الحوثيون ومسؤولو الحكومة ينهبون اليمنيين.. أموال اليمن في أيدي تجار الحرب وخارج البلاد

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/06 الساعة 15:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/06 الساعة 15:50 بتوقيت غرينتش
A Houthi militant stands guard on the roof of a building overlooking a rally attended by supporters of the Houthi movement in Sanaa, Yemen March 3, 2017. REUTERS/Khaled Abdullah

جاءت الحرب على كل تفاصيل الحياة في اليمن المنهك بالفقر والمرض والأوبئة، ومعها توقف كل شيء، بما في ذلك آمال الناس بانتهاء هذه الجائحة، عدا قطاع الإعمار والبناء الذي يشهد حراكاً وانفجاراً مفاجئاً.

هي واحدة من مفارقات نكبة اليمنيين، ففي الوقت الذي تقرفص أمٌ وحولها أطفالها الأربعة في شارع وسط العاصمة صنعاء، تستنجد عطف المارة لإنقاذ صغارها، تسمع من هناك هدير الآلات التي تحفر الأرض وتضع مداميك لبناءٍ جديد.

وطالما ارتبط قطاع الإعمار والبناء بحالة الرخاء والسلم والتنمية في أي بلد، لكن في اليمن "كل شيء جائز، ناس تموت وناس تبني الفلل والعمارات" حسبما يقول سمسار الأراضي عبدالوالي الصالحي.

Haaretz: السعودية تنفق 5 مليارات دولار شهرياََ دون أن تحسم معركتها باليمن.. فهل "تورطت" المملكة في الحرب مع الحوثيين؟

إنهم تجار حروب!

في ضواحي العاصمة صنعاء تشهد حركة البناء والإعمار تصاعداً كبيراً، وارتفعت أسعار العقارات إلى مستويات قياسية في ظرف عامين فقط، لكن -غالباً- من يدخل تلك السوق هو من يملك الجرأة والمال الوفير.

وارتبطت تلك الحركة بتجار الحروب في اليمن، وفي صنعاء ارتبطت بقيادات سياسية وميدانية في جماعة الحوثيين التي سيطرت على العاصمة وأجزاء كبيرة من اليمن، عقب الانقلاب على حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي مطلع العام 2015.

من قبل، كان من يملك هذه العقارات والمباني السكنية أناساً عاديين، همهم الأكبر ينحصر في توفير الأكل والشرب لأطفالهم وعائلاتهم، غير أنهم يتمددون اليوم في ضواحي صنعاء بعقاراتهم الفارهة وسياراتهم الجديدة.

أحد القادة الحوثيين حالياً، بحسب الصالحي، كان موظفاً عادياً يعمل في الجيش براتب يضمن له حياة عادية، وكانت أسرته الكبيرة عبئاً كبيراً عليه، لكنه اليوم يملك أرضية بمساحة كبيرة وبدأ البناء فيها، وتحول أفراد أسرته إلى جنود حراسة له.

يقول الصالحي "أعمال البناء ظلت في بدروم المنزل 3 أشهر كاملة، بينما يبني حالياً عقاراً مذهلاً يصل قيمته لمليار ريال" (الدولار الأميركي يساوي 500 ريال يمني).

وهم يتاجرون بأموال الشعب!

تدفقت المليارات إلى جيوب الحوثيين منذ سيطرتهم على مؤسسات وإيرادات الدولة، وبحسب الرئاسة اليمنية فإن الحوثيين استولوا على 4 مليارات ونصف من الدولارات كانت مودعة في البنك، كاحتياطي نقدي لمنع انهيار العملة المحلية.

كما تدخل إلى خزينة الحوثيين نحو 72 مليون دولار شهرياً من ميناء الحديدة وفقاً لما أورده وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني، فضلاً عن أموال الضرائب والجمارك والخدمات، والزيادة في أسعار الوقود التي وصلت إلى 200%.

وتنصلت الجماعة من أي التزامات مالية لليمنيين الذين يعيش 80% (20 مليون يمني على الأقل) منهم، بحاجة ماسة إلى مساعدات إغاثية وفقاً للأمم المتحدة، بينما يعمل نحو مليون ومئتي ألف موظف حكومي دون رواتب منذ 20 شهراً.

يعيش أكثر من 80٪ من اليمنيين في فقر مدقع، في حين يضخ الحوثيون ومسؤولو الحكومة الملايين في بناء العقارات الجديدة
يعيش أكثر من 80٪ من اليمنيين في فقر مدقع، في حين يضخ الحوثيون ومسؤولو الحكومة الملايين في بناء العقارات الجديدة

يقول مصدر في الحكومة اليمنية لـ"عربي بوست"، بأن الحوثيين استثمروا الأموال التي نهبوها في البناء وشراء العقارات، واستولوا على مساحة واسعة من ضواحي صنعاء، خصوصاً في أحياء الجراف والمطار شمالي المدينة، وشملان وهمدان (غربي).

