ترمب قدّم عرضاً «متهوراً» للقاء روحاني دون شروط، لكن الإيرانيين لم يستغلوا الفرصة.. الآن أمامهم حل واحد!

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/09 الساعة 19:16 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/09 الساعة 19:21 بتوقيت غرينتش

استعرضت صحيفة The Washington Post الأميركية موقف الحكومة الإيرانية من دعوة الرئيس الأميركي، لعقد لقاء بين روحاني وترمب في ظل التصعيد الحالي.

وقال الكاتب الصحافي ماكس بوت، وهو مؤرِّخ وكاتب عمود بصحيفة The New York Times الأميركية، مستعرضاً الأزمة في مقاله: "كتبت مؤخراً أن قادة إيران أذكى من الرئيس الأميركي دونالد ترمب. ولكن بَدَأَت الآن تراودني أفكار أخرى".

فإذا كانوا على درجة الفطنة نفسها التي ظننتها، لم يكونوا ليرفضوا العرض المتهور الذي قدمه الرئيس الأميركي من أجل لقاء بين روحاني وترمب من دون شروط مسبقة، وكالمعتاد من دون إعداد.

ليس هناك طريقة لرفع العقوبات عن إيران إلا من خلال لقاء بين روحاني وترمب

يصر الرئيس الإيراني، حسن روحاني، على أن العقوبات التي بدأت الولايات المتحدة فرضها هذا الأسبوع ينبغي رفعها قبل عقد المحادثات.

غير أنه ليس هناك طريقة أمام إيران لتهدئة ضغط الولايات المتحدة أفضل من عقد لقاء بين روحاني وترمب من  بين البلدين.

وإذا كان أي اجتماع مع روحاني سيسير على نفس نمط اجتماعات ترمب بالزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون وبرئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر

فسوف يدخل الاجتماعَ روحاني وهو ينفث النار والكبريت وسيخرج هامساً بأشياء لطيفة من دون الحصول على كثير من الأشياء فيما عدا صورة تذكارية. وإنه، من أجل الإنصاف، أكثر شيء يكترث له ترمب.

لكن في الحقيقة ترمب رجل مخادع وربما لن يلتزم بمقررات القمة

وتكمن المفارقة مع ترمب في أنه رجل خبير في الخداع، ولكن يسهل خداعه أيضاً.

إذ يمكنه أن يخدع أتباعه السذج لتصديق الأمور الأكثر أسطورية ولا منطقية، فمثلاً يقنعهم بأن تحقيقات المحقق الخاص، التي يقودها بطل حرب جمهوري، هي "خدعة مطاردة ساحرات".

ولكن بمجرد أن تتأهب لاستنتاج أن ترمب أستاذ في الخداع، من السهل أن ترى كيف يتمكن محاوروه من خداعه.

فلتنظروا إلى اجتماع ترمب مع يونكر في 25 يوليو/تموز 2018،

على الرغم من شنِّه حرباً تجارية على الاتحاد الأوروبي، الذي وصفه بـ"خصم" الولايات المتحدة، قَبِل ترمب قُبلة ودٍّ من رئيس المفوضية الأوروبية

وغرَّد قائلاً: "من الواضح أن الاتحاد الأوروبي ممثلاً عنه يونكر، والولايات المتحدة ممثلاً عنها سيادتكم (إشارة إلى شخص ترمب)، يحب أحدهما الآخر!"، جعل ترمب الاجتماع يبدو كما لو أنه حمل "اتفاقاً كبيراً

حيث قدم الاتحاد الأوروبي تنازلات كبيرة.

اتضح الأمر لاحقاً أن ترمب كان الطرف الذي قدَّم تنازلات كبيرة ليمتنع عن تهديداته بفرض رسوم جمركية على السيارات، بينما استمرت المحادثات.

كان تباهي ترمب أمام حشد في ولاية إيوا، حيث قال: "لقد فتحنا للتو أوروبا أمامكم أيها الفلاحون"، فارغاً مثل سهول وسط غربي الولايات المتحدة.

فقد "وافق" الأوروبيون بكل بساطة على فعل ما كانوا يفعلونه بالفعل: شراء مزيد من فول الصويا الأميركي والغاز الطبيعي المسال.

زادت الواردات الأوروبية من فول الصويا الأميركي 280%،  في يوليو/تموز 2018، مقارنة بيوليو/تموز 2017، لكنه لا يزال غير كافٍ لتعويض خسائر المبيعات الأميركية من فول الصويا إلى الصين نتيجة للحرب التجارية التي يشنها ترمب عليها.

