ولما أصبحت واشنطن مدمنة لفرض العقوبات على خصومها فقدت المصداقية والتأثير وأشياء أخرى

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/06 الساعة 19:40 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/07 الساعة 04:54 بتوقيت غرينتش

بعد قليل من رفع الولايات المتحدة العقوبات المفروضة على إيران بسبب برنامجها النووي، استعرض وزير أميركي بارز سلبيات ما وصفه "بسوء استخدام سلاح العقوبات" الذي تنتهجه واشنطن ضد خصومها. كان ذلك في مارس/آذار 2016، حين صعد جاك ليو، وزير الخزانة الأميركية آنذاك، إلى منصة مؤسسة كارنيجي للسلام، وقال إن العقوبات "أصبحت قوة هائلة تخدم أهدافاً واضحة ومنسَّقة للسياسية الخارجية"، لكنه نبه إلى أنه يتعين على الولايات المتحدة أنَّ تحرص على عدم استخدامها إلا "لمواجهة تهديدات خطيرة على الأمن القومي". وحذر من أنَّ الإفراط في فرض العقوبات قد يقوض من فاعليتها.

لكن منذ خطاب الوزير ليو استخدمت واشنطن سلاح العقوبات في مناسبات عديدة، وفقا لتقرير مجلة The Atlantic الأميركية، أبرزها:

  1. أعادت الولايات المتحدة فرض عقوبات واسعة النطاق على إيران، شملت قيوداً على تحويلات العملة وتداول قطع غيار الطائرات والسيارات، والتي من المقرر أنَّ تدخل حيز النفاذ في 6 أغسطس/آب.
  2. شددت العقوبات المفروضة على روسيا وفنزويلا، ومازالت روسيا هدفا لعقوبات أشد.
  3. شنت حملة لفرض أقصى ضغط اقتصادي على كوريا الشمالية.
  4. تشريع جديدة لتشديد العقوبات ضد موسكو كشفت عنه مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، مباشرة عقب قمة هلسنكي المثيرة للجدل التي جمعت الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين.
  5. لمعاقبة تركيا على احتجازها للقس الأميركي أندرو برنسون، فرضت الإدارة الأميركية عقوبات ضد مسؤولين أتراك تتعلق بانتهاك حقوق الإنسان.

هذا التقرير يستعرض أهم الملامح والآثار السلبية للعقوبات الأمريكية على أميركا نفسها.             

1 العقوبات أصبحت في خدمة أولويات أمريكية متحيزة

أصبح صانعو القرار الأمريكيون مولعين بإجراءات عقابية متشددة، بصرف النظر عن تبعات ذلك. وفي أكثر صورها فاعلية، تكون العقوبات نتاج جهود متعددة لمواجهة مخاوف مشتركة تهدد بوضوح الأمن العالمي. ولكن الآن، أصبحت تعبيراً صارخاً من الولايات المتحدة المعزولة عن عدم رضاها، وتُستخدَم غالباً لخدمة أولويات داخلية متحيزة -أي تحولت لنهج غير مبالٍ قد يتسبب بتحييد التأثير القوي لهذه الآلات.    

وفي ظل الجهود السابقة الناجحة لفرض عقوبات، كان المسؤولون في واشنطن يعملون عن قرب مع منظمات دولية وحلفاء لطرح أنظمة عقوبات جديدة. فعلى سبيل المثال

في عام 2012، تعاونت الولايات المتحدة وأوروبا لفرض عقوبات على النفط الإيراني، وتمكنتا من خفض صادرات طهران من النفط إلى النصف تقريباً. وساهمت هذه الجهود في خفض الناتج المحلي الإجمالي لإيران بنسبة 9% في الفترة من مارس 2012 إلى مارس/آذار 2014، ودفع إيران إلى مائدة المفاوضات في نهاية المطاف.

في 2014 تعاونت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي معاً لتقليل أية تكاليف قد يتكبدها اقتصاد أي منهما جراء فرض عقوبات ضد روسيا رداً على الأزمة الأوكرانية.

2 وأصبحت تهدد العلاقات طويلة الأمد مع الحلفاء

فعقب انسحاب إدارة ترمب من الاتفاقية النووية الإيرانية، رد الاتحاد الأوروبي بتحديث قانون يمنع الشركات الأوروبية من الامتثال لعقوبات أميركية معينة. ومن ثم، خسرت الولايات المتحدة أكثر من مجرد شريك نافع -إذ أعاقت برنامجها الخاص. واليوم، بينما تضغط واشنطن على كبار الشركاء التجاريين لإيران مثل الهند والصين للالتزام بالعقوبات الجديدة، تظل عالقة في سياسة انتقام ندِّية عبر المحيط الأطلنطي.

