استثمرت السعودية مبالغ خيالية بقيمة خمسة مليارات دولار شهرياً، في الحرب مع الحوثيين ، إلى جانب أشياء أخرى- وأكثر من 100 ألف غارة جوية، حسب ما ذكره تقرير لصحيفة Haaretz الإسرائيلية، إلا أن السؤال الذي أصبح يشغل بال الرياض وحلفائها الآن هو كيفية الخروج من اليمن دون أن يُنظَر إلى ذلك على أنَّه انتصارٌ لإيران، يقول التقرير.
ويوضح تقرير الصحيفة الإسرائيلية أنه، لن تجد لقصص الهزيمة ذكراً في موقع تلفزيون المسيرة، القناة الإعلامية الأولى للمتمردين الحوثيين في اليمن.
الحوثيون لا يعترفون بأية "خسائر"
إذ جاء في أحد التقارير بالقناة: "أطلقت قواتنا صواريخ على قافلة .. وأصابت صواريخ قواتنا ودمرت دبابة .. وفي يومٍ واحد، دمَّر الجيش (الحوثي بالطبع) 21 مركبة مدرعة و4 دبابات تعود للغزاة". وانتهى التقرير بشعار الحوثي "الله أكبر، الموت لأميركا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام".
لم يرد أي ذكر تقريباً لغارات التحالف العربي على الحوثيين أو القتلى والجرحى من المقاتلين الحوثيين. فحين تفخر قناة بأنَّها "إعلامٌ حربي"، ستكون وظيفتها رفع المعنويات وليس سرد الحقائق كاملة.
وتعد قناة المسيرة واحدة من 25 قناة إعلامية يديرها الحوثيون ساعدتهم على تجنيد عشرات الآلاف من المقاتلين. وتشير إحصائيات غير رسمية إلى أنَّ الحوثيين لديهم أكثر من 120 ألف مقاتل بعد أن كان قبل ثلاثة أعوام ونصف يتراوح بين 3 آلاف إلى 7 آلاف مقاتل.
ولا يوجد للحرب الأهلية في اليمن تقريباً أي حضور في الإعلام الغربي، وذلك برغم تكلفتها الباهظة: أسفرت حتى الآن عن مقتل 10 آلاف شخص نصفهم من المدنيين، وقضى 50 ألف طفل جراء المجاعاة أو الكوليرا، إلى جانب نزوح ملايين الأشخاص ومعاناة مئات الآلاف من سوء التغذية. ورغم موقع اليمن الاستراتيجي المطل على البحر الأحمر ومضيق باب المندب، وحقيقة أنَّه أصبح ساحة سباق دولي بين فريق يضم الولايات المتحدة والسعودية والإمارات في مواجهة آخر يضم إيران، فإنَّه لم يتمكَّن من شق طريقه إلى رأس الاهتمامات الدبلوماسية أو أجندة الإعلام الدوليتين.
والسعودية وجدت نفسها في "ورطة"!
حين بدأ التدخل العربي العسكري في اليمن عام 2015، مباشرةً عقب تتويج الملك سلمان عاهلاً للسعودية، كان يُتوقَع أن تكون الحرب قصيرة وخاطفة. إذ تعهَّدت السعودية بأنَّها ستتغلب بسهولة على المتمردين الحوثيين وتعيد إلى سدة الحكم في اليمن الحكومة المُعترف بها، وعلى رأسها عبد ربه منصور هادي، الذي سعى للحصول على ملاذ في السعودية.
لكن بعد استثمار سعودي خيالي بقيمة خمسة مليارات دولار شهرياً، إلى جانب أشياء أخرى- وأكثر من 100 ألف غارة جوية، أصبح السؤال الذي يشغل بال الرياض وحلفائها الآن هو كيفية الخروج من اليمن دون أن يُنظَر إلى ذلك على أنَّه انتصارٌ لإيران، حسب ما ذكره تقرير الصحيفة الإسرائيلية.
خاصة وأن الكونغرس منع أية مساعدة للسعودية في الحرب مع الحوثيين
ونظراً للكارثة الإنسانية التي تسبَّبت بها، استطاعت الحرب في اليمن أخيراً أن تخترق حاجز اللامبالاة الأميركية. إذ أصدر الكونغرس قراراً يحظر على الطيران الأميركي تزويد الطائرات السعودية والإماراتية بالوقود في الجو، ما لم تتعهَّد الرياض بالسعي من أجل حلٍ دبلوماسي للأزمة اليمنية، وتخفيف الأضرار على المدنيين، والسماح بشحن المواد الغذائية والطبية للمناطق المتضررة.