ونظراً إلى أن اجتماع ترمب ويونكر عُقد في أواخر يوليو/تموز 2018، كان "اتفاقهم" على نفس درجة منطقية اتفاقهما بأن الشمس ينبغي أن تشرق في الصباح.  

لكن مفاوضات ترمب مع الاتحاد الأوروبي كانت ماهرة بصورة إيجابية مقارنة بتعامله الساذج مع كوريا الشمالية. في المقابل سعت اطراف لإقناع الطرفين بعقد لقاء بين روحاني وترمب

وهو ما تم في لقاء ترمب وكيم حيث كانت نتائج اللقاء عكس السياسات المتبعة بعد ذلك

وبعد إعطاء شرعية لنظام كيم البغيض والاتفاق على وقف التدريبات العسكرية الكورية الجنوبية-الأميركية،

عاد ترمب من سنغافورة في الثاني عشر من يونيو/حزيران 2018، معلناً عدم وجود "تهديد نووي من كوريا الشمالية بعد الآن".  

بيد أن الواقع يقول إن كيم لم يلتزم بأي شيء سوى "العمل نحو إتمام نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية".

ولكن فقط بعد أن تعمل الولايات المتحدة مع كوريا الشمالية لـ"بناء نظام سلام مستقر ودائم في شبه الجزيرة الكورية".

يعني هذا لكيم أن الولايات المتحدة يجب عليها تخفيف العقوبات والوصول إلى معاهدة سلام يمكن أن تنبئ بانسحاب القوات الأميركية قبل تلبية النظر في أي عملية خفض للأنشطة النووية.

وفي غضون ذلك، تشير الأمم المتحدة والاستخبارات الأميركية إلى أن كوريا الشمالية تواصل التوسع في برامجها النووية والصاروخية.

بصرف النظر عن الإيقاف المؤقت للتجارب النووية والصاروخية، الذي يمكن التراجع عنه بسهولة، وتدمير موقع تجارب صاروخية قديم، ما الذي قدمه كيم؟

الرفات المفترض لـ55 جندياً أميركياً قُتلوا في الحرب الكورية، من إجمالي 5300 في كوريا الشمالية.

عبَّر ترمب بخداع عن امتنانه لكيم من أجل هذا القدر البسيط من التنازل ("لست مندهشاً من أنك فعلت هذا العمل الرحيم"). غير أن وزير الدفاع الأميركي.

جيمس ماتيس، اعترف قائلاً: "نحن لا نعرف ما الذي يوجد في هذه الصناديق".

عُرف عن كوريا الشمالية في الماضي أنها كانت تسلم عظام كلاب بدلاً من رفات البشر.

ويعترف مستشار الأمن القومي الأميركي، جون بولتون، بأن "كوريا الشمالية لم تتخذ خطوات… ضرورية لنزع السلاح النووي"، لكن ترمب لا يستسلم في هذه القضية.

وقال إنه "ليس هناك داع للعجلة". يشير ذلك إلى أنه يكرر سياسة "الصبر الاستراتيجي" للرئيس باراك أوباما، بعد إعلانه في الخريف الماضي أن "عهد الصبر الاستراتيجي قد انتهى".

إذ إن سياسة العقوبات "ذات أقصى قدر من الضغط" التي ينتهجها ترمب- صارت تمثل أدنى قدر من الضغط.

يشير وكلاء السفر الصينيون إلى زيادة الاهتمام بالسياحة في كوريا الشمالية

في حين تقبل روسيا بدخول آلاف من العمال الوافدين الكوريين الشماليين، الذين يشكلون مصادر رئيسية للإيرادات من أجل نظام يعاني أزمة نقدية.

وفي ظل سجلّ ترمب الذي يجعله مفاوضاً سيئاً

يجب أن يحبس السعوديون والإسرائيليون أنفاسهم، آملين ألا تقدِّم طهران فرصة له ليتخلي عن وعوده لهما في أي قمة تُعقد بينه وبين روحاني.

سوف يكون ترمب متلهفاً لإيجاد طريق فرعي بمجرد أن يدرك أن العقوبات الأميركية الأحادية لن تطيح -على الأرجح- بملالي إيران ولن تجبرهم على تقديم تنازلات كبيرة.

ويمكن أن يوافق بكل سهولة على اتفاق نووي أقل صرامة من الآخر الذي مزَّقه بيديه

والذي ينص على أن تتخلى إيران عن 97% من موادها الانشطارية- في حين سيعلن أنها "صفقة القرن"؛ لأنه هو من تفاوض للوصول إليها.

