خلال الأيام الأخيرة، برز الدور الرئيسي الذي لعبته إسرائيل في الداخل السوري القريب من حدودها، بعد قيامها باتصالات مكثفة بين الجانب الروسي والأميركي، أسفرت عن اتفاق تسوية بين النظام السوري والمعارضة المسلحة، إضافة إلى إجلاء 800 من أعضاء منظمة "الخوذ البيضاء" الإنسانية من محافظة القنيطرة نحو الأردن عبر الأراضي الإسرائيلية، فيما لا تزال قضية إبعاد إيران عن الحدود معلقة وبانتظار تفاهم أكبر.
وتطلَّبت عملية إنقاذ عناصر الخوذ البيضاء تعاوناً بين الجيش الإسرائيلي والأردن والولايات المتحدة، وتنسيقاً مع دول أخرى مثل كندا أو ألمانيا، بالإضافة إلى مجموعات مسلحة محسوبة على المعارض السورية، تطلق على نفسها اسم "فرسان الجولان"، التي تحظى بدعم إسرائيل.
الهدف هو الالتزام بتنفيذ اتفاق فك الاشتباك وإعادة الهدوء إلى المناطق الحدودية
كرَّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مطالبته بالرجوع إلى اتفاق فكِّ الاشتباك، الذي أنهى رسمياً حرب تشرين عام 1973، وقال نتنياهو أثناء مراسم احتفالية أقيمت بداية شهر يوليو/تموز الجاري، لـ "أحياء ذكرى" قتلى جنود الجيش الاسرائيلي في حرب غزة عام 2014: "لدينا اتفاقية فك الاشتباك مع سوريا منذ العام 1974، هذا هو المبدأ المنظم"، مضيفاً: "نحرص عليها كل الحرص، وهذا ما يتوجب أيضاً على جميع الأطراف الأخرى القيام به".
وشهدت الأسابيع الأخيرة زيارات مكثفة بين روسيا وإسرائيل، آخرها كان أمس، من خلال زيارة وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف، ورئيس هيئة الأركان فاليري غراسيموف، إلى تل أبيب، وجاءت الزيارة بعد تصعيد عسكري جديد بين الجانب السوري والإسرائيلي، تضمَّن استخدام الأخير صاروخين من منظومة "مقلاع داوود" (David's Sling)، للمرة الأولى منذ الإعلان عن هذه المنظومة، في أبريل/نيسان عام 2017.
وكان نتنياهو قد أبلغ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال لقائهما في موسكو 11 يوليو/تموز الجاري، بضرورة انسحاب إيران من سوريا، مشيراً إلى أن بلاده لا تُعارض استقرار نظام بشار الأسد في سوريا.
السماح للقوات السورية بالاقتراب من الحدود ومحاربة تنظيم الدولة الإسلامية
قبل عام 2011، كانت تنتشر بين دمشق والجولان نقاط تفتيش تقوم عليها قوات فصل تابعة للأمم المتحدة، يُطلَق عليها اسم "أندوف"، التي كانت تضم حتى 2014 نحو 1250 عنصراً، للتحقق من تنفيذ اتفاق فكِّ الاشتباك، الذي توصَّل إليه وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر، في نهاية مايو/أيار 1974. وتضمَّن الاتفاق إقامة منطقة عازلة في الجولان من شماله إلى جنوبه، ومنطقة مخفَّفة من السلاح، تمتدّ بعد "العازلة"، على أن يقوم مراقبو الأمم المتحدة بالتدقيق دورياً، بالتزام الطرفين ببنود الاتفاق الذي أُبرم في جنيف.
وتتمثل المرحلة القادمة في نشر القوات السورية على امتداد الخط الفاصل، وإعادة مراقبي الأمم المتحدة. ومن المزمع أن ينتشر اللواءان 90 و61 السوريان، والشرطة العسكرية الروسية على الخط الفاصل.
ووفقاً لصحيفة "الشرق الأوسط" اليومية اللندنية، سوف يتضمن الخط الفاصل حالياً ثلاثة قطاعات، وسوف يتم نزع السلاح بالقطاع المجاور لإسرائيل، ليخضع لقوات الأمم المتحدة والشرطة العسكرية الروسية. وسوف يبدأ القطاع الثاني على عمق 10 كيلومترات (ستة أميال)، داخل المناطق السورية، ويضم 350 دبابة سورية، و3000 جندي مسلح بالأسلحة الخفيفة. وفي القطاع الثالث، سيقوم الجيش الإسرائيلي بنشر 650 دبابة و4500 جندي ومدفعية محدودة المدى.
ويتضمن الاتفاق بين إسرائيل وسوريا أيضاً السماح للجيش السوري بتوجيه عمليات عسكرية ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، الذي لا يزال موجوداً بحوض نهر اليرموك، ومع ذلك، سوف تضطر القوات السورية إلى العودة إلى قواعدها بعد انتهاء القتال. وسوف تسيطر القوات الروسية على تل الحارة، أعلى التلال المطلة على هضبة الجولان، والذي يرتفع 1200 متر فوق سطح البحر. وسوف تتمكن من هناك من متابعة تنفيذ اتفاق الفصل بين القوات.