ومع أنَّ هذا القانون في ظاهره يفرض قيوداً على استخدام الأسلحة الأميركية، فأنَّه يسمح للقوات الأميركية بتزويد المقاتلات السعودية المُشارِكَة في مهام أخرى بالوقود، مثل القتال ضد تنظيم القاعدة في اليمن، لكن بشرط إخطار الكونغرس بتفاصيل هذه المهام.
ومن ثَمَّ، فإنَّ حتى هذه الجهود الهزيلة لإنذار الرياض وشركائها لن تساعد المدنيين اليمنيين؛ لأنَّه لن يكون من الصعب تبرير الهجمات على المناطق المأهولة بالسكان بذريعة أنَّ عناصر من القاعدة يختبئون هناك بين المدنيين.
ومع ذلك، لم تهاجم السعودية تقريباً أية قواعد تابعة لتنظيم القاعدة في جنوب اليمن، بل في الواقع، قالت الصحيفة الإسرائيلية، إن تقارير من اليمن ذكرت أن السعودية والإمارات تستخدمان مقاتلي تنظيم القاعدة لتعزيز العصابات القبلية التي تقاتل الحوثيين بدعم مالي سعودي.
رغم الدعم الذي يتلقاه "التحالف العربي" من ترمب
وبرغم أنَّ الرئيس باراك أوباما حظر بيع القنابل الذكية للسعودية، في محاولة للحد من الخسائر في أرواح المدنيين، ألغى الرئيس دونالد ترمب ذلك القرار، بل وشجَّع السعودية والإمارات كذلك على مواصلة قتال الحوثيين، باعتبار ذلك جزءاً من الحرب الأوسع ضد إيران.
لكن عندما وجَّهت السعودية "دعوة" إلى أميركا للمشاركة في معركة استعادة مدينة الحديدة الساحلية، رفض ترمب تلبية الدعوة، باعثاً بذلك رسالة واضحة مفادها أنَّ الحرب في اليمن هي مسألة محلية أو ربما إقليمية، لكنَّها بالتأكيد ليست قضية استراتيجية تستدعي انخراطاً أميركياً نشطاً. وهذا يعكس غياب السياسة الأميركية في دول الشرق الأوسط الأخرى التي أوجدت بها إيران، أو تسعى لإيجاد موطئ قدم لنفسها، بما في ذلك سوريا والعراق ولبنان وأفغانستان.
الذي يرى في الحرب باليمن، ضرورة لإيقاف "أطماع إيران"
لكن بعيداً عن هذا التجاهل الأميركي والقدرات العسكرية المخيبة للآمال التي أظهرتها السعودية والإمارات برغم عشرات المليارات من الدولارات التي أنفقتاها لشراء المعدات العسكرية، يدحض اليمن الحكمة المعهودة بأنَّ الحرب هناك حربٌ ضد التوسع الإيراني.
لا جدال أنَّ إيران تدعم الحوثيين بأسلحة متطورة نسبياً، بما فيها الصواريخ التي استخدمتها لاستهداف السعودية والسفن في البحر الأحمر وحتى مطار أبوظبي في الإمارات. وتسعى طهران على ما يبدو لتشكيل جناح عسكري في اليمن يشبه حزب الله في لبنان، وهناك بالفعل عدد غير معروف من مقاتلي حزب الله يقاتلون إلى جانب الحوثيين، ويدربونهم على الطرق القتالية ويزودونهم بالأسلحة.
وفي أواخر شهر يونيو/حزيران الماضي، أعرب حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، عن أمنيته أن يكون جندياً في جيش الحوثيين الذي يقاتل أعداء اليمن على الجبهة الغربية للبلاد. وفي المقابل، أرسل وزير الخارجية اليمني برسالة شديدة اللهجة لنظيره اللبناني انتقد فيها تدخل حزب الله في الشؤون الداخلية لليمن.
فيما لم يرد لبنان بأكثر من قوله إنَّه لا يتفق دوماً مع سياسات جميع الفصائل السياسية في البلاد. لكن حتى لو أرادت الحكومة اللبنانية المؤقتة التحرك، فلا قدرة لديها لإجبار حزب الله على مغادرة اليمن.
التي تُقدم كل الدعم اللازم للحوثيين
مع ذلك، فإنَّ التحالف العسكري بين الحوثيين وإيران ليس بالضرورة أيديولوجياً أو حتى استراتيجياً. إذ إنَّ الزعم بأنَّه تحالف شقيقين يتجاهل حقيقة كون الحوثيين ينتمون للطائفة الزيدية، وهي مختلفة عن المذهب الشيعي التقليدي لإيران، بالإضافة إلى أنَّ المذهب الزيدي في الحقيقة يشبه كثيراً الإسلام السُنّي، وغالباً ما ينظر الشيعة في اليمن وغيره من المناطق إلى الزيدية على أنَّها مذهبٌ منحرف.
