صديق لديانا ومؤيد لطالبان.. “خان” لاعب الكريكيت المتهور هل يحوّل باكستان إلى صين جديدة أم يصطدم بالجيش الذي دعمه؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/07/30 الساعة 15:42 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/07/30 الساعة 15:44 بتوقيت غرينتش
Pakistani opposition politician Imran Khan speaks with party leaders at his home in Bani Gala, outside Islamabad, Pakistan October 30, 2016. REUTERS/Caren Firouz

بالنسبة لدولةٍ غالباً ما تذكر في الأخبار لأسباب سلبية، كالتفجيرات الانتحارية والمذابح المروّعة بالمدارس، وصلت باكستان إلى نقطة تحول قد تُغيِّر مسارها المختل. عمران خان، لاعب الكريكيت والمحسوب ضمن قائمة المشاهير الذي فاز حزبه السياسي في انتخابات الأسبوع الماضي، قد يستخدم شهرته وجاذبيته في إعادة رسم العلاقات المتوترة بين باكستان والغرب، ويحول بلاده إلى صين جديدة.

كما قد يُقرِّب عمران خان باكستان إلى نطاق نفوذ الصين الآخذ في الاتساع، وهي الجارة التي أثنى عليها خان مراراً كنموذج يُحتذى به، وفقاً لما ورد في تقرير لصحيفة The New York Times الأميركية.

أو أنه ببساطة قد يتبع نفس المسار الذي سلكه العديد من قادة باكستان قبله، بدعم القوانين الإسلامية المتشددة وإبداء التعاطف مع الجماعات المسلحة، وهي السياسات التي تسببت في عزل باكستان لسنوات، حسب وصف الصحيفة الأميركية.

وعمران خان، نجم الكريكيت ذو الكاريزما الطاغية معروف بانتقاده اللاذع لسياسة مكافحة الإرهاب التي تنتهجها الولايات المتحدة الأميركية في منطقة ابتُليت بالتطرف.

رغم الاتهامات بفساد الانتخابات، لماذا قد يشكل صعوده فرصة للتغير؟  

ومع ذلك، يحمل خان شيئاً جديداً؛ فهو أكثر نجومية وغموضاً من أي قائد باكستاني سابق، وربما يكون فرصةً أفضل لتغيير مسار الدولة، رغم أن الانتخابات رُمِيَت إلى حدٍّ بعيدٍ بالفساد.

يقول مايكل كوجلمان، نائب مدير برنامج جنوب آسيا بمركز وودرو ولسون في واشنطن: "تقرَّب عددٌ قليلٌ نسبياً من قادة باكستان إلى الغرب"، مضيفاً: "لكن خان على درايةٍ بالعمل في الشأن الدولي، ولديه بالفعل اسمٌ قوي، فلا يحتاج للتعريف".  

من الواضح أن خان الذي تعلَّم في جامعة أكسفورد، ومتزوجٌ من امرأةٍ بريطانية ثرية، له مكانةٌ في أعلى دوائر أصحاب النفوذ في الدول الغربية، فقد كان صديقاً مُقرَّباً للأميرة ديانا (قال خان قبيل وفاتها إنه كان يحاول مساعدتها لإيجاد زوج جديد).

ولكنه الآن أصبح رجلاً مختلفاً.. فموقفه من قوانين التكفير غريب

ومع ذلك، فإن خان لم يعد كما كان قديماً، ففي السنوات الأخيرة تحوَّل تحوُّلاً جذرياً، إذ خلع نفسه من كونه نجماً رياضياً ورجلاً مولعاً بالنساء، وهو الآن يتعاطف مع "طالبان" ومع قوانين التكفير الباكستانية المتشددة التي تتضمن عقوبة الإعدام، تلك المواقف التي تؤثر على الساحة المحلية.

وجَّه خان خطاباً متلفزاً إلى الأمة عقب ظهور النتائج الأولية التي تظهر تقدمه، قال فيه إنه سيسعى إلى تكوين علاقة قائمة على "المنفعة المتبادلة" مع الولايات المتحدة، وسيؤسس دولة العدل والرفاه أسوة بما فعله النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) قبل قرون مضت.

وتقول كارول كريستين فير، أستاذة العلوم السياسية بجامعة جورجتاون: "إنه يتوافق مع المتشددين توافقاً خطيراً، وأي شخص يعرفه يعرف ذلك".

وأظهرت الانتخابات التي شابتها مزاعم التزوير وتوافر الأدلة على تدخل الجيش الباكستاني لمساعدة خان على الفوز، اكتساح  حزبه للآخرين ولكن حتى يوم الأحد ظل يفتقر إلى حيازة الأغلبية في البرلمان.

