تركيا تسعى لإنقاذ المناطق المتبقية بيد المعارضة السورية من الأسد عبر تطهيرها من القاعدة.. وهكذا يحاول الأكراد كسب الوقت

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/02 الساعة 20:47 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/02 الساعة 20:49 بتوقيت غرينتش
قوات كردية مدعومة من وحدات للجيش الأميركي

تشهد المناطق التي ما زالت خاضعة للمعارضة في شمالي سوريا  تحركات واسعة، في محاولة لتطهيرها من العناصر المتطرفة، وحمايتها من هجوم محتمل لقوات الأسد.

وتعمل تركيا على طرد الجماعات المرتبطة بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) والقاعدة من محافظة إدلب، لكي تتجنب شن هجوم كبير من جانب دمشق، ضد آخر معقل للمعارضين المسلحين في سوريا، حسب تقرير لموقع The Middle East Eye البريطاني.

ووفقاً لمصدر دبلوماسي تركي يعمل في الشأن السوري منذ 6 سنوات، تعمل أنقرة مع جماعات معارضة أخرى في إدلب، للقضاء على المسلحين، في وقت تُسيطر فيه هيئة تحرير الشام، التي كانت تابعة في السابق لتنظيم القاعدة في سوريا، على معظم إدلب.

اجتماع مع الروس والإيرانيين.. وهذه شروطهما لدرء الهجوم

واجتمع مندوبون من تركيا وإيران وروسيا في مدينة سوتشي الروسية يوم الإثنين 30 يوليو/تموز 2018، لإجراء محادثات على مدار يومين، التي تهدف إلى حل الوضع في شمالي سوريا.

وقال أحد قادة المعارضة السورية، الذي تحدَّث إلى موقع Middle East Eye البريطاني، بشرط عدم الكشف عن هويته، إنَّ روسيا وإيران تعطيان الأولوية أيضاً لإزالة المسلحين من إدلب، بدلاً من التخطيط لهجوم شامل، رغم تهديدات الرئيس السوري بشار الأسد باستعادة الأراضي.

وتعد إدلب، التي يبلغ عدد سكانها مليوني نسمة، واحدة من "مناطق خفض التصعيد"، التي وافقت عليها الدول الثلاث بعد محادثات سابقة في مدينة أستانا، عاصمة كازاخستان.

ولهذا السبب أميركا سعيدة بالخطة

الولايات المتحدة كانت سعيدة بالخطة الروسية التركية بشأن إدلب، حسب القيادي بالمعارضة السورية.

والسبب أن هذه الخطة تعني أنَّ المعارضة السورية المدعومة من تركيا هي التي ستسيطر على المدينة، بدلاً من إيران والقوات المدعومة من الحكومة السورية.

 وقد أقامت تركيا 12 مركزاً للمراقبة في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة بإدلب، في حين أنشأ الإيرانيون والروس مراكز في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية.

ويوجد حوالي 70 ألف من مقاتلي المعارضة المدعومين من تركيا في إدلب ومنطقة عفرين، التي كان يسيطر عليها الأكراد سابقاً.

هكذا تحولت إدلب لإمارة تسيطر عليها القاعدة

 وسيطرت هيئة تحرير الشام على مدينة إدلب (شمالي سوريا) في يوليو/تموز 2017، إثر انسحاب حركة أحرار الشام من مواقعها بعد يوم من اتفاق أوقف المعارك بينهما.

وآنذاك، قال سكان ومقاتلون من المعارضة السورية، إن "هيئة تحرير الشام" التي تضم جماعة كانت تابعة لتنظيم القاعدة عززت سيطرتها على مناطق واسعة من محافظة إدلب شمال غربي سوريا، بعد انسحاب منافسيهم الرئيسيين من معبر حدودي أساسي مع تركيا.

وجاء الانسحاب بموجب اتفاق لوقف إطلاق النار، توصلت له الجماعتان بعد معارك شرسة.

وقبل الاتفاق طوّقت هيئة تحرير الشام، وهي تحالف يضم جبهة فتح الشام التي كانت تعرف سابقاً باسم "جبهة النصرة" المرتبطة بالقاعدة، مقاتلي حركة أحرار الشام قرب المعبر الحدودي بين سوريا وتركيا، بعد أن حققت مكاسب في منطقة استراتيجية على طول الحدود بطرد خصومها من بلدات وقرى في المحافظة.

