سر مقتل 3 صحافيين روس ذهبوا إلى قلب إفريقيا لتوثيق عمل مرتزقة بلادهم.. أصابع الاتهام تتجه إلى الكرملين

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/02 الساعة 15:29 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/02 الساعة 15:32 بتوقيت غرينتش
صور للصحافيين الروس الذين قتلوا في إفريقيا الوسطى

أُردي ثلاثة روسيين ينتجون فيلماً وثائقياً عن قوَّاتٍ مرتزقة على علاقة وثيقة بالكرملين قتلى، في جمهورية إفريقيا الوسطى، هذا الأسبوع، مسلِّطين الضوء على المخاطر التي يواصل الصحافيون الروس تحديها إلى الآن، رغم تزايد أعداد من يقضون نحبهم في مجال عملهم.

وفقاً لتصريحات مسؤولين محليين، نقتلها عنهم وكالات أنباء، قُتِل الصحافيون بالرصاص في كمينٍ نُصِب لهم أثناء قيادتهم السيَّارة عبر البَلَد الذي مزَّقته الحرب، وفق ما نقله تقرير لصحيفة The Washington Post الأميركية.

وقالت الوكالة الإخبارية التي كان يعمل الصحافيون المقتولون لصالحها، إنَّهم كانوا يحقِّقون بأمر متعهِّدين عسكريين روس يعملون في جمهورية إفريقيا الوسطى، حيث يستعين الرئيس فوستين أركانج تواديرا بروسيا بصفتها مورِّدة للأسلحة والتدريب العسكري على خلفية الحرب الأهلية الدموية الدائرة في بلاده.

كانوا في مهمة بتمويل من "ملياردير معارض"

كان الرجال الثلاثة -وهُم أورهان جيمال، وكيريل رادشينكو، وألكسندر راستورقويفا- بين الروس الذين استمروا بتبنِّي نهج الصحافة الاستقصائية المستقلِّة، برغم الحملة القمعية التي يشنُّها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على حرية الصحافة، واقفين في وجه العنف الذي عادةً ما يُرتَكَب بحق الصحافيين. وفي الأسابيع الأخيرة فقط، مات صحافيان روسيان آخران في ظروفٍ غامضة بمدينة نيجني نوفغورود الروسية.

موَّل ميخائيل خودوركوفسكي، ملك صناعة النفط الروسي سابقاً والمَنفي حالياً، صناعة الفيلم الوثائقي عن المرتزقة، باعتباره جزءاً ممَّا قال إنَّه دعمٌ بقيمة ملايين الدولارات يقدِّمه سنوياً للإعلام الروسي.

لم ينج سوى السائق من الهجوم الذي تعرض له الصحفيين
لم ينج سوى السائق من الهجوم الذي تعرض له الصحفيين

وفي مقابلةٍ أُجريت معه يوم الأربعاء، 1 أغسطس/آب، قال خودوركوفسكي إنَّه عازمٌ على كشف مَن كان وراء مقتل الصحافيين، وإنَّه من المبكِّر جداً إلقاء اللوم على الكرملين أو غيره. وقال رجل الأعمال إنَّه سيتدخَّل بشكلٍ وثيق في تقييم المخاطرة الواقعة على الصحافيين من جانب وكالات الأخبار التابعة له مستقبلاً، وإنَّه لن يتوقَّف عن تمويل الصحافة الاستقصائية.

وقال خودوركوفسكي في اتصالٍ هاتفي من مدينة لندن: "إنَّ الصحافة هي إحدى طرقٍ قليلة يمكننا بها التأثير على الوضع الحالي في البلاد. عندما تكتب وكالات الأنباء، حتى الصغيرة منها، عن شيءٍ ما فإنَّه يحظى بالاهتمام حتى لو كان ذلك بين فئةٍ قليلة من العامة، وهذا قد يثير حساسية ما لدى السلطات فتتراجع عن عدائيتها".

في محاولة لكشف خروقات "المرتزقة الروس"

وفي السنوات الأخيرة، وثَّق صحافيون روس أعمال "مزرعة اللجان الإلكترونية" التي أدارتها سانت بطرسبورغ، التي حاولت التأثير على نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016، ونشاطات القوَّات الروسية في أوكرانيا والمرتزقة الروس في سوريا، وسيلاً من الأمثلة التي تشير لفسادٍ وإساءة في الداخل الروسي. وفي الأسبوع الفائت، اعتُقِل ستة حرَّاس سجنٍ روس، بعد أن نشرت الصحيفة الروسية المستقلَّة Novaya Gazeta فيديو يصوِّر حادثة تعذيبٍ داخل سجن روسي.

ووفقاً للجنة حماية الصحافيين الأميركية، فإنَّه منذ عام 2000، قُتل 28 صحافياً روسياً على الأقل في روسيا.

