مصر “منوّرة” بالشمس.. أكبر مجمع لتوليد الكهرباء في العالم ينهي عصر النفط ويضع البلاد على خريطة الطاقة النظيفة

عربي بوست
تم النشر: 2018/07/31 الساعة 18:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/07/31 الساعة 19:59 بتوقيت غرينتش

في شارع 101 بحي المعادي جنوب القاهرة، كانت أول محطة للطاقة الشمسية الحرارية في العالم، قبل 105 أعوام.

وها هي مصر تستعد لافتتاح أكبر مجمع للطاقة الشمسية في العالم، لتدخل بدون أي مساعدة من أحد إلى خريطة الطاقة النظيفة بالكوكب.

وقد افتتح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في الأسبوع الماضي العديد من مشاريع الكهرباء الكبرى، بما في ذلك التوسع في مزارع الرياح الضخمة على خليج السويس العاصِف في البحر الأحمر. ووعدت روسيا بالمساعدة في بناء وتمويل محطة للطاقة النووية تبلغ تكلفتها 21 مليار دولار على الساحل الشمالي لمصر.

في هذا التقرير نرصد أحوال واحتمالات ومشاكل إنتاج الطاقة الشمسية في مصر في المستقبل القريب.

الخطوة الأولى كانت سبقا علميا بلا مثيل في العالم

في عام 1911 بدأ مخترع من مدينة فيلادلفيا الأميركية يُدعى فرانك شومان إنشاء أول محطة شمسية في العالم وذلك باستخدام أشعة الشمس المصرية الغزيرة لضخ ستة آلاف جالون من الماء على بعد دقيقة من النيل لري حقل قطن قريب. وتم الافتتاح بعد عامين.

لكن تسبب اندلاع الحرب العالمية الأولى واكتشاف النفط الرخيص في تعطيل حلم شومان في مضاعفة أعداد محطات الطاقة الشمسية الخاصة به على نطاق واسع وإنتاج طاقة كافية لتحدي اعتماد العالم على الفحم في نهاية المطاف.

وقد أُعيد إحياء تلك الرؤية بعد أكثر من قرن من الزمان، إذ من المقرر افتتاح "مجمع بنبان"، أكبر مجمع في العالم لإنتاج الطاقة الشمسية ويبلغ تكلفته 2.8 مليار دولار، في العام المقبل على بعد 400 ميل (640 كيلو متر) جنوب القاهرة في الصحراء الغربية بمصر.

والفكرة الآن هي التحول عن استهلاك المحروقات البترولية

ومصر، كما يصورها تقرير لصحيفة Los Angeles Times الأميركية، بلد يعاني من فترة اعتماد مطلق طويلة على الوقود الأحفوري الرخيص المدعوم من الدولة ويحصل حالياً على أكثر من 90% من طاقته الكهربائية من النفط والغاز الطبيعي.

لكن آفاق الطاقة الخضراء في مصر لم تكن قط أفضل من الوقت الحالي، إذ تعمل الحكومة على تقليص دعم الوقود الأحفوري تماشياً مع برنامج الإصلاح المدعوم من صندوق النقد الدولي والذي يهدف إلى إنقاذ اقتصاد مزقته الاضطرابات السياسية. وفي الوقت نفسه، أدى الانخفاض السريع لتكلفة معدات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح إلى زيادة جاذبية الاستثمار فيها.

وقال بنيامين عطية، المحلل في مجال الطاقة الشمسية مع شركة "Wood Mackenzie" الأميركية، متحدثاً عن مجمع بنبان: "هذه صفقة كبيرة. لا أستطيع رؤية مثال آخر تجمع فيه العديد من اللاعبين الكبار لسد الفجوة".

يشيد المسؤولون والمنظمات المالية الدولية بإمكانات قطاع الطاقة المتجددة في مصر لخلق فرص عمل ونمو بالإضافة إلى الحد من الانبعاثات في بلد تضعه منظمة الصحة العالمية عاصمتها مؤخراً بين البقاع الأكثر تلوثا على الأرض.

والخطة تدبير نصف الكهرباء تقريبا من الطاقة الشمسية

يتمثل هدف الحكومة المصرية في أن تستمد مصر 42% من طاقتها الكهربائية من مصادر طاقة متجددة بحلول عام 2025.

ويُتوقَّع أن يولِّد مجمع بنبان، الذي ستديره كبرى شركات الطاقة من جميع أنحاء العالم، ما يصل إلى 1.8 جيجاوات من الكهرباء أو ما يكفي لتشغيل مئات الآلاف من المنازل والشركات. وسيتكوَّن المجمع من 30 محطة شمسية منفصلة، بدأ بالفعل تشغيل أول محطات منهم في ديسمبر/كانون الأول، ويوظِّف 4000 عامل.

تدعم الحكومة الأميركية برنامجاً محلياً لتدريب المئات من طلاب المدارس الفنية في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.