وأدَّت هذه الأحداث التي وقعت قبل عام لانسحاب حركة أحرار الشام التي تحظى بدعم تركيا ودول خليجية من مدينة إدلب، لتهيمن هيئة تحرير الشام على المدينة وإداراتها، حسبما ذكر آنذاك مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبدالرحمن.

موسكو تنفي احتمالات الهجوم على إدلب، وهذا ما فعلته تركيا

ومن جانبه، أوضح ألكسندر لافرينتييف، المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا، للصحافيين الروس بعد المحادثات، أنَّ ما مِن حديثٍ يجري في الوقت الحاضر عن شنِّ عملية أو هجوم واسع على إدلب.

وقال: "نأمل أن تتمكن المعارضة مع شركائنا الأتراك من تحقيق الاستقرار في هذه المنطقة؛ لأنَّ التهديد القادم من هذه المنطقة لا يزال كبيراً".

وكخطوة أولى، استخدمت تركيا يوم الثلاثاء 31 يوليو/تموز، سلطتها على الجماعات في إدلب، لإزالة نقطة تفتيش تسيطر عليها هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً).

كانت نقطة التفتيش هذه هي الأكبر، المُسيطر عليها من جانت هيئة تحرير الشام على الطريق الرئيسي بين حلب ودمشق، وهو طريق حاسم لجميع الأطراف.

ولروسيا هدف أساسي من إدلب بعد أن ذاقت قاعدتها الجوية الويل 

الطائرات بدون طيار التي استخدمت لمهاجمة المواقع العسكرية الروسية في سوريا

تريد روسيا منع أي هجمات على قاعدتها الجوية العسكرية في معقل اللاذقية الحكومي، وفقاً لما ذكره القائد بالمعارضة السورية.

ولتحقيق ذلك تعتزم موسكو تطهير مدينة جسر الشغور والقرى الواقعة على جبل التركمان، على حدود تركيا، من أي وجود عسكري.

وقاعدة حميم هي القاعدة العسكرية الروسية الرئيسية في سوريا، وبها المقر الرئيسي للعمليات العسكرية الروسية، وتقع شمال غربي محافظة اللاذقية.

وتعرَّضت القاعدة إلى سلسلة من الهجمات الغامضة، منها هجمات بطائرات من دون طيار.

ففي مارس/آذار 2018، أحبطت القوات الروسية في قاعدة حميميم الجوية، هجوماً بواسطة طائرات دون طيار.

وفي مطلع 2018، أحبطت القوات الروسية هجوماً بطائرة بلا طيار على قاعدة حميميم الجوية، بعيد أيام من تقارير أفادت بتعرض القاعدة لهجوم صاروخي أدى إلى تضرر عدة طائرات.

وقبلها بأيام قتل جنديان روسيان في قصف بقذائف الهاون نفَّذته جماعات مسلحة على القاعدة الروسية الواقعة على الساحل السوري.

ولكن مهلاً ما علاقة أوكرانيا بالأمر؟

في ذلك الوقت أعلنت وزارة الدفاع الروسية، أن القوات الخاصة الروسية تمكَّنت من القضاء على المجموعة التخريبية، التي أطلقت قذائف على قاعدة "حميميم"، في 31 ديسمبر/كانون الأول 2017.
وجاء في بيان صادر عن الوزارة آنذاك "أنه تم تحديد مكان تمركز المجموعة التخريبية المسلحة إلى الغرب من حدود محافظة إدلب. ولدى وصول الإرهابيين إلى الموقع تم القضاء على المجموعة بأكملها، بواسطة ذخائر عالية الدقة".

وبحسب "الدفاع" الروسية فقد جرى تدمير مستودع يستخدمه الإرهابيون لتخزين الطائرات المسيرة في إدلب.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أعلن قبلها أن تركيا لا علاقة لها بالهجوم بالطائرات المسيّرة على الأهداف العسكرية الروسية في سوريا.

