أميركا وتركيا وبينهما ملف الأكراد هذا ببساطة أحد عوامل تصاعد الأحداث وتوتر العلاقات بين تركيا وأميركا، رغم أن تركيا حليف قوي في علاقاتها مع واشنطن، بأي حال لكن لا داعي للقلق
استعرضت وكالة أميركية حالة التصعيد بين أنقرة وواشنطن على ضوء عقوبات التي فرضها البلدان على تنفيذيين في الحكومتين، بسبب أزمة القس الأميركي أندرو برانسون الذي وضع قيد الإقامة الجبرية في تركيا، فضلا عن انه ممكن القول أن أميركا وتركيا وبينهما ملف الأكراد هو عنوان من جملة عناوين تلخص حالة الصدام الحالي
وقالت وكالة Bloomberg الأميركية أن تحالف تركيا مع الولايات المتحدة يواجه أزمة بسبب احتجاز أنقرة قساً أميركياً بتهم تتعلق بالإرهاب والتجسس، فضلاً عن عقوبات أميركية نادرة تهدف لإجبار تركيا على التراجع. أدخلت تلك الإجراءات، وتعهُّد أنقرة بالانتقام، الأسواق التركية في حالة ترنُّح.
كانت البداية حين حاولت تركيا تبني سياسات خارجية مستقلة بعيداً عن توجهات واشنطن
هذا على الرغم من أن علاقاتهما كانت يوماً علاقات سياسية وعسكرية وثيقة، وكانت حاسمة لوقف التوسُّع السوفييتي أثناء الحرب الباردة.
جاءت المواجهة الحاسمة في لحظة ضعفٍ للاقتصاد التركي، وقد تمارس واشنطن مزيداً من الضغط الاقتصادي والسياسي إذا تدهورت العلاقات أكثر.
وقبل الاجتماع الذي انعقد في سنغافورة يوم الجمعة 3 أغسطس/آب مع وزير الخارجية التركي، وصف وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو عقوبات مفروضة على اثنين من الوزراء الأتراك بأنَّها "دليلٌ على أنَّنا نتعامل بجدية كبيرة. نعتبر هذه قضية واحدة من بين القضايا الكثيرة لنا مع الأتراك".
تعود تلك الأزمة، التي استغرق وقوعها وقتاً طويلاً، إلى عام 2003 حينما بدأت أنقرة في اتباع سياسة خارجية مستقلة على نحوٍ متزايد.
فضلاً عن تقارب تركيا مع روسيا وإيران، وهي خطوات كانت بواعث قلق واشنطن، وتذمرها
وتشمل الشكاوى الحالية تقارب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع روسيا وإيران، خصمي الولايات المتحدة، وقناعة أنقرة بأنَّ الحكومة الأميركية تؤوي رجل الدين التركي المنفيّ الذي تحمّله مسؤولية الانقلاب العسكري الفاشل عام 2016.
وقال غانم نسيبة، مؤسس شركة استشارات المخاطر السياسية في لندن Cornerstone Global Associates، عبر البريد الإلكتروني: "ما لم تكن تركيا مستعدة للتجاوب إيجاباً مع طلبات الإدارة الأميركية، فمن المستبعد أن تتحسن الأمور وستستمر المخاطر السياسية التي تواجه الاقتصاد التركي في الزيادة. وهذا سيؤثر بسرعة على أوضاع المواطنين الأتراك العاديين".
أميركا وتركيا وبينهما ملف الأكراد هذا ببساطة أحد عوامل تصاعد الأحداث وتوتر العلاقات بين تركيا وأميركا
وتشعر تركيا أيضاً بالانزعاج من التحالف الأميركي مع الأكراد في سوريا، خشية أن تؤدي قوتهم المتنامية في المنطقة إلى تشجيع الانفصاليين الأكراد في تركيا.
وفي وقتٍ سابق من هذا العام 2018، أدانت محكمةٌ أميركية مسؤولاً تنفيذياً في بنك تركي تديره الدولة لدوره في التآمر للتملص من الحظر الأميركي على إيران، وتوعدت واشنطن بفرض عقوبات على تركيا إذا ما حصلت على نظام دفاع صاروخي روسي.
يرى الجنرال التركي المتقاعد نعيم بابور أوغلو أنَّ بلده يقف عند مفترق طرق.
فقال بابور أوغلو، وهو محلل الآن في جامعة آيدن في إسطنبول: "إما أن تقترب البلاد أكثر فأكثر من روسيا وتقع في فخ، أو تتصرف على النحو الذي تريده الولايات المتحدة للحفاظ على علاقاتها مع واشنطن وحلف الناتو دون أضرار".
ومن المستبعد أن تعتذر تركيا على خلفية قضية القس، نظراً لاعتماد أردوغان على دعم حزبٍ قومي في البرلمان والانتخابات المحلية المزمعة العام المقبل، وذلك حسبما صرَّح مسؤول قريب من إدارته تحدث شريطة عدم الإفصاح عن هويته كي يتناول تلك المحادثات الخاصة.
