أوقفت السعودية مرور شحنات النفط من خلال باب المندب ، وهو المضيق المطل على ساحل اليمن بعد ما بدا أنَّه هجومٌ على ناقلتي نفط نفَّذه الحوثيين وهي ميليشيات مدعومة من قبل إيران، مما سلَّط الضوء على الخطر الذي قد تُشكِّله إيران على صِمامات نقل الطاقة العالمية في وقتٍ يتصاعد فيه التوتر بين إيران والولايات المتحدة.
واتهم مسؤولون سعوديون، وفق مجلة Foreign Policy الأميركية الميليشيات الحوثية بالمسؤولية عن استهداف ناقلتيّ نفط غربيّ ميناء الحديدة المُحاصَر في الصباح الباكر من يوم الأربعاء، 25 يوليو/تموز، مع أنَّه لم يتَّضح تماماً كَيف هوجمِت السفينتان المذكورتان.
وكانت السعودية قالت الخميس الماضي، إنها تعلق شحنات النفط التي تمر عبر مضيق باب المندب الاستراتيجي بالبحر الأحمر بعد هجوم على ناقلتي نفط كبيرتين من قبَل جماعة الحوثيين اليمنية المدعومة من إيران.
وقالت مصادر بقطاعي النفط والشحن، إنه من المستبعد أن يؤثر التعليق على إمدادات النفط السعودية إلى آسيا، لكنه قد يزيد تكاليف الشحن للسفن السعودية المتجهة إلى أوروبا والولايات المتحدة بسبب زيادة المسافات.
وفي وقتٍ لاحق، قالت شركة أرامكو السعودية إنَّها ستوقِف إرسال ناقلات النفط التابعة لها من خلال مضيق باب المندب، الواقع في الطرف الجنوبي من البحر الأحمر، والذي يمرُّ من خلاله نحو 5 ملايين برميل نفط يومياً.
لكن تجار قالوا إن أمر التعليق يقتصر على السفن المملوكة للسعودية، لذا فم ازال بمقدور شركة أرامكو السعودية المملوكة للحكومة تأجير سفن أجنبية لنقل خامها.
ولدى السعودية أيضاً خط الأنابيب بترولاين البالغة سعته خمسة ملايين برميل يومياً، ويمتد مساره إلى مدينة ينبع على البحر الأحمر، مما سيحافظ على تدفق جيد للإمدادات إلى أوروبا والولايات المتحدة.
ما زالت أصداء أزمة باب المندب تلوح في الأفق
وفي يوم الخميس، 26 يوليو/تموز، قالت الكويت إنَّها ستتدارس هي الأخرى احتمال إيقاف نقل شحنات النفط من خلال المضيق، بينما أدانت الإمارات، حليفة الرياض في حربها ضد حوثيي اليمن، الهجوم.
وقال وزير الطاقة السعودي خالد الفالح، في بيان أرسلته وزارته، إن الحوثيين هاجموا ناقلتي نفط عملاقتين في البحر الأحمر صباح أمس الأول الأربعاء مما ألحق ضرراً طفيفاً بإحداهما.
قال البيان "المملكة ستعلق جميع شحنات النفط الخام التي تمر عبر مضيق باب المندب إلى أن تصبح الملاحة خلال مضيق باب المندب آمنة، وذلك بشكل فوري ومؤقت".
وقال العقيد بيل أوربان، المتحدِّث باسم القيادة المركزية الأميركية: "نحن على درايةٍ بالهجوم الحوثي المذكور. ونحن على يقظةٍ واستعدادٍ للتعاون مع شركائنا لضمان حرية سير التجارة في المنطقة".
استهداف البارجتين السعوديتين سوف يؤجج الصراع بين الرياض وطهران
هذه الحادثة، والرد السعودي عليها، مرتبطة بالصراع الإقليمي القائم بين السعودية وإيران -وكذلك التوتُّر المتزايد بين طهران وواشنطن- أكثر من كونها ذات صلةٍ فعلية بإيقاف شحنات النفط. لم يشهد سعر النفط الخام سوى ارتفاع طفيف بعد الهجوم، وبإمكان السعودية أن تنقِل النفط عبر خطوط الأنابيب لمحطاتٍ تقع فوق المضيق في البحر الأحمر لتستمر في إمداد أوروبا بالنفط أو تغيير مسار الناقلات لتسير حول جنوب أفريقيا مُتجنِّبةً باب المندب.
