أوباما كان متفائلاً بسقوط مبارك عكس نائبه ووزيرة خارجيته.. كاتب أرّخ سقوط الرئيس وفشل الديمقراطية في مصر

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/05 الساعة 17:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/06 الساعة 05:11 بتوقيت غرينتش

أشعل بائع متجول تونسي يدعى محمد بوعزيزي النار في نفسه. وأشعل موته حريقاً امتد من شمال إفريقيا إلى بلاد الشام ووصولاً إلى الخليج.

وفي 11 فبراير/شباط 2011، أجبرت المظاهرات الحاشدة وانهيار الدعم الأميركي الرئيس المصري حسني مبارك على التنحي عن منصبه ليسقط فرعون مصري حكم البلاد ما يقرب من 30 عاماً.

انزلقت ليبيا إلى الفوضى، وهرعت سوريا صوب حربٍ أهلية طاحنة، وبرز تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) كقوةٍ يحسب حسابها. لكن في نهاية المطاف، ذاب الربيع العربي كالسراب تحت شمس الصحراء القاسية. وباستثناء تونس، بات الشرق الأوسط أقل حريةً الآن. وحكم مصر مجدداً رجلٌ بزيٍ عسكري. فلتقابل الرئيس الجديد، صورةٌ طبق الأصل من الرئيس القديم، حسب تقرير لصحيفة صحيفة The Guardian البريطانية.

كان ديفيد كيركباتريك رئيس مكتب صحيفة نيويورك تايمز الأميركية في القاهرة خلال الفترة من 2011 إلى 2015. ويقدم كتابه، الذي يحمل اسم "Into the Hands of the Soldiers"، روايته الشخصية عن فشل الديمقراطية في مصر والمنطقة. ويؤرخ كيركباتريك بدقةٍ سقوط مبارك والانقلاب الذي أطاح بالرئيس محمد مرسي، أول رئيس مصري يفوز في انتخاباتٍ حرة وعضو جماعة الإخوان المسلمين، بعد عامٍ فقط من توليه الحكم في 2012.

بينما كان يتذكر الأيام الأولى المثيرة من عام 2011، كتب كيركباتريك عن المتظاهرين: "كانوا جميعاً أبطالاً، وفي منتهى الذكاء، لكنَّهم كانوا أيضاً مألوفين للغاية. بالطبع، لقد أحببناهم. كلنا أحببناهم، حتى الرئيس الأميركي أوباما".

لكن ليس بالضبط، لم يحبهم الجميع.

بينما كان الرئيس الأميركي باراك أوباما يراهن على هؤلاء الصبية، كانت إدارته منقسمة. كانت وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون تقول للصحافة: "تفيد تقديراتنا بأنَّ الحكومة المصرية مستقرةٌ". وكان جو بايدن نائب الرئيس أوباما وروبرت غيتس وزير دفاعه يحثان على توخي الحذر. وكان حلفاء الولايات المتحدة مصدومين. بالنسبة لهم، كانت مصر دون مبارك منطقةً مجهولة، أو أسوأ من هذا.

يقول الكاتب الأميركي الذي كان  في القاهرة أثناء الانقلاب: عُدت إلى تلك الوقائع بعد عدة سنوات من أجل أن أفهم دور واشنطن في ذلك الوقت بشكل أفضل. ووجدت أنَّ دعم إدارة أوباما للربيع العربي قد واجه صعوبات منذ البداية، بسبب حدوث خلافات داخلية حول القضايا ذاتها التي تظهر جلية في سياسة ترمب، وهي خلافات حول طبيعة التهديد الذي يشكله الإسلام السياسي، والولاء للحلفاء المستبدين، مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، وصعوبة إحداث تغيير ديمقراطي في مصر والمنطقة.

وكان أوباما وأقرب مستشاريه يتبنّون الرأي نفسه في تلك النقاشات. إذ كانوا يأملون بتغيير السياسة الأميركية المترسخة، وتكوين علاقة جديدة مع العالم العربي من أجل التقليل من إغراء التطرف المعادي للغرب. وحتى في الأيام الأخيرة التي سبقت الانقلاب، كان أوباما لا يزال يحث على احترام الانتخابات الحرة في مصر. وفي مكالمة أجراها أوباما في اللحظات الأخيرة قبل الانقلاب، ناشد مرسي بأن يتَّخد "مبادرات جريئة" للتمسك بمنصبه، بحسب المقال.

لكن معظم الشخصيات في حكومته اتَّخذت الجانب المقابل، وهو ما يعكس مخاوف قديمة حول الخطر الأساسي الذي يشكله الإسلام السياسي، والعقبات التي تقف في وجه الديمقراطية المصرية.

أما بالنسبة للحكام المستبدين في دول الخليج، شكلت انتفاضات الربيع العربي تهديداً لحكمهم.

