صحيح أن حفتر “أمن” الشرق والوفاق يُسيطر على الغرب.. لكنهم نسوا الجنوب الليبي، فهناك داعش يعيد ترتيب صفوفه

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/03 الساعة 17:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/03 الساعة 17:04 بتوقيت غرينتش
الجيش الليبي

على مدى سنوات، ظل الجنوب الليبي الصحراوي المارق خارجاً بشكل كبير عن نطاق سيطرة الحكومات المتناحرة في الدولة، يوضح تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني. وخلال معركة تحرير سرت من تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" عام 2016، فرَّ كبار قادة داعش ومقاتلوه جنوباً إلى الصحراء والمناطق الجبلية النائية، حيث استطاعوا في ظل غياب الرقابة، فهناك داعش يعيد ترتيب صفوفه.

داعش يعيد ترتيب صفوفه بالصحراء الليبية

لوح الجنرال محمد الغسري، وهو يقود على طريق ليبيا الساحلي السريع متجهاً إلى سرت، نحو الصحراء الواسعة الممتدة في الجنوب وهو يرفع صوته محدثاً الجالسين في المقعد الخلفي للسيارة: "تنظيم الدولة ينتشر في جميع أرجاء هذه المنطقة".

وفي هذا الصدد، يقول الغسري: "مع الأسف، لاتزال الصحراء الليبية مليئة بهم، داعش يعيد ترتيب صفوفه؛ لذا علينا أنَّ نتوخى الحذر الشديد ونظل متنبهين وندافع عن حدود سرت". ويقر الغسري أنَّ القوات الليبية التابعة لحكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة عجزت عن مطاردة داعش في الصحراء عقب تحرير سرت.

وأضاف الغسري أنَّ خليفة حفتر، قائد الجيش التابع لحكومة شرق ليبيا، لديه بعض القوات في المنطقة، "لكن الحقيقة أنَّ الجنوب خارج تماماً عن أي سيطرة حكومية".

وفي تصريح لموقع Middle East Eye البريطاني، أيد أحد شيوخ قبائل سرت ما قاله الغسري؛ وقال إنَّ العناصر المسلحة، بما في ذلك فلول تنظيم الدولة والقاعدة، يشغلون مساحة واسعة تمتد من أطراف مدينة بني وليد معقل الموالين لمعمر القذافي، وحتى منطقة الجفرة جنوباً وأطراف منطقة الهلال النفطي شرقاً -جنوب مينائي تصدير البترول رأس لانوف وبريقة اللذين يدور حولهما نزاعٌ كبير.

وأضاف المصدر القَبَليّ: "أصبحت هذه المنطقة مليئة الآن بالإرهابيين الذين يتزايد نشاطهم"، في إشارة إلى تصاعد هجمات داعش مؤخراً ضد منشآت نفطية وقرى صحراوية نائية، حيث تعرض أفراد أمن للاغتيال وتعرض مدنيون للاختطاف.

والقوات الليبية تجد صعوبة كبيرة في مواجهتها

من جانبه، قال العقيد علي رفيدة، قائد القوات الليبية المسؤولة عن تأمين سرت، إنَّ رجاله لم يكونوا مسلحين بما يكفي لشن عمليات في الصحراء، رغم إدراكهم التام بتزايد تواجد داعش جنوب المدينة.

وأضاف: "نحن قلقون جداً بشأن مناطق جنوب سرت؛ لأن تقاريرنا الاستخبارية توضح أنَّ داعش يتواجد على مقربة شديدة منها، في مدينة الجفرة على بعد نحو 100 كم من آخر مواقعنا العسكرية، غير أنَّ الطبيعة الجغرافية لمنطقة جنوب سرت تمثِّل تحدياً لنا، ولا تتوفر لدينا المركبات الملائمة لاجتيازها؛ لذا نجد صعوبة بالغة في السيطرة على هذه المنطقة".

