ربما تبدو إيران متماسكة بعد العقوبات، لكن واقعها الداخلي صادم.. حتى الزبادي لم يعُد بمتناول البعض، والانفجار الشعبي يُخيفها

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/08 الساعة 12:43 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/08 الساعة 12:46 بتوقيت غرينتش
Iranian President Hassan Rouhani addresses the Innovation and Industry Forum during an official visit in Bern, Switzerland, July 3, 2018. REUTERS/Denis Balibouse

اعتادت أسواق طهران البلدية أن تشتهر بطوابيرها الطويلة، إذ يصطف المتسوقون لشراء اللحوم والخضراوات والفاكهة بالجملة بأسعار مُخفَّضة. لكن الزبائن بدأت تقل كثيراً الآن، بحسب صحيفة The Financial Times البريطانية.

ويختار أولئك الذين يشترون البضائع بحرصٍ ما يكفيهم لتلبية احتياجاتهم اليومية فقط، إذ أصبح ارتفاع الأسعار يعني معاناة الأسر محدودة الدخل لتلبية احتياجاتها.

وقالت سيدة إيرانية متوسطة العمر، بينما كانت تدفع ثمن الخس والملفوف: "لعن الله هذا النظام وحكامه الفسدة. أرسلوا أطفالهم إلى الولايات المتحدة وكندا فيما جعلونا أكثر فقراً يوماً بعد يوم".

غضب متصاعد على الحكومة

أصبحت مثل هذه الشكاوى شائعة في إيران، الأمر الذي يُسلِّط الضوء على الضغوط الداخلية الحادة الآخذة في التراكم على القيادة فيما تفرض الولايات المتحدة عقوبات جديدة على الجمهورية الإسلامية. ودخلت الإجراءات التي تستهدف السيارات، والذهب، وتجارة المعادن الأخرى، وقدرة الحكومة على شراء الدولار الأميركي حيز التنفيذ، أمس الثلاثاء 7 أغسطس/آب.

وفاقم قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب في مايو/أيار الماضي بالانسحاب من الاتفاق النووي الذي وقَّعه طهران مع القوى العالمية الهبوط في قيمة الريال. وفقدت العملة أكثر من نصف قيمتها مقابل الدولار الأميركي في السوق غير الرسمية هذا العام. ووفقاً لأرقام رسمية، زادت أسعار المواد الغذائية مثل الفاكهة والخضراوات بما يصل إلى 50% منذ بداية 2018، الأمر الذي يضيف المزيد إلى الغضب المتصاعد الذي يشعر به الكثير من الإيرانيين تجاه القادة الذين يُحمِّلونهم مسؤولية سوء الإدارة الاقتصادية والفساد.

ويقول محللون إنَّ حالة الانفصال بين الشعب والنظام لم تكن أوسع نطاقاً منذ الثورة الإسلامية 1979 كما هي الآن. وتعرَّضت إيران لاحتجاجاتٍ متفرقة في أنحاء البلاد منذ خرج الآلاف إلى الشوارع نهاية العام الماضي ومطلع العام الحالي. كانت معظم التظاهرات صغيرة واندلعت على خلفية مجموعة من القضايا، التي تتراوح من نقص المياه إلى البطالة. لكنَّها صُبِغَت في مناسبات كثيرة بنبرة مناهضة للنظام.

النظام قلق من التحديات الداخلية

وأضافت تلك الاحتجاجات المزيد إلى  مخاوف الساسة الإيرانيين الذين ينظرون إلى العقوبات الأميركية باعتبارها جزءاً من مؤامرة لمفاقمة الغضب الشعبي عن طريق الضغط على الجمهورية مالياً إلى الحد الذي ينتفض عنده الإيرانيون على قادتهم.

واعترف قائد الحرس الثوري مؤخراً بأنَّ النظام قلق من التحديات الداخلية أكثر من التهديدات العسكرية الخارجية. وقال اللواء محمد علي جعفري إنَّ طهران يمكنها الرد على تلك الأخيرة، "لكن نقاط الضعف والتهديدات المحلية أكثر خطورة".

يرتبط أحد الأسباب الرئيسية للغضب الشعبي بمزاعم الفساد داخل النظام ونخبة الأعمال المرتبطة بالسياسة. واتهم الساسة الإصلاحيون والمتشددون العالقون في صراعٍ شديد على السلطة بعضهم بعضاً بالغش وسوء الإدارة.

