قادوا أكبر الاحتجاجات في تاريخ طهران “الحديث”، فكان مصيرهم الإقامة الجبرية.. ما الذي تخشاه إيران حتى تفرج عن رموز «الحركة الخضراء»؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/07/30 الساعة 15:29 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/07/30 الساعة 16:11 بتوقيت غرينتش
الإقامة الجبرية كان مصير قادة "الحركة الخضراء"

يعتبر كل من رئيس الوزراء الإيراني الأسبق مير حسين موسوي وزوجته زهراء رهنورد، ورجل الدين مهدي كروبي من أبرز الوجوه الإصلاحية، التي تعيش تحت الإقامة الجبرية منذ سنوات، بعد أن قادت قبل 9 سنوات "الحركة الخضراء". ومن المنتظر أن ترفع إيران هذه العقوبة عما قريب.

في الوقت الراهن، تعيش الشخصيات المذكورة أعلاه تحت الإقامة الجبرية منذ 7 سنوات، حيث إنها من المرجح أن تستعيد حريتها في وقت قريب. وذكر تقرير لموقع Deutsche Welle الألماني، أنه وفقاً لموقع "كلمة" الإخباري الإيراني، قرر المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني رفع الإقامة الجبرية عن القياديَّين المعارضَين مير حسين موسوي، ومهدي كروبي.

ومن المتوقع أن يشمل هذا القرار زوجة موسوي الروائية زهراء رهنورد. والجدير بالذكر أن كل قرارات العفو لا تدخل حيّز التنفيذ إلا بموافقة المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، علي خامنئي.

لماذا اتخذ النظام الإيراني هذه الخطوة في هذا الوقت!

في الواقع، تبقى موافقة خامنئي على العفو عن هؤلاء السياسيين أمراً وارداً. ومن الملاحظ أن السلطات الإيرانية تعمل على توحيد المجموعات المحافظة والإصلاحية، بهدف فرض مزيد من الضغط على الولايات المتحدة الأميركية.

القرار الذي ينتظر فتوى المرشد وسيتم تطبيقه خلال 10 أيام إذا لم يعارضه علي خامنئي، تضمَّن الإفراج عن مهدي كروبي، زعيم "التحرك الأخضر" المعارضة الذي يخضع للإقامة الجبرية منذ 8 سنوات مع مير حسين موسوي وزوجته زهراء رهنورد، كما شمل رفعَ الحظر الإعلامي عن محمد خاتمي، الرئيس الإيراني السابق وزعيم التيار الإصلاحي.

موسوي وكروبي تحت الإقامة الجبرية منذ 8 سنوات
موسوي وكروبي تحت الإقامة الجبرية منذ 8 سنوات

عراب هذا المشروع هو إسحاق جهانغيري، النائب الأول للرئيس الإيراني حسن روحاني، والذي أكد أن هناك تحركاً لجمع الشخصيات والرموز البارزة في البلاد خلال الأيام القادمة، من أجل توحيد الصفوف، وأن احتمال إزالة الإقامة الجبرية على الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي تأتي في إطار ترتيب لقاء يجمعه وقادة نظام إيران.

ترتيب البيت الداخلي وتوحيد "أجنحة النظام"

دوافع تحركات الملالي تأتي في إطار إعادة ترتيب البيت داخلياً، وتوحيد أجنحة النظام بوجهيه الإصلاحي والمتشدد، بهدف احتواء التوترات المتزايدة والسخط الشعبي الناجم عن انهيار الاقتصاد والعملة المحلية، عبر منح المعارضة مساحة للتحرك بشكل لا يهدد النظام وفي الوقت نفسه يتيح لأقطابه تلميع أنفسهم أمام المجتمع الدولي، لا سيما المرشد الأعلى علي خامنئي، بغية تخفيف الضغوط الدولية على طهران عبر إبداء مرونة في التعاطي مع الملفات الداخلية.