وتابع رفيدة أنَّ الدعم اللوجستي، الذي كان شحيحاً في الأصل إبان معركة عام 2016 ضد داعش في سرت، قد توقف تقريباً عقب تحرير المدينة. وعدّد الإمدادات الأساسية التي تحتاجها قواته: قطع غيار، وإطارات جديدة للمركبات العسكرية، وذخيرة ومعدات للرؤية الليلية.  

الجيش الليبي الوطني وجد صعوبة في مواجهة مقاتلي داعش
الجيش الليبي الوطني وجد صعوبة في مواجهة مقاتلي داعش

وقال: "لانزال نقوم بعمليات استطلاع؛ لأننا لا يمكننا أنَّ نكتفي بالجلوس هنا بانتظار أنَّ يهاجمنا داعش. لابد أنَّ نصل إليهم قبل أنَّ يصلوا إلينا".

وأضاف: "الوضع حالياً أنهم يشنون بالفعل هجمات ضدنا من آنٍ لآخر، فقط ليظهروا لنا أنهم مازالوا هنا، وتندلع بيننا معارك صغيرة. غير أنَّ منطقة جنوب سرت واسعة وطبيعتها معقدة، في ظل وجود الكثير من الوديان والمناطق الجبلية والمستنقعات، وهو ما يجعل من هذه الأماكن في ظل قدراتنا المحدودة حالياً -وخاصة نقص المركبات الملائمة- أوكاراً آمنة لداعش".

لجأ مقاتلو داعش في ليبيا، أثناء إعادة تنظيم صفوفهم في المناطق الصحراوية والريفية النائية، إلى شن عمليات تمرد وقطع الطرق لإيجاد مصدر لتمويل قواتهم؛ إذ يقبعون في انتظار مرور السائقين على امتداد الطريق الرئيسي من الساحل في اتجاه مدينة سبها الصحراوية وسط ليبيا، ويستهدفون المركبات المحملة بالبضائع، وناقلات الوقود، وسيارات المدنيين العادية.

خاصة وأن أعدادهم في تزايد بالتحاق مقاتلين أجانب

قال رفيدة إنَّ المهاجرين غير النظاميين، الذين يتحركون بسهولة عبر الحدود الليبية المليئة بالثغرات، وكان كثير منهم من بين المقاتلين الأجانب في سرت، مازالوا ينضمون لتنظيم الدولة، وهناك داعش يعيد ترتيب صفوفه.

وأضاف: "المهاجرون غير الشرعيين الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا يأتون إلى ليبيا من أجل المال، ويحصلون على مبالغ جيدة من داعش؛ لذا وفقاً لتقاريرنا الاستخباراتية يتزايد عدد مقاتلي داعش غير المعروفين بشكل مستمر مع انضمام هؤلاء المقاتلون الأجانب إليه. فخلال آخر معاركنا في سرت، أسرنا الكثير من مقاتلي داعش الأجانب، وأقروا أنهم انضموا لداعش لأن المقابل المادي ممتاز".

وكشف مسؤولو مكافحة الهجرة غير الشرعية العاملين بصحراء جنوب ليبيا -في تصريح لموقع Middle East Eye عام 2015- أنَّ داعش سيطر على طريق تهريب البشر من السودان، وهو الطريق الأعلى تكلفة للهجرة غير الشرعية إلى ليبيا. الآن وبعد مرور ثلاث سنوات، لم يتغير الكثير، إذ لا تزال عمليات تأمين الحدود الليبية الجنوبية الممتدة في يد متطوعين من المليشيات المحلية في المقام الأول، هذا إن وُجد تأمينٌ أصلاً.

كما أن الاقتتال بين الليبيين "يوفر بيئة مثالية لازدهار داعش"

لكن شيخ القَبَلي لم يتفق مع فكرة عدم قدرة داعش على السيطرة على أراض ليبية كما حدث عام 2015؛ مشيراً إلى أنَّ التنظيم يزدهر أينما وُجِد انقسام ونزاع مدنيين. وقال الشيخ: "الاقتتال بين الليبيين يوفر بيئة مثالية لازدهار داعش، كما رأينا من قبل. وإذا استمر الانقسام في ليبيا، سيعود داعش".