لكنَّ إيران تحاول بشكلٍ مستميت إيجاد سُبُلٍ تحارب بها جهود الولايات المتَّحدة لتقييد صادراتها من النفط بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاقية النووية الإيرانية في الربيع الفائت، وصمامات النقل على غرار باب المندب، والأهم من ذلك مضيق هرمز، هيَ أهدافٌ مغرية بالنسبة لإيران.
وعرضت طهران، أمس الخميس، تقديم تغطية تأمينية على شحناتها النفطية إلى الهند بعدما أوقفت بعض شركات التأمين المحلية تلك الخدمة بسبب العقوبات الأميركية الوشيكة، في خطوة قد تساعد طهران على مواصلة الإمدادات لثاني أكبر مشترٍ لنفطها.
وتعكف معظم شركات التكرير في آسيا، السوق الرئيسية لمبيعات النفط الإيراني، على خفض وارداتها تدريجياً من إيران عضو منظمة أوبك خشية فقدان الاستفادة من النظام المالي الأميركي عندما يبدأ سريان العقوبات.
وقالت مصادر في قطاع النفط في إيران إن بلادها وفرت في الآونة الأخيرة تغطية تأمينية لشحنات النفط إلى الهند في ناقلات تديرها شركة الناقلات الوطنية الإيرانية، حيث تهدد العقوبات كلا من السفن والتأمين على نقل الشحنات.
وأضافت أن مؤسسة النفط الهندية، أكبر شركة تكرير في الهند، وبهارات بتروليوم، ثاني أكبر شركة تكرير حكومية في البلاد، بدأتا تحميل النفط الإيراني على ناقلات مملوكة لشركة الناقلات الوطنية الإيرانية، مع تغطية تأمينية إيرانية للشحنات.
وفي الأسبوع الماضي، حملت مؤسسة النفط الهندية، التي خططت لشراء نحو 180 ألف برميل يومياً من الخام الإيراني في 2018-2019، نفطاً على الناقلة العملاقة ديفون، بعدما رفضت يونايتد إنديا للتأمين الهندية توفير تغطية تأمينية للشحنة، حسبما قال مصدر في القطاع.
لذلك ستستخدم طهران وكلاءها في اليمن لإدارة الصراع في المنطقة
وكرَّرت طهران خلال هذا الشهر، يوليو/تموز، تهديدها الدائم بإغلاق مضيق هرمز في حال أن تأثَّرت صادرات النفط الإيرانية بالعقوبات الأميركية. وجدَّد الرئيس الإيراني حسن روحاني توجيه هذا التهديد مطلع الأسبوع الجاري، قائلاً: "لا تلعبوا بذيلِ النمر. هذه فعلةٌ ستندمون عليها إلى الأبد".
وامتدَّ خطاب روحاني الصداميّ ليشمَل مضايق أخرى غير هرمز. وفي حين أنَّ إيران لا تقع قبالة باب المندب، إلَّا أن وكلاءها الحوثيين يحازونه، وقد شكَّلت قُدرتهم على قطع مرور شحنات النفط المارَّة بالمضيق مخاوف دولية منذ بداية الحرب في اليمن عام 2015.
وكانت إيران قد رفضت تحذيراً من ترمب قال فيه إنها تخاطر بعواقب وخيمة "لم يشهد مثيلها من قبل عبر التاريخ سوى قلة" إن هي وجهت تهديدات للولايات المتحدة.
وقال رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، حشمت الله فلاحت بيشة، إن الطرق الدبلوماسية بين طهران وواشنطن أُغلقت.
وأضاف في تصريحات لوكالة أنباء العمال الإيرانية (ILNA)، أنه بسبب انغلاق الطرق الدبلوماسية بين البلدين يرد مسؤولو طهران وواشنطن على بعضهم البعض عبر التصريحات.
