صحيح أن احتجاجات إيران زادت بسبب عقوبات أميركا.. لكن ثلاث دول ستُنقذ طهران من أزمتها وتمنع نشوب حرب أهلية

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/07 الساعة 18:28 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/07 الساعة 18:30 بتوقيت غرينتش

من الواقع ووفقا لتطورات الوضع هناك، فإن احتجاجات إيران زادت بسبب عقوبات أميركا، لكن هناك ثلاث دول ستُنقذ إيران من أزمتها وتمنع نشوب حرب أهلية

مؤخراً، فرضت الولايات المتحدة الأميركية عقوبات اقتصادية جديدة على إيران، وهو ما زاد من احتجاجات إيران التي من شأنها أن تعمِّق الأزمة الاقتصادية والسياسية، التي تعيش على وقعها البلاد.

ورصدت صحيفة Die Welt الألمانية ، تزامن العقوبات الأميركية في الوقت الراهن، مع تزايد احتجاجات إيران وانتفاضة العمال في وجه الحكومة الإيرانية، التي تخشى من أن ينضمّ الطلبة إلى صفوف المحتجين، خاصة أن الشعب الإيراني بلغ درجة غير مسبوقة من الاحتقان والإحباط.

من جانبها، تطرَّقت الفنانة الإيرانية، بارستو فوروهار، إلى قصص توثق مأساة الشعب الإيراني. ففي إحدى المدن الصغيرة، خرج الخبازون إلى الشارع احتجاجاً على انقطاع التيار الكهربائي، نظراً لأن ذلك عرقلهم عن مواصلة عملهم.

العقوبات الأميركية زادت من احتجاجات إيران

ولعل أكثر الفئات التي تثير الشفقة، رجال عاجزون عن مواصلة شراء دواء العلاج الكيميائي لأمهاتهم، اللاتي يعانين من السرطان. وفي هذه الحالة، لن تتوقف الخلايا السرطانية عن النمو.

ومن بين الأشخاص، الذين يمرّون بمأساة حقيقية، امرأة وحيدة، يهددها صاحب المنزل بالطرد نظراً لأنها لم تتمكن منذ أشهر من تسديد إيجار الكراء.

 وعلى الرغم من أن هذه المرأة تملك متجراً صغيراً، إلا أن ما تجنيه من أموال لا يكفي لتسديد إيجار الكراء.

في ظل هذه الظروف القاسية، ومع زيادة احتجاجات إيران يجب على هذه المرأة المسكينة أن تنتظر أن ينهي ابنها الصغير دراسته، ليتمكّن من بيع دراجته وهاتفه في السوق السوداء، وبالتالي يتسنى له دفع الإيجار. وعندما علم الابن بما حصل لأمه، قرَّر وضع حدٍّ لحياته.

تُسلط مثل هذه القصص الضوءَ على الوضع الراهن في إيران. وفي هذا الصدد، أوردت الفنانة الإيرانية فوروهار أن "الأزمة الحالية دمَّرت كرامة الإيرانيين، في حين فقد الشعب الإيراني ثقته وأمله في حدوث تغيير بشكل غير مسبوق وهو ما زاد من احتجاجات إيران".

 ومن المنتظر أن تزداد الأوضاع سوءاً

اليوم، سيدخل جزء من العقوبات الاقتصادية، التي فرضتها الحكومة الأميركية منذ تنصيبها، حيز التنفيذ. وخلال الأيام السابقة، أصدر الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، قراراً يقضي بتفعيل العقوبات الاقتصادية.

 في مرحلة أولى، تشمل العقوبات الاقتصادية المعاملات بالدولار الأميركي وقطاع السيارات، علاوة على تصدير المعادن والمنتجات الفلاحية والسجاد. وفي مرحلة ثانية، ستشمل العقوبات في شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل قطاع النفط الحيوي.

في الوقت الحاضر، يعيش الاقتصاد الإيراني وضعاً كارثياً. تزايد معه احتجاجات إيران، فخلال السنة الماضية، فقد الريال الإيراني أكثر من 80% من قيمته في الأسواق المالية مقارنة بالدولار الأميركي.

على ضوء هذه المعطيات، من المنتظر أن ترفع الحكومة الإيرانية أسعار المواد الغذائية، في الوقت الذي تبلغ فيه نسبة البطالة 13%، علماً أن ثلث الشباب الإيراني عاطلون عن العمل وبالتالي سوف يفاقم ذلك احتجاجات إيران.

منذ أشهر تعيش إيران على وقع سلسلة من الحركات الاحتجاجية؛ تنديداً بالوضع الاقتصادي البائس والسياسة الإيرانية.

