هربوا من النيران فغرقوا في ماء البحر، لكن بفضل هؤلاء الصيادين المصريين تمكّنوا من النجاة

قصة الشباب الأبطال حديث أثينا والعالم

عربي بوست
تم النشر: 2018/07/26 الساعة 12:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/07/26 الساعة 12:19 بتوقيت غرينتش
A woman reacts as she tries to find her dog, following a wildfire at the village of Mati, near Athens, Greece July 24, 2018. REUTERS/Costas Baltas

اخترقت صرخات الاستغاثة هذا الدخان الخانق الذي غطى أجواء المدينة. اضطر العشرات للهرب من اليابسة والنزول إلى البحر، عندما أجبرتهم النيران الهائجة اللجوء على دخول الماء. تعلق الأطفال الصغار بالبالغين، فيما الناس الذين لا يجيدون السباحة تشبثوا بأولئك الذين يستطيعون.

كان هذا هو المشهد الذي شاهده المصري توفيق خليل وغيره من الصيادين الذين استجابوا لنداء عاجل من حرس السواحل اليوناني للمساعدة العاجلة، حيث كان حريق الغابات الأكبر والأكثر دموية خلال عقود من الزمان، ينتشر في المنتجعات الساحلية بالقرب من العاصمة أثينا، بحسب صحيفة The Washington Post الأميركية.

خليل (42 عاماً) كان واحداً من بين عشرات المتطوعين الذين ساعدوا في إنقاذ مئات الاشخاص الذين تقطعت بهم السبل على الشواطئ وداخل مياه البحر وسط  رياح عاتية اجتاحت المنطقة.

"لقد كانت فوضى، هل تفهم؟ هل تعرف ما الذي يعنيه أن تكون في كل هذا الدخان، وعدم القدرة على رؤية أي شيء، وأن يكون الناس يطلبون المساعدة؟"، هكذا قال خليل لوكالة أسوشيتد برس يوم الأربعاء 25 يوليو/تموز.

وقالت السلطات اليونانية إن حرائق الغابات اندلعت في منتجعات ساحلية قرب العاصمة اليونانية أثينا وأحرقت المنازل والسيارات والغابات وقتلت العشرات. وتم العثور على 26 من القتلى تجمّعوا معاً في مجمع، في حين تم انتشال بعض الجثث من البحر، حيث فرّوا هرباً من النيران والدخان.

وتتحمل اليونان حرائق الغابات كل صيف لكن الحرائق التي اندلعت يوم الاثنين هي الأكثر دموية في البلاد منذ عام 2007. وتسببت الرياح العاتية في حصد مئات الأشخاص على الشواطئ والطرق والمنازل.

المساعدة من المصريين وغيرهم

ودمرت النار المنتجعات السياحية شرقي أثينا، وتسببت في مقتل 81 شخصاً على الأقل. لكن في المقابل، تم إنقاذ أكثر من 700 شخص عبر القوارب، التي نقلتهم إلى ميناء "رافينا" خلال الليل في وقت مبكر من يوم الثلاثاء 24 يوليو/تموز.

خليل قال إنه لا يتذكر عدد الأشخاص الذين ساعدهم على النجاة، لكن هو والآخرون فعلوا ما بوسعهم عندما انتشلوا الصغار والكبار من الماء.

"لا يمكنك رؤية أي شيء في الدخان والنار – الكثير من النار والكثير من الدخان. كان هناك الكثير من الرياح"، هكذا وصف المشهد، مضيفاً أنهم لم يستطيعوا التنفس، لدرجة أنه أغمى عليه في مرحلة ما وسط الدخان الكثيف.

"كان الأمر صعباً جداً، يا صديقي، كان الأمر صعباً للغاية. لم أرَ قط مثل هذا الشيء الصعب من قبل".

الصياد المصري توفيق خليل
الصياد المصري توفيق خليل

وكان وزير القوى العاملة المصري، محمد سعفان، تلقى تقريراً عبر مكتب التمثيل العمالي التابع للوزارة بالسفارة المصرية باليونان، عن تسجيل صيادين مصريين باليونان لملاحم بطولية في إنقاذ 70 شخصاً، أثناء الحريق الذي التهم 90% من المدينة.

وأضاف التقرير، وفق بيان الوزارة، أنه بالرغم من الظروف القاسية في البحر وفي أثناء عودة مراكب الصيد من عملها، قرر مجموعة من الصيادين المصريين الدخول إلى أقرب مكان بالقرب من المدينة المحترقة، لإنقاذ الأشخاص الهاربين من الحريق سواء بإلقاء أنفسهم أو الهروب إلى المناطق الصخرية.

وأعرب المستشار العمالي عن شكره للصياد محمود السيد موسى، الذي كان على رأس مركب الصيد التي أنقذت اليونانيين، وإبلاغه بامتنان وزير القوى العاملة، على الروح البطولية لكل من أسهم في عملية الإنقاذ.

قصة محمود موسى هي الأبرز

مساء الثلاثاء، لم يعلم محمود موسى أن خطته لإقامة حفل عيد الميلاد لقبطان المركب الذي يعمل عليه بمقاطعة "رافينا" اليونانية، ستتحول إلى ملحمة بطولية لإنقاذ 170 شخصاً من الموت.

"أمس كنت أجهز نفسي لإقامة حفل بسيط للقبطان اليوناني صاحب المركب اللي أعمل معه، بمناسبة عيد ميلاده، بمشاركة زوجته وابنه، وكنت متحفّزاً كي نسعده لأنه أكثر من أخ بالنسبة لي"، هكذا تحدث موسى لموقع "مصراوي" من اليونان.