وفي يوم الأربعاء، 1 أغسطس/آب، قالت وزارة الخارجية الروسية ووسائل الإعلام الإخبارية الموالية للكرملين، إنَّ الصحافيين المقتولين هذا الأسبوع قد يقع عليهم بعضٌ مِن لوم مقتلهم. ونقلت وكالة RIA Novosti الإخبارية التابعة للدولة الروسية عن خبيرٍ روسي بشؤون إفريقيا قوله، إنَّ الصحافيين ماتوا في "حادثة سرقة نمطية وسط النزاع  الدائر في البلاد". وخمَّنت صحيفة Komsomolskaya Pravda، وهي أكبر الصحف الصفراء في روسيا، أنَّ أجهزة الاستخبارات الغربية قد تكون قد نفَّذت جريمة القتل تلك لتنزِع الثقة في المصالح الروسية في جمهورية إفريقيا الوسطى.

من هي مجموعة فاغنر؟

وكان ضابط سابق في الاستخبارات الروسية يدعى ديمتري أوتكين أنشأ مجموعة فاغنر. وشاركت الشركة ابتداء من يونيو/حزيران 2014، في المعارك شرقي أوكرانيا إلى جانب الانفصاليين الموالين للروس.

كما اشتهرت في سوريا، حيث تتحرك بموازاة الجيش الروسي دعماً لنظام بشار الأسد، منذ سبتمبر/أيلول 2015.

ويفيد خبراء لديهم معلومات حول مجموعة فاغنر، بأنها تضم آلاف المرتزقة، وأنها لعبت دوراً كبيراً في العمليات الروسية شرقي سوريا، وفي استعادة مدينة تدمر.

وركّزت الأضواء على المجموعة، في فبراير/شباط الماضي، عندما أعلنت واشنطن مقتل ما لا يقل عن مئة مقاتل موال للنظام السوري في منطقة دير الزور.

وبعد أيام من الصمت، أقرَّت موسكو بمقتل خمسة مواطنين روس في هذا القصف، إضافة إلى إصابة العشرات، موضحة أنهم جميعاً "توجَّهوا إلى سوريا بمبادرات فردية". إلا أن وسائل إعلام أكدت أن عدد قتلى هذا القصف تجاوز مئتين، غالبيتهم الساحقة من الروس.

ويبدو أن ممول مجموعة فاغنر هو رجل أعمال مقرب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويدعى يفغيني بريغوجين. وقد وقع عقوداً عدة مع الجيش أو الإدارة الروسية.

ويلاحق القضاء الأميركي بريغوجين بتهمة الوقوف وراء الحملات عبر الإنترنت، بهدف التأثير على انتخابات الرئاسة الأميركية عام 2016 لصالح دونالد ترمب.

إلا أن الحكومة الروسية كان لها رأي آخر

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، إنَّ المسؤولين المحليين في الدولة الإفريقية قد أبلغوا أنَّ الصحافيين تجاهلوا التحذيرات الموجَّهة لهم بأنَّهم كانوا يدخلون منطقةً خطِرة.

وقالت ماريا في منشورٍ عبر حسابها على موقع فيسبوك: "يظل التساؤل مفتوحاً حول ما كانوا يفعلونه في جمهورية إفريقيا الوسطى، وماذا كانت أهدافهم ومهامهم هُناك". وقالت إنَّ الصحافيين كانوا قد دخلوا البلاد بتأشيراتٍ سياحية -دون الحصول على تفويض مناسب- وإنَّهم لم يطلبوا النصيحة الأمنية من وزارة الخارجية الروسية قبل قيامهم بتلك الرحلة.

وأخبر أندري كونياخين، وهو محرِّر لدى مركز إدارة التحقيقات Investigations Management Center -وهي الوكالة الإخبارية التابعة لخودوركوفسكي التي كان يعمل الصحافيون الثلاثة لصالحها- وكالة أنباء أسوشيتد برس، أنَّ المراسلين قد استخدموا تأشيراتٍ سياحية حتى يتسنَّى لهم العمل في تستُّر، وأنَّه يشكُّ بكونِهم قد تعرَّضوا للسرقة.

وأخبر المحرِّر أسوشيتد برس: "نُفِّذَت الجريمة بشكلٍ استعراضي جداً. إذا كان بإمكانهم سرقة كل ما معهم، لِمَ قتلوهم؟".

فقد حاولوا الدخول إلى قاعدة عسكرية "دون ترخيص"

هبطت طائرة الصحافيين الثلاثة في العاصمة بانغي صباح يوم السبت، 28 يوليو/تموز، وفقاً لما قاله مركز إدارة التحقيقات. وفي يوم الأحد، 29 يوليو/تموز، حاولوا عبثاً الدخول إلى قاعدة عسكرية، حيث اعتقدوا أنَّ مرتزقة روساً يدرِّبون جيش البلاد. ووفقاً للوكالة، فإنَّ الصحافيين انطلقوا يوم الإثنين، 30 يوليو/تموز، في رحلةٍ بالسيارة لمسافة 370 كيلومتراً، قاصدين مدينة بامباري، حيث أملوا أن يتواصلوا مع جهاتٍ حكومية، وكي يزوروا منجماً للذهب هُناك.