وقد سبق أن طالبت الخارجية الأميركية، في فبراير/شباط 2017، السلطات الإيرانية برفع الإقامة الجبرية المفروضة على قادة المعارضة والتي رأت الأولى أنها تتعارض مع المقررات والحقوق الدولية، التي أعلنت طهران التزامها بها.

وربما "بديل" لحكومة روحاني

وثمة ترجيحات تؤشر إلى أن هذه الخطوات تهدف إلى الإتيان بموسوي وكروبي كبديل عن حكومة روحاني إذا فشلت المفاوضات حول إبقاء الاتفاق النووي مع الأوروبيين، وبدء سريان العقوبات الأميركية الأقسى من نوعها، والتي ستبدأ واشنطن بفرض المجموعة الأولى منها في 4 أغسطس/آب 2018.

فهناك رغبة شبه مكتومة داخل الحرس الثوري لإقصاء روحاني، الذي سيكون محظوظاً إن بقي في السلطة حتى الخريف المقبل، لا سيما مع محاولات البحث عن كبش فداء لأخطاء الملالي والنظام بجناحيه المعتدل والمتشدد، يمكن من خلالها تهدئة الأصوات المعارضة ولو بعض الوقت من جهة، وتمنح المتشددين فرصة لإلقاء اللوم على الرئيس الذي يمثل التيار المعتدل.

ما قصة "التحرك الأخضر الإيراني"

ويُعد كل من مير حسين موسوي (76 عاماً) ومهدي كروبي (80 عاماً) من أبرز الوجوه التي قادت الاحتجاجات التي جدَّت خلال سنة 2009. وفي ذلك الوقت، وعلى الرغم من تقديم موسوي وكروبي ترشُّحهما للانتخابات الرئاسية، فإن السياسي المتشدد أحمدي نجاد فاجأ الجميع بفوزه بولاية جديدة. وفي ضوء هذه النتائج، رفض موسوي وكروبي الاعتراف بفوز خصمهما.

إثر الإعلان عن فوز نجاد بالسباق الانتخابي، نظم ملايين الإيرانيين مظاهرات تنديداً بنتائج الانتخابات، لكن سرعان ما أُخمدت هذه الحركة الاحتجاجية. وفي فبراير/شباط 2011، تم فرض الإقامة الجبرية على كل من كروبي وموسوي ورهنورد؛ نظراً إلى دورهم البارز خلال ما يُعرف بـ"التحرك الأخضر الإيراني"، علماً أن ثلاثتهم يعتبرون من الوجوه السياسية البارزة في إيران منذ عقود.

من رئيس وزراء إلى أكبر المعارضين

شغل موسوي منصب رئيس وزراء الجمهورية الإسلامية الإيرانية خلال الفترة الممتدة بين سنتي 1981 و1989، أي خلال فترة تولي علي خامنئي منصب رئاسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية. في تلك الفترة، كان موسوي شخصاً مؤثراً في الساحة السياسة الإيرانية، خاصة أنه كان من المقربين من قائد الثورة الإسلامية الإيرانية، آية الله الخميني.

وبعد وفاة الخميني خلال سنة 1989، نشب صراع بين خامنئي وموسوي حول خلافة الراحل. وفي نهاية المطاف، تقلّد خامنئي منصب المرشد الأعلى للثورة الإيرانية ليصبح بذلك الشخص الأكثر نفوذاً بالنظام السياسي الإيراني، في حين حصل موسوي على مقعد فيما يسمى "مجلس خبراء القيادة". ولئن كان هذا المجلس يتكفل بمهمة تسوية الخلافات بين هيئات صنع القرار في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، إلا أن تأثيره يبقى محدوداً على المستوى التطبيقي. وبعد ذلك، انسحب موسوي من الساحة السياسية وكرَّس جل وقته لممارسة هوايته المفضلة؛ ألا وهي الرسم.