ولكي يصبح رئيساً للوزراء فإنه يحتاج للفوز على المرشحين المستقلين والأحزاب الأصغر لتكوين تحالف، وكثير من المحللين يرون أنه سينجح برغم أن ذلك غير مؤكد.

 

اقرأ أيضاً

سيؤسس دولة العدل والرفاه "أسوة بالنبي محمد".. هذا ما وعد به خان "المتقلب" الباكستانيين بعد فوزه بالانتخابات

وهو يمتدح الصين بشكل لافت

ومن جوانب عدة، تعتبر باكستان دولة محورية، فهي سادس أكبر دولة في العالم من حيث عدد سكانها، الذي يبلغ 200 مليون نسمة، وتمتلك تسليحاً نووياً ولها موقعٌ استراتيجي بالقرب من الهند والصين وإيران وأفغانستان.

 

ومنذ عقود، أقحمها الانتحاريون والجماعات المتشددة ووكالة تجسّس شائنة، حسب وصف الصحيفة الأميركية، في حالةٍ من الفوضى أسهمت في خلق "طالبان" ودعم "القاعدة" بفاعلية، بينما كانت تضطلع ظاهرياً بدور الحليف للولايات المتحدة.     

ولكن الآن توجد أجزاء كثيرة من الدولة في وضع أكثر أماناً مما كانت عليه منذ سنوات قليلة، فمراكز التسوُّق الجديدة والمدارس ومنافذ دانكن دونتس آخذة في التزايد، والآن باكستان مستعدة لكي تصبح مركزاً تجارياً عالمياً جديداً.

ومن المتوقع بشدة أنه إذا أصبح خان (65 عاماً) رئيساً للوزراء سيكون هناك انجذابٌ أولي خلال جولاته بدول العالم، وعلى الأرجح سيزور عواصم أجنبية وعمالقة التجارة، طالباً المساعدة لحل أزمة الديون الطاحنة في باكستان وجلب المستثمرين، كما يبدو أنه سيضع الصين في حسبانه.

وفي خطاب إلى الأمة الأسبوع الماضي، ذكر خان الصين ما لا يقل عن 7 مرات بالمدح لانتشالها الملايين من الفقر ولمكافحة الفساد، قائلاً: "إن شاء الله سنتعلم ذلك من الصين".

وفي إشارة واضحة، نشر حزبه تغريدة على تويتر باللغة الصينية ممجداً إنجازات الصين ومتعهداً بتحسين العلاقات.

وهذه دلائل دعم المؤسسة العسكرية له

تتجه باكستان نحو التخلف المحتمل عن السداد والإفلاس، وقد أقرضتها الصين مليارات الدولارات لإنشاء طرق وسكك حديدية جديدة بأسعار مخفضة، وبعد يومين من خطاب خان، أوردت الصحف الباكستانية أن الصين قد تُقرِض الحكومة المقبلة ملياري دولار إضافية لإعطائها فرصة لـ"التقاط الأنفاس".  

ولكن بافتراض أن خان سيتولى منصب رئيس الوزراء في نهاية الأمر، فإنه سيدخل إلى هذا المنصب ببعضٍ من الخزي.

ففوزه في الانتخابات كان بعيداً عن النزاهة، حسب وصف The New York Times.

فقد أعلنت جماعات حقوقية، علاوة على عددٍ من الأكاديميين والدبلوماسيين الغربيين والمحللين السياسيين، أن الجيش والأجهزة الأمنية الباكستانية، والتي يُشار إليها بشكلٍ غير مباشر باسم "المؤسسة"، استهدفوا بأسلوبٍ ممنهج منافسي خان السياسيين في الأشهر التي سبقت الانتخابات، وساعدوه على الفوز.

وأفاد عديدٌ من المتابعين بأن القوات الأمنية في الشهور السابقة للانتخابات أرهبت، وابتزت، واعتقلت ولاحقت قضائياً قادة حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية السياسي، وبلغ الأمر منتهاه بالقبض على نواز شريف، الذي تولى منصب رئيس الوزراء ثلاث مرات، قبل أقل من أسبوعين من التصويت.

ويزعم خصوم خان أن حراس صناديق الاقتراع منعوا الدخول إلى غرف فرز الأصوات في يوم الانتخابات، ما أثار الشكوك حول حدوث مزيدٍ من التلاعب.