قد وقعت جمهورية إفريقيا الوسطى ضحيةً لفترة بلغت أكثر من 20 عاماً حتى الآن، لنزاعٍ اتَّخذ في السنوات الأخيرة منحنى دينياً صريحاً. وفي عام 2013، خلعت ميليشيات سيليكا المسلمة الرئيس الأسبق فرانسوا بوزيزيه، وقد ظلَّت منذ ذاك في قتالٍ مستمر مع "أنتي-بالاكا"، وهي ميليشيات ذات أغلبية مسيحية. وقد ارتكبت كلتا الجماعتين أعمالاً وحشية في البلاد.

قوات روسية بسوريا
قوات روسية بسوريا

وسط هذه المجزرة، استغلَّت روسيا الفرصة لخلق نفوذٍ لها في منطقة إفريقيا، أدنى جنوب الصحراء الكبرى. وفي شهر مارس/آذار الفائت، قال وزير الخارجية الروسي، إنَّ موسكو تتعاون مع جمهورية إفريقيا الوسطى الغنية بالألماس والذهب، لدراسة "تطوير الموارد الطبيعية بجمهورية إفريقيا الوسطى بشكلٍ يعود بمنفعةٍ متبادلة على الطرفين". حصلت روسيا كذلك على موافقة الأمم المتحدة بأن توصِل شحنة صغيرة من الأسلحة والذخائر إلى حكومة البلاد، وأن توفِّر لها خمسة مدرِّبين عسكريين و170 مرشداً مدنياً.

إلا أنهم تعرّضوا للقتل بينما نجا سائقهم!

وقُتل الصحافيون على ما يبدو أثناء تِلك الرحلة، لكنَّهم كانوا على طريقٍ يقع شمال المسار، الذي كان متوقَّعاً منهم اتِّخاذه. ووفقاً للوكالات الإخبارية، فإنَّ سائقهم قد نجا من الهجوم.

قال مركز إدارة التحقيقات إنَّ الصحافيين كانوا يحقِّقون في أمر مرتزقة تُشرِف عليهم مجموعة Wagner، وهي شركة عسكرية خاصة يُقال إنَّها على صلةٍ برجل الأعمال يفغيني بريغوجين، وهو قُطب أعمال تعهُّد الطعام المقرَّب من بوتين. ووُجِّهت لبريغوجين نفسه تهم من قبل المستشار الخاص روبرت مولر الثالث، لتورُّطه المزعوم في تدخُّل مزرعة اللجان الإلكترونية في سانت بطرسبورغ في الانتخابات الأميركية عام 2016.

وقال خودوركوفسكي، مفسِّراً لِمَ أعطى موافقته لإنتاج هذا الفيلم الوثائقي: "انتهيت لأنَّه في حالتنا، فإنَّ هذا الموقف الحالي، أي وجود هذا النوع من هياكل المرتزقة المفتقرة إلى الشفافية، لَهو أمرٌ أخطر ممَّا هو عليه في العموم. غداً يمكِن استخدام هؤلاء المرتزقة للتعامل مع مشكلات في الداخل الروسي، من خلال الاستعانة بعناصر غير حكومية".

لا آثار تعذيب على جثامين الصحافيين

وأعلنت وزارة الخارجية الروسية، الخميس 2 أغسطس/آب 2018، أن جثامين الصحافيين الروس، الذين قتلوا بأيدي "خاطفين يعتمرون عمامات" في جمهورية إفريقيا الوسطى، لا تحمل أي أثر لتعذيب.

وقالت الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، في تصريحات نقلتها وكالات الأنباء الروسية: "حسب المعلومات التي قدمت إلى السفارة الروسية في إفريقيا الوسطى، لم يجد الأطباء خلال فحص أولي أي أثر لتعذيب، بل وجدوا جروحاً بالرصاص فقط".

وصرَّح المتحدث باسم حكومة إفريقيا الوسطى ماكسيم كازاغي، بأن الصحافيين الروس الثلاثة قُتلوا بأيدي 9 "خاطفين يعتمرون عمامات" قاموا بسرقة سيارتهم، حسب ما أوردته وكالة الأنباء الفرنسية. وقد عثر على جثثهم، الثلاثاء، بالقرب من سيبوت في وسط إفريقيا الوسطى.

وبدأ قضاء إفريقيا الوسطى والسلطات الروسية وبعثة الأمم المتحدة في هذا البلد تحقيقاً حول ملابسات مقتل مراسل الحرب أورخان جمال، وصحافي التوثيق ألكسندر راستورغوييف، والمصور كيريل رادتشينكو. وقال كازاغي إن أحدهم قتل على الفور، والاثنين الآخرين توفيا متأثرَين بجروحهما.


اقرأ ايضا

رحلات غامضة وسرّية يقوم بها "المرتزقة الروس" إلى سوريا.. صحفي تتبع العملية، وشركات طيران متورطة

تفاصيل أعنف معركة بين المرتزقة الروس والقوات الخاصة الأميركية في سوريا.. مواجهة كادت تشعل حرباً بين أقوى جيشين بالعالم

علامات:
تحميل المزيد