وقالت هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية، آنذاك، إن نتائج تحليل الطائرات بلا طيّار التي استخدمها المسلحون لمهاجمة القاعدة تشير لاستحالة صناعة طائرات بلا طيار من هذا النوع محلياً.
وأوضحت أن القطع لتجميع طائرة بلا طيار يمكن شراؤها بحرّية، لكن تجميع الطائرة واستخدامها يتطلب تدريباً خاصاً وخبرة في هذا المجال.
وقالت إن المادة المتفجرة المستخدمة بها تُنتج في عدد من البلدان، بما في ذلك أوكرانيا".

كما وجهت مصادر روسية اتهامات للولايات المتحدة بالضلوع في هذه الهجمات.

وأنقرة تحذر من الهجوم وتذكر روسيا وإيران باتفاقية الأستانا

وإذا استولى الجيش السوري على المنطقة، سيسيطر بذلك على الطريق الوحيد المؤدي إلى اللاذقية، وتمتلك تركيا حالياً مركزَي مراقبة في تلك المنطقة.

وقال وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، في أواخر يونيو/حزيران 2018 في مقابلة، إنَّ أنقرة حذرت روسيا وإيران من أنَّ أي هجمات على إدلب ستنهي محادثات أستانا وسوتشي.

وذكَّرهم بأنَّ جميع الجماعات التي تعتبرها روسيا وإيران "إرهابية" أُحضرت إلى إدلب بعد دعم الأخيرة هجمات على حلب ومناطق أخرى في الجنوب.

وقال البيان المشترك بعد المحادثات: "أكدَّنا أنَّ منطقة خفض التصعيد في إدلب هي جزء أساسي من اتفاقية أستانا، وأنه يجب الحفاظ على الالتزام بها".

وبالنسبة للأكراد فإن المحادثات الأميركية – التركية توصلت لخارطة طريق

كان من المقرر أن يقوم الجنرال كورتيس سكاباروتي، رئيس القيادة الأوروبية الأميركية والقائد الأعلى لقوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) في أوروبا، بزيارة إلى أنقرة، أمس الأربعاء 1 أغسطس/آب، للتحدث عن سوريا مع نظرائه.

وافق جاويش أوغلو ونظيره الأميركي مايك بومبيو، في يونيو/حزيران، على خارطة طريق بشأن مدينة منبج، تشمل انسحاب قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة من المدينة السورية الشمالية الغربية.

واقترحت الاتفاقية مدة ثلاثة أشهر للانسحاب، لكنها لم تبدأ بعد.

ويتمركز الجيش التركي وقوات المعارضة المدعومة من تركيا شمال منبج، مما يجعل نهر الساجور جبهة أمامية بين قوات سوريا الديمقراطية وقوات المعارضة السورية.

ونفذ الجيشان الأميركي والتركي بعد الاتفاقية 23 دورية مُنسَّقة، حيث كانت تركيا في الشمال والولايات المتحدة جنوب النهر.

.. ولكن الولايات المتحدة تحاول كسب وقت لصالحهم

الانسحاب كان ينبغي أن يبدأ في يونيو/حزيران، لكن مع مقاومة وحدات حماية الشعب، كانت الولايات المتحدة تحاول كسب المزيد من الوقت، حسبما قال محمد وجيه جمعة، عضو المجلس السوري التركماني، وهو في الأصل من مدينة منبج، ويعيش الآن في قرية الراعي، لموقع Middle East Eye .

وأضاف: "إنَّ مخيماتهم العسكرية ما زالت موجودة في منبج. نحن نتوقع حلاً من زيارة الجنرال سكاباروتي".

وغضبت تركيا بسبب دعم الولايات المتحدة لقوات سوريا الديمقراطية، التي تهيمن عليها وحدات حماية الشعب الموالية للأكراد، والتي تعتبرها أنقرة منظمة إرهابية، وهددت تركيا بالمُضي بهجومها قدماً في منطقة عفرين والتوغل شرقاً إلى منبج، مما يخاطر بحدوث مواجهة مع القوات الأميركية المتمركزة هناك.

