صحيح أن روسيا نجحت في مهمتها بالإبقاء على نظام الأسد، لكنَّ حرباً محتملة بين إيران وإسرائيل قد تخرج عن سيطرتها

عربي بوست
تم النشر: 2018/07/25 الساعة 20:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/07/25 الساعة 20:02 بتوقيت غرينتش
FILE PHOTO: Russian President Vladimir Putin and Israeli Prime Minister Benjamin Netanyahu shake hands during a meeting at the Kremlin in Moscow, Russia May 9, 2018. Sergei Ilnitsky/Pool/File Photo via REUTERS

صفارات إنذار تدوّي وصواريخ اعتراضية شاهدها السكان استهدفت طائرة روسية الصنع من طراز سوخوي، وبيانات رسمية تتوعد بالرد.

تبدو الأحداث كسيناريو حرب صغيرة شاهدها سكان مدينة صفد شمالي إسرائيل الذين رأوْا صواريخ بأم أعينهم تقع بالقرب من الحدود مع سوريا.

نعم توشك روسيا على تحقيق النجاح في هدفها بتحقيق النصر لصالح الرئيس السوري بشار الأسد ضد المعارضة المحلية، لكن الصراع الإسرائيلي الإيراني يبدو خارجاً عن سيطرتها، حسب ما ورد في مقال مجلة The Atlantic الأميركية.

كما تبدو صفقة القرن السورية مهددة بالفشل، في ظل تصاعد التوتر الذي بدا في إعلان الجيش الإسرائيلي أمس الثلاثاء 24 يوليو/تموز أنَّه أطلق صاروخي باتريوت وأسقط طائرةً مقاتلة سورية تجاوزت المجال الجوي لإسرائيل.

إذ ذكر الجيش الإسرائيلي على حسابه الرسمي في موقع تويتر أنَّ دفاعاته رصدت طائرةً مقاتلة روسية الصنع من نوع سوخوي، كانت قد تجاوزت المجال الجوي الإسرائيلي بمسافة ميل عندما قُصفت وأُسقطت.

وأفادت قناة سكاي نيوز عربية بأنَّ الطائرة السورية تحطمت في نهر اليرموك داخل الأراضي السورية، وهي منطقة يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، تقاتل القوات السورية من أجل طرد التنظيم من المنطقة.

وقد شككت سوريا في صحة الرواية الإسرائيلية، قائلةً إنَّ الطائرة المقاتلة قُصِفَت خلال أداء مهمة داخل المجال الجوي السوري.

فرغم انتصار روسيا الأحداث تخرج عن سيطرتها  

ليست هذه المرة الأولى التي يحدث فيها اشتباكٌ بين إسرائيل وسوريا بالقرب من الحدود، إلا أنَّه توضيحٌ درامي لما تتحول إليه الحرب الأهلية السورية الآن التي أوشك بشار الأسد الإعلان عن انتصاره فيها، حسب التقرير.

فضلاً عن أن هذه الواقعة تبرز حقيقة مفادها أنَّه بالرغم من محاولة روسيا تصوير نفسها على أنَّها قوة لا غنى عنها في سوريا، فهي لا تستطيع السيطرة على الأحداث هناك، بالرغم من تحركاتها الأخيرة لاقتراح صفقةٍ كبرى من أجل حماية الحدود الإسرائيلية.

كان ذلك جلياً عندما انطلقت صفارات الإنذار يوم الثلاثاء في هضبة الجولان بالقرب من الحدود الإسرائيلية السورية، رداً على اختراق المجال الجوي الإسرائيلي.

وقال الجيش الإسرائيلي: "منذ هذا الصباح، كان هناك تزايد في الاقتتال الداخلي في سوريا وفي نشاط القوات الجوية السورية. يقف جيش الدفاع الإسرائيلي في حالة تأهب قصوى، وسوف يستمر في العمليات ضد انتهاك اتفاق فصل القوات لعام 1974".

بموجب هذا الاتفاق الذي وقَّعت عليه سوريا وإسرائيل في أعقاب حرب تشرين التحريرية بين إسرائيل ودول عربية بما فيها سوريا (حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973)، اتفق البلدان على وقف إطلاق النار في الأرض والبحر والجو، "والامتناع عن جميع الأعمال العسكرية ضد بعضهما".

استمر الاتفاق في معظم بنوده منذ ذلك الوقت، وإن كان هناك استثناءاتٌ مدفوعة بالحرب الأهلية السورية التي تستعر على الحدود الإسرائيلية.

وتعود المرة الأخيرة التي أسقطت فيها إسرائيل طائرة سورية في مجالها الجوي إلى عام 2014. ودخلت الطائرات العسكرية السورية بدون طيار والطائرات غير المأهولة إسرائيل، كما ضربت إسرائيل أهدافاً داخل سوريا منذ بدء الحرب الأهلية في عام 2011.

وهذا التصعيد جاء بعد أن رفضت إسرائيل عرضاً روسياً

تأتي تحركات إسرائيل بعد يومٍ من زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف للبلاد وبحوزته عرضٌ قال إنَّه يمكن أن يُبقي القوات الإيرانية في سوريا على بعد 62 ميلاً من الحدود السورية مع إسرائيل.

