السوريون لقنوا العالم طرق توثيق المذابح عبر الإنترنت، ولكن مراسلة أميركية تروي كيف انقلب الأمر عليهم

عربي بوست
تم النشر: 2018/07/30 الساعة 08:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/07/30 الساعة 14:07 بتوقيت غرينتش

"بابا أبوس رجليك يا بابا".

بهذه الكلمات كانت طفلة سورية ترجو والدها أن ينقذها والجزء الأسفل من جسدها مدفون تحت الأنقاض، بينما يجلس الأب بجوارها وهو عاجز عن فعل أي شيء لإخراج ابنته.

كان هذا مشهداً من مشاهد المأساة السورية اللامتناهية، أظهره مقطع فيديو تم تداوله على شبكات التواصل الاجتماعي لطفلة سورية ووالدها، عقب قصف نفَّذته طائرات النظام على أحد الأحياء السكنية.

قد تكون الثورة السورية واحدة من أكثر الأحداث البشرية التي تم توثيقها إلكترونياً.

ففي مواجهة الحصار الإعلامي الذي فرضه النظام، لم يكن أمام النشطاء سوى هذه الوسيلة التي سرعان ما تلقفتها وسائل الإعلام العالمية التي منعت من الوصول للبلاد، كما نجحت في استخدام ذات الوسائل للتحقق من صحة الفيديوهات والأخبار المنقولة من الميدان السوري الملتهب.

تجربة شخصية مع الثورة السورية

آن بارنارد، مديرة مكتب صحيفة New York Times في العاصمة اللبنانية بيروت، والتي تغطي سوريا والشرق الأوسط تحدثت عن تجربتها لاستخدام التكنولوجيا في نقل الأحداث، ولاسيما الثورة السورية، وكيف عايشت أحداثها وشخصياتها عن قرب عبر هذه الوسائل التي أبدع السوريون في استخدامها، حسب قولها.

بدَّلت تغطية الحرب السورية طريقتي في استخدام التكنولوجيا في العمل، هكذا تصف آن بارنارد تجربتها مع تغطية الثورة السورية.

فالتحديات اللوجستية والصحفية الخاصة التي تفرضها تغطية هذا الصراع دفعت الجميع لاستخدام التكنولوجيا الأساسية بطرق جديدة ومختلفة.

تقول آن بارنارد في حديث لــNew York Times إن استخدام التكنولوجيا بطرق جديدة ليس مقتصراً عليها وزملائها وحسب، بل يشمل أيضاً السوريين الذين تغطي تجاربهم.

هكذا قلد آخرون السوريين.. وهذه أهم شبكات التواصل التي استخدمتها

يعتبر انتشار الفيديوهات المصورة بالهواتف الذكية وسهولة مشاركتها أهم هذه الأدوات. وما يحمل أهمية كذلك شبكات التواصل الاجتماعي، التي ساعدت في إيصال الصحفيين بمختلف المصادر، وفقاً لآن.

ويوجد العديد من التطبيقات والأجهزة التي يمكن ذكرها، لكنها تضم القائمة الاعتيادية: فيسبوك، ويوتيوب، وواتساب، وتويتر، وسكايب.

وتقول المراسلة الأميركية لقد تبنّى أولئك الذين يناضلون ضد السلطات في جميع أنحاء العالم الطرق التي ساعد السوريون في ابتكارها وتطويرها، باستخدام هذه الأدوات البسيطة، بما في ذلك الولايات المتحدة، حيث يسجل الشهود فيديوهات لوحشية الشرطة، أو من خلال نشطاء حركة "حياة السود مهمة" (Black Lives Matter) الذين يشاركون هذه الفيديوهات.

كيف بدأ الأمر، لماذا شهدت سوريا تحديداً ازدهاراً لهذه الأساليب؟

لطالما فرضت الحكومة السورية رقابة محكمة على دخول الصحافيين الدوليين إلى سوريا وعلى تحركاتهم داخلها، حسب آن بارنارد.