موسوي رفقة زجته خلال انتخابات 2009 قبل فرض الإقامة الجبرية عليهما
موسوي رفقة زجته خلال انتخابات 2009 قبل فرض الإقامة الجبرية عليهما

في الحقيقة، يُعرف هذا المهندس المعماري ومصمم المدن بشغفه برسم الصور السريالية، وهو ما أهَّله للإشراف على أكاديمية الفنون الإيرانية خلال سنة 2010. وخلال سنة 1969، تعرَّف على زوجته في أثناء زيارته معرضاً فنياً. خلال عهد الشاه، تعرَّض موسوي للاعتقال في عدة مناسبات. وفي سنة 1979، فر رفقة زوجته إلى الولايات المتحدة الأميركية، حيث نظم سلسلة من الحركات الاحتجاجية ضد الشاه رفقة مجموعة من الطلبة الإيرانيين.

وقبل فترة قصيرة من الثورة، عاد موسوي إلى إيران لينضم إلى الدائرة المقربة من الخميني. ومباشرة بعد الثورة، أسس المقربون من قائد الثورة الإسلامية، الخميني، الحزب الجمهوري الإسلامي، ليتولى موسوي الإشراف على تحرير الجريدة الناطقة بهذا الحزب. وبعد سقوط أول رئيس للجمهورية الإسلامية الإيرانية أبو الحسن بني صدر، تولى موسوي منصبَي وزير الخارجية ثم رئيس الوزراء. وخلال الحرب بين إيران والعراق، تمكن من تحقيق الاستقرار الاقتصادي في بلاده بفضل برنامج ترشيد الاقتصاد.

لكن.. ما هو سر علاقة موسوي بـ"التحرك الأخضر"؟

خلال سنة 2009، ترشَّح موسوي للانتخابات الرئاسية باعتباره معارضاً للرئيس الإيراني الأسبق، محمود أحمدي نجاد. في هذا الصدد، صرح موسوي منتقداً شعبوية نجاد: "اليوم، نقف أمام سياسي يهوى الحديث والكذب أمام الكاميرا". في ذلك الوقت، حظي موسوي بدعم الدائرة المقربة من الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي ومن الموظفين الساميين، الذين عملوا تحت إشرافه.

في الوقت الحالي، لا يزال موسوي يعيش في بيته الكائن وسط مدينة طهران. وخلال الحملة الانتخابية الرئاسية التي أُجريت خلال سنة 2009، وضع أنصار موسوي أشرطة خضراء على معاصمهم كطريقة للتعبير عن احتجاجهم. وعند الإعلان عن فوز نجاد، شكَّك موسوي وأنصاره في نتائج الانتخابات بتعلَّة وجود شبهة تزوير، علماً أن النتائج الرسمية أشارت في ذلك الوقت إلى فوز نجاد بنحو 63% من الأصوات.

وبرفضه نتائج الانتخابات، أعلن موسوي الحرب على المرشد الأعلى للثورة الإيرانية خامنئي، الذي دعم نجاد على الرغم من تشكيك موسوي في نتائج الانتخابات. وفي الأثناء، احتدت وتيرة الاحتجاجات، ليندلع ما يعرف بـ"التحرك الأخضر الإيراني"، الذي قُوبل بقمع شديد من قبل قوات الأمن. ومنذ سنة 2011، تم فرض الإقامة الجبرية على موسوي وزوجته رهنورد.

إلا أن موسوي لم يكن وحده فقد تلقى دعم "رجل الدين"!

بعد مرور سنة واحدة على اندلاع الثورة الإسلامية في إيران سنة 1979، بدأ رجل الدين مهدي كروبي نشاطه السياسي، حيث انتُخب كروبي في ذلك الوقت ممثلاً عن مدينته، أليغودرز، في البرلمان الإيراني. وتعتبر أليغودرز، التي تقع غربي البلاد الموطن الأصلي لكروبي. وفي السنة نفسها، أنشأ كروبي، بتفويض من آية الله الخميني، "مؤسسة الشهيد"، وكانت مهمتها الأساسية رعاية أسر ضحايا الثورة الإسلامية وعائلات قتلى الحرب الإيرانية-العراقية.

