حذَّر القائد الأعلى للقوات الخاصة الإيرانية الولايات المتحدة، الخميس 26 يوليو/تموز 2018، من أجل وقف التهديدات العسكرية ضد طهران، ما يزيد مخاطر التراشق الملتهب بالفعل بين الولايات المتحدة وزعماء إيران هذا الأسبوع.
وتقول صحيفة The Washington Post الأميركية إن رسالة التحدي التي أدلى بها اللواء قاسم سليماني، قائد "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني، تطرح أيضاً أن القيادة الإيرانية على استعدادٍ لإذكاء التوتُّر مع إدارة ترمب كجزءٍ من جهود إيران لإبراز نفوذها الإقليمي الأوسع.
وقال سليماني إن ترمب سيندم على شنِّ حربٍ من شأنها أن "تُدمِّر كل ما يملك"، في إشارةٍ واضحة إلى نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة.
وأفادت وكالة تسنيم الإخبارية الخاصة في إيران بأن اللواء سليماني أضاف في خطابٍ ألقاه بمدينة همدان (وسط إيران)، مُوجِّهاً حديثه إلى ترمب: "قد تبدأ أنت الحرب، لكننا نحن من سينهيها".
وقال أيضاً إن البحر الأحمر، وهو ممر مائي بالغ الأهمية يربط قناة السويس بحوض المحيط الهندي، "لم يكن آمناً"، في ظلِّ تمركز الأصول العسكرية الأميركية بالمنطقة.
لم توافق إيران يوماً على الوجود العسكري الأميركي بالخليج
وتصريحات الميجر جنرال قاسم سليماني هي الأحدث في إطار الحرب الكلامية بين البلدين.
وقال وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتز إن خطاب سليماني الناري ليس سوى "حديث أجوف"؛ لأن إيران تدرك "قوة الجيش الأميركي وقدرته".
كان ترمب قال في تغريدة على "تويتر" مساء الأحد 22 يوليو/تموز 2018، وجهها إلى الرئيس الإيراني حسن روحاني: "إياك أبداً أن تهدد الولايات المتحدة مرة أخرى وإلا فستواجه عواقب لم يختبرها سوى قلة عبر التاريخ. لم نعد دولة تقبل كلماتكم المختلة عن العنف والموت… احترسوا!".
وقبل ذلك بيوم، وجه روحاني حديثه لترمب في كلمة، وقال إن السياسات الأميركية "عدوانية"، والحرب مع إيران هي "أُمُّ الحروب".
وأذكت تصريحات مستشار الأمن القومي الأميركي، جون بولتون، التوترات، حيث قال في بيان، يوم الإثنين 23 يوليو/تموز 2018: "الرئيس ترمب أبلغني أنه إذا فعلت إيران أي شيء سلبي فستدفع ثمناً لم تدفع مثله من قبلُ على الإطلاق سوى قلة من الدول".
وأشار سليماني، الذي يتولى فيلقه مسؤولية العمليات الخارجية للحرس الثوري الإيراني، إلى كلام ترمب هذا، وخاطبه قائلاً: "رغم أنه مضى عام على رئاسة ترمب، فما تزال أدبياته هي أدبيات نوادي القمار والملاهي الليلية".
وهدد قادة الحرس الثوري الإيراني بتدمير القواعد العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط واستهداف إسرائيل، التي لا تعترف بها إيران، في غضون دقائق من تعرضهم لهجوم.
ولطالما أدانت إيران الوجود العسكري الأميركي في الخليج، وضمن ذلك مقر الأسطول الخامس الأميركي بالبحرين. لكن إشارة سليماني إلى البحر الأحمر تعكس نطاقاً إقليمياً مُوسَّعاً يشمل ما تعتبره إيران ضمن مجالها العسكري.
ولم يتجاوز اللواء سليماني، وهو القائد العسكري الغامض الذي شنَّ حروباً بالوكالة في سوريا والعراق، بما يتضمَّنه ذلك من معارك ضد القوات الأميركية، ليُصدِر تهديداتٍ ملموسة ضد الولايات المتحدة.
لكن تصريحاته جاءت فقط بعد يومٍ واحد من إعلان المملكة العربية السعودية تعليقها مرور شحنات النفط عبر مضيق باب المندب، الذي يصل خليج عدن بالبحر الأحمر؛ بسبب ما قالت السلطات إنه هجومٌ صاروخي على ناقلتي نفطٍ سعوديَّتين من جانب مُتمرِّدين متحالفين مع إيران في اليمن.