في أعقاب أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، كانت "الديمقراطية" و"الإخوان المسلمون" شيئين متناقضين بالنسبة للكثيرين. وجادل مراقبو الشرق الأوسط ومعارضو جماعة الإخوان المسلمين بأنَّه يمكن التفريق بين تعاليم الجماعة وتنظيم القاعدة. وبالنسبة للبعض، كانت مظاهرات 2011 انعكاساً لغضبٍ مكبوت داخل نظامٍ يعج بالفساد. وبالنسبة لآخرين، كان انتخاب مرسي مجرد فترة فاصلة، يستعيد الجيش بعدها زمام السلطة.

وأكد كيركباتريك أنَّ بعضاً ممن دعموا سقوط مرسي سعوا أيضاً إلى عزل مبارك. لم يكن الدافعان متعارضين. ففي الأوقات العصيبة، لم يستطع الليبراليون في مصر القبول برئيسٍ إسلامي منتخب ديمقراطياً.

من هؤلاء محمد البرادعي، المدير السابق لوكالة الطاقة الدولية والحاصل على جائزة نوبل للسلام. دعم البرادعي المتظاهرين ضد مبارك. وبحماسٍ مماثل، جاء البرادعي ليدعم الانقلاب، الذي أطاح بمرسي في يوليو/تموز 2013.

وقال جون كيري، وزير خارجية أوباما، للتلفزيون الباكستاني في واشنطن دون خجل أنَّ القادة العسكريين في مصر "يستعيدون الديمقراطية". بالطبع، رفضت إدارة أوباما وصف سقوط مرسي بـ"الانقلاب"، إذ كانت تخشى أن تضطر إلى قطع المساعدات العسكرية عن مصر بموجب قانونٍ مناهض للانقلاب. لكن، كان من الواضح أنَّ ما يحدث بمصر هو انقلاب بالفعل.

استولى المشير عبد الفتاح السيسي على السُلّطة، وخلَّف وراءه مذبحة. قتلت الحكومة مئات الأشخاص وسجنت آلافاً آخرين. وشهدت القاهرة سقوط  ضحايا بأعدادٍ أكبر من أحداث ميدان تيانانمن في الصين عام 1989.

لكنَّ كيركباتريك يروي عن موقع مجزرة حيثُ كانت الحشود المبتهجة تحيي السُلطة الحاكمة. ومثلما قال عمر سليمان، الرئيس السابق للمخابرات العامة المصرية، لشبكة CNN الإخبارية: "يؤمن الجميع بالديمقراطية.. لكن متى؟ فقط عندما يصبح لديهم ثقافة الديمقراطية".

ومثل شخصية غودو التي كان ينتظرها أبطال مسرحية "في انتظار غودو" للكاتب الأيرلندي صمويل بيكيت دون جدوى، ربما لن تأتِي "ثقافة الديمقراطية" التي كان يأملها سليمان مطلقاً. وفي الشهر الماضي يوليو/تموز، أصدرت محكمة مصرية حكماً بالإعدام على 75 شخصاً لدورهم في أحداث عنف اندلعت عقب الانقلاب.

يصف كتاب "Into the Hands of the Soldiers" بوضوح المخاطر التي واجهها كيركباتريك وعائلته. ففي صيف 2013، تحولت القاهرة إلى منطقة حرب حضرية، إذ كانت نقاط التفتيش وطلقات الرصاص مصدر خطر دائم على حياة الأفراد. وتعرض كيركباتريك لهجومٍ وتعرضت عائلته للتحرش. وقبل هذا، حُوكم بدعوى التشهير بعد أن أذاع حواراً مسجلاً مع قاضٍ مصري. بالطبع، كانت هذه "أخباراً مزيفة" بالنسبة للسلطات.

يتناول كيركباتريك الأحداث التي شاهدها بتأمل. في إحدى نقاط الكتاب، يكتب: "لقد أعددنا أنفسنا لتقبل خيبة الأمل.. من سرق الثورة؟ كانت صورة الثورة انعكاساً للنرجسية الغربية بقدر ما كانت تعبر عن مصر".

أجل، الوضع معقد. قبل انقلاب 2013، صوَّر استطلاع رأي لمركز Pew للأبحاث مصر على أنَّها مكان تعبر فيه الأغلبية المسلمة عن دعمها للديمقراطية. لكنَّ محتوى هذه "الديمقراطية" كان محدوداً.

في 2017، زار كيركباتريك مصر للمرة الأخيرة. وعن رحيله، كتب بشكلٍ موضوعي: "غادرتُ القاهرة مبكراً في اليوم التالي دون أي خطةٍ للعودة". ولا يمكن لأحدٍ لومه.

علامات:
تحميل المزيد