إيران تلجأ إلى “الوعود” التي حمت النظام 40 عاماً.. «المقاومة» والاكتفاء الذاتي والصين، أسلحة طهران لمواجهة ترمب

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/06 الساعة 20:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/06 الساعة 20:42 بتوقيت غرينتش

بموجب شروط الاتفاقية النووية المُبرَمة بين طهران والقوى الدولية عام 2015، وافقت الولايات المتحدة على تخفيف العقوبات المفروضة على إيران. لكن الآن بدأت إدارة ترمب بإعادتها من جديد؛ يوضح تقرير لصحيفة The Washington Post الأميركية، إذ أُعيد فرض أول دفعةٍ من العقوبات الاقتصادية على إيران الإثنين 6 أغسطس/آب 2018 .

وتستهدف هذه العقوبات مجموعة من القطاعات الاقتصادية، من بينها السيارات والذهب والصلب وغيرها من المعادن المهمة. وبعد 90 يوماً أخرى، من المقرَّر أن تدخل شريحة عقوبات أخرى أشد وطأةً على صناعة النفط الإيرانية حيز التنفيذ.

كما كان متوقَّعاً.. العقوبات الاقتصادية على إيران بدأت

كُل هذه التطوَّرات تُعَد أمراً واقعاً ومُنتظَر الحدوث منذ شهر مايو/أيار 2018، عندما قرر الرئيس ترمب التراجع رسمياً عن الالتزامات الأميركية بموجب الاتفاق النووي؛ إذ رفض الرئيس الأميركي تقييمات مراقبي الأمم المتَّحدة، الذين قالوا مراراً إنَّ إيران امتثلت لشروط الاتفاق الذي فرض قيوداً صارمة على نشاطاتها النووية. وتجاهل ترمب كذلك مناشدات العديد من الحلفاء الأوروبيين، الذين أرادوا الحِفاظ على الاتفاقية، التي رأوا فيها اتفاقاً ناجحاً تحقَّق بعد عناء لمَنع الانتشار النووي.

الآن، فتُرت الجهود الأوروبية الرامية إلى حماية الشركات الأوروبية التي ربما لا تزال راغبة في ممارسة الأعمال بإيران -ومن ثم المخاطرة بمخالفة العقوبات الأميركية- شيئاً فشيئاً. وقد يذكي فُرَص مواجهة تِلك الشركات "عقوباتٍ ثانوية" من جانب واشنطن التوتُّر الموجود بالفعل بين الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، ونتيجةً لذلك دَفَع هذا بعدة شركاتٍ أوروبية بارزة في مجال الطاقة لتقليص أو إنهاء نشاطها تماماً في إيران، برغم تعهُّد الدول الأوروبية باستمرارها في الالتزام بالاتفاقية بعد انسحاب الولايات المتَّحدة.

والمخاوف أُرجئت إلى "الشطر الثاني" من العقوبات

ومِن المرجَّح ظهور مزيد من التوتُّرات في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، عندما يُعاد فرض عقوباتٍ اقتصادية أميركية أخرى تهدُف إلى مَنع صفقات شراء النفط الإيراني، التي تُشكِّل العمود الفقري لاقتصاد إيران. وقد تدفع هذه الخطوة بإيران بدورها للانسحاب من الاتفاقية.

وفي تغريدة على موقع تويتر، قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف: "خاضت إيران والولايات المتحدة عامين من المحادثات. وبمعونة الاتحاد الأوروبي/الثلاثة الأوروبيين الكبار (فرنسا وألمانيا وإيطاليا) وروسيا والصين، توصَّلنا لاتفاقيةٍ فريدة متعدِّدة الأطراف، وهي خطة العمل الشاملة المشتركة أو JCPOA. كانت الاتفاقية ناجحة. على الولايات المتحدة ألا تلوم سوى نفسها على انسحابها من الاتفاقية ومغادرتها طاولة الحوار. لن تنجح التهديدات والعقوبات والحركات الاستعراضية. جرِّبوا الاحترام: احترام الإيرانيين واحترام الالتزامات الدولية".