كما أضافت أزمة العملة مزيداً إلى المخاوف المتعلقة بالفساد، وذلك مع ظهور مزاعم تفيد بأنَّ بعض رجال الأعمال تربَّحوا على نحوٍ غير شرعي من الضوابط الحكومية على العملة بعد الحصول على يوروهات بأسعار صرف مدعومة لاستيراد البضائع.

وقالت السلطة القضائية الشهر الماضي يوليو/تموز إنَّها ألقت القبض على عدة رجال أعمال على صلة بالكسب غير المشروع المزعوم الذي يتضمَّن سيارات وهواتف ذكية مستوردة. وفي إحدى القضايا، قالت إنَّه جرى استيراد أكثر من 10 آلاف هاتف بأسعار منخفضة من جانب "شخص ميت" لتُباع بأسعار أعلى في السوق المفتوحة.

أثارت مثلك تلك الادعاءات الإيرانيين العاديين الذين لا يعانون فقط من الأسعار الآخذة في الارتفاع، بل وكذلك من ندرة المياه وانقطاعات الكهرباء في هذا الصيف الحار.

فقال علي (61 عاماً)، وهو عضو سابق في الحرس الثوري بمدينة آمُل: "الفساد مرتفع للغاية لدرجة أنَّه تغلغل في كل مكان. لِمَ علينا أن نكابد مع القضايا اليومية ونخاطر بحياتنا كي نملأ جيوب الفسدة؟".

وأقال الرئيس حسن روحاني، الشهر الماضي، محافظ البنك المركزي الذي حُمِّل مسؤولية سوء إدارة الأزمة؛ وذلك في ظل رغبة الرئيس في إظهار أنَّ حكومته تتحرك. ويوم الأحد الماضي 5 أغسطس/آب، قالت الحكومة إنَّها ستُخفِّف قواعد صرف العملات الأجنبية وتعيد فتح أسواق العملة.

الاحتجاجات يخشاها النظام الإيراني

لكن من المتوقع أن يتدهور الوضع الاقتصادي أكثر حين تفرض الولايات المتحدة عقوبات على صادرات النفط الإيرانية، التي تُعَد المصدر الحيوي لدخل الحكومة، وعلى المعاملات مع البنك المركزي الإيراني في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

وبالفعل يُخزِّن الإيرانيون الأكثر ثراءً السلع الأساسية ويشترون قدراً كبيراً من الأصول كالسيارات والذهب في محاولة لحماية قيمة مدخراتهم. لكن لا وسيلة لدى الفقراء ليحذو حذوهم، ويعتبرون أنفسهم ضحايا نظامٍ جائر.

قال علي (19 عاماً)، وهو عامل بمتجر للخضراوات في منطقة شمال طهران الموسرة: "إن رأيتُ محتجين في الشوارع، سأنضم إليهم. أنا أعمل من الساعة الثامنة صباحاً حتى الثانية عشر منتصف الليل يومياً حتى أجني مليون تومان (227 دولاراً) شهرياً. لكنَّ مالك المتجر يحصل على 90 مليون تومان (20.4 ألف دولار تقريباً) من الإيجار دون أن يعمل. لماذا هذا؟ هل هذا نظامٌ عادل؟".

وتُعَد أي تظاهرات لذوي الرواتب الأدنى مُحرِجة جداً لحكام إيران المنتمين لطبقة رجال الدين، الذين وصفوا ثورة 1979 "ثورة المستضعفين" ضد أسرة بهلوي التي اتُّهِمَت بخلق نخبة ثرية على حساب العامة.

يقول أصحاب المتاجر في أسواق طهران البلدية إنَّهم بالفعل يلحظون تأثير ارتفاع الأسعار في ظل تراجع مبيعاتهم بمقدار النصف.

فقال صاحب متجر في أحد أحياء الطبقة المتوسطة الدنيا: "في السابق، الناس الذين لا يمكنهم تحمُّل تكلفة أكل اللحوم كانوا على الأقل يشترون الخبز والزبادي. لكن الآن حتى الزبادي لم تعد في متناول بعض الأسر".


اقرأ أيضاً

صحيح أن احتجاجات إيران زادت بسبب عقوبات أميركا.. لكن ثلاث دول ستُنقذ طهران من أزمتها وتمنع نشوب حرب أهلية

هروب الأموال من طهران.. نحو 100 شركة تنوي مغادرة إيران بعد العقوبات الأميركية

بدأت اللحظات الصعبة على طهران.. عقوبات أميركا عليها تدخل حيز التنفيذ، لكن هناك نقاط ضعف مهمة لصالح إيران

 

تحميل المزيد