وترى أنقرة وحدات حماية الشعب فرعاً لحزب العمال الكردستاني، وهو جماعة كردية متشددة في تركيا صنَّفتها الولايات المتحدة منظمةً إرهابية. في المقابل، تنظر واشنطن إلى وحدات حماية الشعب كحليف رئيسي في القتال ضد داعش.

والآن ها هم قد ذهبوا إلى دمشق للتفاوض مع الأسد

في الوقت الذي تبحث فيه تركيا والجماعات التركمانية المدعومة من أنقرة عن انسحاب وحدات حماية الشعب من منبج، يجري المجلس الديمقراطي السوري، وهي جماعة أسَّستها وحدات حماية الشعب وتتولى قيادتها، محادثات مع الحكومة في دمشق.

وتسيطر وحدات حماية الشعب على أكثر من ربع مساحة سوريا بفضل تعاون الولايات المتحدة في قتالها ضد داعش.

ولم تُصدِر أنقرة ردة فعل علانية على هذه المحادثات.

وعندما سأل موقع The Middle East Eye مسؤولي وزارة الخارجية التركية، كرروا مخاوفهم بشأن وجود وحدات حماية الشعب على حدود البلاد.  

وهذه المحادثات بدأت بعد اقتراح روسيا جعل سوريا دولة لا مركزية

وبدأت المحادثات بين الأكراد والحكومة السورية بعد اجتماع الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في هلسنكي في 16 يوليو/تموز.

واقترحت موسكو في بداية الأمر نموذج سوريا اللامركزية في يناير/كانون الثاني 2017 عندما دعت جماعات مختلفة من سوريا لوضع مسودة دستور.

كما اقترحت المسودة "الاستقلال الذاتي الثقافي" للمناطق الكردية.   

وأعلن مجلس الديمقراطي السوري السبت 28 يوليو/تموز 2018، عن تشكيل لجان بينه وبين نظام بشار الأسد، لتطوير المفاوضات بين الطرفين بهدف وضع خارطة طريق تقود إلى حكم "لا مركزي" في البلاد.

وأسفر اجتماع عُقد بين الجانبين ، بحسب البيان عن "اتخاذ قرارات بتشكيل لجان على مختلف المستويات لتطوير الحوار والمفاوضات، وصولاً إلى وضع نهاية للعنف والحرب التي أنهكت الشعب والمجتمع السوري من جهة، ورسم خارطة طريق تقود إلى سوريا ديمقراطية لا مركزية".

وتحدثت تقارير متعددة عن صفقة تاريخية يُعدها الأكراد مع نظام الأسد تتضمن الاعتراف بلغتهم، وأن يتم احتساب مدة خدمة أبنائهم في صفوف الميليشيات الكردية من مدة الخدمة الإلزامية لدى الجيش السوري النظامي، مع تضارب حول وضع حقول النفط ومَن سيسيطر عليها.

ولكن هذا هو الشيء الوحيد المفترض الذي يتفق فيه الأسد وأردوغان  

وتقليدياً تعارض كلٌّ من دمشق وأنقرة الحل الفيدرالي في شمال سوريا، الذي من شأنه منح الحكم الذاتي للمناطق التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب الكردية.

وتأخذ دمشق على المقاتلين الأكراد تحالفهم مع واشنطن، التي قدمت لهم عبر التحالف الدولي غطاء جوياً لعملياتهم العسكرية ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ودعمتهم بالتدريب والسلاح والمستشارين على الأرض.

 وكان الأسد وضع الأكراد في وقت سابق أمام خيارين؛ المفاوضات أو الحسم العسكري.

 فيما أصرت تركيا، في البيان المشترك بعد المحادثات في سوتشي، على "أهمية معارضة الأجندات الانفصالية للجماعات التي تُشكِّل تهديداً على الوحدة السياسية وسلامة الأراضي السورية والأمن القومي للدول المجاورة".


اقرأ أيضاً:

الصفقة التاريخية التي يعدها الأكراد مع النظام.. نفط سوريا بيدهم والاعتراف بلغتهم والخدمة الإلزامية مشروطة

 

التقى الأكراد إذاً نظام الأسد لأول مرة، وها هم يتوصلون لاتفاق بينهم.. والهدف الوصول لسوريا "لامركزية"

 

 

 

 

 

علامات:
تحميل المزيد