المقتول الأنبا إبيفانيوس.

هذا ما قاله مصدر كنسي لصحيفة الوطن المصرية، رغم النفي اللاحق الذي نشرته صحيفة "المصري اليوم" على لسان مصدر بشأن وجود علاقة بين محاولة الانتحار والاغتيال.

ولكن من المؤكد أن هناك علاقة تربط الراهبين اللذين حاولا الانتحار، فالراهب فلتاؤس المقاري شارك ضمن حملة توقيعات قام بها زميله إشعياء المقاري، بعد أن صدر قرار بتجريد الأخير من الرهبنة، ونقله لدير آخر في فبراير/شباط 2018، تطالب البابا تواضروس بمنحه فرصة ثانية لتعديل سلوكه، وبالفعل تراجع البابا آنذاك عن قرار نقله من الدير، قبل أن يصدر قرار تجريده وطرده الأخير قبل محاولة انتحاره بيوم واحد.

قاد السيارة بعد أن قطع شرايينه.. لكن هناك من يشكك في رواية الانتحار برمتها

هل سمعت من قبل عن راهب انتحر؟ بهذا السؤال الموحي بالشكوك في الرواية الرسمية، رد أحد أقارب الراهب فلتاؤس المقاري على تساؤلات "عربي بوست" عن ملابسات القضية.

روايات عديدة انتشرت بعد محاولة انتحار الراهبين
روايات عديدة انتشرت بعد محاولة انتحار الراهبين

فالكثير من أصدقاء الراهب المقاري في الدير وجيرانه يؤكدون أن الرجل لم يكن يعاني يوماً اكتئاباً أو أعراضاً انتحارية، فضلاً عن أن انتحار راهب أمر غير معتاد مطلقاً.

وقال قريب الراهب، الذي طلب عدم ذكر اسمه، لـ"عربي بوست"، إن البيانات الرسمية تقول إنه حاول قطع شرايينه، ثم حين فشل، قاد سيارته، وذهب الى عيادة الدير، وصعد لأعلاها وقفز منها، "لو اللي بيتكلم مجنون فالمستمع عاقل"، يقولها ساخراً باللهجة المصرية .

وتساءل: "كيف قطع شرايينه، ثم قاد سيارته؟! ثم لماذا يذهب للعياده لإنقاذ نفسه، إذا كان قد قرر أن ينهي حياته كما يزعمون؟! والأهم كيف استطاع أن يقود سيارته وهو بهذه الحالة؟!".

لا يملك الجرأة لفعل ذلك، فقط هم يريدون تحميله المسؤولية

كانت شقيقته الوحيدة، مارينا، أكدت لموقع "مصراوي"، أن آخر اتصال دار بينها وبين أخيها كان مساء الليلة السابقة لمحاولة انتحاره.

وقالت إنها لم تلحظَ عليه خلالها أي شيء غريب، سألها عن أحوالها وأحوال زوجها وأبنائهما، وكعادته منذ حادث مقتل الأنبا إبيفانيوس، رئيس الدير، طلب منها أن تصلي لهم ليرفع الله هذه الغمة عن الدير، حسب قولها.

وقالت إن ريمون رسمي منصور، الاسم العلماني للراهب، "شخصية تخاف، لا يملك جرأة فعل ذلك في نفسه، فهو لا يحب العنف في أي شيء، ودائماً يبدي المحبة في أحاديثه".

أما قريبه فيقول بكثير من الثقة لـ"عربي بوست"، إن "الموضوع واضح جداً، الأرجح والأكثر منطقية هو أنهم يريدون أن يحمّلوه مسؤولية كل شيء".

والمفارقة أن هذا الدير الذي شهد كل هذه الجرائم لديه مشكلة قديمة مع قيادة الكنيسة

ودير الأنبا مقار في منطقة وادي النطرون هو معقل لتيار معارض لقيادة البابا شنودة الثالث البطريرك الراحل للكنيسة المصرية الأرثوذكسية، حسب مطلعين على شؤون الكنيسة.

وشهد دير الأنبا مقار في منطقة وادي النطرون صراعاً كبيراً دار خلال النصف الثاني من القرن العشرين، بين مدرستين مهمتين في الحياة الدينية المسيحية، وهو الصراع الشهير بين الأب "متى المسكين" الراهب، وتلميذه البابا شنودة حبر الكنيسة القبطية المصرية السابق.

وقد كان الأسقف المقتول أحد تلامذة الأب "متى" ورئيس الدير الذي كان يقيم به، أي إن الجريمة وقعت بأحد معاقل المعارضة داخل الكنسية لعقود.

لكن هناك قصة أخرى بدأت تنتشر تزعم أنه حاول الانتحار خشية الفضيحة

على جانب آخر، بدأت قصة ثانية تنتشر في الأوساط القبطية، وهي قصة يبدو أن جهات الشرطة المصرية تتبناها، ولكن لا تريد الإفصاح عنها رسمياً؛ لعدم إحراج الكنيسة.

فحسب مصدر أمني مصري، فإن محاولة الانتحار خلفها "فضيحة جنسية"، حيث إن الراهب فلتاؤس المقاري كانت تجمعه "علاقة جنسية شاذة مع أحد الرهبان"، وفقاً للمصدر، وأنه عندما استحوذ الأمن على الدير وصادَر جميع الهواتف والحواسيب المحمولة كإجراء احترازي لزوم التحريات، اكتشف أن هاتف الراهب يحمل مقاطع فيديو له مع راهب آخر؛ وهو ما دفعه للانتحار؛ خشية الفضيحة، حسب المصدر.

غير أن البعض يعتبر هذه الرواية المشينة مدبرة لهدف آخر

"البعض يريد تشتيت الأنظار عن الحقيقة"، هكذا علق مينا واصف، المحامي القبطي والمهتم بشؤون الكنيسة، على الرواية التي تروج للفضيحة الجنسية.

وقال: "يريدون لنا أن ننشغل في حواديت (حكايات) جنسية، أو يريدون إقناعنا بأن جريمة القتل حدثت من داخلنا، وأن الأمن والدولة غير مسؤولين عن أي شيء، وهذا في نظري هراء".
وأضاف مينا واصف: "أنا لا أميل إلى تصديق تلك الرواية.. نعم، حدثت من قبلُ وقائع مشابهة في أديرة مختلفة حول العالم، لكنها تبقى حالات فردية ولا يجوز تعميمها أو اعتبارها قاعدة للأشياء، في ظني أن تلك الرواية أقرب ما تكون لقنابل الدخان"، حسب تعبيره.

وقال: "هناك مَن قتل الأنبا أبفانيوس، ويريد الآن أن يغتال راهباً آخر ويصمه بعار الشذوذ"، مضيفاً أن الأمن يجب أن يبحث عن هذا السؤال: "من هو الجاني؟ ومن وراءه؟"، لا أن يرتكن إلى قصة تافهة مثل هذه.

 

اقرأ أيضاً:

في الدير نفسه الذي شهد مقتل قسٍّ بظروف غامضة.. راهب مصري يقطع شريانه ويرمي بنفسه من أعلى مبنى

 

تفاصيل جديدة تكشفها ورقة مسرَّبة من الدير الذي قُتل فيه الأنبا المصري.. فيها اسمان أحدهما تشير إليه أصابع الاتهام كثيراً

 

علامات:
تحميل المزيد