لكنَّ المسؤولين الإسرائيليين، حسبما أفادت صحيفة Haaretz الإسرائيلية، أعربوا عن قلقهم من أنَّه حتى في ظل وجود منطقةٍ عازلة بعمق 62 ميلاً، يمكن أن تستخدم إيران صواريخها طويلة المدى ضد أهدافٍ إسرائيلية.

وأخبر مسؤولٌ إسرائيلي الصحيفة قائلاً: "يجب أن تتضمن إزالة الوجود الإيراني إزالةً للأسلحة طويلة المدى، ووقف تصنيع الأسلحة الدقيقة، إضافةً إلى الدفاع الجوي الذي يحمي الصواريخ، وإغلاق المعابر الحدودية التي يسمح بتهريب هذه الأسلحة إلى لبنان وإلى سوريا.

تملك روسيا قدرةً أكيدة على منع هذا. إذ إنها تشكل عاملاً مهماً في سوريا".

وفي إطار رفض إسرائيل العرض الروسي، الذي اشترط إخراج طهران بشكل كامل من سوريا، لفت رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو نظر لافروف إلى "احتفاظ إسرائيل لنفسها بما سماه حرية العمل ضد محاولات إيران ترسيخ وجودها في سوريا".

إسرائيل ترفض العرض الروسي، وتشترط إخراج إيران بشكل كامل من سوريا

ولكن إسرائيل يبدو ليس لديها مشكلة في دخول قوات الأسد بدخول المنطقة

ودخلت العديد من الفصائل المعارضة، التي تحظى بدعمٍ اسمي من قوى إقليمية وغربية بما في ذلك الولايات المتحدة، في محادثاتٍ مع نظام الأسد. وعلى جانب آخر، تقلصت قوة تنظيم داعش، الذي كان يسيطر من قبل على بقعةٍ كبيرة من الأراضي السورية والعراقية المتداخلة، ولا يتحكم الآن إلا في جيوبٍ صغيرة في سوريا.

وراقبت إسرائيل كثيراً من هذا بانزعاجٍ بالغ. وأبقت نفسها بعيداً عن القتال إلا إذا تعرضت لما يوصف باستفزازاتٍ مباشرة.

وقبل عام 2011، كانت تنتشر بين دمشق والجولان نقاط تفتيش تقوم عليها قوات فصل تابعة للأمم المتحدة، يُطلَق عليها اسم "أندوف"، التي كانت تضم حتى 2014 نحو 1250 عنصراً، للتحقق من تنفيذ اتفاق فكِّ الاشتباك، الذي توصَّل إليه وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنغر، في نهاية مايو/أيار 1974.

وتضمَّن الاتفاق إقامة منطقة عازلة في الجولان من شماله إلى جنوبه، ومنطقة مخفَّفة من السلاح، تمتدّ بعد "العازلة"، على أن يقوم مراقبو الأمم المتحدة بالتدقيق دورياً، بالتزام الطرفين ببنود الاتفاق الذي أُبرم في جنيف.

ثم تضمنت ترتيبات أبرمت بعد اندلاع الحرب الأهلية السورية اتفاقاً بين إسرائيل وسوريا يسمح للجيش السوري بتوجيه عمليات عسكرية ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، الذي لا يزال موجوداً بحوض نهر اليرموك، على أن تعود القوات السورية إلى قواعدها بعد انتهاء القتال.

وسوف تسيطر القوات الروسية على تل الحارة، أعلى التلال المطلة على هضبة الجولان، والذي يرتفع 1200 متر فوق سطح البحر. وستتمكن من هناك من متابعة تنفيذ اتفاق الفصل بين القوات.

الدبلوماسي السوري المنشق عن وزارة الخارجية أحمد شبيب، أوضح أن إسرائيل هي مَن تخطط في الجنوب السوري، ولها تدخل واسع في المنطقة.

وقال في تصريح سابق لـ"عربي بوست": إن "إسرائيل سمحت للروس بإدخال قوات النظام للمنطقة الجنوبية، ويعود ذلك لحماية حدودها".

وأضاف شبيب أن تل أبيب مرتاحة لما حدث في سوريا "بعد تدميرها، والأسد ضعيف"، وتابع بقوله: إنها وجدت ساحة جيدة لضرب إيران وقواتها في سوريا بحماية روسية، كما استثمرت في موضوع الإغاثة عبر تقديم نفسها على أنها دولة خيّرة.

بعد إنقاذ "الخوذ البيضاء" وتدريب قوات معارضة، ما الذي تفعله إسرائيل في سوريا بالتحديد؟

فليس الأسد ما يخشاه الإسرائيليون من انتصار النظام بل تكرار نموذج لبنان

ولكن لمَّا زاد وضوح الرؤية بأنَّ الأسد، الذي كان بقاؤه السياسي محاطاً بشكوكٍ كبيرة حتى مرحلةٍ قريبة، سوف يبقى في سدة الحكم خلال المستقبل القريب، قال مسؤولون إسرائيليون إنَّهم يخشون من أنَّ انتصاره سيتمخض عنه وجود عسكري لإيران وحزب الله على حدودهم في جنوب سوريا.