 

اقرأ أيضاً

فوضى انتخابية في باكستان.. لا موعد لإعلان النتائج، واتهامات بـ "عمليات تزوير فاضحة"، وموقف الجيش يزيد الغموض

 

وترمب أحد أسباب تأييد الجيش الباكستاني له

يبدو حتى الآن أن خان يروق للعسكريين جزئياً لأن صرامته مع الولايات المتحدة وتسامحه مع المتشددين الإسلاميين تعكس شعور كبار المسؤولين الباكستانيين.

إذ تشعر الإدارة الباكستانية بالإهانة من ترمب الذي أوقف المساعدات العسكرية إلى باكستان، والانزعاج من التحوِّل في سياسة الولايات المتحدة نحو التصالح مع الهند، عدوة باكستان، نكايةً في الصين.

لكن يقول محللون إن تنصيب خان لم يكن الهدف الأساسي للإدارة. كان الحكم المباشر في الباكستان إما تحت يد الجيش عبر معظم تاريخها وإما عُرضةً للتدخل منه في سائر الوقت.

وأضاف المحللون أن ما أراده قادة الجيش هذه المرة حقاً هو حكومة مدنية ضعيفة، تعطي إحساساً زائفاً بالديمقراطية. ومن شدة إفراطهم في التركيز على تكتيكاتهم لم ينالوا لا هذا ولا ذاك في النهاية.

ولكن الآن يبدو أن المؤسسة العسكرية باتت تخشى من شعبيته

ومع ذلك فإن قادة "المؤسسة العسكرية" الآن قد يلومون أنفسهم على القيام بدعم خان على نحوٍ أفضل مما كانوا يبتغونه، حسب وصف الصحيفة الأميركية.

ففي ظل القضاء على المنافسة، ومع امتلاك خان شعبية صادقة، بالأخصّ بين الشباب، سيتولى الرجل الآن المنصب على أرضيةٍ راسخة على الصعيد الوطني.

ووفقاً لآخر النتائج المُحدَّثة الصادرة مطلع الأسبوع الجاري، قد فاز حزبه بما يقرب من 4 ملايين صوتٍ أكثر من أقرب منافسيه، الرابطة الإسلامية الباكستانية.

ويتصدر حزب خان بفارق شاسع في الجمعية الوطنية بأكثر من 100 مقعد، مقارنةً بالرابطة الإسلامية الباكستانية التي حازت قرابة 64 مقعداً، وقد أبلى بلاءً حسناً كذلك في الجمعيات الإقليمية.

ما يعنيه كل هذا هو أن خان، الذي يبدو أن نجاحه جزئياً من صنع الجيش، ربما لن يكون من السهل السيطرة عليه من قبل المؤسسة العسكرية.

وقال مارفين وينباوم، أحد الباحثين في معهد الشرق الأوسط والمحلل السابق في استخبارات وزارة الخارجية: "قد يميل خان أكثر ناحية الصدام. سيكون الفارق بينه وعمران هو أنه شعبوي، ويشعر بقدرته على بلوغ ما عجز عنه نواز شريف رئيس الوزراء الذي سبقه".

وقال وينباوم إن الصراع مع المؤسسة "يكاد يكون حتمياً".

نعم شخصيته متقلبة ولكن الغرب لا يأبه لذلك.. فهو يهتم بأمرين فقط في باكستان

شخصية خان الشاردة مصدر تعقيد آخر. فهو معروف بالقرارات المتهورة الفردية، ومناقضة نفسه ثم استغلال مخزونه الوفير من الثقة بالنفس والكاريزما في تخليص نفسه.

خذ مثلاً آراءه في الدين. لقد قال إنه يريد إصلاح النظام الدراسي الذي جرى فيه غسيل مخ لعددٍ لا حصرَ له من الأطفال الباكستانيين في المدارس القرآنية لكي يقاتلوا لصالح الجماعات المتشددة. وفي الوقت نفسه دعم خان قوانين التكفير وتعاون مع جماعات دينية متشددة قامت بأعمال عنف منذ بضع سنوات في العاصمة إسلام آباد.

وترمز الفيلا الخاصة به القابعة على ضواحي إسلام آباد، حيث يمضي معظم وقته، إلى طبيعته الانعزالية. فالمُجَمَّع المهول، الواقع على قمة تل وعر، مخفيٌّ وراء أسوار عالية. بالليل، يمكنك رؤية آلاف من الأضواء المتألقة من إسلام آباد الراقدة على عمق سحيق. مع أنه ما زال رسمياً حتى الآن واحداً من مئات أعضاء البرلمان، فقد نصب عدة شرطيين كمائن على الطرق المؤدية إلى بيته مطلع هذا الأسبوع ووقفوا جماعاتٍ على بواباته كما لو كان رئيس الوزراء بالفعل.