وخلال سنة 1989، أصبح كروبي رئيساً للبرلمان، كما شغل هذا المنصب مرة أخرى خلال الفترة الممتدة من سنة 2000 إلى غاية سنة 2004. وفي سنة 2005، أنشأ كروبي حزب "اعتماد ملي"، أو حزب الثقة الوطنية. وفي السنة ذاتها، رشح كروبي نفسه في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، ولكنه خسر أمام عمدة بلدية طهران آنذاك، محمود أحمدي نجاد. وخلال سنة 2009، رشّح كروبي نفسه مرة أخرى لرئاسة الجمهورية.

وعلى غرار ما فعله المعارض مير حسين موسوي، رفض مهدي كروبي الاعتراف بنتيجة الانتخابات، وأعلن دعمه "التحرك الأخضر الإيراني"؛ ما أدى في النهاية إلى وضعهما تحت الإقامة الجبرية. وفي فبراير/شباط سنة 2011، وُضع كل من موسوي وكروبي مرة أخرى قيد الإقامة الجبرية بتهمة التحريض على التظاهر، وحتى الآن لم يدَنْ أيٌّ منهما في أية قضية.

إضافة إلى زوجته الفنانة "زهرا رهنورد"

وفي حال رُفعت الإقامة الجبرية عن مير موسوي وكروبي، فستُرفع كذلك عن الفنانة وعالمة السياسة زهرا رهنورد، زوجة موسوي، البالغة من العمر 73 سنة. وتعد رهنورد، أو زهرة كاظمي، الاسم المعتمد في أوراقها الرسمية، من أبرز سجينات الرأي في إيران. وقبل قيام الثورة الإسلامية بإيران، ارتبطت طالبة الفنون زهرة كاظمي بعلاقات مع المفكرين الثوريين آنذاك، وبعد ذلك غيّرت اسمها إلى زهرة رهنورد.

وبعد الثورة، بدأت زهرة دراسة العلوم السياسية إلى جانب عملها أستاذة للفنون. وخلال الفترة من سنة 1998 وحتى سنة 2006، شغلت زهرة رهنورد منصب رئيس جامعة الزهراء للبنات. بعد ذلك، انتقلت رهنورد للعمل في جامعة طهران، لتصبح بذلك أول امرأة تعمل أستاذة في جامعة طهران المعروفة. وخلال الانتخابات الرئاسية سنة 2009، لعبت رهنورد دوراً بارزاً في حشد النساء وشباب الناخبين من أجل التصويت لزوجها.

وعندما خُصص اللون الأخضر لموسوي عند ظهوره في إحدى المناظرات الانتخابية على التلفزيون الإيراني، قررت رهنورد وأتباع موسوي أن يعبر اللون الأخضر دائماً عن المعارضة. وانتشر أتباع موسوي في شتى أنحاء البلاد، وميّزوا أنفسهم برباط معصم ذي لون أخضر. فضلاً عن ذلك، تعتبر رهنورد "مهندسة" التحرك الأخضر الإيراني، كما وضعتها مجلة "Foreign Policy" سنة 2009 في المركز الثالث بقائمة أفضل مفكري العالم لهذه السنة؛ وذلك لدورها البارز في الحملة الانتخابية لمير حسين موسوي.


اقرأ أيضا

مِنح للدراسات الجامعية وندوات ثقافية وحسينيات.. وسائل التغلغل الإيراني في سوريا بعد الضغوطات الأمريكية لإبعادها

خامنئي يترأس اجتماع الحكومة الإيرانية ويُخيِّر الاتحاد الأوروبي: إما ضمانات فعلية أو الانسحاب من الاتفاق النووي

 

علامات:
تحميل المزيد