وفي تلك الأثناء بإيران، تسبَّب احتمال عودة العقوبات الاقتصادية في هبوط قيمة العملة الإيرانية الريال. وحاول الرئيس الإيراني، حسن روحاني، التودُّد للمتشدِّدين في إيران، الذين هزأوا به قبلاً هو والصفقة النووية التي توسَّط لإتمامها. وفي عطلة الأسبوع الماضي، قال الجيش الإيراني إنَّه نفَّذ مناورات عسكرية في مضيق هرمز، وهو ممرٌّ بحري محوري لشحنات النفط الدولية.

ما جعل القيادة الإيرانية تعود إلى وعود "المقاومة" والاكتفاء الذاتي

قدَّمت الاتفاقية النووية لإيران مَنفذاً إلى الغرب بعد أعوام من التوتر والعُزلة الآخذة في الازدياد. لكنَّ في حين تُوصَد هذه النافِذة الآن، تعود القيادة الإيرانية ذات الطابع الديني بوعود "المقاومة" والاكتفاء الذاتي، تلك الوعود التي حرَّكت النظام نحو 40 عاماً. وهو دوران  إلى الوراء شجَّعه ترمب، الذي وصل للسلطة مُتعهِّداً بتفكيك الإنجاز الدبلوماسي الأهم في فترة سلفه باراك أوباما.

صرَّح فريد دهديلاني، مستشار الشؤون الدولية لدى هيئة الخصخصة الإيرانية، لوكالة أنباء فرانس برس: "كانت انتخابات الرئاسة الأميركية 2016 منذ البداية سحابة تُغيِّم على الاتفاقية النووية، وأدَّت في النهاية إلى أسوأ نتيجةٍ ممكنة".

إذ تعوّل إدارة ترمب على الضغط لإرغام طهران على التنازل

يعتقد مسؤولو إدارة ترمب ومراقبو الشأن الإيراني في واشنطن، أنَّ العقوبات الاقتصادية ستضغَط أكثر على الجمهورية الإسلامية وتُضعِف النظام الإيراني. وعلى مدار عطلة الأسبوع الفائتة، ابتهج ترمب بالتقارير عن اتساع الاحتجاجات الاقتصادية في إيران –دعم وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو المُحتجِّين هو الآخر- وربط المناخ السياسي المتدهور في طهران بقراره إعادة فرض العقوبات. يقول ترمب إنَّ كُل هذا الاضطراب الداخلي يُمثِّل أوراق ضغط إضافية سترغم إيران على التفاوض من أجل اتفاق نووي جديد.

وكتب دونالد ترمب في تغريدة على حسابه بـ"تويتر": "إيران واقتصادها في وضعٍ يزداد سوءاً، وبسرعة! سألتقيهم، أو لن ألتقيهم، هذا لا يهمّ. الأمر منوطٌ بهم!".

إلا أن أماني الرئيس الأميركي قد تخيب!

لكنَّ المحلِّلين ليسوا واثقين بما يقوله ترمب. فغرَّد كريم سجادبور، وهو خبيرٌ بالشأن الإيراني في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، قائلاً: "يشير ترمب إلى أنَّه أ) يؤجِّج الاستياء الشعبي في إيران لكنَّه، ب) مستعدٌ للتضحية بالمواطنين الإيرانيين في سبيل عقد صفقةٍ مع قيادييهم. الواقع أنَّ مطالبة الإيرانيين بالكرامة الاقتصادية/السياسية/الاجتماعية سبقَت تولِّي ترمب منصبه ذاك بوقتٍ طويل، ليس بإمكانه دعم تلك التطلُّعات ولا إخمادها".

بالإضافة لذلك، وبرغم المصاعب المتزايدة في وجه النظام الإيراني، فإنَّه ليس على وشك الانهيار؛ إذ يقول الخبراء إنَّ العقوبات الاقتصادية المُعاد فرضها أقل خنقاً من تلك التي كانت مفروضة قبل إبرام الاتفاقية النووية. وبينما قد يستجيب شركاء أميركا الأوروبيين على مضض للضغط من جانب البيت الأبيض، فإنَّ كبار مستوردي الطاقة الإيرانية، ومن بينهم الهند والصين، قد لا يمتثلون بهذه السهولة.