بالنسبة للحكومات الغربية، ربما لا تحظى غرابة أطوار خان بهذا القدر من الاهتمام أصلاً. فيقول محللون إن هناك مشكلتين وحيدتين يهتم بهما الغرب في باكستان: الجماعات المُسلَّحة والأسلحة النووية. ولن يكون لخان سلطة في أي من الأمرين. فهما في أيدي الجيش وإدارة الاستخبارات.

 

اقرأ أيضاً

لماذا تشكل الانتخابات الباكستانية أهمية للعواصم الخليجية؟

ولكنْ هناك تحد كبير يهدد شعبيته.. فالوضع سيئ حقاً

كبرى المشكلات التي سيتعامل معها خان هي الاقتصاد. هنا يمكن أن يتألَّق في القيادة أو ينطفئ نجمه سريعاً. إذ تواجه باكستان أزمةً في ميزان المدفوعات، وقد هبطت قيمة عملتها بسرعة كبيرة، وديونها لا حدَّ لها.

يقول خبراء اقتصاديون إن الخطوات التي على رئيس الوزراء اتخاذها واضحة لكنها مؤلمة. فيجب تخفيض الموازنة الوطنية (بما فيها موازنة الجيش)، وعلى الباكستانيين دفع المزيد مقابل الحصول على طاقة، ويجب خصخصة الشركات القديمة التابعة للدولة ويجب أن يُجمَع كمٌّ أكبر بكثير من الضرائب.

وفقاً للحكومة الباكستانية، مَن دفعوا الضرائب كانوا أقل من مليون من بين 200 مليون باكستاني، في العام الماضي 2017.

ويظل تركيز خان منصبَّاً على الحصول على المقاعد التي يحتاجها في البرلمان الباكستاني لتشكيل حكومة ائتلافية يرأسها هو. وحتى الآن، أعلنت بعض الأحزاب الصغيرة انضمامها له، لكن ما زال أمامه طريقٌ طويل.

وقد كان حزب الشعب الباكستاني، وهو الحزب الثالث، غامضاً حيال وقوفه في صف خان أو معارضته. وإذا وقف في صفه، سيُيَسِّر ذلك من ضم الأغلبية إلى حكومة خان الائتلافية.

لسنا إرهابيين.. لهذا السبب يؤمنون به

يؤمن معظم الباكستانيين، حتى مَن لم يصوّتوا لخان، بأنه سيكون رئيس الوزراء التالي. ويطمحون في قدرته على تغيير صورة باكستان.

قالت فتاة بعمر 16 عاماً تُدعى ماهنور، كانت جالسةً في ساحة الطعام في مركزِ تسوُّقٍ جديدٍ فاخر هذا الأسبوع، وتتناول بطاطس ماكدونالدز المقلية: "يعتبر الجميع باكستان عالماً من الإرهابيين. وهي ليست كذلك".

وقال نفيد مجيد، أحد مصدِّري الأرز، إن الأجانب سيستمعون إلى خان لأنه يتسم بنوعٍ ما من الجاذبية.

وأضاف: "أريده أن يخبر العالم بأننا لسنا جميعاً إرهابيين".

من الواضح أنها مسألة حساسة؛ إذ يتوق كثيرٌ من الباكستانيين لرسم صورة جديدة لوطنهم.

لن يكون خان أول رئيس وزراء باكستاني بتاريخ لافت. إذ كانت بينظير بوتو، التي اغتيلت في تفجير انتحاري عام 2007، أنيقةً وجميلةً وجذبت أنظار العالم كذلك. وهي الأخرى أمضت أعواماً في إنكلترا (والولايات المتحدة). لكنها أخفقت في تغيير نظرة معظم الأجانب إلى وطنها.

وعزا أناتول ليفين، وهو باحثٌ كبير في مؤسسة New America، ذلك إلى أن الغربيين نظروا إلى بوتو في البداية من خلال عدسة ضيقة على أنها امرأة ليبرالية من الطبقة العليا تلقَّت تعليمها في بريطانيا.

وقال: "فاتهم كل شيء آخر يتعلق بعائلتها، وطبيعة السياسة في باكستان. هؤلاء الأشخاص هم جزءٌ من نظامٍ أكبر".

 

موضوعات ذات صلة

أقر الحزب الحاكم في باكستان بخسارته أمام خان.. لكن نجم الكريكت يواجه غضب أحزابٍ أخرى تهدد بملء البلاد بالمحتجين وترفض فوزه

 

تحميل المزيد