وعلى الأرجح، ستعمِّق العقوبات الاقتصادية الأميركية الأزمة في بلد على وشك الانهيار وتدفع إلى المزيد من احتجاجات إيران

 في هذا الصدد، أفادت الفنانة الإيرانية فوروهار، أن "ما يميز الاحتجاجات الراهنة هو أنها ليست موجَّهة ضد التيار المحافظ داخل جهاز الدولة، بل إن الإيرانيين انتفضوا ضد الإصلاحيين الممسكين بزمام السلطة. اليوم، بات الأمر يتعلق بشرعية النظام".

تجدر الإشارة إلى أن والدَي هذه الفنانة داريوش وبارفانه كانا من أشهر المعارضين. وعلى خلفية ذلك، تعرَّض الاثنان للاغتيال في سنة 1998.

 وعلى الرغم من أن النظام الحاكم متورِّط في عملية الاغتيال هذه، إلا أن ذلك لم يثبت بعد. وتعيش فوروهار، الآن، في ألمانيا، لكنها تسافر باستمرار إلى إيران لتتصل بالمعارضين هناك.

ومع اقتراب السنة الدراسية من المتوقع انضمام الطلاب إلى التظاهرات

وصرَّحت فوروهار‎، أن "الاحتجاجات الحالية تعتبر عفوية ومندفعة بصورة كبيرة، حيث لا يمتلك المتظاهرون متحدثين باسمهم.

وربما يرجع ذلك إلى أن السلطة ألقت القبض على أبرز الشخصيات التي قد تقود تلك الاحتجاجات، وذلك منذ بداية موجة التظاهرات، في ديسمبر/كانون الأول من السنة الماضية. ومن بين تلك الشخصيات، الناشط في نقابة المعلمين، محمد حبيبي، وكذلك المحامية الناشطة في حقوق الإنسان، نسرين ستوده".

كما ألقت السلطات الأمنية في ذلك الوقت القبضَ على العديد من طلبة الجامعات. وحيال هذا الشأن، أوردت فوروهار، أن "هذه الممارسات دليل على أن السلطة تخشى اندلاع الاحتجاجات في الجامعات.

 وقريباً، ستنتهي عطلة الفصل الدراسي، ومن المحتمل أن تندلع المظاهرات في الجامعات مرة أخرى".

وفي الوقت الحالي، لا يوجد في الشوارع سوى العمال وبعض الأشخاص من الطبقة الوسطى. وأكدت فوروهار، أن "هؤلاء المواطنين شعروا بخيبة أمل كبيرة إزاء وعود حكومة روحاني".

ورغم كل ذلك فالغرب مخطئ بسبب عدم قدرته على التعامل مع توجهات روحاني المقبولة بخصوص الملف النووي

ويتبنَّى الرئيس الإيراني، حسن روحاني، الاتجاه المحافظ المعتدل. كما أنه صاحب الفضل في الاتفاق النووي، المهدد حالياً بالفشل.

وأثناء حملته الانتخابية سنة 2013، وعد روحاني الشعب الإيراني باتباع نهج معتدل في قضية استخدام الطاقة النووية، كما وعدهم أيضاً بتبنّي سياسة داخلية وخارجية أكثر اعتدالاً، بهدف إخراج البلاد من العزلة الدولية المفروضة عليها، والسير في طريق الازدهار من جديد.

وخلال السنة الماضية، أُعيد انتخاب روحاني مرةً أخرى بنسبة أصوات بلغت 62%، على الرغم من أن الوضع الاقتصادي لم يشهد أي تحسن ملموس.

وأكدت فوروهار، أن "روحاني أعيد انتخابه على خلفية وعوده بتغيير سياسة البلاد. ولكن من الواضح أنه سار على درب السياسة الإصلاحية للرئيس الأسبق محمد خاتمي، ولم يفعل شيئاً ملموساً في الواقع".

نتيجة لذلك، تعمّق استياء الإيرانيين بشكل أكبر. لقد أصيبت الطبقة المتوسطة والمثقفون الإيرانيون بخيبة أمل وإحباط، وخاصة أنهم مهّدوا الطريق لروحاني ليعتلي سدة الحكم.

وتعيش الطبقة الوسطى الإيرانية على الآثار المترتبة عن الحرب والعقوبات، والتلويح بالمزيد من الصراعات، وفشلت شرائح اجتماعية ضخمة في المشاركة بالإصلاح، ولكن "إيران وضعها يشبه بقية دول الشرق الأوسط" التي تعاني من عدم استقرار اقتصادي واجتماعي وسياسي.

