أعلن رئيس الوزراء اليوناني ألكسيس تسيبراس الجمعة 27 يوليو/تموز 2018، أنه يتحمل "المسؤولية السياسية" عن أعنف حرائق غابات في تاريخ اليونان، حيث يدور جدل حاد حول الجهة التي يجب أن تقع على عاتقها مسؤولية تلك المأساة. في الوقت الذي تعيش فيها دول أوروبا على وقع حرائق متفرقة، بسبب الارتفاع الكبير لدرجات الحرارة.
وكانت المعارضة اليونانية اتهمت في وقت سابق، الحكومة بأنها ترفض تحمُّل المسؤولية على الرغم من إعلانها أن "أعمالاً إجرامية" قد تكون تسببت في اندلاع الحرائق بشرقي أثينا والتي أسفرت عن مقتل 87 شخصاً على الأقل.
"أعمال إجرامية" تسببت في اندلاع الحرائق
والخميس 26 يوليو/تموز 2018، أعلن مساعد الوزير اليوناني المكلف حماية المواطنين نيكوس توسكاس، أن الحكومة اليونانية تملك "دليلاً جدّياً" قد يؤشر إلى أن "أعمالاً إجرامية" هي التي تسببت في اندلاع الحرائق.
وجاء إعلان تسيبراس، في أثناء جلسة لمجلس الوزراء، الجمعة، قال إنه دعا إليها؛ لأنه أراد أولاً تحمُّل كل المسؤولية السياسية عن هذه المأساة أمام الشعب اليوناني". وأضاف: "أعتقد أنه أمر طبيعي أن يصدر ذلك عن رئيس الوزراء والحكومة".
وواصل خبراء الطب الشرعي، الجمعة، العمل على تحديد هويات الضحايا.
وأعلن مسؤول في عملية التعرف على هويات الضحايا، للإذاعة اليونانية، أن غالبية الجثث متفحمة بشكل كامل، ما يعني أن عملية تحديد الهويات ستستغرق -على الأرجح- بضعة أيام.
ما خلف غضباً شعبياً عارماً
ووسط غضب شعبي عارم إزاء طريقة إدارة الحكومة الأزمة، قال توسكاس الخميس إن هناك "عناصر جدية وآثاراً" تدفع إلى اعتقاد أن "الحريق متعمَّد". وأعلن مسؤولون أن المعلومات المستقاة من خرائط الأقمار الاصطناعية تفيد باندلاع 13 حريقاً في وقت واحد بشرقي أثينا، الإثنين 23 يوليو/تموز 2018.
وتعرضت الحكومة اليونانية لانتقادات حادة على خلفية تعاملها مع الكارثة على الرغم من تخصيصها صندوق إغاثة للمناطق المتضررة بقيمة 40 مليون يورو (47 مليون دولار).
وقوبل وزير الدفاع اليوناني، بانوس كامينوس، بصيحات الاستهجان لدى تفقُّده الساحل الشرقي لمدينة ماتي، حيث تم العثور على غالبية القتلى. وصرخ أحد سكان المدينة: "لقد تخليتم عنا، لم يبق شيء".
إضافة إلى مخالفات بناء أسهمت في الكارثة
لكن كامينوس قال لشبكة "بي بي سي" البريطانية، إن مخالفات بناء قديمة أسهمت في وقوع الكارثة. وقال كامينوس إن "غالبية" المنازل الساحلية بُنيت من دون التراخيص المناسبة.
وتابع الوزير: "بعد هذه المأساة، أعتقد أنه آن الأوان أن يفهموا أن عدم التقيد بالأنظمة والقوانين يعرضهم هم وعائلاتهم للخطر".
ويقول خبراء إن ضعف التخطيط المدني، وعدم وجود مواصلات فاعلة، وتشييد عدد كبير من المباني قرب مناطق غابات معرَّضة للاشتعال، كلها عوامل أسهمت في اندلاع أسوأ حريق تشهده أوروبا في هذا القرن.
وقال وزير الداخلية اليوناني بانوس سكورليتيس: "تجب إعادة تخطيط المنطقة برمتها"، مضيفاً: "يجب فتح طرقات، تجب إعادة فتح المسارات المؤدية إلى البحر". والجمعة 27 يوليو/تموز 2018، قال رئيس بلدية رافينا، إيفانغيلوس بورنوس، للإذاعة اليونانية، إن اجهزة الإغاثة أسهمت -عن غير قصد- في محاصرة سكان بإغلاقها طريقاً رئيسياً قرب منطقة الحرائق.
وقال الوزير: "المسؤولية تقع على الجميع: الحكومة، أجهزة الطوارئ، السكان". وكانت الشرطة وأجهزة الإطفاء نفت في وقت سابق إقفال الطريق.
