على الرغم من تصريحات الساسة الإيرانيين برفض لقاء ترمب، فالأزمة الاقتصادية تدفع المواطنين للموافقة وبعض خبراء من داخل إيران يرحبون، ولكن بشروط
رصدت صحيفة The New York Times الأميركية حالة التضاد بين توجهات الساسة والقادة الإيرانيين، وما يطمح إليه المواطن الإيراني العادي فيما يتعلق بالعلاقة مع أميركا.
وتقول الصحيفة إنه غير مطروح لدى القادة الإيرانيين مجرَّد فكرة التحاور مع الولايات المتحدة، فضلاً عن لقاء يجمع ترمب وروحاني؛ لأنهم لا يثقون بالرئيس ترمب. لكنَّ جمشيد منيري، وهو متعهِّد بناءٍ يبلغ من العمر 45 عاماً، لخَّص -وهو يتعرَّق تحت شمس الصيف في طهران- ما يراه كثيرٌ من المواطنين الإيرانيين العاديين.
قال منيري يوم الثلاثاء 31 يوليو/تموز 2018: "بالطبع، علينا التحاور مع ترمب. ما المشكلة في عَقد المحادثات؟ سيكون جنوناً ألَّا نتحدَّث معه".
رغم حالة التصعيد الحالية فترمب عرض أن يتقابل مع روحاني دون اشتراطات مسبقة
وفي اليوم السابق لذلك، قال ترمب، الذي سحب الولايات المتحدة في شهر مايو/أيار 2018، من الاتفاقية النووية المُبرَمة مع إيران عام 2015 برغم امتثال إيران الموثَّق لها، إنَّه مستعدٌ للاجتماع مع قادة إيران "دون شروطٍ مسبقة".
وقال ترمب في واشنطن: "سأجتمع مع أيٍّ أحد كان. إذا أرادوا عقد لقاء، فسألتقيهم. في أي وقتٍ أرادوه".
وفي يوم الثلاثاء 31 يوليو/تموز 2018، بطهران، بدا كما لو أنَّ الدعوة المفتوحة التي وجَّهها ترمب لإيران تشغَل عقول الجميع. يقول كثيرٌ من الإيرانيين، وقد بلغوا حالةً من اليأس المتزايد، إنَّهم سيرحِّبون بأي خيارٍ بمقدوره أن يخفِّف من حجم الورطة الاقتصادية الإيرانية.
وقد خسرت العملة الإيرانية (الريال الإيراني) 80% من قيمتها خلال 2017، ونحو 20% من قيمتها خلال الأيام الماضية فقط. وترك المستثمرون الأجانب البلاد؛ تجنُّباً للعقوبات الاقتصادية الأميركية الجديدة التي ستدخل حيز التنفيذ في غضون أقل من أسبوع.
وبشكلٍ أسبوعي تقريباً، تندلع احتجاجات على مستوى ضئيل ضدَّ الأسعار أو الأجور، في مكانٍ ما من البلاد، ويُحتَمل أن تنتشر إذا ما ازداد الانهيار الاقتصادي سوءاً.
ومنذ الأمس، تتواصل المظاهرات في مدينة "أصفهان" الإيرانية لليوم الثاني على التوالي؛ احتجاجاً على المشاكل الاقتصادية التي تشهدها المدينة.
وبحسب معلومات حصلت عليها "الأناضول" من مصادر محلية، فإن المئات يشاركون في المظاهرات احتجاجاً على "الغلاء"، و"انخفاض سعر العملة الوطنية أمام العملة الصعبة".
وتدخلت الشرطة بالغاز المسيل للدموع؛ لتفريق المتظاهرين، الذين ردد بعضهم هتافات مناهضة للنظام، في حين أحرق آخرون إطارات سيارات.
كما شارك في المظاهرة أصحاب المحلات التجارية وسائقو ناقلات النفط؛ ما أدى إلى انقطاع الوقود عن بعض المناطق.
وكانت المظاهرات انطلقت في أصفهان (وسط) الثلاثاء 31 يوليو/تموز 2018، وانتقلت إلى مدينة "كرج".
وقال منيري، المتعهِّد، إنَّه يخشى أنَّ ما يُنظَر إليه على أنَّه سيئ الآن قد يصبح أسوأ كثيراً: "إذاً، علينا الترحيب بالمحادثات. على قادتنا أن يرحِّبوا بهذه الفرصة السانحة".
لكن البادي على قادة إيران هو أن عرض ترمب قد شلَّ حركتهم.
