أثناء خروج هاكان غوموس (17 عاماً) من أرض الملعب بكتفين منحنيين في ليلة صيف قائظة بمدينة برلين الألمانية ، عزاه المشجعون بالمصافحات العالية والتربيتات على الظهر، فقد خسر فريق الناشئين تحت سن الـ 19 عاماً بنادي برلينر الرياضي لكرة القدم مباراةً ودية تمهيدية للموسم، لكنَّ الهزائم أسهل دوماً حين لا تصيب معنويات الفريق.
قال غوموس لصحيفة The Guardian البريطانية: "حين ترتكب خطأً واحداً، ويعاقبك مشجعو ناديك بالسخرية منك، أو حتى تضطر للاستقالة من الفريق، فهذا يدعو للحزن، أليس كذلك؟".
"الخطأ" الذي يشير إليه غوموس هو قرار مسعود أوزيل، اللاعب الدولي السابق بالمنتخب الألماني، بالتقاط صورةٍ مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل شهر من بطولة كأس العالم في روسيا. وكان "العقاب" هو السخرية والإساءات التي تلقاها اللاعب في المباريات التالية، وجوقة متنامية من الشخصيات العامة تُحمِّل الصور المشحونة سياسياً مسؤولية الخروج المُحرج لمنتخب ألمانيا من البطولة في دور المجموعات.
وقد أدت استقالة أوزيل من المنتخب الوطني، زاعماً معاناته من العنصرية وغياب الاحترام، إلى نوبةٍ من الجدال والبحث المحموم المضطرب فيما يخص الهوية الوطنية.
اليمين المتطرف في ألمانيا : المهاجرون لا يمكنهم الاندماج
تهافت الشعبويون اليمينيون على الجدل المحيط بأوزيل باعتباره دليلاً على أنَّ القادمين من خلفيةٍ إسلامية لن يمكنهم أبداً الاندماج في المجتمع الألماني، فقد وُلِد أوزيل في غيلسنكيرشن لأبوين تركيين ويحمل الجنسية الألمانية.
وانتقدت أليس فايدل، القيادية بحركة "البديل من أجل ألمانيا" اليمينية المتطرفة، لاعب خط الوسط بنادي أرسنال باعتباره "مثالاً نموذجياً على الدمج الفاشل لعددٍ أكبر من اللازم من المهاجرين من الدوائر الثقافية الإسلامية التركية".
الهجمة تصل حتى للفرق الصغيرة جداً
لكنَّ صدمة مفارقة أول نجوم كرة القدم الألمان من أصولٍ تركية للمنتخب الوطني بهذه الطريقة الحادة يتردد صداها بقوة في المنظمات المجتمعية مثل نادي برلينر، الذي يدعم دمج جماعات المهاجرين في المجتمع الألماني.
تأسس النادي في 1907 في مقاطعة ويدنغ التي تضم الطبقة العاملة في برلين، واستمد مواهبه بشكلٍ متزايد من أكثر من 200 ألف ألماني من أصولٍ تركية يعيشون في العاصمة. بل إنَّ النادي في موسم 2006/2007 اتحد مع نادٍ لكرة القدم بأنقرة، وغير اسمه إلى نادي برلين أنقرة سبور 07، وهو ما اعتبره المسؤولون لاحقاً قراراً خاطئاً. وقال بوراك إزيكدالي أوغلو، مدير تنمية الشباب بنادي برلينر: "إن أردت فريق كرة يعمل على دمج الأقليات، ينبغي أن يكون اسمه ألمانياً كذلك".
هذه الأيام تحمل حافلة الفريق جملة "قوتنا في تنوعنا"، والفريق مكون من لاعبين من خلفياتٍ أوروبية وإفريقية وشرق أوسطية. في المباريات على أرضهم، تختلط العائلات في المدرجات مستمتعين بالتهام السجق التركي المعد على الطراز البرليني مع كاتشب الكاري، ويتنافس الأطفال مرتدين قمصان فريق غالاتاسراي مع بعضهم على ذكر أسماء لاعبي المنتخب الأحد عشر غيباً.
أوزيل أضاع الصورة الجميلة للتنوع
لكنَّ سقوط أوزيل شوه المشهد بارع الجمال. وفي حين رفضت أندية أخرى يديرها أتراك في برلين التعليق، مثل نادي تركيمسبور، أشهر برلينر كافة أسلحته في بيانٍ مطول على موقع النادي.
يقول إزيكدالي أوغلو: "كانت الرياضة هي آخر ركن صغير لم تسممه العنصرية. والآن دنسته العنصرية المقبولة مجتمعياً. وهذا مُحزنٌ جداً".
يوازي اهتمامه بالسياسة شغفه بالرياضة. إذ كان إزيكدالي أوغلو عضواً بالحزب الديمقراطي الاشتراكي الألماني، لكنَّه غادر الحزب اليساري الوسطي في 2010 بسبب فشله في طرد المؤلف المثير للجدل تيلو سارازين بعد مهاجمته الأقلية التركية في ألمانيا. وانضم لاحقاً إلى حزب أنجيلا ميركل، الحزب المسيحي الديمقراطي، لأنَّ مواقفها تجاه فرض النظام وحكم القانون أعجبته، فقط ليلغي عضويته حين دعم مناديب الحزب قراراً رمزياً متعلقاً بالإبادة الجماعية للأرمن.