وتُبدي الطبقات الوسطى في إيران ميولاً للتعبير عن ظروفها الاجتماعية والاقتصادية، والإفصاح عن آرائهم السياسية عبر شبكات التواصل الاجتماعي.

 وتحاول الحكومة الإيرانية تشديد عقوباتها على تلك الوسائل، التي تتيح للإيرانيين التواصلَ مع بعضهم البعض، وتوسيع مشاركتهم الثقافية، وتقليص عُزلتهم عن الخارج.

 في هذا الشأن، أقرَّت فوروهار: "لهذا السبب يعتبر هؤلاء المواطنون المكون الأساسي للاحتجاجات الحالية. وقد أخطأ الغرب حين وثقوا في كلمات روحاني المعسولة".

ما زال النظام الإيراني يتصدَّى للمظاهرات دون رحمة، لكن بعض السيناريوهات المرعبة التي توقعها النقاد نتيجة انسحاب ترمب من الاتفاق النووي، لم تحدث.

وسبق أن حذَّر الحرس الثوري الإيراني المشاركين في احتجاجات إيران في يناير/كانون الثاني 2018، من أنهم سيواجهون "قبضة من الحديد" للدولة في حالة استمرار الاضطرابات السياسية.

ويمثل الحرس الثوري قوةً عسكريةً كبيرةً ترتبط مباشرة مع المرشد الأعلى في البلاد علي خامنئي، ومهمته الرئيسية الحفاظ على النظام الإسلامي في البلاد. ويقول المراسلون: إن سيناريو تدخل الحرس الثوري رسمياً في التصدي للمظاهرات سيمثل تصعيداً خطيراً في البلاد.

 فعلى أرض الواقع، لم يبادر الحرس الثوري الإيراني المحافظ بتوسيع عملياته العسكرية في المناطق التي تستعِر فيها الحرب في منطقة الشرق الأوسط. وفي الوقت ذاته، لم تهدد الحكومة الإيرانية باستئناف برنامجها النووي.

وحتى الآن، يعد إحجام الحكومة الإيرانية عن اتخاذ خطوات متهورة بمثابة بارقة أمل بالنسبة للشعب الإيراني. في الأثناء، أعلنت الصين والهند وتركيا استعدادها التام لشراء النفط الإيراني.

 وخلال الأسبوع الماضي، ألمح الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، إلى استعداده للتحدث مع الإيرانيين مرة أخرى.

كان ترمب أعلن في مايو/أيار انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي المتعدد الأطراف، الذي أُبرم قبل توليه السلطة، وشجبه باعتباره منحازاً لإيران. وأبدى يوم الإثنين استعداده للقاء روحاني دون شروط مسبقة، لبحث كيفية تحسين العلاقات.

وقال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، إنه ينبغي للولايات المتحدة ألا تلوم إلا نفسها، لإنهائها المحادثات مع طهران عندما انسحبت من الاتفاق النووي.

وأضاف على تويتر: "لا يمكن للولايات المتحدة أن تلوم إلا نفسها لانسحابها وتركها لطاولة" المفاوضات.

وذكر المتحدث باسم الوزارة، أن عرض ترمب التفاوض مع طهران يتناقض مع أفعاله، حيث تفرض الولايات المتحدة عقوباتها على طهران.

 وقد يدفع انتشار احتجاجات إيران في كافة أنحاء البلاد، فضلاً عن بعض الأشخاص الموالين للنظام سابقاً، السلطةَ الإيرانية للعمل على الحيلولة دون تفاقم الوضع الاقتصادي للبلاد، من خلال فرض عزلة جديدة عليها.

من جانبها، أفادت فوروهار، أن "جمهور شبكات التواصل الاجتماعي يتناولون طريقة معالجة الحكومة للأزمات، حيث غالباً ما تتراجع في اللحظة الأخيرة، قبل أن تسقط في الهاوية".

وذكرت فوروهار، أن "المظاهرات قد نَشبت بالفعل قبل قرار ترمب. فمن الواضح أن درجة الفقر التي وصل إليها الشعب لا تحتاج إلى دوافع سياسية. لكن هذا الوضع قد يؤدي، في أسوأ الحالات، إلى حرب أهلية فوضوية".

في المقابل، قد يكون الضغط الذي تمارسه واشنطن على إيران إيجابياً، ورغم تزايد احتجاجات إيران حيث من شأنه أن يزيد من تأجيج النقد الموجّه للحكومة، على الرغم من أن النظام يعتبره نقداً عبثياً.