وأشار "فلاحت بيشة" إلى التهديدات الأميركية ضد إيران قائلاً إن "أي حرب بين البلدين ستنتشر إلى المنطقة والعالم بأسره، لذلك من المستبعد نشوب حرب بينهما".
وحول إمكانية إغلاق إيران لمضيق هرمز في حال أعاقت واشنطن مبيعات النفط الإيرانية، قال فلاحت بيشة، إن "الولايات المتحدة انتهكت القانون الدولي بانسحابها بشكل أحادي من الاتفاق النووي، وعليها أن تتحمل مسؤولية ذلك".
وأشار إلى أن "إيران لا تنوي زعزعة استقرار سوق النفط العالمي"، مضيفاً أن "تصريحات الرئيس الإيراني (حسن روحاني) بهذا الخصوص هي في الأصل تهديد للولايات المتحدة، وعليهم أن يفهموا هذا التحذير بشكل صحيح".
وفي 2 يوليو/تموز الجاري، هدد روحاني، بغلق مضيق هرمز، الواقع جنوبي إيران، حال فرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية على طهران.
وقال ماثيو ريد، نائب رئيس الشركة الاستشارية الأميركية بشؤون الطاقة Foreign Reports: "يلقِّب المتشدِّدون روحاني باسم "سيد المضايق" هذه الأيام، وليس فقط "سيد هرمز". ومنذ ذلك الوقت، صدَّقت عناصر أخرى في القيادة الإيرانية على هذه التهديدات، ومن بينهم رجال دين علاوة على قوَّات الحرس الثوري الإيراني، التي هدَّدت خصيصاً البحر الأحمر أمس الخميس.
وقال ريد: "يردُّ الإيرانيون على حملة الضغط القصوى التي يشنَّها الرئيس الأميركي دونالد ترمب عليهم بحملةِ تهديدٍ قصوى مضادة".
ومن آليات الصراع في المنطقة ، غلق مضيق هرمز كما تهدد طهران دائما
ليس جديداً أن يهدِّد الإيرانيون بإغلاق مضيق هرمز. في ثمانينيات القرن الماضي، خاضت إيران والعراق "حرب ناقلاتٍ" بالخليج اضطرَّت البحرية الأميركية للتدخُّل فيها. وفي مثالٍ أحدث، في أوقات تصاعد التوتُّر بينها وبين واشنطن، تعهَّدت طهران دورياً بمنع ناقلات النفط من مغادرة المضيق، بتهديدها إما بزرع ألغامٍ في القناة أو مهاجمة الناقلات بزوارقٍ سريعة أو صواريخ أرضية.
لكنَّ الحقيقة أنَّ مَنع المرور بمضيق هرمز سيتطلَّب مجهوداً ضخماً من جانب البحرية الإيرانية وقوَّات الحرس الثوري الإيراني، وسيجتذب رداً سريعاً وساحقاً من البحرية الأميركية.
في المقابل، يقدِّم باب المندب بديلاً أقل مخاطرةً لممانعة الضغط الدولي، وربما يعمل على رفع أسعار النفط كذلك. قد يحسب قادة إيران الموقِف بأنَّ أسعار النفط المرتفعة ستزيد الضغط السياسي الواقع على ترمب وتخفِّف معاناة البلاد جرَّاء اضطرارها لتقليل حجم صادراتها من النفط.
وقال ماثيو ريد، نائب رئيس الشركة الاستشارية الأميركية بشؤون الطاقة Foreign : "ما يميِّز هذا الهجوم الأخير هوَ توقيته والخطاب الذي تبنته طهران. إنَّ البحر الأحمر، حيث يُمكِن لطهران ادَّعاء أنَّ قوَّتها الوكيلة تتصرَّف بشكلٍ مستقل عنها، هو مكان يعتقد الإيرانيون فيه أنَّ بإمكانهم الحفاظ على حرية إنكارٍ مقبولة، وهذا ما لا يمتلكونه في هرمز".