إنَّ خوض محادثاتٍ مباشرة مع الولايات المتحدة أمرٌ يعارض أيديولوجية القيادة الإيرانية. وفي نظرهم، فإنَّ الاجتماع مع ترمب، ذلك الذي لقَّبوه بالجاهل، ومتقلِّب الأهواء، والمتغطرس، والفظ، أمام أعين الجميع سيكون إذعاناً مهيناً من جانبهم لصالح الإمبريالية والضغط الخارجي.
رفضت إيران، الثلاثاء، تصريحات للرئيس الأميركي دونالد ترمب، قال فيها إن الزعماء الايرانيين سيتحدثون "قريباً جداً" مع الولايات المتحدة، مؤكدة أن "التهديدات والعقوبات وأسلوب العلاقات العامة" الأميركية "لن تجدي".
وبعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي التاريخي الموقع مع ايران عام 2015، واستعدادها لإعادة فرض العقوبات كاملة على إيران في 6 أغسطس/آب 2018، ردَّت طهران بالتشكيك في عرض ترمب، الإثنين 30 يوليو/تموز 2018، التحدث "متى أرادوا ذلك" ودون شروط مسبقة.
وكتب وزير الخارجية، محمد جواد ظريف، على "تويتر": "إن التهديدات والعقوبات وأسلوب الخداع في العلاقات العامة لن تجدي. جرِّبوا احترام الإيرانيين والالتزامات (الدولية)".
Iran & US had 2 yrs of talks. With EU/E3+Russia+China, we produced a unique multilateral accord—the JCPOA. It's been working. US can only blame itself for pulling out & leaving the table. Threats, sanctions & PR stunts won't work. Try respect: for Iranians & for int'l commitments
— Javad Zarif (@JZarif) July 31, 2018
وأبدى "الحرس الثوري" أيضاً معارضته لإجراء محادثات
وقال قائد الحرس الثوري الإيراني الجنرال محمد علي جعفري، في رسالة مفتوحة نُشرت في وسائل إعلام محلية، إن "الشعب الإيراني لا يسمح لمسؤوليه بلقاء الشيطان الأكبر… سيد ترمب، إيران ليست كوريا الشمالية".
وكان ترمب أعلن بخطاب في تامبا بولاية فلوريدا في وقت سابق من الثلاثاء 30 يوليو/تموز 2018: "لديَّ شعور بأنهم سيتحدثون إلينا في وقت قريب جداً… أو ربما لا، ولا بأس في ذلك أيضاً".
واستغل المناسبة للتنديد مجدداً بالاتفاق النووي "المروع والأحادي الجانب" الموقع بين طهران والدول الست الكبرى في 2015، والذي انسحب منه في مايو/أيار 2018.
وأضاف: "آمل أن تسير الأمور بشكل جيد بالنسبة لإيران. لديهم مشاكل كثيرة في الوقت الحالي".
واعتبر وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، الأربعاء 1 أغسطس/آب 2018، أن ترمب "يقوم مجدداً بما فعله مع (الزعيم الكوري الشمالي) كيم جونغ أون في كوريا الشمالية".
وبخلاف الخطاب العلني.. ترحب إيران بالمباحثات السرية
وفي تعاملهم مع الولايات المتحدة على مدار العقود الماضية، فضَّل القادة الإيرانيون عادةً أن يسيِّروا الأمور من خلال محادثاتٍ سرية، بعيداً عن أعين المواطنين الإيرانيين العاديين، الذين تطاردهم يومياً السياسة الممنهجة المضادة لكل ما هو أميركي، والتي تخاطبهم بذلك، بدءاً من الكُتب المدرسية وحتى قنوات التلفاز التابعة للدولة.
قال حسين شيخ الإسلام، وهو أحد كبار مستشاري وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف: "لا يُمكِن أن تجري محادثات سوى عندما يحترم ترمب إمضاء الإدارة الأميركية على الاتفاقية النووية. على ترمب أن يرجع عن انسحابه من الصفقة النووية، وإلَّا فلن تُعقَد أية محادثات".
وقد شدَّد آية الله علي خامنئي، المرشد الأعلى الإيراني، الذي كانت السياسة المناهضة لأميركا عماداً مقدساً لإرثة العقائدي، على أنَّه بعد أن تخلَّى ترمب عن الاتفاقية النووية، فإنَّه لن يتحاور مع الرئيس الأميركي أبداً. وأعلن خامنئي في خطابٍ ألقاه مؤخراً: "سوف يذوي ترمب، ويهلَك، وتتحلَّل جثته، لكنَّ الجمهورية الإسلامية ستبقى وتزدهر".
عزَّزت موقفَ خامنئي ذلك تصريحاتُ قائد قوَّات الحرس الثوري الإيراني، وهي القوَّة شبه العسكرية الموالية بشدة لخامنئي، يوم الثلاثاء 31 يوليو/تموز 2018.