كتبت دينا أصفندياري وأريان طباطبائي في مجلَّة Foreign Affairs الأميركية: "أعلنت الصين أنَّه من المرجَّح أن تستمر في استيراد النفط من إيران، حتى بعد تحرُّك الولايات المتحدة من أجل تقليص مبيعات النفط الإيراني وصولاً إلى الصفر بحلول نوفمبر/تشرين الثاني 2018″. كذلك، تبدو بكين مستعدة لتوسيع آفاق التعاون بينها وبين إيران من خلال مشروعها العالمي الطَّموح للبنية التحتية، المعروف باسم مبادرة "حزام واحد، طريق واحد"، بالإضافة للاستثمارات الصينية في قطاع الطاقة النووية الإيراني.

خاصة إذا ما لجأت طهران إلى حليفها التقليدي بكين

وأشارت دينا وأريان: "اليوم، وفيما تعمَد واشنطن مجدداً لتضييق الخناق على إيران، ترى طهران في علاقتها مع بكين مفتاح النجاة"، وأضافتا أنَّ "التعاون الصيني مع إيران قد يمهِّد الطريق لغيرها من الدول لتحذو حذوها، ما قد يقوِّض بدوره حملة الضغط الأميركي الجديدة".

ولن يُساعد خوض إدارة ترمب نزاعاً تجارياً مستمراً مع الصين في تحسين أيٍّ من هذا. وقال غاريت بلانك، وهو مسؤولٌ سابق بوزارة الخارجية الأميركية عمل بقضية الاتفاق النووي مع إيران إبَّان حكم إدارة أوباما، في مكالمة هاتفية مع صحافيين الأسبوع الماضي: "ستكون محاولة فرض عقوباتٍ تضيِّق الخناق على النظام الإيراني دون علاقةٍ تعاونية فعلية مع الصين أمراً شديد الصعوبة". وأضاف أنَّه "لا شكَّ في أنَّ الولايات المتحدة بمقدورها إحداث ضررٍ جلل باقتصاد إيران"، لكن إيران ليست أقل قدرةً على التكيُّف عمَّا كانته في السنوات التي سبقت التوصُّل للاتفاق النووي.

الرئيس الإيراني في لقاء سابق مع الرئيس الصيني
الرئيس الإيراني في لقاء سابق مع الرئيس الصيني

كما أن الاحتجاجات "الاجتماعية" لن تصل لمرحلة "الحراك"

وكتب زميلي جيسون رضائيان، الذي كان مراسل صحيفة The Washington Post الأميركية في طهران عندما كان يجري التوصُّل للاتفاقية النووية، عن الصعوبات الجمَّة التي يتحمَّلها المواطنون الإيرانيون في حياتهم تحت وطأة العقوبات؛ إذ ارتفعت الأسعار، وتقلَّص مخزون الأدوية الأساسية، وعانى إيرانيو الطبقة الوسطى والعاملة، في حين ازداد غِنَى نُخبة النظام الإيراني ذات العلاقات والاتصالات الجيدة عن طريق السوق السوداء. لكنَّ رضائيان حذَّر من أنَّه لا يجدُر بهذا أن يكون سبباً للتفاؤل المفرط من جانب مؤيدي تغيير النظام الإيراني في واشنطن؛ إذ يعلم قادة إيران كيف يتكاتفون للحفاظ على السلطة، حتى وإن ازداد القلق في الشارع الإيراني.

وكتب رضائيان: "ستجعل أوجه المعاناة (التي يلقاها الناس) لتدبُّر ظروف الحياة اليومية التنظيم السياسي (للشارع الإيراني) أكثر تحدياً ممَّا هو عليه بالفعل. ولا تزال الاحتجاجات المُندلعة بعيدة كل البعد عن كونها حراكاً جماعياً. إنَّها مطالب شرعية ومتباينة للشعب الذي ينوء تحت وطأة ضغطٍ مهول". وترمب بدوره يزيد هذا الضغط وطأة.


اقرأ أيضا

دعك من تصريحات الساسة الإيرانيين برفض لقاء ترمب، فالأزمة الاقتصادية تدفع المواطنين للموافقة.. وخبراء يرحبون، ولكن بشروط

أولوياتها الآن النفط أم السلاح النووي؟ هذه هي ردود فعل إيران المتوقعة للرد على قرار ترمب

ساعات ويعلن البيت الأبيض إعادة فرض عقوبات على طهران بالتفصيل.. وتحذيرات لمن يشتري النفط الإيراني

تحميل المزيد