لكن هل تلبي الاتفاقية القديمة الرغبة الإسرائيلية؟
معهد الأمن القومي الإسرائيلي للدراسات (INSS)، أصدر دراسة يوم أمس الأول 22 يوليو/تموز الحالي، تحدَّث فيها خلاف تلك التقارير، ولفت إلى تغير الظروف، واستحالة عودة العمل بالاتفاق ذاته، وأطلق على الدراسة عنوان: "لا يمكنك الدخول إلى نفس النهر مرتين"، وهي المقولة التاريخية الشهيرة للمقاتل اليوناني "هيروكليس".
وذكرت الدراسة أن عودة جيش الأسد إلى جنوبي سوريا فتح فصلاً جديداً على حدود مرتفعات إسرائيل-الجولان، ولفتت إلى أن بيئة القوة التي عُهد إليها بضمان تنفيذ الاتفاق "تغيَّرت منذ أن تم تشكيلها لأول مرة"، وأضافت أن على قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك إدخال تعديلات كبيرة على أساليب عملها، مع مراعاة التحديات التي تواجهها الآن.
وأكدت أن سياسة إسرائيل هي أيضاً موضع تحدٍّ، ويجب أن يحتوي استعدادها للواقع الجديد على المشاركة السياسية والأمنية الاستباقية في تشكيل البيئة. ويشمل ذلك التأثير على قدرات وأنشطة القوة من أجل تحقيق أقصى استفادة ممكنة من مساهمتها المحتملة في الأمن على الحدود، وللحالة الإنسانية، ولتحسين الاتصالات بين القدس ودمشق.
موسكو الضامن الجديد
التوجه الإسرائيلي الجديد نحو روسيا لتكون الضامن على الحدود بين الدولتين، وعلى الأخص إبعاد إيران عن الحدود لمسافة 100 كلم. ورفضت تل أبيب يوم أمس طلب لافروف، وأصرَّت على خروج القوات الإيرانية بشكل كامل من سوريا.
الدبلوماسي السوري المنشق عن وزارة الخارجية أحمد شبيب، أوضح أن إسرائيل هي مَن تخطط في الجنوب، ولها تدخل واسع في المنطقة، وقال لـ "عربي بوست": إن "إسرائيل سمحت للروس بإدخال قوات النظام للمنطقة الجنوبية، ويعود ذلك لحماية حدودها".
وأضاف شبيب، أن تل أبيب مرتاحة لما حدث في سوريا "بعد تدميرها، والأسد ضعيف"، وتابع بقوله: "إنها وجدت ساحة جيدة لضرب إيران وقواتها في سوريا بحماية روسية، كما استثمرت بموضوع الإغاثة على أنها دولة خيّرة".
وفي الأشهر الماضية تواترت الضربات الإسرائيلية لمواقع عسكرية في سوريا، يعتقد أنها تضم قوات وأسلحة إيرانية، وتحدثت تقارير عن مقتل العديد من العسكريين بتلك الضربات، على غرار ما حدث في مطار "تيفور" بريف حمص.
والأحد، تعرَّض موقع عسكري (مركز البحوث العلمية) في منطقة مصياف بريف حماة السورية لقصف، واتّهمت دمشق إسرائيل بتنفيذ القصف.
قوات شبيهة بجيش "لحد" لحماية الأراضي الإسرائيلية
ذكر تقرير صدر في يناير/كانون الثاني، على موقع The Intecept الإخباري، أن "فرسان الجولان"، وهي قوات مقاتلة إلى جانب المعارضة السورية، سوف تتمكن من العمل بالمنطقة الفاصلة، وأشارت إلى أن الميليشيا تتلقى المساعدات والسلاح والتدريب من إسرائيل.
وأكد مصدر من المعارضة السورية، تحدَّث معه "عربي بوست"، صحةَ المعلومات، وأضاف أن "فصيل فرسان الجولان كان يحظى بعلاقة جيدة، ويتلقى مساعدات بشكل مباشر من إسرائيل"، وبيّن "أنهم كانوا يتمكنون من دخول إلى الجولان المحتل وهم على تنسيق جيد مع ضباط الجيش الإسرائيلي".
وتوضح صفحة المجموعة على موقع فيسبوك أحد عناصر هذه المجموعة وهو يقوم بتحميل شاحنة بصناديق مواد غذائية تحمل شعار شركة "تنوفا" الإسرائيلية، بينما كانت كلمة "طعام" مكتوبةً على صندوق آخر باللغة العبرية".
ووفقاً لموقع The Intercept، تستهدف هذه القوات العمل في الجولان السوري وهي شبيهة بجيش جنوب لبنان الذي أسسته إسرائيل بالتعاون مع "أنطوان لحد" وهو الضابط اللبناني الذي تولى قيادة الجيش بين ١٩٨٤ وحتى انهياره وفرار قيادته وعدد من عناصره إلى إسرائيل عام ٢٠٠٠.
وكانت مهمة ذلك الجيش هي وقف القوات الموالية لإيران من دخول المنطقة الحدودية بين لبنان وإسرائيل أثناء الحرب الأهلية اللبنانية، وهو على ما يبدوا أنها ذات المهمة التي ستوكل إلى قوات "فرسان الجولان"، حيث من المتوقع أن يتم السماح لها بالعمل في المنطقة منزوعة السلاح بشرط عدم التصادم مع قوات النظام السوري.
وذكر أحد المصادر السورية الذي تحدث مع موقع The Intercept أن الميليشيا قد اعترضت في البداية على التعامل مع إسرائيل، ولكنهم بدأوا يشعرون بإيجابيتها بعد أن قامت بتسديد رواتبهم ومنحتهم الدواء والطعام والمياه.