من المتوقع أن يوفر هجوم المتمردين اليمنيين على ناقلتي النفط في مضيق باب المندب في البحر الأحمر للسعودية والإمارات، فرصة للعمل على استقطاب دعم دولي أكبر لحربهما في أفقر دول شبه الجزيرة العربية، ولهجومهما القائم باتجاه ميناء الحديدة، وذلك وفق خبراء متابعين لتطورات الأحداث في منطقة الشرق الأوسط.
وكانت وزارة حقوق الإنسان التابعة لحكومة الإنقاذ بصنعاء، أصدرت أوائل العام الحالي إحصائية حول خسائر اليمن البشرية والمادية، وقالت أن 296,834 شخصاً لقوا مصرعهم جرَّاء الحرب بشكل غير مباشر، وأن 247,000 طفل توفوا بسبب سوء التغذية و17,600 حالة وفاة بسبب عدم القدرة على السفر للعلاج، و1200 حالة وفاة بسبب الفشل الكلوي، و2236 حالة وفاة بسبب الكوليرا، و450 حالة إجهاض.
هجوم الحوثيين أوقف تدفقات النفط السعودية
ويحذِّر الخبراء من أن الهجوم، ورغم أن تأثيره على أسواق النفط سيكون محدوداً، إلا أنه قد يدفع دولاً كبرى في مقدمتها الولايات المتحدة وروسيا للانخراط بشكل أكثر مباشرة في النزاع المستمر في اليمن منذ سنوات.
وعقب هجوم الأربعاء، أوقفت السعودية، أكبر مصدّر للخام في العالم، بشكل مؤقت، كلَّ شحنات النفط عبر الممر المائي الرئيسي.
وأعلن وزير الطاقة السعودي خالد الفالح، في بيان نشرته وسائل الإعلام الرسمية "تعليق جميع شحنات النفط الخام عبر مضيق باب المندب بشكل فوري مؤقت… إلى أن تصبح الملاحة خلاله آمنة".
وبحسب شركة "أرامكو"، عملاقة النفط السعودي، فإن ناقلتي النفط العملاقتين تابعتان للشركة الوطنية السعودية "البحرية"، وكانت كل منهما تحمل مليوني برميل من النفط لدى تعرّضهما للهجوم في مياه البحر الأحمر.
وأضافت الشركة أن إحدى الناقلتين تعرَّضت "لأضرار طفيفة، دون أن تقع أية إصابات".
يُذكَر أن أرامكو، الشركة التابعة للحكومة السعودية، قد حافظت على فتح التدفُّق عبر مضيق هرمز، الأقل اتساعاً أثناء فترة حرب الخليج الأولى المسماة بحرب الناقلات، من 1984 إلى 1988، عندما هاجمت كلُّ دولةٍ سفنَ الأخرى في الخليج، وأيضاً أثناء حرب الخليج الثانية الواقعة بين 1990 و1991.
إلا أن المتمردين أكدوا عبر قناة "المسيرة" المتحدثة باسمهم، أنهم استهدفوا "بارجة" سعودية "بصاروخ مناسب"، من دون يشيروا إلى ناقلتي النفط.
أمام السعودية فرصة لاستغلال الحدث دولياً لصالحها
وقال الخبير في شؤون الشرق الأوسط جيمس دورسي، إن تعليق شحنات النفط "يوفر للسعودية والإمارات فرصة لدفع المجتمع الدولي نحو التركيز على إيجاد حل للحرب الأهلية" في اليمن.
وتابع: "تعليق شحنات النفط قد يؤدي إلى تصاعد النزاع، مع احتمال تدخل قوى خارجية لمساندة السعودية".
وتقود السعودية منذ مارس/آذار 2015، تحالفاً عسكرياً؛ دعماً للقوات الموالية للحكومة اليمنية المعترف بها، وفي مواجهة المتمردين الحوثيين، الذين يسيطرون على صنعاء ومدينة الحديدة ومناطق أخرى. والإمارات شريك رئيسي في التحالف.
ونشبت صراعاتٌ بين السعودية والميليشيا الحوثية، المدعومة من إيران، في اليمن منذ أكثر من 3 أعوام.
وقال ريتشارد مالينسون، المُحلِّل الجغرافي السياسي في شركة Energy Aspects Ltd للاستشارات في لندن: "ستُوجَّه أصابع الاتهام حتماً نحو إيران، فلَطالما كانت من داعمي الحوثيين، مع أن السعوديين وغيرهم يبالغون في تقدير مدى تأثير إيران داخل الجماعة اليمنية".
ويشن التحالف منذ 13 يونيو/حزيران، هجوماً على ساحل البحر الأحمر، تقوده الإمارات، باتجاه مدينة الحديدة للسيطرة على مينائها، وقد علق هجومه بعدما وصل إلى مشارف المدينة، مطالباً المتمردين بالانسحاب منها وتسليم مينائها.
ويقول التحالف إن الميناء يشكل منطلقاً للهجمات التي يشنها المتمردون في البحر الأحمر. كما يتهم إيران، الخصم اللدود للسعودية في المنطقة، بتهريب السلاح للحوثيين عبره.
خاصة أن الإمارات والكويت تدعمان السعودية في موقفها من الاستهداف
وكتب وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش على حسابه على "تويتر"، الخميس، أن "استهداف ناقلتي النفط السعوديتين في البحر الأحمر يؤكد ضرورة تحرير الحديدة من ميليشيات الحوثي. الاعتداء الممنهج على الملاحة البحرية تصرف إرهابي أهوج".
والإمارات عضو في تحالف عربي تقوده السعودية لاستعادة السيطرة على ميناء الحديدة من الحوثيين.