لذا، فإن الإيرانيين سوف يبدون حمقى إذا لم يعطوا ترمب فرصة ليجعل من نفسه أضحوكة.

الإدارة الأميركية تعمل الآن على إرساء استراتيجية جديدة مع طهران

من جانبه، قال لورانس هاس، وهو زميلٌ أقدم بمجلس السياسة الخارجية الأميركية، في مقال له تحت عنوان: "هل تستطيع إيران الصبر حتى انقضاء حملة الضغط التي يمارسها ترمب؟"، في مجلة The National Interest الأميركية، إن السياسة الأميركية الخارجية تجاه إيران تقترب مِن لحظةٍ "جديدة قديمة".

وقال لورانس هاس إن الإدارة الأميركية تعمل الآن على إرساء استراتيجية من 3 أجزاء على الأقل:

أولاً، الضغط الاقتصادي: ستبدأ واشنطن إعادة فرض العقوبات الاقتصادية على إيران في مطلع أغسطس/آب 2018،

ما سيضطر كبرى الشركات العالمية إلى اتِّخاذ قرار بشأن ما إن كانت تريد الاستثمار في إيران أم الحفاظ على منفذها إلى النظام المالي الأميركي.

ولا يبدو أنَّ محاولات طهران التخفيف من وقع العقوبات الآتية تلقى نجاحاً.

فعلى سبيل المثال، أفادت وزارة الخارجية الأميركية بأنَّ أكثر من 50 شركة عالمية أعلنت بالفعل خططاً لمغادرة إيران.

بالإضافة لذلك، انخفضت قيمة الريال الإيراني بمستويات قياسية مقابل الدولار الأميركي في الأيام الأخيرة، وخسر الريال نصف قيمته منذ شهر أبريل/نيسان 2018 حتى الآن.

مع ذلك، فإنَّ الوضع قد يزداد سوءاً بالنسبة للشعب الإيراني الذي عانى طويلاً على الرغم من أن هناك مساعي لعقد لقاء بين روحاني وترمب

إذ أفادت تقارير بأنَّ المسؤولين الإيرانيين يخوضون محادثاتٍ حول ما إذا كانوا سيعيدون فرض نظام حصص الطعام الذي كان معمولاً به في أثناء الحرب الإيرانية-العراقية في ثمانينيات القرن الماضي.

ثانياً، التواصل: كان أوباما في أثناء سعيه للتوصُّل إلى اتفاقيةٍ نووية حريصاً على عدم إثارة غضب النظام الإيراني بالتودُّد لشعب إيران.

 لكنَّ فريق ترمب، في المقابل، يرى أنَّ مثل هذا الانخراط نقطة ضغطٍ أخرى يمكن استغلالها ضد النظام الإيراني. لكن في الوقت نفسه دعا إلى عقد لقاء بين روحاني وترمب

وقال بومبيو في أواخر شهر يوليو/تموز 2018: "في حين أنَّ الشعب الإيراني هو الجهة المنوط بها في نهاية المطاف تحديد مسار البلاد،

فإنَّ الولايات المتحدة، انطلاقاً من حُريَّاتنا، ستُسانِد صوت الشعب الإيراني الذي جرى تجاهله طويلاً".

ثالثاً، تعزيز الأمن: توطِّد واشنطن علاقاتها بخصوم إيران الإقليميين

إذ تجري محادثاتٍ بشأن تكوين "ناتو عربي"، يُطلَق عليه مبدئياً اسم "تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي (MESA)"، ويضم السعودية والأردن ومصر ودولاً أخرى، ويحظى بدعمٍ من الولايات المتحدة.

ومثلما ثبُتَت أهمية حلف شمال الأطلسي (الناتو) باعتباره أداةً رئيسية في احتواء السوفييت خلال الحرب الباردة، فإنَّ "تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي"

بدوره سيُساعِد على احتواء إيران، التي تتحكَّم -إما مباشرةً وإما من خلال وكلاء- بدرجة كبيرة في حكومات سوريا والعراق ولبنان واليمن.

ووصف متحدثٌ باسم مجلس الأمن القومي الأميركي التحالف المُنتظَر ذاك بأنَّه سيكون "سداً منيعاً في وجه العدوانية الإيرانية، والإرهاب، والتطرُّف" من شأنه "أن يُرسي الاستقرار في الشرق الأوسط".