النيران أتت على الأخضر واليابس في هذه المدينة
النيران أتت على الأخضر واليابس في هذه المدينة

تغيرت خطة الاحتفال بسبب الحرائق وقبل الموعد المحدد هاتفه صاحب المركب لإلغاء الرحلة، "قبل الاحتفال بساعتين، كلمني صاحب المركب وأبلغني بأن الخطة تغيرت؛ لأن النيران امتدت على مساحة شاسعة في قرية ماتي المجاورة لنا، فقررنا الخروج للبحر لإنقاذهم رغم عدم علمنا بالظروف التي ستواجهنا وسط البحر".

على الفور، جهّز محمود المركب مع القبطان اليوناني، وانطلقوا تجاه الحرائق. "كنت المصري الوحيد على المركب، وكنت مع صديقي اليوناني وعائلته من أوائل الناس التي وصلت لمنطقة الحرائق في قرية ماتي".

"قطعة من الجحيم".. هكذا وجد محمود منطقة الحرائق. ألسنة النيران لا تزال تلمع في السماء، أصوات استغاثات تدوي في البحر، ودخان كثيف يملأ الأجواء، والناس تحاصرهم النيران وظلوا بين البر والبحر.

في هذه الأثناء، بدأ طاقم "مركب الإنقاذ" في التحرك لمساعدة الناس رغم تعرضهم للاختناق بسبب الغازات السامة التي خلفتها الحرائق.

عشرات السيارات المدمرة بسبب الحريق
عشرات السيارات المدمرة بسبب الحريق

كانت حصيلة المرحلة الأولى من الإنقاذ 23 شخصاً، "أنقذنا سيدات ورجال وأطفال، و4 كلاب، ووقتها شعرت بفرحة كبيرة لأنني كنت سبباً في إنقاذ أرواح هؤلاء".

"لما رجعنا تاني لمكان الحريق وجدنا فوج من البوليس البحري اليوناني، ومراكب أخرى من الصيد بها مجموعة من المصريين، بدأوا مساعدة الناس واستكمال ما بدأناه".

8 ساعات متواصلة قضاها محمود في عرض البحر: "عملية الإنقاذ بدأت الساعة 6 مساءً وانتهت في الثانية صباح اليوم التالي (الثلاثاء)". كان سيكمل مشواره حتى إنقاذ آخر فرد في هذه المنطقة لولا نفاد وقود المركب: "اضطرينا نرجع لأن جاز المركب خلص، وفي التوقيت ده كنا طلعنا 99% من الناس على البر وبقوا في أمان".​

أنقذوا ما يمكنهم إنقاذه

وبالعودة إلى خليل، فقال إن الكثير من الناس على الشواطئ اضطروا للسباحة بسبب ضراوة النار. "لقد حُوصر الناس: وراءهم النار وأمامهم البحر. ما الذي يستطيعون فعله؟ لقد وصلوا إلى البحر".

الناس في المياه تراوحت أعمارهم بين 8 و70 عاماً، وتجمع بعضهم سوياً وكان كلهم يطلبون المساعدة. وقال: "كان هناك كل هؤلاء الناس في الماء، وبعضهم يعرف السباحة، والبعض الآخر لم يفعل ذلك".

رجل ينظر إلى ألسنة اللهب في الحريق الأكبر من نوعه
رجل ينظر إلى ألسنة اللهب في الحريق الأكبر من نوعه

"هؤلاء الذين يمكنهم السباحة، أنقذناهم. أما الآخرون الذين لا يعرفون كيفية السباحة، فلا نعرف إن كانوا هناك، إذا كانوا أحياء وماذا حدث. لا أحد يعرف. ولكن ما يمكننا القيام به ، فعلناه".

خليل، هو مصري يعيش في اليونان ويعمل كصياد لمدة عقدين من الزمن الآن، قال إنها المرة الثانية التي يتعامل فيها مع كارثة إنسانية. الأولى كانت تساعد في إنقاذ المهاجرين السوريين بعد أن انقلب قاربهم المتهالك قبالة جزيرة خيوس اليونانية في عام 2015.

لم تكن كل الأخبار جيدة بالنسبة للصيادين الذين ساعدوا في عملية الإنقاذ هذه. قال خليل إن زورق صديقه سحب جثة معه. "إنه شيء مأساوي، ما زلت لا أصدق ما حدث بصدق".

الناس هربوا إلى البحر للتجاة بحياتهم
الناس هربوا إلى البحر للتجاة بحياتهم

وأعلن رئيس الوزراء ألكسيس تسيبراس 3 أيام حداد وطني، وسط مخاوف من أن يرتفع عدد القتلى أكثر، إذ لم يكن هناك إحصاء نهائي لعدد المفقودين.

اندلع الحريق بعد ظهر يوم الاثنين 23 يوليو/تموز، مع رياح قوية تسببت في انتشار الحريق بسرعة نحو الشاطئ. وتشير التقديرات إلى أن ما يقرب من 200 شخص قد جُرحوا وأُجبر مئات آخرون على الفرار إلى الشواطئ وفي البحر، حيث التهمت النيران المنازل والسيارات.

وأشارت التقارير اليونانية إلى تضرر 1500 منزل، مع تدمير العديد منها.

علامات:
تحميل المزيد