وقال اللواء محمد علي جعفري، في تصريحاتٍ نقلتها عنه وكالة أنباء رويترز: "يا سيِّد ترمب، إنَّ إيران ليست كوريا الشمالية فتَقْبَل عرضك للاجتماع. وحتى إن الرؤساء الأميركيين من بعدك لن يروا هذا اليوم".
وتدور في طهران شائعاتٌ، مفادها أنَّه قد بدأت بالفعل محادثات سرية بين إيران والولايات المتحدة. وفي يوم الجمعة 3 أغسطس/آب 2018، من المحتمل أن يزور وزير خارجية عُمان، وهي السلطنة الخليجية التي استضافت الاجتماعات السرية التي جرَت بين مسؤولين إيرانيين وأميركيين وأفضَت إلى عَقد الاتفاقية النووية، العاصمة طهران. وكان الوزير يوسف بن علوي بن عبد الله في العاصمة الأميركية واشنطن الأسبوع الماضي.
وعبَّر بعض الإيرانيين عن أملٍ بأنَّ روسيا، المؤيِّدة للاتفاقية النووية والتي سَعَت لتوطيد العلاقات الاستراتيجية بينها وبين إيران، ستُساعِد في تخفيف وَقع العقوبات الاقتصادية التي أُعيد فرضها على إيران.
ومع ذلك، فإنَّ للعلاقات الروسية-الإيرانية تاريخاً متوتراً هي الأخرى. تتنافس الدولتان في إنتاج النفط. ولا يثق العديد من الإيرانيين بروسيا؛ على خلفيَّة ما يعدُّونه فشل روسيا مسبقاً في الالتزام باتفاقياتٍ لبيع السلاح والطاقة.
وقالت خيبا مجيدي، الطالبة بالدراسات العليا التي تبلغ من العمر 35 عاماً، وهي تسير عائدة إلى منزلها من حدائق جامعة طهران: "نحن نراهن على الروس كي يدعمونا، لكنَّهم قد خانوننا عدة مرات. على مسؤولينا الإيرانيين التحلِّي بالحكمة قبل فوات الأوان؛ بأن يبدأوا مفاوضاتٍ علنية مع الولايات المتحدة. لِمَ لا نجرِّب الأميركيين؟".
خاصة أن الوضع الاقتصادي يتفاقم في إيران بشكل كبير
لكن، قال العديد من المواطنين الإيرانيين العاديين يوم الثلاثاء 31 يوليو/تموز 2018، إنَّهم يرون في عَقد مباحثاتٍ مباشرة مع ترمب سبيلاً لحلِّ المشاكل الأكثر إلحاحاً بالشأن الإيراني.
شرح قادر صفر زاده، وهو جالسٌ وراء مقود سيارة طراز "بيجو 206″، وهي سيَّارة فرنسية مصنَّعة في إيران، أنَّه يرى نفسه رجلاً صبوراً. تُشبه سيارته النظيفة الناصعة شاربه الأسوَد المُعتَنى به جيداً.
وإذ يحاول صفر زاده العيش بِمعاشه المتقلِّص، يعمل كذلك بضعة أيامٍ في الأسبوع سائقاً لسيارة أجرة. حَسَب صفر زاده أنَّه مع ارتفاع سعر الدولار، فإنَّ الرحلة الواحدة بسيارة الأجرة التي كانت تجني له ما يوازي 5 دولارات العام الماضي (2017) يكسب منها الآن 1.5 دولار فقط.
وقال: "لا يمكننا الاستمرار في العيش هكذا طويلاً!".
وسرعان ما تضاعفت تكلفة شراء المنازل والسيارات المُثمَّنة بالريال الإيراني. وفي معرض علاء الدين للهواتف المحمولة، يُكلِّف شراء هاتف "آيفون إكس" 4 أضعاف سعره العام الماضي بالريال. يخشى الناس أنَّ الأجور المدفوعة لهم بالعملة الإيرانية ستُصبِح بلا قيمة قريباً جداً. تريد المدرسة الفرنسية في طهران توظيف مدرِّسين من الخارج، لكنَّها تعرض مقابل ذلك راتباً يبلغ 20 مليون ريال إيراني فقط، أو 200 دولار، شهرياً.
وقد صعَّبت المشكلات الاقتصادية، بجانب العشرات من قضايا الفساد التي كشفت عن تفشِّي الجشع بأعلى مستويات الدولة، على قادة إيران محاولة إقناع الشعب الإيراني بأنَّ التحاوُر مع ترمب خيارٌ سيئ، وهو أمرٌ أشار إليه المرشد الأعلى، آية الله خامنئي، في خطابٍ ألقاه منذ أسبوعين.
