تغريدة الرئيس الأميركي دونالد ترمب التي نشرها في وقتٍ متأخر من ليلة الأحد 22 يوليو/تموز 2018، وحذر فيها من عواقب وخيمة إذا ما هددت إيران الولايات المتحدة، تسلط الضوء على ثقة الإدارة الأميركية في الاستراتيجية، التي يعزو إليها ترمب الفضل في إحضار كوريا الشمالية إلى طاولة المفاوضات، وهي الخطوة التي يتباهى بأنَّها بدأت تؤتي ثمارها بالفعل.
وأشار تقرير لوكالة Bloomberg الإخبارية الأميركية أنه في التغريدة التي كُتبت كل كلماتها بحروفٍ كبيرة ووُجهت إلى الرئيس الإيراني حسن روحاني، قال ترمب إنَّ الولايات المتحدة لن تتسامح مع "كلمات إيران المجنونة عن العنف والموت". وكان هذا رداً على التحذير الذي وجهه الرئيس الإيراني إلى ترمب. وجاءت التغريدة عقب خطابٍ لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، الذي وصف خلاله قادة إيران "برجال الدين المنافقين"، وحدد العديد منهم بالاسم متهماً إياهم بالفساد.
تهديدات ترمب ليست موجهة فقط لإيران
يأتي الضغط المتصاعد قبيل ثلاثة أشهر من عودة تطبيق العقوبات الأميركية ضد الدول المستمرة في استيراد النفط الإيراني. ويرفض المسؤولون الأميركيون اقتراحاتٍ تمنح حلفاء الولايات المتحدة المقربين إعفاءاتٍ كبيرة من العقوبات، قائلين إنَّ على الحكومات إثبات أنها أوقفت واردات النفط الخام من إيران بشكلٍ كبير لتجنب العقوبات. وبهذه الطريقة، تكون تغريدة ترمب لروحاني موجهةً أيضاً لحلفاء الولايات المتحدة في أوروبا وآسيا الرافضين للامتثال للقرار الأميركي.
وخلف هذه الجهود، تكمن رغبة ترمب في دفع إيران، التي شهدت تظاهراتٍ شعبية متكررة ضد الفساد وتباطؤ النمو الاقتصادي، إلى العودة إلى طاولة المفاوضات للوصول إلى صفقةٍ جديدة أكثر شمولاً بدلاً من الاتفاق النووي الذي انسحبت منه الولايات المتحدة، في مايو/أيار الماضي، وفقاً لما قاله مسؤولون بالإدارة الأميركية ومحللون.
خاصة أن الرئيس الأميركي يريد جرَّ إيران لاتفاق جديد بشروطه
وقال مارك دوبويتز، المدير التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات بواشنطن، الذي عمل مستشاراً لبومبيو: "تكمن الفكرة في زيادة الضغط، ثم استكشاف الفرص لاستغلال هذا الضغط. كلما تزعزع استقرار النظام الإيراني، سيصبح لدى المسؤولين الأميركيين نفوذٌ أكبر، وستزداد فرص الوصول إلى اتفاقٍ شامل بشروطٍ أميركية".
ربما تكون هذه الخطة ناجحةً: ففي بداية الشهر الجاري يوليو/تموز، التقت الأطراف المتبقية من الاتفاق النووي في فيينا، لبحث سبل ضمان حصول إيران على الفوائد التي تنشدها من الاتفاق، رغم تهديدات الولايات المتحدة. ودعا وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى طرح "حلولٍ عمليةٍ" بدلاً من "وعودٍ غامضة". لكنَّ القوى العالمية لم تستطع طرح اقتراحاتٍ متماسكة، وحذر الدبلوماسيون من أنَّه ربما ليس بوسعهم الكثير ليفعلوه.
ويحاول استعمال نفس القاموس الذي سبق لقاءه بجونغ أون؟
لم يكن من قبيل الصدفة اعتماد الإدارة الأميركية على هذه اللغة العدوانية، التي تحاكي منهج تعامل ترمب مع كوريا الشمالية. خلال العام الماضي 2017، صعَّد ترمب حدة خطابه، مهدداً بتوجيه "النار والغضب" ضد نظام الرئيس كيم جونغ أون، ما أثار القلق بشأن اندلاع نزاعٍ مسلح بين الدولتين، وهو ما خفت حدته بعد اتفاق الرئيسين على عقد قمةٍ تاريخية بينهما. ومنذ ذلك الحين وترمب يزعم تحقيق انتصارٍ لنزعه فتيل التوتر.
وقالت سوزان مالوني، نائبة مدير برنامج السياسة الخارجية لدى معهد بروكينغز: "استخدم ترمب هذا التكتيك مسبقاً مع كوريا الشمالية، ويرى أنَّه ساعده في نجاحه ومنحه الأفضلية".
يعتقد ترمب وكبار مستشاريه، من بينهم بومبيو وصهره جاريد كوشنر، أنَّ الخطاب الصارم ضد كوريا الشمالية، مصحوباً بنظام عقوباتٍ أكثر قسوةً، لعب دوراً هاماً في استعداد كيم للتخلي عن أسلحته النووية، على حد قولهم. ورغم توافر القليل من التفاصيل، وعدم وجود جدول زمني لنزع أسلحة كوريا الشمالية النووية، وقلة المؤشرات على إحراز أي تقدم بهذا الشأن منذ اجتماع كيم-ترمب، أكد الرئيس الأميركي أنَّ منهجه قد أثمر.