لم يعد المصريون الآن يواجهون انقطاعاً في التيار الكهربائي كل ليلة، لكن يتعين على مصر -التي كانت في يومٍ ما مُصدّرة للغاز- استيراد الغاز الطبيعي المُسال باهظ الثمن لتلبية احتياجات الطاقة لسكانها البالغ عددهم 96 مليون نسمة. ويُتوقَّع زيادة الطلب المحلي على الطاقة في مصر إلى أكثر من الضعف بحلول عام 2030، أي بمعدل أسرع بكثير من أي بلد آخر في المنطقة، وذلك وفقاً لما ذكرته فيكتوريا كومينغ، رئيسة قسم سياسة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا بمؤسسة Bloomberg New Energy Finance الأميركية.

كما إن مصر أصبحت سوقا واعدا للطاقة النظيفة

أطلقت مصر خطة في عام 2014 لتمكين اللاعبين من القطاع الخاص من بيع الطاقة إلى الشبكة العامة للدولة في خطوة شكَّلت بداية التشغيل الفعلي في سوق الطاقة النظيفة، الذي شهد زيادة في الاستثمار بنسبة 500% العام الماضي.

يقول خالد جاسر، الذي أسس مجموعة تنمية الطاقة الشمسية "Assn"، وهي مجموعة صناعية محلية، إنَّه إذا ما جذبت مشاريع الطاقة الخضراء العملاقة المبهرة مثل بنبان الكثير من الاهتمام، فستكون الشركات الصغيرة هي المسؤولة عن 80% من وظائف القطاع الخاص، وأضاف: "هذا هو السوق الحقيقي".

انطلاقاً من مثاليتهم والنقص الشديد في فرص العمل الذي أعقب ثورة 2011، أسَّسَ العديد من رجال الأعمال في مجال الطاقة النظيفة سوقاً شعبية في مصر تدريجياً.

بدأ أحمد زهران، البالغ من العمر 38 عاماً، مشروعه "كارم سولار" مع أربعة أصدقاء يعملون من مقهى. حاول زهران دون جدوى إقناع شركات الأسهم الخاصة بالاستثمار في الطاقة النظيفة. وقال زهران، الذي رأى أنَّ الاستثمار في الطاقة الشمسية هو أمر بديهي في بلد تستحوذ الصحراء على أكثر من 90% من مساحته: "لقد طُردنا من جانب الذين كانوا يمثلون كل شيء نكرهه تجاه هذا البلد. لذلك نحن قررنا أن نفعل ذلك بأنفسنا".

بدأت الشركة بالتعاون مع استثمارات خاصة بتصنيع مضخات مياه تعمل بالطاقة الشمسية لمزارع صحراوية خارج الشبكة الرئيسية والتي كانت تعتمد تقليدياً على الديزل لسحب المياه من تحت الرمال. تبني الشركة الآن، مع أكثر من 80 موظفاً، محطات للطاقة الشمسية أيضاً لتشغيل مصانع الدواجن ومراكز التسوق في إطار ما يُسمى باتفاقات شراء الطاقة.

فقط لولا مشكلات التمويل والبيروقراطية والفساد

تصارع شركات الطاقة الخضراء في البلاد نفس المشاكل التي أفسدت مشاريع الأعمال الصغيرة منذ سنوات. وفي محاولة لمواجهة احدى هذه المشكلات الكبيرة المتمثلة في "نقص التمويل"، أطلق البنك المركزي المصري برنامجاً لقروض منخفضة الفائدة في عام 2016 يهدف إلى تشجيع وتمويل المشروعات الصغيرة، لاسيما في مجال الصناعات الرئيسية مثل الطاقة المتجددة.

استخدم حاتم جمال هذا البرنامج لتنمية شركته الناشئة في مجال تحويل النفايات إلى طاقة " Empower"، التي تدير حالياً مصنعين في منشأة لمعالجة مياه الصرف الصحي ومزرعة لحوم البقر، حيث تحوِّل النفايات البشرية والنفايات الحيوانية إلى غاز حيوي يبيعه للحكومة. تمتلك الشركة أربعة مصانع أخرى تحت الإنشاء.

هناك شيء واحد لم يتغير: طبقات البيروقراطية التي يجب على الشركات التنقل عبرها، إذ تعيَّن على جمال الحصول على تراخيص أو أذونات من 10 جهات حكومية على الأقل. وقد أصبح موهوباً للغاية في التعامل مع البيروقراطية والإجراءات الحكومية لدرجة أنَّه يمتلك طابعة في سيارته.

وقال جمال: "يقول الناس أنك يجب أن تعرف شخصاً ما أو ترشي شخصاً ما أو أن قرض الـ 5% ليس حقيقياً. لكن الفرص موجودة. أنا فقط لا أقبل أبداً ألا يحصل طلبي على إجابة".

علامات:
تحميل المزيد