ويلعب حزب الله دور وكيل إيران في المنطقة. في حين تُبدي إسرائيل معارضةً شديدة لمثل هذه الوجود، إذ تقول إنَّها تنظر إلى إيران باعتبارها تشكل تهديداً وجودياً، ودخلت سابقاً في صراعٍ طويل مع حزب الله في جنوب لبنان.

وتخشى إسرائيل من أنَّ هذا يمكن أن يُحوِّل سوريا إلى لبنانٍ آخر، حيث تتمتع إيران بالنفوذ من خلال حزب الله وتُبقي على قدرتها على ضرب أهدافٍ داخل إسرائيل عبر الحزب.

ويبدو جلياً أن طهران تحرص على الحفاظ على عوائد استثماراتها في الصراع السوري.

والجميع كان ينتظر خروج صفقة القرن السورية من هلسنكي

وأشارت تقارير إخبارية إلى أنَّ الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين قد يفصحان عن ما يعد "صفقةً كبرى" حول سوريا خلال المؤتمر الصحفي المشترك لهما الأسبوع الماضي بالعاصمة الفنلندية هلسنكي.

وبموجب تلك "الصفقة الكبرى" المُشار إليها، يمكن أن تقبل الولايات المتحدة بقاء الأسد في منصبه مقابل الانسحاب الكامل للوجود الإيراني من سوريا. ولكن لم يُعلَن عن مثل هذه الخطة في قمة هلسنكي.

إذ أعلن كل ترمب وبوتين أنَّهما سوف يعملان معاً في سوريا، لكنَّهما لم يقدما أي تفاصيل.

وتدعم القوات الإيرانية والروسية الرئيس السوري بشار الأسد في الحرب الأهلية الدائرة في بلاده منذ سبع سنوات. وقد أوشك الأسد على تحقيق الانتصار في ذلك الصراع، الذي أودى بحياة مئات الآلاف من المدنيين، وأحدَث أزمة لاجئين قلبت السياسات فيما هو أبعد من المنطقة، ودمرت البنية التحتية للبلاد التي كانت قوةً إقليمية حتى فترةٍ قريبة.

أما ترمب فقد توعد إيران بعواقب لم يشاهدها التاريخ إلا نادراً

إدارة ترمب بدورها، زادت من حدة خطابها ضد إيران. فقد حذر ترمب إيران، في تغريدةٍ له نُشرت الأحد الماضي، من "عواقب لم يعانِ منها من قبل سوى قليلين على مر التاريخ".

كان ترمب يرد على تصريحاتٍ للرئيس الإيراني حسن روحاني أدلى بها أمام دبلوماسيين إيرانيين، قال فيها إنَّ "أميركا يجب أن تعلم أن السلام مع إيران هو السلام الحقيقي، وأنَّ الحرب مع إيران هي أم كل الحروب".

وقال جون بولتون، مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الأمن القومي، إنَّ تغريدة الرئيس كانت ذروة المحادثات بين الرجلين "على مدار الأيام الأخيرة". كما قال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو يوم الأحد إنَّ الولايات المتحدة أرادت أن ترى في يومٍ ما "الإيرانيين في إيران يستمتعون بنفس نوعية الحياة التي يتمتع بها الإيرانيون في أميركا".

إذاً لا يبدو الروس قادرين على كبح الإيرانيين.. فهل تندلع الحرب رغم أنفهم؟

وبالرغم من أنَّ روسيا، حسبما قالٌ مسؤول إسرائيلي طلب عدم ذكر اسمه، "تشكل عاملاً مهماً في سوريا"، فليس من الواضح أنَّها تستطيع منع النشاط الإيراني داخل سوريا.

إذ يتزايد الصراع بين إسرائيل وإيران، التي يدعو قادتها لتدمير إسرائيل.

وخلال الحرب، أطلقت إيران طائراتٍ بدون طيار من الأراضي السورية إلى داخل إسرائيل (أسقطتها إسرائيل كلها)، وأطلقت صواريخ ضد القوات الإسرائيلية في مرتفعات الجولان (وردت إسرائيل بالمثل بضرب أهدافٍ إيرانية داخل سوريا).

كما نقلت أسلحةً إلى حزب الله داخل سوريا (ضربت إسرائيل القاعدة العسكرية التي يقال إنَّه حدث فيها ذلك).

ربما تكون روسيا حريصةً على الإبقاء على ما يمكن القول عنه أهم إنجازاتها الخارجية في الأعوام الأخيرة، وهو المساعدة في الإبقاء على الأسد في سدة الحكم، إلا أنَّ الأحداث الأخيرة توضح أنَّ روسيا، حتى إن كانت هي وحلفاؤها على وشك تحقيق انتصارٍ في سوريا، لا يمكنها السيطرة على الأشكال الجديدة التي تتخذها الحرب.

 

تحميل المزيد