لكن لا يجب أن نتغافل عن أن هذه الأزمة ربما تحقق نتائج إيجابية للسعودية
ولأسبابها الخاصة، تبدو السعودية كما لو كانت سعيدة بالمشاركة في هذه اللعبة. يقول التحالف إنَّ الهجوم قد أُحبط وإنَّ واحدة فقط من الناقلتين تعرَّضت لضررٍ طفيف. كذلك تعرَّضت الرياض لتهديداتٍ أخطر بكثير وقعت على شحنات النفط التابعة لها في الماضي. لكن هذه المرة، أوقفت الرياض مرور صادراتها بالمضيق، أي مثَّلت كما يفعل نيمار (لنستعر مجازاً كروياً هنا)، لتجذب الانتباه الدولي للدور الذي تلعبه إيران في حرب اليمن.
وقال ريتشارد مالينسون، وهو يعمل لدى شركة Energy Aspects الاستشارية في لندن: "لا يوجد ما يدل على أنَّ الحوثيين يحاولون منع المرور في المضيق كلياً أو حتَّى إنَّهم يمتلكون الوسائل الكافية ليفعلوا ذلك. أعتقد أنَّ الأرجح هنا هو أنَّ السعوديين يحاولون تدويل هذا التهديد. يعني هذا أن يكون باستطاعتهم رسم الحوثيين في صورة دُمَى في يد إيران، وهذه روايةٌ تؤتي أُكُلها".
ولم يروِّع الهجوم أسواق النفط بعد، إذ لم ترتفع أسعار النفط الخام إلا بشكلٍ طفيف في أسواق نيويورك ولندن، لكنَّها قد تشهد زيادةً أكثر إذا أدَّى استمرار الاضطراب في المضيق لزيادة زَمَن الشحن أو دفع أقساطٍ تأمينية أعلى، وهذا وفقاً لما قاله ريد.
ولكن لن تفلت سوق النفط من كل ما يجري
الأهم من ذلك أنَّ التوتُّر المتجدِّد في صمامات الممرَّات التجارية مثل باب المندب وهرمز جاء في وقته ليُذكِّرنا أنَّه لن يمكن لسوق النفط تجاهل المشاكل الجيوسياسية للأبد. وفي السنوات الأخيرة، تغاضت سوق النفط عن أحداثٍ سيئة كان من شأنها في الماضي أن ترفع أسعار النفط الخام إلى السماء. لكنَّ الواقع أنَّ أسعار النفط هبطت كثيراً بعد أن استولى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على مناطق كبرى من العراق، بينما كانت الحرب السورية خارجة عن السيطرة، وتفكَّكت ليبيا، وانهارت فنزويلا على نفسها، وبلغت الخصومة الإيرانية السعودية حدةً غير مسبوقة.
لكن هذه الأيام، لا يملك منتجو النفط الكِبار سعةً احتياطية كافية ليضخُّوها في السوق في حال حدوث صدمةٍ جيوسياسية كبرى. تُنتج السعودية، وروسيا، والولايات المتحدة نفطاً بمعدلاتٍ قياسية، وما زال سعر برميل النفط يحوم حول 70 دولاراً.
يتوقَّع مالينسون أنَّ هذه الظروف الضاغطة التي تتعرَّض لها سوق النفط ستجعلها عُرضةً لارتفاع الأسعار بمجرَّد أن يحدث مكروه آخر. يشير مالينسون لحقيقة إلى أنَّ آخر مرة كان لدى العالم هذا القدر الضئيل من احتياطي سعة إنتاج النفط كانت منذ عشرة أعوام، عندما وصل النفط الخام إلى سعرٍ قياسي هو الأعلى في تاريخه بمقدار نحو 150 دولاراً للبرميل الواحد.
وقال: "ليس هذا السعر أعلى ما سيصل له النفط، وهذا سيحدث بدافعٍ من المخاوف الجيوسياسية. لن تكون هناك سعةٌ احتياطية لامتصاص الصدمة في المرة التالية التي تحدث فيها في فنزويلا، أو ليبيا، أو مثيلاتها".
معطَّل بأمر الحوثي.. السعودية تُوقف نقل شاحنات النفط عبر "باب المندب" بسبب الهجوم على شاحنتين