لذا عندما بدأت الحركة الاحتجاجية عام 2011، عرف النشطاء السوريون أنَّ عليهم تصوير تحركاتهم -والحملة القمعية التي تشنها الحكومة- إذا أرادوا أن يعرف العالم في الخارج ما يحدث في الداخل.

بدأ هذا بجهود فردية لشهود عيان ونشطاء يسردون تاريخ وموقع المظاهرة، مستخدمين هواتفهم لتصويرها، ثم يصورون هجوم القوات الأمنية على الاحتجاجات، ثم قوات المعارضة التي تستولي على الأحياء، ثم المروحيات الحكومية -ولاحقاً الطائرات المقاتلة- التي تقصف هذه الأحياء.

وزادت صعوبة الوصول لمناطق المعارضة

مع استمرار الحرب، صار الوصول إلى مناطق المعارضة بدرجة الصعوبة نفسها التي تكمن في الوصول إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية.

فقد فُرض عليها الحصار، أو تعرض الصحافيون فيها لتهديد من قبل الخاطفين المتطرفين أو الغارات الجوية، أو كليهما.

لذا صارت هذه الأدوات مهمة لتغطية جميع الجوانب والمناطق، بالرغم من أننا لم نتوقف أبداً عن السفر إلى أي من المناطق التي نستطيع الوصول إليها.

ثم أصبحت التغطية منهجية حتى أنهم كانوا يشاهدون الناجين يخرجون من تحت الأنقاض

وبعد سبعة أعوام، صار استخدام أدوات الإعلام الرقمي هذه أكثر منهجية بكثير. تلتقط مجموعة الإغاثة "الخوذ البيضاء"، التي تعمل في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، فيديوهات بانتظام عبر كاميرات مثبتة في خوذ المتطوعين، حينما يحاولون إخراج الناجين من تحت الأنقاض.

وقد أصبحت الحرب المعلوماتية إحدى ساحات الصراع، إذ تسجل جميع الأطراف فيديوهات يأملون أن تتداول سريعاً كي تنشر وجهة نظرهم.

وبهذه الطرق أصبح الصحافيون قادرين على إجراء مقابلات

لكننا نحن الصحافيين نستخدم أيضاً الأدوات نفسها لإدارة دفة الحديث، والتحقق من المعلومات، وليس فقط من أجل الاستقبال السلبي لما يريد الأشخاص أن يُرسلوه إلينا، حسبما تقول آن.

لقد دمجنا منذ البداية التواصل الشخصي مع التواصل عبر الإنترنت، وقابلنا الأشخاص عبر الإنترنت وقابلناهم بعد ذلك وجهاً لوجه، أو استخدمنا الشبكات الاجتماعية لنُبقي بهدوء على التواصل معهم بعد مقابلتهم داخل البلاد.

وعن طريق استخدام سكايب أو فيديوهات أو صور واتساب، نستطيع مشاهدة ما يمر به الشخص في الحقيقة.

كما كان بإمكانهم التحقق من المعلومات

يمكننا كذلك أن نسأل هذه الشخصيات أن يعرضوا لنا البيئة المحيطة بهم، أو يرسلوا إلينا صوراً للشظايا أو الوثائق أو المواقع، للتأكد من المزاعم أو دحضها، حسبما تقول آن.

ونستخدم البحث العكسي عن الصور، لنتأكد من أنَّ الصور والفيديوهات التي يجري مشاركتها على شبكة الإنترنت ليست إعادة استخدام لصور من حوادث قديمة.

وتضيف الصحافية الأميركية: بمساعدة زملائنا، يمكننا استخدام المواقع الجغرافية للتحقق من تاريخ وموقع الصور والفيديوهات.