وقال نادر كريمي جوني، وهو صحافي وناشط معارض للحكومة الإيرانية: "بالطبع، يتلاعب ترمب بالشعب الإيراني من خلال دعوته لعَقد محادثاتٍ مع إيران. يعلم ترمب أنَّ قادتنا سيرفضون عرضه. في حين بالنسبة للمواطنين العاديين بإيران، لا يهم ما إذا كان ترمب غير جديرٍ بالثقة، أو ما إذا كان مجنوناً أو حتى جاداً بشأن التفاوض فعلياً مع إيران. لا يرون إلَّا أنَّ ترمب يُريد التحاور معنا وقادتنا يرفضون".
حاولت القيادة الإيرانية الظهور بمظهر الوِحدة، وقد اتَّخذت وضعاً دفاعياً؛ إذ حذَّر الرئيس روحاني هو وعدة قياديين إيرانيين آخرين من أنَّ إيران قد تغلق مضيق هرمز، وهو ممرٌ رئيسي لتجارة النفط الدولية، وقتما أرادت.
لكن، لا يصدِّق الجميع أنَّ مثل تلك التهديدات قد تُفضي إلى شيء.
وقال رضا أصغري، وهو رجل أعمالٍ يبلغ من العمر 50 عاماً: "دعنا نواجه الحقيقة. لا يمكننا فعلياً إغلاق المضيق دون أن يستدعي ذلك تحرُّكاً عسكرياً من جانب الولايات المتحدة. الواقع أنَّنا لا يمكننا حتى وضع شروطٍ مسبقة لأية محادثاتٍ مباشرة محتملة. مَن نكون نحنُ لنطالب بأي شيء؟ نحنُ بحاجةٍ للوظائف، لا للمزيد من التوتر".
لكن المباحثات لا بد أن تكون بشروط واضحة
ويعترف خبراء إيرانيون بأن الداخل الإيراني يواجه ضغوطاً غير مسبوقة من جانب الإدارة الأميركية، وهو ما أثر بطبيعة الحال سلباً على الواقع الاقتصادي.
ويرى الدكتور حسين رويوران، المحلل السياسي الإيراني والمتخصص بشؤون الشرق الأوسط، في تصريح خاص لـ"عربي بوست"، أن الواقع الاقتصادي في أزمة بسبب الموقف الأميركي من إيران، ودلل على ذلك بقيمة الريال الإيراني، الذي انهار بشكل كبير خلال فترة قليلة، وانتقلت قيمته من 3700 تومان إلى أن تجاوز 11 ألف تومان، وهو ما يدفع البعض داخل إيران إلى التظاهر بسبب الواقع الاقتصادي.
إلا أنه استطرد بالقول، إن التظاهرات ليست مقياساً على حالة تذمُّرٍ شعبيةٍ كبيرةٍ ضد الرئيس روحاني، ولكن "علينا الاعتراف بأن هناك حالة من عدم قبول الواقع في طهران".
وعن استدعاء البرلمان الإيراني الرئيس روحاني خلال شهر من توجيه الدعوة له؛ لمناقشته في الأزمة الاقتصادية، وكيف سيجد لها حلولاً أمام ضغوط أميركا، قال رويوران إن هناك ما يقارب 200 نائب من مجموع 270 نائباً هم أعضاء البرلمان الإيراني، وجَّهوا رسالة إلى روحاني، طالبوه فيها بتغيير فريقه الرئاسي المعاون له، ووضع خطة عمل جديدة لإنقاذ الاقتصاد من الوضع الحالي.
وقال المحلل السياسي الإيراني إن طهران لا ترفض المحادثات مع واشنطن، ولا ترفض لقاء روحاني وترمب؛ بل ترحب بها شريطة تهيئة المناخ المناسب للمفاوضات، وتوقُّف الرئيس الأميركي عن مهاجمة إيران، مرحٍّباً بأي دور تقوم به سلطنة عُمان للوساطة بين البلدين، إن وُجدت تحركات مثل تلك.
في حين قال الدكتور علي ميرزائي، مدير مركز الفكر لدراسات الحضارة، في تصريح خاص لـ"عربي بوست"، إن هناك قطاعاً قليلاً من الشارع الإيراني ما زال يثق بترمب، وينادي بالبدء في حوار معه، مشيراً إلى أن هذا القطاع لا يعرف حقيقة مواقف ترمب التي يضمرها ضد إيران والتي وصفها بـ"التدميرية".
وأشار إلى أن إيران لن تتنازل عن مواقفها السياسية وأدوارها خارج إيران، مطالباً الإدارة الأميركية بتبنِّي سياسات جديدة إيجابية تجاه إيران من أجل قبول المباحثات معها.