صحيح أن ترمب متفائل بتدمير كيم ترسانته النووية، لكن ماذا لو كان الزعيم الكوري يخدع الرئيس الأميركي بنزع «مزيف» لأسلحته؟!

عربي بوست
تم النشر: 2018/07/26 الساعة 21:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/07/26 الساعة 21:10 بتوقيت غرينتش
North Korea's leader Kim Jong Un (L) shakes hands with US President Donald Trump (R) after taking part in a signing ceremony at the end of their historic US-North Korea summit, at the Capella Hotel on Sentosa island in Singapore on June 12, 2018. Donald Trump and Kim Jong Un became on June 12 the first sitting US and North Korean leaders to meet, shake hands and negotiate to end a decades-old nuclear stand-off. / AFP PHOTO / POOL / Anthony WALLACE

بدأت كوريا الشمالية تفكيك جهاز اختبار محركات الصواريخ الذي مكَّنها من تطوير صواريخها الباليستية العابرة للقارات، بعد أسابيع قليلة فقط من لقاء الرئيس دونالد ترمب مع كيم جونغ أون في سنغافورة.
وأعلن ترمب، في المؤتمر الصحافي الذي عُقد عقب اجتماعهما، أن كيم وعده بأنه سيدمر هذا الموقع. الآن، ينفذ كيم ما قاله.
هذا هو السبب الذي كان وراء الاحتفال، والدليل على نجاح ترمب في نزع الأسلحة النووية من كوريا الشمالية، الأمر الذي فشل فيه أسلافه، يقول تقرير لموقع The Dailybeast، ويتساءل: أليس كذلك؟

ما قيمة ما "تخلت" كوريا الشمالية عنه؟

حسناً، ليس تماماً.. من المهم معرفة التفاصيل لتحديد قيمة ما يبدو أن كوريا الشمالية تتخلى عنه، وهو عبارة عن منصة اختبار لمحركات الصواريخ، تقع على ساحل كوريا الشمالية الغربي، في موقع معروف جداً يسمى محطة إطلاق القمر الاصطناعي سوهي (ويعرف أحياناً باسم تونغتشانغ-ري).
إن منصة الاختبار عبارة عن جهاز كبير من المعدن والإسمنت، يسمح لمهندسي الصواريخ في كوريا الشمالية بتركيب محركات كبيرة واختبارها قبل أن تركَّب على الصواريخ الحية. إنها قطعة معدات أساسية في أي برنامج إطلاق أو برنامج صواريخ باليستية.
"وقدَّرت وكالات الاستخبارات الأميركية، الأسبوع الماضي، أن منصة الاختبار يمكن أن يعاد تشغيلها في غضون أشهر كحد أقصى". وقد قدمت كوريا الشمالية على الأقل، 3 صواريخ للعالم خلال العام الماضي (2017)؛ وهي: Hwasong-12، وHwasong-14، وHwasong-15، واختبرت جميع محركات هذه الصواريخ أو أجزاء منها في هذه المنصة.

الرئيس الكوري الشمالي وسط جنوده
الرئيس الكوري الشمالي وسط جنوده

لكن الشيء الذي بيَّنه لنا نجاح اختبار إطلاق هذه  الصواريخ في العام الماضي (2017)، هو أن كوريا الشمالية قد تمكنت من إزالة العقبات التنموية التي من شأنها أن تجعل موقعاً مثل الموقع الذي تفككه الآن، مفيداً.
باختصار، إنهم يستغنون عن شيء لم يعودوا بحاجة إليه، وشيء يمكن إعادة تشكيله بسرعة وسهولة نسبياً إذا قرر كيم أنه سيحتاج للقيام بالمزيد من الاختبارات لمحركات الصواريخ الكبيرة هذه.
وليس من الغريب أن وكالات الاستخبارات الأميركية قد قدرت الأسبوع الماضي، أنه يمكن إعادة وضع منصة الاختبار في غضون أشهر كحد أقصى، وأن الموقع لم يعد حاسماً في قدرة كوريا الشمالية على إنتاج صواريخ الوقود السائل الضخمة.

وهو ما يؤكد أن الوضع ليس كما يتمنى ترمب

وبالعودة إلى سنغافورة، أصبح من الواضح الآن بعد إصدار تقارير متعاقبة، أن الأمور لم تسر كما قال ترمب، الذي ادعى أنه طلب من كيم أن يتخلى عن منصة الاختبار هذه. لقد جاء كيم إلى قمة سنغافورة وهو مستعد لتقديم هذا التنازل، وعلى دراية بأن ترمب سيستجيب بشكل جيد لعلامة تشير إلى استعداد كوريا الشمالية للتخلي عن مكونات برنامج تطوير الصواريخ الباليستية.