ولكن ظلَّت هناك تحديات لاستخدام هذه الأدوات التقنية.. والنظام استغلها كذلك لصالحه

يكمن التحدي الأول في سلامة الشهود والمصادر، وفقاً لما تذكره آن،  سواء كانوا في الولايات المتحدة أو في سوريا؛ لأن وسائل الاتصال الإلكترونية تُعتبر سلاحاً ذا حدين، فهي تقدم سبيلاً للرقابة الحكومية لتحديد هوية الأشخاص الذين يناضلون ضدها أو موقعهم أو كليهما.

وفي سوريا، اختارت الحكومة ألا تحظر فيسبوك والمنصات الأخرى، بل استخدمت هذه الشبكات لتعقب النشطاء والعلاقات فيما بينهم.

فقد أُلقي القبض على أشخاص وعُذبوا لمنشوراتهم على الشبكات الاجتماعية، أو حتى لتعبريهم عن إعجابهم بتعليق شخص آخر، كما أنَّ الرسائل الخاصة تجري قرصنتها ومراقبتها. لذا فإننا نبحث باستمرار عن وسائل للتواصل تكون أكثر أمناً.

إقرأ أيضاً

يستعيد الأسد إذاً باقي المناطق التي خسرها، ورغم ذلك انتصاره سيبقى منقوصاً بسبب حلفائه.. فمن الرابح والخاسر فعلاً بسوريا؟

لماذا كانت التكنولوجيا في بيروت أهم بالنسبة لها مما كانت في الولايات المتحدة؟

استخدام التكنولوجيا في لبنان أقرب إلى كونها شريان الحياة، حسبما تقول آن، لأنها تتواصل عبرها مع عائلتها وأصدقائها وزملائها ومصادرها في جميع أنحاء العالم.

والسبب أنَّ تطبيقات التراسل المرئي والصوتي بدائل أرخص وذات جودة أنقى من التواصل عبر شبكات الهواتف المحمولة ذات الجودة المتدنية. إضافة إلى أنَّ مجموعات فيسبوك وواتساب تُمثل طرقاً أسهل لمشاركة الصور والإحساس بأنك على تواصل دائم.

لكنها تقول إنها محبِطة كذلك لمحدودية إمكاناتها التي يفرضها بطء سرعة الإنترنت في لبنان.

وتضيف قائلة: أعمل مع زملائي على مشروعات مرئية تتضمن الوسائط المتعددة، لا أستطيع أنا والسكان في المنطقة مشاهدتها بالكامل، لأننا لا نملك حرفياً النطاق الترددي لتحميلها وتشغيلها بكفاءة.

وتقول: لقد صرت أيضاً أقدس البث الصوتي (بودكاست) خلال الفترة التي أقضيها هنا، نظراً لأنَّه أفضل طريقة للوصول إلى البث الإذاعي التي كنت أحب الاستماع إليه عندما كنت في وطني (الولايات المتحدة). ومما لا يقدر بثمن أيضاً متابعة الأخبار العالمية وأخبار الشرق الأوسط في الصباح من دون النظر إلى الشاشة، أي أثناء المشي، أو أداء التمارين.

رغم البنية التحتية الرديئة للاتصالات بلبنان فإن هناك إمكانات بشرية هائلة.. وهذه أبرز ابتكاراتهم

يملك لُبنان بنية تحتية للاتصالات رديئة للغاية، فيما عدا منطقة صغيرة في وسط بيروت تتمتع بسرعات إنترنت أفضل، حسب المراسلة الأميركية.

ولكن لدى لبنان كثير من رأس المال البشري المبدع الذي لديه حافز للعمل على أفكار تقنية تتجاوز الفساد، الذي يشكل عقبة أمام العديد من الشركات التجارية التقليدية.

وتضيف قائلة: توجد بعض المؤسسات الحاضنة للمشروعات الناشئة في بيروت.

ثم تقول: كانت MakerBrane الفكرة التقنية المفضلة لي في بيروت، التي تأتي من أيسر عريضة، وهو مصمم مدني، وسابين دي موسيون، مديرة المشروع، وهما زوجان التقينا بهما عندما كانت غرفتهما بجوار غرفة زوجي في مساحة عمل مشتركة، منذ أسابيع قليلة.