3 وواشنطن تتعامل مع العقوبات كهدف في ذاتها

من المفترض أنَّ الهدف من العقوبات هو إقناع الخصوم بالانضمام إلى مائدة المفاوضات، وبالتالي فحين تحقق الهدف منها، ينبغي أنَّ تتوقف. لكن المهاجمة بالعقوبات في كل مرة تطرأ مشكلة في السياسة الخارجية سيجعل من إنهائها أصعب وأعصى. ورغم أنَّ صانعي السياسات حددوا سابقاً شروطاً واضحة لرفع العقوبات، يضيف المسؤولون الأميركيون الآن سلطات عقابية الواحدة تلو الأخرى لمواجهة كل انتهاك جديد يُرصَد.                    

4 ولا يتم رفعها حتى بعد تحقيق المطالب الأميركية

انظر إلى العقوبات الأميركية على روسيا بسبب ما اتخذته من خطواتٍ ضد أوكرانيا.

دخلت هذه العقوبات حيز التنفيذ في 2014. لكن بعدها بعام، ربط مسؤولون أميركيون تخفيف هذه العقوبات بشرط التزام موسكو بخارطة طريق السلام "مينسك 2″، ولم يحدث.

فقد احتدم التوتر مع الكرملين فتضاعفت أهداف هذه العقوبات، وأضافت وزارة الخزانة الأميركية في 2018 قائمةً اتهامات لروسيا بالإضافة إلى سبب العقوبات الأصلي وهو غزو أوكرانيا: دعم الرئيس السوري بشار الأسد، والتدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية، وشن هجمات إلكترونية خبيثة على أهدافٍ أميركية، وغيرها.

وتمثل تركيا اختباراً جديداً لنظام عقوبات واشنطن.

حتى الآن، حددت الإدارة الأميركية هدفاً محدداً للغاية: وهو إطلاق سراح القس الأميركي أندرو برونسون المسجون في تركيا. هل تستطيع الإدارة الأميركية الالتزام بهذا المنهج ورفع العقوبات عن تركيا إذا ما نجحت في تحرير القسّ؟ أم أنها ستخضع لتداعيات الأحداث الناجمة عن فرض هذه العقوبات لتضع أهدافاً جديدة؟.

5 والعقوبات أداة الكونجرس للسيطرة على السياسة الخارجية

استغل النواب الديمقراطيون والجمهوريون في الكونغرس العقوبات ضد روسيا لتسجيل نقاطٍ ضد الرئيس الأميركي (غير أن كل جانب لديه دوافعه الحزبية الخاصة). وحالياً، ربما يتبع الديمقراطيون نفس النهج للتعامل مع العقوبات المفروضة على كوريا الشمالية.

على سبيل المثال، بعد قمة سنغافورة مع رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون، اقترح النواب الأميركيون إجراءات تقضي بربط تخفيف العقوبات على كوريا الشمالية بتصويت مجلس الشيوخ على أي صفقة تبرم بين ترمب وكيم، وهو إجراءٌ يبدو أنه يهدف إلى غلِّ يد الرئيس وإبرازه في مظهر الضعيف.

6 ثم إنها قابلة للاختراق أمام إجراءات تبطل مفعولها

استخدمت شركة توتال، عملاق الطاقة الفرنسي، تمويلاً صينياً لتشغيل مصنع الغاز الطبيعي المسال التابع لها في روسيا، ما مكنها من التهرب من القيود الأميركية.

وعزَّزَت روسيا وفنزويلا، الدولتان الخاضعتان لقبضة العقوبات الأميركية، علاقاتهما الاستثمارية. وهناك شائعات أيضاً تفيد بأن موسكو ساعدت العاصمة الفنزويلية كاراكاس في إنشاء عملة معماة للتهرب من العقوبات الأميركية.

وإذا ما حد الكونغرس من قدرة إدارة ترمب على عقد صفقة مع بيونغ يانغ، ستزيد الصين على الأرجح من نشاطها التجاري مع كوريا الشمالية، إذ ستبدو العقوبات كوضعٍ دائم أكثر من كونها مجرد تخطيط مؤقت.

7 أخيرا.. العقوبات تُفقد واشنطن مصداقيتها وتضر بالدولار

اعتماد الولايات المتحدة على العقوبات الاقتصادية والإفراط فيها باعتبارها الخيار الأول للسياسة الخارجية، يؤدي للإضرار بمصداقية الولايات المتحدة بين حلفائها الذين يشكون من إجبارهم على الخضوع للسياسات الأميركية، حسب تقرير لصحيفة The Washington Post الأميركية.

ليس هذا فقط، بل ربما يُخفِّض من قيمة الدولار الأميركي.