الهجمة الألمانية تسببت في انحياز الأتراك الألمان إلى أردوغان
وفي حين لم ينضم إزيكدالي أوغلو لحزب العدالة والتنمية التركي ورئيسه رجب طيب أردوغان، يقول إنَّه يجد نفسه ينحاز أكثر وأكثر إلى صف الرئيس الذين انتُخب للمنصب مرةً أخرى مؤخراً مع تراجع العلاقات التركية الألمانية بعد سلسلةٍ من النزاعات الدبلوماسية، من حظر الدعاية الانتخابية على السياسيين الأتراك في ألمانيا، إلى اعتقال الصحافي الألماني التركي دينيز يوسيل في أنقرة.
ويُكمل إزيكدالي أوغلو قائلاً إنَّ اللغة الحادة في بيان استقالة أوزيل، الذي اتهم فيه مسؤولي اتحاد كرة القدم الألماني بالإساءة إلى "جذوري الألمانية" وبنشر "البروباغاندا السياسية"، ينبغي فهمها في سياق العلاقات الراهنة بين البلدين. وفي حين انتقد رياضيون ألمان من أصولٍ تركية أوزيل، ومنهم لاعب كرة القدم دينيز ناكي الذي طالب اللاعب الدولي السابق باتخاذ رد فعلٍ مماثل إزاء الهجمات التي تتعرض لها الأقليات الكردية في تركيا، فإنَّ موقف الأفراد في ما يتعلق بالعلاقات مع الحكومة التركية هو العامل الحاسم.
مسعود حين يلعب جيداً فهو ألماني .. ولكن
ويقول محمد أوزترك، مدير الرياضة بنادي برلينر، إنَّ تغييراً في المواقف تجاه الأقليات التركية قد حدث حين اقتحم أوزيل الساحة العالمية مرتدياً قميص منتخب ألمانيا في 2010، إلا أنَّه ظل متشككاً.
يُكمل أوزترك: "قلتُ قبل ثمانية أعوام إنَّ مسعود حين يلعب جيداً فهو ألماني ومقبول من المجتمع. لكن اخرج إلى الشارع واعثر على عامل بناء يدعى علي، واسأله إن كانت ألمانيا تتقبله بالطريقة نفسها. حين كنتُ لاعباً كان عليَّ أن أُظهر ثلاثة أضعاف أداء اللاعبين الألمان ليُسمح لي بلعب جزءٍ من المباراة. كان هذا قبل ثلاثين عاماً، لكنِّي لا أظن الأمور قد تغيرت كثيراً الآن".
قبل أربعة أعوام، حين فشل فريق برلينر الأول في الصعود إلى دوري الدرجة الأولى بفارق هدف واحد، وصفت قناة تليفزيونية لاعبي الفريق بأنَّهم "يلعبون بقمصان حمراء وشعور سوداء" (اعتذر المحرر لاحقاً، قائلاً إنَّ ذلك كان خطأً).
لماذا يجب أن أفتخر بألمانيتي!
ويُضيف أوزترك: "لقد عشتُ في ألمانيا 48 عاماً. لدي جواز سفر ألماني، وكنتُ متزوجاً من ألمانية، لكنَّني عاجزٌ عن القول إنَّني فخورٌ بألمانيتي. لماذا أفتخر بذلك؟ لا يمكن أن أتنكر لجذوري. لماذا لا يمكن أن أحب ألمانيا وتركيا؟".
تتبنى ألمانيا سياسات مشددة نسبياً فيما يخص ازدواج الجنسية عند المواطنين من خارج الاتحاد الأوروبي. وفي حين يُمكن للأطفال لأبوين تركيين حمل جوازي سفر، فإنَّ حزب أنجيلا ميركل دعا إلى تشديد القانون. وواحدٌ من أشد مناصري تطبيق المزيد من القيود في الحزب هو راينهارد غريندل، الرئيس الحالي للاتحاد الألماني لكرة القدم. وهناك إجماعٌ في ساحة تدريب برلينر على أنَّ العلاقات التركية الألمانية في ألمانيا لن تتعافى إلا بأن يحذو غريندل حذو أوزيل، ويستقيل من منصبه.
وقال غوركيم ألب زيرين، البالغ من العمر 17 عاماً ويلعب في خط الدفاع إلى جانب هاكان غوموس، إنَّه يتعاطف مع قرار النجم أوزيل: "أنا مثله، لدي ثقافتان تعيشان داخلي، ولن أشعر بالارتياح إن تعرضتُ للانتقادات بسبب هذا".
هل أثنته مسألة أوزيل هذا الصيف عن اللعب لمنتخب ألمانيا؟ يقول زيرين: "يحلم كل لاعبي الفريق باللعب لمنتخب ألمانيا؛ لذا لا أظن هذا".