وقال المتحدث الرسمي باسم القطاع النفطي الكويتي الشیخ طلال الخالد الصباح، الیوم الخميس، إن تأثیر التوترات الأخيرة في مضیق باب المندب على نقل النفط الكویتي محدود.
ونقلت وكالة الأنباء الكويتية عن الشيخ طلال، الذي يشغل أيضاً موقع الرئیس التنفیذي لشركة ناقلات النفط الكویتیة القول، إن 10% فقط من صادرات النفط الكويتية تعبر المضيق، وإن نحو 90% تتجه إلى دول جنوب شرق آسیا، ولا تعبر باب المندب.
وأوضح أن أغلب الناقلات الكویتیة التي تعبر باب المندب تكون محملة بالمشتقات البترولیة.
وأضاف أن لدى شركة ناقلات النفط الكویتیة العدیدَ من الخطط الاحترازیة، لضمان سلامة وأمن تصدیر النفط الكویتي، وخططاً بدیلة في ظل ما یحدث من توترات سیاسیة في المنطقة، بما فیھا تلك الحاصلة عند مضیق باب المندب.
وكان المتحدث الرسمي باسم التحالف العقيد الركن تركي المالكي قال في بيان نشرته وكالة الأنباء السعودية الأربعاء، إن "الهجوم الإرهابي يشكل تهديداً خطيراً لحرية الملاحة البحرية والتجارة العالمية بمضيق باب المندب والبحر الأحمر".
وتابع أن "استمرار هذه المحاولات يثبت خطر هذه الميليشيا ومن يقف خلفها على الأمن الإقليمي والدولي، ويؤكد استمرار استخدام ميناء الحديدة كنقطة انطلاق للعمليات الهجومية الإرهابية".
وتزامن الهجوم وإعلان السعودية تعليق شحنات النفط مع وصول المبعوث الدولي لليمن مارتن غريفيث إلى صنعاء لإجراء محادثات مع المتمردين، بهدف استئناف عملية السلام، وتجنيب مدينة الحديدة الحرب.
ويربط باب المندب البحر الأحمر ببحر العرب، ويعتبر أحد أبرز مسارات النفط والتجارة في المنطقة والعالم. وتعبر ناقلات النفط الخليج عبر المضيق للدخول إلى البحر الأحمر، متوجهة نحو أوروبا عبر قناة السويس.
ويعبر نحو 4,8 مليون برميل نفط الممر يومياً، بحسب إدارة معلومات الطاقة الأميركية. وتمثل كمية النفط هذه 8% من إمدادات النفط العالمية، مقارنة بـ30% تمرّ عبر مضيق هرمز.
لكن رغم تعليق الصادرات من خلال باب المندب فإن السعودية ما زالت تحتفظ ببدائلها لنقل النفط لأوروبا
فيما تناولت وكالة Bloomberg الأميركية الحدث، في إطار أن السعودية ما زالت أمامها بدائل أخرى لتصدير النفط. وقالت الوكالة إنه ما زال بإمكان السعودية استخدام خط الأنابيب الضخم الواصل بين الشرق والغرب، لنقل الخام من حقول النفط لديها على الخليج إلى مدينة ينبع على البحر الأحمر، بهدف تخطي المضيق والحفاظ على النشاط مع السوق الأوروبية. وتبلغ سعة خط الأنابيب الواصل بين الشرق والغرب 5 ملايين برميل يومياً.
وكشفت أن مستثمري النفط لم يتأثروا حتى الآن بسبب التعطيل، إذ ارتفعت نسبة خام برنت 1.1% في لندن قبل زيادة الأرباح، والبيع بسعر أعلى بنسبة 0.6% يساوي 74.36 دولار للبرميل في 12:56 مساءً بتوقيت سنغافورة، يوم الخميس 19 يوليو/تموز. ولم يتغيَّر خام غرب تكساس الوسيط في نيويورك كثيراً، وظلَّ سعره 69.39 دولار.
لكن استمرار تعليق الصادرات من باب المندب سيزيد تكلفة نقل النفط إلى أوروبا
لكن استمرار تعليق الصادرات من خلال باب المندب سوف يتسبب في أزمة تتعلق بزيادة كلفة النقل، فوفقاً لإدارة معلومات الطاقة الأميركية، سيُرغِم الغلق التام لمضيق باب المندب، الذي يساوي عرضه 29 كم فقط عند أضيق نقطة، الناقلات المسافرة من السعودية والكويت والعراق والإمارات على "الدوران حول الطرف الجنوبي لإفريقيا، مما سيزيد من وقت النقل وتكاليفه".
يسمح الممر المائي بوصول الصادرات إلى السوق الأوروبية، إما من خلال قناة السويس وإما خط أنابيب سوميد، الذي يصل البحر الأحمر بالمتوسط عبر مصر.
وتقدِّر إدارة معلومات الطاقة أن في 2016 -آخر سنة كانت فيها بيانات موثوقة- كان المضيق ينقل 4.8 مليون برميل في اليوم من الخام والمنتجات البترولية، وكان 2.8 مليون برميل منها تتجه شمالاً نحو أوروبا، ومليونان آخران تبحران من أوروبا إلى الشرق الأوسط وآسيا. ويمثِّل المضيق طريقاً مهمةً لوصول منتجات البترول المُكرَّر الأوروبية إلى الأسواق الدولية.
بالمقارنة، شهد مضيق هرمز أرقاماً أعلى بكثير هي 18 مليون برميل في اليوم عام 2016، وفقاً لإدارة معلومات الطاقة. وقد هدَّدَ الحرس الثوري الإيراني بتعطيل الشحنات عبر هرمز، رداً على عقوبات الولايات المتحدة.