غير أن المعارضة اعتبرتها "مجرد مسرحية بائسة"
وجاء رد حزب الديمقراطية الجديدة المعارض لاذعاً على تصريحات توسكاس بأن الحرائق "قد تكون مفتعلة". وأعلن الحزب في بيان، أن "هذه المسرحية البائسة برفض تحمُّل المسؤولية لن تؤدي إلا إلى إثارة الغضب".
وقال الحزب إن هناك تساؤلات عن عدد الإطفائيين المتوافرين وإجراءات الإجلاء.
من جهتها، دعت فوفي غينيماتا (من الحزب الاشتراكي المعارض) الحكومة إلى الاستقالة، على خلفية الكارثة التي لم تؤدِّ حتى الساعة إلى استقالة أي وزير.
وقالت غينيماتا: "هذه الحكومة تشكل خطراً، ويجب أن ترحل". ونشرت صحيفة "تا نيا" المعارضة على صفحتها الأولى صوراً لوزراء الحكومة تحت عنوان "مستفزون غير أكْفاء".
وفاجأت الحرائق التي اجتاحت قرى ساحلية سياحية المصطافين والمواطنين المذعورين، ودفعتهم إلى الفرار إلى شاطئ البحر، تاركين خلفهم ما يملكون.
وتحدث ناجون عن مشاهد مروعة لأسر بأكملها قضت احتراقاً في منازلها. وقالت ليفي كافورا لوكالة الأنباء الفرنسية: "كنا وحدنا.. لم يكن هناك من يساعدنا! الجميع قاموا بما اعتقدوا أنه يجب فعله للبقاء على قيد الحياة".
وأدت الكارثة إلى موجة تضامن؛ إذ تكفلت منظمات إنسانية برعاية العديد من الناجين، عبر إيوائهم وتوفير الطعام والمياه لهم.
ووسط أكوام من المأكولات وحفاضات الأطفال المكدَّسة بصالة رياضية في ماتي، قالت جوانا كيفاليدو، وهي مُدرّسة لغة إنكليزية: "نحن يونانيون، واليونانيون يتَّحدون عادة في أوقات الشدة ويساعد بعضهم بعضاً قدر المستطاع".
اليونان ليست وحدها.. أوروبا كلها تحت رحمة "الحرارة"
إذ شهدت ألمانيا درجات حرارة قياسية، يُتوقع أن تصل إلى 39 درجة مئوية. ويكافح رجال الإطفاء الحرائق بالقرب من فيتشنفالدي جنوب غربي برلين، ومقاطعة ساكسوني-إنهالت الشمالية.
ونشرت هيئة "إيه آر دي" للبث العام صورة لعربة إطفاء تقوم بتعبئة الماء من بِركة سباحة. في برلين استخدمت الشرطة خراطيم المياه لإطفاء حريق في مبنى البرلمان، الذي يعد مَعلماً بارزاً بألمانيا.
وسجلت هولندا 1143 حريقاً في الأيام الـ25 الأولى من شهر يوليو/تموز 2018، مقارنة بـ187 حريقاً في شهر يوليو/تموز 2018 بأكمله العام الماضي (2017). وسجلت البلاد أعلى درجة حرارة خلال الليل من الخميس إلى الجمعة، وصلت إلى 24.4 درجة مئوية.
كما أصدرت سلطات الأرصاد الجوية السويسرية تحذيرات من موجة حر في جنوب البلاد. وقالت السلطات السويدية إن 17 حريق غابات لا تزال مشتعلة في البلاد بعد إخماد حرائق أخرى هذا الأسبوع.
وقال رجال الإطفاء في لاتفيا إنهم تمكنوا من احتواء حريق امتد على 1000 هكتار غربي البلاد. وأعلنت لاتفيا عن كارثة قومية مع جفاف شديد وارتفاع درجات الحرارة إلى 35 درجة مئوية.
كما تشهد مناطق واسعة من فرنسا كذلك موجة حر شديد، حيث وصلت درجة الحرارة في باريس، الخميس 26 يوليو/تموز 2018، إلى 37 درجة مئوية. ويتوقع أن تهب عواصف تؤدي إلى انخفاض درجات الحرارة خلال عطلة نهاية الأسبوع في شمالي البلاد وغربيها، بحسب مركز الأرصاد الجوية الفرنسي.
ويتوقع أن تتجاوز درجة الحرارة مستواها القياسي البالغ 38.5 درجة مئوية الجمعة في بريطانيا، كما يُتوقع أن تتجاوز درجات الحرارة 35 درجة في معظم مناطق شرقي وجنوب شرقي بريطانيا وتصل إلى 37 درجة في لندن، بحسب مركز الأرصاد الجوية.