وأضاف المصدر مفضّلاً عدم الكشف عن هويته كونه غير مخول بالحديث للإعلام، إن الحوثيين يطوقون صنعاء من كل الجهات، قائلاً "لديهم أفكار استيطانية للسيطرة على الأرض، فبعد أعوام ستكون أبواب المدينة مرهونة بأيديهم".

ولم يورد المصدر أرقاماً دقيقة حول حجم الأراضي التي تعود ملكيتها لحوثيين، لكنه أشار إلى أن أموال اليمنيين بُددت في شراء أراضٍ وعقارات للحوثيين.

وقال "الحوثيون استولوا أيضاً على الأراضي العامة للدولة، وبنوا في بعض الشوارع الرئيسية والمساحات المفتوحة التي كان من المفترض أن تكون حدائق ومواقف، كما حدث في حيي الحصبة ومذبح (وسط وغربي صنعاء)".

ولأنها ليست أموالهم، فهم ينظمون غسيل الأموال

وربما وجد الحوثيون في سوق العقارات والبناء طريقاً إلى غسيل الأموال التي نهبوها خلال الأعوام الماضية، حسبما يقول القيادي السابق في الجماعة والمتحدث باسمها في مؤتمر الحوار الوطني علي البخيتي.

وقال القيادي الذي يُقيم في الأردن، إن "شراء الأراضي والعقارات الذي يقوم به الحوثيون عبارة عن غسيل لأموال سرقوها من فوارق المشتقات النفطية ومن عمليات ابتزاز وشراكة جبرية مع كثير من التجار".

وأضاف في تغريدات له على صفحته بموقع "تويتر"، إن اليمنيين "أمام كارثة حقيقة، الحوثيون صنعوا الأزمة، وسرقوا الشعب، ثم يقومون بشراء ممتلكاته بأمواله المسروقة، في الوقت الذي لا يجد الناس قوت يومهم".

وأضاف "الناس جائعون والحوثيون -المسؤولين والمشرفين- يقومون بعمليات شراء لمنازل وفلل ويشيدون عمارات في صنعاء وبمئات الملايين من الريالات عداً ونقداً".

وقال البخيتي إن الحوثيين "يستغلون الأزمة ولن تنتهي الحرب إلا وقد تملك لصوص الحوثيين صنعاء، الفلل، العمارات، الشقق، والكثير من مقرات الشركات التي هرب مالكوها أو أفلست، ويعرف لصوص الحركة أن الاستثمار في الخارج مهدد بالملاحقة لذلك عمدوا للشراء والبناء داخل صنعاء ومدن أخرى، فالعقارات أكثر أماناً لغسيل ما سرقوه".

ودخول الحوثيين للسوق أدى إلى ارتفاع جنوني في الأسعار!

في بداية الحرب التي تشهدها البلاد، هوت أسعار العقارات والأراضي إلى أكثر من النصف، مع بدء حركة النزوح والهجرة إلى خارج البلاد، ويقول الصالحي: "عقار كلّف قيمته نحو 60 مليون ريال يمني، بيع بـ25 مليوناً".

وما لبث أن استمر الحال أشهراً معدودة حتى دخل الحوثيون في تلك السوق، لتشتعل الأسعار من جديد مع زيادة الطلب، وبدأ السباق المحموم على المناطق ذات الامتياز، وقفزت الأسعار إلى مستويات قياسية.

رغم الهدم الذي تسبب به القصف السعودي، ورغم الفقر الذي يعيش فيه معظم اليمنيين، يبني الحوثيون عقارات بملايين الدولارات من أموال الشعب اليمني
رغم الهدم الذي تسبب به القصف السعودي، ورغم الفقر الذي يعيش فيه معظم اليمنيين، يبني الحوثيون عقارات بملايين الدولارات من أموال الشعب اليمني

يضيف سمسار الأراضي أن مواقع في غرب المدينة كانت اللبنة الواحدة من الأرض فيها تساوي 500 ألف ريال، الآن وصلت إلى مليون و200 ألف ريال (اللبنة وحدة قياس مساحة محلية في صنعاء تساوي 44 متراً مربعاً).

وأشار الصالحي إلى أن الحوثيين يدفعون أموالاً طائلة؛ مما تسبب في حركة كبيرة بسوق العقارات، حتى إن أحد الصحافيين ترك العمل في حقل الصحافة وتحوّل للعمل سمساراً في بيع الأراضي والعقارات.