وقال مسؤول مكافحة الهجرة غير الشرعية، اللواء محمد التميمي، الذي يرأس نقطة تفتيش في شمال سبها: "لا تزال هناك نزعة قوية لدى الإرهابيين والمتشددين بالقدوم إلى ليبيا. وينتشر داعش في جميع أنحاء الصحراء في اتجاهات مختلفة، ويشكِّل مسلحوه تهديداً كبيراً. وتضم صفوف داعش في الجنوب أغلب من فروا من سرت إلى الجفرة وكذلك المهاجرين المجندين حديثاً. ويتربصون بالمارة على الطريق من سبها إلى الجفرة، وينصبون نقاط تفتيش مزيفة حين ينفد ما لديهم من موارد. ويبقون ساكنين إذا كان لديهم مؤن".

ووصف التميمي قوات داعش المتواجدة في الصحراء بأنها خليط من الليبيين والأجانب، أغلبهم من دول إفريقيا الواقعة جنوب الصحراء الكبرى.  وقال التميمي: "ما نواجهه الآن هو خلايا داعشية نائمة ونحن نحاول التعرف عليها؛ لإعداد قاعدة بيانات بها وبمواقعها. نبذل قصارى جهدنا للسيطرة على الموقف".

بل إنهم يشكلون تهديداً حقيقياً

وعلى مدى سنوات، ظل المهاجرون غير الشرعيين يسافرون من مركز التهريب في سبها بليبيا نحو الساحل عبر مدينة بني وليد، معقل مؤيدي القذافي، حيث يرفرف العلم الوطني الأخضر السابق لليبيا في أرجاء المدينة. ويقول السكان إنَّ المناطق الريفية على أطراف المدينة تمثل ملاذاً لكبار قادة داعش الذين فروا من سرت حتى قبل بدأ معركة تحرير المدينة عام 2016.

صعوبة المنطقة جغرافيا صعب مهمة القوات الليبية
صعوبة المنطقة جغرافيا صعب مهمة القوات الليبية

وقال الغسري: "هناك واديان قريبان من هذه المنطقة -وادي اللود ووادي الباي الواقع قرب الجفرة- لجأ أغلب عناصر داعش للاختباء بهما بعد أن ألحقنا بهم الهزيمة في سرت. وبعد الهزيمة، لم يستسلم داعش، فقط تحولوا إلى حالة من الكمون. وهم آخذون في الانتشار تدريجياً، ومازالوا يشكلون تهديداً، لكن لن يبنوا دولة أو يرفعوا علمهم الأسود في ليبيا مرةً أخرى أبداً".

وأثارت العلاقات المتوترة عقب عام 2011 بين مدينتي بني وليد ومصراتة، التي قادت العمليات ضد داعش في سرت، مخاوف داخل المدينة حول إمكانية اتخاذ داعش من المدينة مأوىً له.

على الرغم من "الهجمات" التي شنتها القوات الغربية

شنت القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا "أفريكوم" عدة غارات جوية على المناطق النائية من بني وليد، آخرها في شهر يونيو/حزيران. ورغم أنَّ وسائل إعلام محلية ومنظمة حقوقية ليبية زعمت أنَّ هذه الضربات أسفرت عن خسائر في أرواح المدنيين، ذكرت أفريكوم أنَّ الضربات لم تقتل سوى 4 مسلحين من داعش، بينهم قائد عسكري، دون أنَّ تسفر عن أي قتلى في صفوف المدنيين.

وأعلنت الولايات المتحدة في ديسمبر/كانون الأول 2016 أنها أنهت حملتها الجوية في ليبيا بعد أنَّ حققت أهدافها الأساسية، غير أنها منذ ذلك الوقت أعلنت تنفيذ ما لا يقل عن 10 عمليات قصف جوي، أغلبها في المناطق الصحراوية جنوب سرت.