ويشكل الشيعة نحو 35% من سكان اليمن، ويُعَد الحوثيون أكبر وأهم جماعة تتبع المذهب الزيدي. لكن حتى الأقلية الزيدية ليست لها كلها نفس الطبيعة.
لكن مهلاً، فهناك تفاصيل يجب معرفتها حول علاقة طهران بالحوثيين
فعلى سبيل المثال، هناك عداء شديد بين تجمُّعين قبليين، هما حاشد وبكيل. ويقول كلاهما إنهما ينحدران من أصل واحد، ويعتنقان كذلك المذهب الزيدي، لكنَّهما تبنّيا توجهات سياسية مختلفة. فبينما دعمت حاشد الحكومة -وهي القبيلة التي ينتمي إليها علي عبد الله صالح، الرئيس اليمني السابق الذي أطاح به الربيع العربي، وقتله الحوثيون في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي- قاتلت بكيل إلى جانب الحوثيين ضد الحكومة.
ومن ثم، فإنَّ الرأي القائل بأنَّ الصلات الحوثية الإيرانية تقوم على التضامن الشيعي يعجز عن تفسير العداء بين التجمُّعين القبليين الزيديين اللذين يقاتل كلٌ منهما في طرفين متعارضين في الحرب الأهلية في اليمن.
علاوة على ذلك، فإنَّ الحوثيين أنفسهم، برغم المساعدات التي يحصلون عليها من إيران، لا يرغبون في تأسيس جمهورية إسلامية ذات قائد سياسي ومرشد ديني أعلى، على شاكلة إيران.
والانقسامات القبلية زادت من تأزيم الوضع
إذ إنَّ اليمن تسوده انقسامات قبلية مريرة. لذا فإنَّه من أجل تأسيس حكومة مستقرة، يتعين تشكيل تحالفات قبلية ودينية توحد القبائل الجنوبية مع الشمالية، والسُنّة مع الشيعة، ويجب كذلك توزيع الموزانات الحكومية والوظائف في المقام الأول وفقاً لقوة كل قبيلة، وليس بناءً على نتائج الانتخابات فقط.
ولأنَّ القبلية هي العنصر المهيمن في اليمن الذي يُحدد النتائج السياسية -وذلك على خلاف الأنظمة الدينية والسياسية المختلفة تماماً التي يتبناها لبنان والعراق- فأقصى ما قد تأمل إيران تحقيقه هو الحفاظ على صلاتها مع الحوثيين. وتلك العلاقات ستعتمد على المساعدة التي تقدمها لهم طهران، وهو ما يمكن أن يحصلوا عليه أيضاً من دول عربية أو من أميركا.
جديرٌ بالذكر أنَّه بينما قرر الحوثيون حمل السلاح بالأساس لمحاربة المعاملة التمييزية التي يتعرَّضون لها من جانب الحكومة المركزية، فقد انقضى أكثر من عقد من الزمن قبل أن تقرر إيران مد يد المساعدة لهم. أضف إلى ذلك أنَّها نصحتهم بتجنُّب اندلاع حرب شاملة، وهي الآن تسعى لإنهاء هذه الحرب.
وهو ما يفسر أن معركة اليمن هي حرب نفوذ وتوسع
غير أنَّ المعركة على أرض اليمن تحولت منذ زمنٍ بعيد إلى حرب نفوذ، تسعى فيها قوتان إقليميتان -هما السعودية وإيران- للظفر بانتصار سياسي لنفسيهما على حساب اليمنيين. وقد فشلت كافة المحاولات لحل الأزمة، سواء من جانب الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو حتى بعض الدول العربية بما فيها الكويت وعُمان.
إذ تتحطم هذه المحاولات على صخرة أفواج الشروط التي وضعتها السعودية والإمارات. وتبنَّت الدولتان حكومة هادي، برغم أنَّه هو وحكومته غير فاعلين. وأصبح وصف "الحكومة المُعترف بها" فارغاً من معناه، ولم تسفر كذلك انتصارات التحالف العربي الجزئية عن أي تغيُّر بارز في ميزان القوى في اليمن.
ويمكن للإدارة الأميركية أن تضطلع بدور حاسم في إنهاء هذه الحرب، في حال قررت الضغط على السعودية والإمارات من أجل عقد مفاوضات جدية مع الحوثيين، لكن حين تكون واشنطن بصدد الاختيار ما بين فرصة إبعاد إيران عن البحر الأحمر في مقابل استمرار المذبحة من دون انتصار، والضغط على أحد حلفائها في مقابل أن تبدو وكأنَّها تقدم الدعم لموالين لإيران، فيبدو من المستبعد أنَّها ستحرك ساكناً.
اقرأ ايضا