لذلك عزف المدنيون عن الشراء

ولا تقتصر حركة البيع والشراء على الأرض فقط؛ بل امتدت إلى شبكات التواصل الاجتماعي، وبالتحديد على موقع "فيسبوك"، حيث بدأ سماسرة الأراضي والعقارات في الترويج للمنازل والأراضي عبر تلك المواقع.

وشهدت تلك الصفحات تفاعلاً كبيراً، لكن ارتفاع الأسعار جعل المدنيين البسطاء يعزفون عن الشراء ويكتفون بالاستطلاع فقط، واقتصرت عمليات الشراء والتعمير على قيادات في جماعة الحوثيين.

وفي إحدى الصفحات التي عرضت منزلاً فخماً، رد وضاح الذياني بتعليق: "ابحثوا لها عن مشرف (قيادي) حوثي"، في إشارة إلى أنهم هم من يملكون الأموال لشراء تلك العقارات التي تصل قيمتها إلى مليار ريال يمني.

ويقول إبراهيم الصعر، وهو أحد المهتمين بسوق العقارات، إن الحوثيين "هم من يملكون الأموال وهم من لديهم القدرة على ضخ الملايين، هم في نهاية الأمر لصوص وقطّاع طرق، ولا يهمهم أن يدفعوا تلك المبالغ المبالَغ فيها".

لكن الصعر يذكر أنه ليس كل من يبني عقاراً أو يشتري آخَر حوثياً، فما يزال بعض التجار النازحين يجاهدون للحصول على مسكن في صنعاء التي تحظى بحالة نسبية من الأمان، خصوصاً مع اندلاع المعارك في الحديدة، غرب البلاد.

كما أن آخرين يريدون أن يأمنوا على أنفسهم وأُسرهم، فيحاولون بناء مساكن صغيرة تؤويهم بسبب الحرب.

بل إن الحوثيين يوسّعون استثماراتهم في لبنان

واستعاض الحوثيون بتأمين مستقبلهم في الضاحية الجنوبية ببيروت، حيث توجد الأغلبية الشيعية الخاضعة لسيطرة حزب الله، في حال انفكت عرى الأوضاع من أيديهم في صنعاء واليمن، واشتروا عقارات ومباني وعمارات ضخمة، تجاوزت قيمتها أكثر من 400 مليون دولار.

الحوثيون يستثمرون في الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل حزب الله
الحوثيون يستثمرون في الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل حزب الله

وبحسب تقرير سابق لقناة المستقبل اللبنانية، فإن الأنشطة التجارية للمستثمرين الحوثيين توسعت إلى ما بعد الضاحية الجنوبية، بمبالغ مالية قد تتجاوز ملياراً و400 مليون دولار. وبدعم شخصيات ورجال أعمال شيعية.

وبينت أن الحوثيين قاموا بشراء عقارات وعمارات شاهقة وفلل بمبالغ طائلة تقع على ساحل بيروت وفي أحياء تجارية وراقية مثل حي الحمراء وحي الحريري والسوق التجاري الكبير وحي كرامي والحمامات ووسط بيروت.

وفي القاهرة أيضاً

وامتدت حالة التهافت على شراء العقارات إلى مسؤولين في الحكومة الشرعية ومسؤولين في حزب الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، الذي قُتل على يد الحوثيين بعد تحالفهما في الحرب طيلة 3 أعوام.

وقال مصدر في السفارة اليمنية في القاهرة لـ"عربي بوست"، إن نحو أكثر من 15 ألف شقة سكنية وعقار اشتراها يمنيون خلال الأشهر الماضية، بعد نزوح قيادات كانت موالية للرئيس السابق من صنعاء إلى القاهرة.

وأشار إلى أن قيمة الشقة لا تقل عن 30 ألف دولار.

وقال إن العشرات من المسؤولين اليمنيين الذين غادروا صنعاء بالملايين من الدولارات اشتروا فللاً سكنية فاخرة، في الوقت الذي لا يجد اليمنيون باليمن ما يسد رمقهم جراء انهيار الأوضاع الاقتصادية.

وبحسب المصدر، فإن مسؤولين في الحكومة اليمنية اشتروا الحجم الأكبر من تلك العقارات بالقاهرة وماليزيا وفتحوا مشاريع اقتصادية جديدة تدر عليهم الملايين، والمفارقة أن الحكومة ما تزال تدفع لهم الرواتب بالآلاف من الدولارات!

علامات:
تحميل المزيد