لكن هل تنجح الخطة؟
وكتب ترمب تغريدةً، صباح الإثنين 23 يوليو/تموز: "لم تُطلق كوريا الشمالية أية صواريخ خلال تسعة أشهر. وبالمثل، لم تجرِ أي تجارب نووية. اليابان سعيدة، كل آسيا سعيدة".
لكن على النقيض من كوريا الشمالية، التي أسهم برنامجها النووي في توحيد الرأي الدولي، وأدى إلى إصدار عقوباتٍ قاسية من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بدعمٍ من الصين وروسيا، تمارس العديد من الدول أنشطةً مع إيران، وما زال قرار ترمب بالانسحاب من الاتفاق النووي يواجه انتقاداتٍ واسعة.
ويواجه ترمب تحدياً آخر وهو أنَّ مستشاريه أنفسهم يشككون على ما يبدو في إمكانية الوصول إلى اتفاق. وفي تعليقاته على الأمر، ناشد بومبيو الشعب الإيراني مباشرةً، وكرر دعوته لطهران بوقف دعمها للإرهاب وبأن تصبح دولةً "طبيعية". وقال وزير الخارجية الأميركي إنَّه يجب على إيران إجراء تغييرات "لا أعتقد أنَّها ستحدث اليوم، لكنَّي أتعلق بالأمل".
كان السبب المباشر لتغريدة ترمب هو تعليقات روحاني، إذ قال الرئيس الإيراني في خطابٍ له بطهران يوم الأحد الماضي 22 يوليو/تموز: "يجب أن تعي الولايات المتحدة جيداً أنَّ السلام مع إيران هو أمّ كل السلام، وأنَّ الحرب مع إيران هي أم كل الحروب". ومثلما فعلت إيران في الماضي، حذر روحاني بأنَّ طهران قد تكون مستعدةً لوقف مرور النفط عبر مضيق هرمز، الذي يربط الخليج بالممرات المائية الدولية.
وتعتمد كبرى الدول المصدرة للنفط في الشرق الأوسط على مضيق هرمز لمرور الغالبية العظمى من شحنات نفطها الخام، حوالي 17.5 مليون برميل يومياً. وإذا ما أُغلق المضيق، يمكن لشبكات الأنابيب تصدير أقل من ربع إجمالي الصادرات، وفقاً للبيانات المجمعة بواسطة وكالة بلومبرغ الإخبارية.
خاصة أن هناك غضباً متبادلاً تحوَّل إلى "حرب كلامية"
فقد علّق فؤاد أزادي، أستاذ الدراسات الأميركية لدى جامعة طهران، على تصرفات روحاني قائلاً: "إنَّه غاضبٌ" من قرار الولايات المتحدة بالانسحاب من الاتفاق النووي الذي أيده. لقد وضع روحاني الكثير من هيبته على المحك، وليس خطأه أنَّ الصفقة لم تنجح، وأنَّ ترمب قرر الانسحاب من الاتفاق النووي. لذا، أراد أن يبعث رسالةً مفادها أنَّه لم يعد نفس الشخص الذي كان عليه منذ بضع سنوات".
وقال الرئيس الأميركي إن إيران تغامر بمواجهة عواقب وخيمة "لم يشهد مثيلها من قبلُ عبر التاريخ سوى قلّة"، إذا وجَّهت الجمهورية الإسلامية المزيد من التهديد للولايات المتحدة.
ووجَّه ترمب تهديده لإيران في تغريدة كتبها بحروف كبيرة على "تويتر"، في وقت متأخر من مساء الأحد 22 يوليو/تموز 2018، بعد ساعات من تصريح الرئيس الإيراني، حسن روحاني، بأن السياسات العدائية تجاه طهران قد تؤدي إلى "أُمّ الحروب كلها".
To Iranian President Rouhani: NEVER, EVER THREATEN THE UNITED STATES AGAIN OR YOU WILL SUFFER CONSEQUENCES THE LIKES OF WHICH FEW THROUGHOUT HISTORY HAVE EVER SUFFERED BEFORE. WE ARE NO LONGER A COUNTRY THAT WILL STAND FOR YOUR DEMENTED WORDS OF VIOLENCE & DEATH. BE CAUTIOUS!
— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) July 23, 2018
ورغم تزايد حدة التصريحات، فإن لدى كل من الجانبين أسباباً تدفعه إلى تفادي نشوب صراع يمكن أن يتصاعد بسهولة.
وقال مسؤولون أميركيون إن تعليقات ترامب جاءت في إطار وابل من الخطابات، فضلاً عن المنشورات على شبكات التواصل الاجتماعي، بهدف إثارة القلاقل والضغط على إيران، لإنهاء برنامجها النووي ودعمها جماعات متشددة.
وقد واجهت إيران ضغوطاً أميركية متزايدة وعقوبات محتملة منذ قرار ترمب، في مايو/أيار 2018، الانسحاب من الاتفاق النووي المبرم عام 2015.
وكتب ترمب في رسالته الموجهة لروحاني: "إياك أبداً أن تهدد الولايات المتحدة مرة أخرى، وإلا فستواجه عواقب لم يختبرها سوى قلة عبر التاريخ". وأضاف: "لَم نعد دولة تقبل كلماتكم الجنونية عن العنف والموت.. احترسوا!".