وكانت المواقف المتبادلة مثار تصعيد حتى ظهرت ورقة العقوبات من جانب الطرفين
ويتهم أردوغان الولايات المتحدة بمحاولة التدخل في الإجراءات القضائية التركية، ويرفض أيضاً الشكوك التي تزعم أنَّ أنقرة تحتجز القس أندرو برونسون لاستخدامه كورقة مساومة من أجل تسليم مسؤولَين تركيين اثنين: فتح الله غولن، الداعية المقيم في ولاية بنسلفانيا والمتهم بالتحريض على الانقلاب الفاشل، ومحمد هاكان عطالله، المسؤول التنفيذي المصرفي المدان.
وتعهَّدت تركيا بالرد على العقوبات الأميركية بالمثل. ويوم الخميس 2 أغسطس/آب، قال بيرات البيرق وزير المالية والخزانة التركي وصهر أردوغان في الوقت نفسه، إنَّ بلاده تبحث عن "مصادر تمويل أجنبي مختلفة".
تستهدف العقوبات الأميركية وزير العدل التركي عبد الحميد غول ووزير الداخلية سليمان صويلو، اللذين تقول الولايات المتحدة إنَّهما لعبا دوراً قيادياً في المؤسسات المسؤولة عن احتجاز برونسون، الذي انتقل إلى الإقامة الجبرية الأسبوع الماضي بعد عامين في السجن. وفي حين قال الوزيران إنَّهما لا يمتلكان أي أصول خارجية، تسبَّبت الأزمة في قلق المستثمرين.
ورغم كل ما سبق، فلا ترغب أميركا في التصعيد الكبير، حيث أن تركيا حليف قوي مع واشنطن
وكشف تيموثي آش، وهو خبير استراتيجي في شركة BlueBay لإدارة الأصول في لندن، عن إحجام الولايات المتحدة عن الصدام مع تركيا بصورة أكبر من اللازم.
وحسبما قال آش في تعليقات عبر البريد الإلكتروني يوم الخميس: "لم تُفرَض أي عقوبات على كيانات تركية، ولا على الاقتراض التركي مثلما حدث في العقوبات الروسية. وقد يشير ذلك إلى تفهُّم وزارة الخزانة الأميركية مدى هشاشة الاقتصاد التركي في الوقت الحاضر؛ إذ قد يُولِّد المزيد من الضغط نتائج بالغة على صعيد الاقتصاد، فضلاً عن أنَّ العلاقات التركية الأميركية لم يكن يشوبها الكثير آنذاك".
وحالت المصالح المشتركة دون تصاعد نزاعات الماضي والتي منها على سبيل المثال "أميركا وتركيا وبينهما ملف الأكراد" إلى مرحلة تُصاب فيها العلاقات بتصدُّع دائم. تعتمد تركيا على الاستثمارات الأجنبية قصيرة المدى من الأميركيين وغيرهم ممن يقتدون بواشنطن.
وتفتقر الولايات المتحدة إلى حلفاء يمكن التعويل عليهم في الشرق الأوسط، وقد لا ترغب في دفع تركيا، التي تمتلك ثاني أكبر جيش في حلف الناتو، بقوة أكثر من اللازم إلى داخل المعسكر الإيراني.
وقال آش: "يكمن الأمل الآن في أن تسود التهدئة، لكن تلك الخطوة على الأرجح ستثير سخط الحكومة التركية التي توعدت بالرد بالمثل". وأضاف آش أنَّه في ظل تعهُّد نائب الرئيس الأميركي مايك بينس بالضغط على الحكومة التركية حتى الإفراج عن برونسون، "فدعونا نرى ما إذا كان ترمب وبينس سيشعران إذاً باضطرارٍ للجوء لردٍ آخر".
وبدأت العلاقات في التدهور منذ عام 2003، عندما رفضت الحكومة التركية السماح للقوات الأميركية باستخدام أرضها كقاعدة للإطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين.
شعر المسؤولون الأميركيون بأنَّهم تعرَّضوا للخيانة من حليف مهم، ولا يزال الكثير من الأتراك يتذكرون بمرارة عندما كبَّلت القوات الأميركية في العراق في وقتٍ لاحق من العام نفسه 11 جندياً تركياً اشتبهوا في أنَّهم كانوا يُدبِّرون لاغتيال مسؤول كردي عراقي كبير وغطوا رؤوسهم بأكياس.
وبدأ أردوغان، الذي تولى منصب رئيس الوزراء في ذاك العام، بالتقرُّب من الجذور الإسلامية التركية في الشرق الأوسط والابتعاد عن الدولة الأوروبية الأكثر علمانيةً التي تأسَّست قبل قرنٍ مضى.