وأعلن المُتمرِّدون مسؤوليتهم عن الهجوم على ناقلتي النفط السعوديَّتين في المضيق، لكنهم قالوا إنه استهدف سفينة حربية سعودية تحمل اسم "الدمَّام"، وفقاً لمقالةٍ نُشِرَت على موقع "المسيرة" الإخباري الذي يديره المُتمرِّدون.
ولذلك تُعتبر الحرب في اليمن مسرحاً لتوترات بين إيران وأميركا
تُعَد الحرب في اليمن مسرحاً لتوتُّراتٍ متصاعدة بين إيران والولايات المتحدة. وتتهم إدارة ترمب، وحليفتها المملكة السعودية، إيران بإمداد الحوثيين، وهم جماعة استولت على العاصمة اليمنية صنعاء منذ 4 أعوام، بأسلحةٍ تتضمَّن صواريخ باليستية، علاوة على أشكالٍ أخرى من الدعم.
لكن الكلمات المعادية التي جاءت على لسان أحد أكثر الجنرالات الإيرانيين نفوذاً، تشير إلى توتُّراتٍ متزايدة، وتأتي وسط تصعيدٍ حادٍّ للخطاب من كلا الجانبين.
وخلال هذا الأسبوع، تبادَل ترمب والرئيس الإيراني حسن روحاني عبارات الوعيد؛ إذ أطلق ترمب تغريدةً هدَّد فيها إيران بـ"عواقب لم يشهد مثلها كثيرون على مرِّ التاريخ".
وكتب توبياس شنايدر، المُحلِّل لشؤون الشرق الأوسط بمعهد السياسة العامة العالمي في برلين، الخميس 26 يوليو/تموز 2018، على موقع تويتر، أن القائد الإيراني "يعرف أن لديه مجموعةً من الخيارات غير المباشرة ليقض مضجع المصالح الأميركية عبر المنطقة".
وقال إن خيارات سليماني تتضمَّن تهديد القوات الأميركية في العراق وسوريا، وتصعيد الهجمات الصاروخية على المدن السعودية، وإرباك الممرات الملاحية الإقليمية.
وطَرَحَ مسؤولون عسكريون إيرانيون مؤخراً أن بإمكانهم إغلاق مضيق هرمز، الذي تمر عبره ثلث شحنات النفط بالعالم، في حالة منع الولايات المتحدة إيران من تصدير نفطها.
واستخدمت طهران الحوثيين للرد على أميركا والرياض
وكان المُتمرِّدون الحوثيون، المدعومون من إيران، قد هدَّدوا من قبل بإغلاق مضيق باب المندب؛ انتقاماً من الهجمات العسكرية التي تقودها السعودية.
وقالت شركة أرامكو السعودية لإنتاج النفط في بيانٍ لها، إن إحدى السفينتين قد تعرَّضت لـ"أضرارٍ طفيفة" جراء الهجوم.
وقالت وزارة الطاقة السعودية الخميس، إن المملكة توقف الشحنات مؤقتاً "حتى تتضح الأمور"، ويصبح العبور البحري بالمضيق "آمناً"، وفقاً لبيانٍ صدر عن التحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن.
وتسعى واشنطن لإجبار طهران على وقف برنامجها النووي ودعمها جماعات متشددة في الشرق الأوسط، حيث تخوض إيران حرباً بالوكالة في اليمن وسوريا.
وبرغم التصريحات النارية، فإن الواقع في واشنطن يشير إلى أن هناك رغبة في التهدئة مع إيران، ليس فقط بسبب الصعوبات التي واجهها الجيش الأميركي بالعراق بعد الغزو في عام 2003، لكن أيضاً بسبب الأثر المتوقع على الاقتصاد العالمي إذا يؤدى النزاع إلى ارتفاع أسعار النفط.
وقال وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس، الجمعة 27 يوليو/تموز 2018، إن الولايات المتحدة لم تتبنَّ سياسة لتغيير النظام في إيران أو دفعه للانهيار، وأضاف للصحافيين أن الهدف لا يزال تغيير سلوك إيران في الشرق الأوسط.
ورداً على سؤال عما إذا كانت إدارة الرئيس دونالد ترمب استحدثت سياسة لتغيير النظام الإيراني أو دفعه للانهيار، قال ماتيس: "لم يتم وضع مثل هذه السياسة بعدُ".
وتعصف الضغوط الاقتصادية الأميركية المتزايدة، وركود الاقتصاد، وانخفاض قيمة العملة، والفساد الحكومي، بالمؤسسة الدينية في إيران، لكن محللين ومطلعين على بواطن الأمور يستبعدون أي فرصة لحدوث تحول جذري في الأفق السياسي بطهران.