بل أكثر من ذلك فقد "يصبُّ خداع الولايات المتحدة في مصلحة كيم"!

على الرغم من أن تدمير منصة الاختبار يمكن أن يُعزى إلى ما حدث في 12 يونيو/حزيران 2018 بسنغافورة، فإنه ليس دليلاً على أن كوريا الشمالية قد قامت بأي نشاط يمكن اعتباره جزءاً من التزامات "نزع السلاح النووي بشكل كامل" بناء على طلب من الولايات المتحدة.
وأعلن كيم وقفه اختبار الصواريخ الباليستية العابرة للقارات المفروض ذاتياً، وتفكيكه الذي لم يتم التحقق منه لموقع التجارب النووية في بونغي-ري، قبل أن يلتقي رئيس كوريا الجنوبية مون جاي أو ترمب.
ويعد ترحيب ترمب ووزير الخارجية مايك بومبيو بالتفكيك، الذي أتى بعد أسابيع قليلة من العملية الدبلوماسية مع كوريا الشمالية، التي عُقدت في سنغافورة- أمراً مفهوماً.

ولم تسر رحلة بومبيو إلى بيونغ يانغ، التي كان يهدف من خلالها إلى تنفيذ ما أُعلِن عنه عقب قمة ترمب-كيم بشكل جيد، واستهدفت الولايات المتحدة روسيا والصين؛ بسبب تطبيقهما الباهت لعقوبات مجلس الأمن الدولي في وقت سابق من هذا الشهر (يوليو/تموز 2018)، مع ظهور مؤشرات جديدة تدل على موت "حملات الضغط القصوى" التي تشنها الولايات المتحدة.

ترمب كان سعيدا بعد لقاءه بكيم في سنغافورة
ترمب كان سعيدا بعد لقاءه بكيم في سنغافورة

بالنسبة لعنصر العلاقات العامة في دبلوماسية هذه الإدارة مع كوريا الشمالية، فإن أي نشاط تفكيك -مهما بدا تافهاً- هو في حاجة ماسة للزخم، وكيم يعرف ذلك جيداً.

ليس هناك شك في أن كوريا الشمالية ستستمر في قيادة صفقة صعبة عندما تجلس على طاولة المفاوضات مع نواب هذه الإدارة، لكن من مصلحتها تضييق الخناق على الولايات المتحدة. وسيتطلب القيام بذلك أحياناً تقديم تنازلات مثلما حدث في سوهي.

فالزعيم الكوري يعرف جيداً ما الذي تريده الإدارة الأميركية

يجب على كيم أن يستمر، بشكل فعال، في تغذية الإدارة بالأخبار المؤيدة، التي من شأنها المحافظة على عناوين الأخبار الإيجابية حول عملية نزع السلاح النووي حتى لو كانت مكانة موقع سوهي الذي يفكَّك تافهة في المخطط الكبير لبرنامج صواريخ كوريا الشمالية، إلا أنه يمكن اعتباره امتيازاً مهماً.

لنفترض مثلاً أنه اعتباراً من الأسبوع الماضي، فككت كوريا الشمالية البنية الفوقية المعدنية لموقع اختبار المحركات. إذا كان كيم بحاجة إلى إثبات حسن نيته مع ترمب، فإنه قد ينتظر أسابيع ثم يشرع في تدمير الأساس الإسمنتي لمنصة الاختبار. وفي حين سيصعِّب هذا على كوريا الشمالية إعادة بناء الموقع، إلا أنه لن يغير أي شيء.

وما دامت العملية الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية مستمرة، فمن المحتمل أن نشهد تقديم المزيد من التنازلات من طرف كوريا الشمالية، والتي ستكون خاضعة لشروط كيم حتماً.

وستكون مهمة الولايات المتحدة هي الإصرار على فرض قيود يمكن التحقق منها، على إنتاج كوريا الشمالية قاذفات الصواريخ الباليستية والرؤوس النووية.
وطالما تشهد عملية ما بعد سنغافورة استمراراً، فإن "كيم" يضبط سرعة عملية "نزع الأسلحة النووية" الشكلية.