ولا يزال مشروعهما في مرحلة التطوير. تتعلق الفكرة بإعادة ابتكار لمجموعات بناء على شاكلة لعبة "ليغو"، وتهدف إلى الوصول إلى عقلية أكثر إبداعاً واستدامة، وفقاً لآن.

 إذ تشكل مزيجاً من الأدوات المادية والإلكترونية التي تسمح للأطفال والبالغين بتوصيل قطع إلى مجموعات نموذجية من المباني موجودة ويمتلكونها بالفعل مع قطع أخرى. (على سبيل المثال، يُمكنك دمج الليغو والألعاب الأخرى). يسمح الجزء الذي يجري عبر الإنترنت للأشخاص بأن يشاركوا التصميمات ويتعاونوا في بنائها كما لو أنَّهم في لُعبة Minecraft (لعبة تسمح للاعبين بالبناء مع مجموعة متنوعة من المكعبات المختلفة في عالم ثلاثي الأبعاد، مما يتطلب الإبداع من اللاعبين. وتشمل الأنشطة الأخرى في اللعبة الاستكشاف، وجمع الموارد، والصياغة، والقتال).

وتكمن الفكرة في السماح للناس بتصميم ألعاب محلياً، وللشركات بتحقيق أموال ليس فقط من بيع البلاستيك إلى الأشخاص، بل أيضاً من مشاركة تصميماتهم ونقلها للأخرين. مما يُمكِّن الأطفال من تصميم ألعابهم الخاصة وبيع تصميماتهم إلى الآخرين. أو يُمكنهم دفع مقابل بسيط من أجل التصميمات التي يُمكنهم بناؤها بعد ذلك بأنفسهم عبر الأشياء التي يملكونها.

والآن بعد كل هذا الانغماس في التكنولوجيا فإنها صارت مولعة بالكتب ولكنها تمثل مشكلة عند الانتقال

الاستمتاع بالقراءة خارج الشاشة يحمل أهمية متزايدة لجميع الأشخاص في عالم تغمره التكنولوجيا الرقمية، حسب وصف آن.

فقد عادت أهمية الكتاب بالنسبة لها في ظل انتهاك رسائل البريد الإلكتروني ووسائل الاتصالات الرقمية الأخرى للحدود بين الليل والنهار، وبين المنزل والعمل.

تقول آن بارنارد: يستغرق أطفالي، وهما يبلغان من العمر 7 و10 أعوام، ساعات في قراءة الكتب كل يوم، فليس لدينا تلفاز متصل بالقنوات الأرضية أو بالقمر الصناعي، سوى ذلك الموجود في مكتبنا الكائن في منزلنا من أجلي أنا وزوجي، وهو أيضاً صحافي وباحث.

إذ يقتصر الأمر على مشاهدة الأخبار العاجلة من حين لآخر على القنوات العربية الإقليمية. لذا فأوقات الأطفال أمام الشاشة تكون مقصورة على ساعات محدودة خلال عطلات نهاية الأسبوع.

وتضيف قائلة: لن يكون التحدي الأكبر الذي سيواجهنا عند محاولة حزم أمتعتنا والانتقال إلى شقة أصغر في نيويورك عند عودتنا إلى الوطن في الملابس أو المنسوجات والأعمال الخشبية الشرق أوسطية الجميلة، بل سيكمن في أرفف الكتب التي امتلكناها.

فقد كان أكبر سلوى استطعنا تقديمها إلى أطفالنا بعد مغادرة لبنان -وهو البلد الذي كبروا فيه- وعداً بأنه على بعد بضع بنايات من شقتنا، ستكون هناك مكتبة عامة.

 

إقرأ أيضاً

الأسد يخيّر "الخوذ البيضاء": الاستسلام أو التصفية.. والنظام يكشف الوجهة المقبلة لقواته بعد تقدمه بجنوب سوريا

علامات:
تحميل المزيد