وكشف مصدر من مدينة مصراتة لموقع Middle East Eye، أنَّ قوات دولية من الولايات المتحدة وبريطانيا وإيطاليا تتمركز في قواعد عسكرية في مصراتة منذ بداية الحرب ضد داعش عام 2016، ولم تبدِ أي نيةٍ للرحيل.

ويُقدَّر عدد الجنود الإيطاليين الموجودين في قاعدة في مصراتة بعدة مئات، ويُعتقد أنهم يؤمون مشفىً ميدانياً شيدوه في المدينة قرب نهاية معركة سرت، إلى جانب وجود عدد أصغر من القوات الأميركية والبريطانية في قواعد منفصلة شيدت لهدف محدد.

وقال المصدر إنَّ الهدف الوحيد من وجود هذه القوات الغربية هو "حماية مصالح دولها". بينما شددت مصادر محلية أخرى على أنَّ عدد القوات الأجنبية المتمركزة في مصراتة يصل إلى 1600.

والتي أصبح وجودها المستمر "مثيراً للجدل"

ورغم أن مساعدة القوات الدولية كانت محل ترحيب خلال معركة سرت عام 2016، أصبح وجودهم المستمر -حتى وإن كان ضئيلاً- مثيراً للجدل، مع رفض وحدة ليبية عسكرية واحدة على الأقل العمل معهم.

وذكر أحد أفراد الكتيبة 166 أنه عقب تحرير سرت، نفذت الولايات المتحدة هجمات وعمليات استطلاع بطائرات بدون طيار، لكن لم يُسمح لقواتها بمرافقة القوات البرية خلال عمليات تمشيط الصحراء الليبية. وكانت الكتيبة 166 من بين آخر الوحدات الليبية التي انسحبت من سرت عقب سيطرة داعش عليها، وهي كذلك إحدى الكتائب الوحيدة التابعة لحكومة الوفاق الوطني التي تستطيع الآن القيام بدوريات في الصحراء.          

في ظل وجود شكوك حول الأجندة الأميركية بالمنطقة

وقال فرد الكتيبة -الذي اشترط عدم الكشف عن هويته- في وقت سابق من العام الجاري إنَّ الأميركيين أصروا على أنهم بحاجة إلى إجراء عمليات استطلاع ميدانية، وسُمح لهم في البداية بمرافقة دوريتين مع الكتيبة 166. وطلبوا مرافقة دورية ثالثة، لكن قائد الكتيبة رفض، فيما يبدو بسبب شكوك راودته حول دوافع وأجندة خفية.

وقال الغسري إنَّ أفريكوم وقوات دولية أخرى متمركزة في ليبيا تراقب الوجود الداعشي في صحراء ليبيا وتبقيه تحت السيطرة. لكن لم يبدُ أنَّ الضربات الجوية كان لها تأثيرٌ كبير على قدرة داعش على شن هجمات منتظمة في جنوب ليبيا، وهي هجمات تستهدف بشكل متزايد المدنيين والجيش.             وفي 25 يوليو/تموز، شنت عناصر داعش هجوماً على نقطة تفتيش ومركز شرطة في مدينة العقيلة الصحراوية، أسفر عن مقتل جنديّين، مع مزاعم  برفع علم التنظيم على مركز الشرطة قبل التصدي للهجوم وطرد العناصر مرة أخرى نحو الصحراء في معركة قُتل خلالها 12 من مسلحي التنظيم.  


اقرأ أيضا

استولى عليها ويعرف أنها مفتاح امتلاكه كل ليبيا.. حفتر يرفض تسليم الحقول النفطية لحكومة طرابلس والخسائر كارثية

درنة الليبية التي أعلن حفتر الهجوم عليها.. كيف تحولت مدينة الشعراء إلى مركز للجهاديين؟

علامات:
تحميل المزيد