البوسنية التي نعتها أنجلينا جولي ومسؤولو دول كبرى.. تعرَّف على خديجة محمدوفيتش

قضت حياتها منذ المذبحة لتتذكر وتذكر العالم

عربي بوست
تم النشر: 2018/07/24 الساعة 16:40 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/07/24 الساعة 16:40 بتوقيت غرينتش
Hatidza Mehmedovic pray near graves of his two sons and husband in Memorial Center in Potocari near Srebrenica, November 14, 2017. Picture is taken November 14. REUTERS/Dado Ruvic

"لا أسعى إلى الانتقام.. ولا أنشر الكراهية.. ولا أتمنى أن يشعر أي إنسان بما أشعر به.. ما أسعى إليه هو العدالة.. إذا انتصر عليَّ مرض السرطان أعطوني وعداً أن تظلوا تذكرون أبنائي وأن تحكوا قصتهم للجميع.. وأن تقولوا حقيقة ما جرى في سربرنيتسا".

لَطالَما ردَّدت "خديجة محمدوفيتش" هذه العبارات خلال أحاديثها أمام الآلاف ممَّن يزرورن النصب التذكاري لضحايا الإبادة الجماعية في سربرنيتسا، أو خارج البوسنة، لتروي حكايتها وقصة "أمهات سربرنيتسا" اللاتي وجدن أنفسهن وحيدات بعد فقد أبنائهن وأزواجهن.

"عربي بوست" ينشر صوراً تُعرض لأول مرة لعشرات الفارين بعد وقوع مذبحة سربرنيتسا قبل 23 عاماً

 

نضال ممتد منذ المذبحة

توفيت "محمدوفيتش" في أحد المراكز الصحية في سراييفو، مساء الأحد،  بعد صراع مع مرض السرطان، لتختم حياة عامرة بالنضال والكفاح امتدت لحوالي 65 عاماً، ظلَّت خلالها تروي حقيقة ما حدث في سربرنيتسا عام 1995، وسيشيع جثمانها غداً الأربعاء، بمسقط رأسها في سربرنيتسا.

ربما لم تسمع بها من قبل، إلا أن خديجة ألهمت الملايين، بعد أن كافحت وطافت عدة دول لتحكي قصتها المريرة، وحقيقة ما حدث لسربرنيتسا، وتنقل معاناة الأمهات والأرامل هناك.

لمع اسم "خديجة محمدوفيتش" باعتبارها رمزاً للنضال في البوسنة عام 1993، حينما كانت تقود مجموعة من النساء والأطفال اللاتي رفضن مغادرة القائد العام لقوات الأمم المتحدة للقاعدة في سربرنيتسا، ودفعنه لإعلان "سربرنيتسا" منطقة آمنهً تحت حماية المنظمة الدولية.

تعتبر "محمدوفيتش" من أشهر الناشطات في البوسنة وخارجها، وكانت رئيسة جمعية "أمهات سربرنيتسا"، وهي جماعة ضغط تمثل نحو 6 آلاف أم وأرملة بوسنية، رفعت دعوى قضائية ضد قوات حفظ السلام الهولندية التابعة للأمم المتحدة، معتبرة أن الأمم المتحدة وهولندا مسؤولتان عن مقتل أقاربهن، وطالبن بتعويضات.

نجحت في تحقيق نزر يسير من العدالة

وبالفعل في يوليو/تموز 2017، أكدت محكمة استئناف هولندية أن هولندا مسؤولة جزئياً عن مقتل نحو 300 رجل مسلم، طردوا من قاعدة هولندية تابعة للأمم المتحدة، بعد أن اجتاحت قوات صرب البوسنة منطقة سربرنيتسا المحيطة بالقاعدة خلال الحرب.

لثلاثة وعشرين عامًا، حاربت محمدوفيتش النسيان والظلم الذي تعرضت له وآلاف آخرين
لثلاثة وعشرين عامًا، حاربت محمدوفيتش النسيان والظلم الذي تعرضت له وآلاف آخرين

وفقدت خديجة زوجَها "عبدالله"، وابنيها "أزمير" 21 عاماً، و"ألمير" 18 عاماً، في أبشع إبادة جماعية في القرن العشرين بحق مسلمي البوسنة عام 1995، وظلَّت تبحث عن رفاتهم حتى العثور عليها عام 2010، ودفنتهم في النصب التذكاري لضحايا سربرنيتسا في "بوتوتشاري"، بعد 15 عاماً من الألم والمعاناة.

وجدت محمدوفيتش رفات ابنها الأكبر أزمير وزوجها "عبدالله" بجوار بعضهما، حيث قُتلا خلال عمليات الإعدام الميدانية التي نفَّذتها قوات صرب البوسنة المدعومة من الصرب، بينما وجد المنقبون رفات ابنها الصغير "ألمير" في مكان قيل إنه كان يحاول الهرب من الجناة فيه، ولم تجد سوى عظمتين صغيرتين من قدم "ألمير"، استطاعوا التعرف عليه بفضل تحليل DNA، الذي يستخدمه البوسنيون للتعرف على المفقودين، من خلال أخذ عينات من دماء أقربائهم ومطابقتها مع الرفات التي عثروا عليها في المقابر الجماعية.

لم تقتصر جهود "محمدوفيتش" على الدعوة للعدالة في البوسنة ووقف الكراهية، بل قامت بتنظيم قافلة مساعدات غذائية للنازحين السوريين المتضررين من الحرب، رغم اشتداد المرض عليها، بحسب ما ذكره وقار عزمي مدير منظمة "تذكروا سربرنيتسا"، ومقرها المملكة المتحدة.

وحيدة.. لكنها لم تنس!

لَطالما حكت المناضلة البوسنية عن معاناتها من الوحدة التي فُرضت عليها، بعد فقدان جميع أفراد عائلتها، وعودتها إلى سربرنيتسا، ووصف بعض الصرب لها بأنها "تركية"، وإنكار آخرين ارتكاب مذبحة سربرنيتسا من الأساس، حتى إن رئيس بلدية سربرنيتسا "وهو من صرب البوسنة" اتَّهمها بنشر الكراهية، والحضِّ على العنف في المجتمع، وردَّت على ادعاءاته بأن العدالة والحقيقة هما رسالتها، وواجبها حتى لو تعرضت إلى السجن في المقابل.

سأل أحدهم "خديجة محمدوفيتش" عن أهمية تذكّر ما حدث عام 95، وكانت إجابتها موجزة وموحية، حيث قالت "القصص لن تعيد إلينا أحباءنا، لكن بحَكْيِها وتكرارها مرة تلو الأخرى نستطيع أن نمنع حدوث المزيد من الإبادات الجماعية والجرائم والحروب في المستقبل".

العالم يلتفت لوفاتها

لم تغب وفاة خديجة عن العالم، فقد نعتها شخصيات عالمية من مشارب مختلفة.

أنجلينا جولي زارت مقابر ضحايا مذبحة سربرنيتسا والتقت محمدوفيتش عام 2014
أنجلينا جولي زارت مقابر ضحايا مذبحة سربرنيتسا والتقت محمدوفيتش عام 2014

فقد كتبت الفنانة الأميركية "أنجلينا جولي" مقالاً أمس الإثنين، نشره موقع  "سي إن إن"، تنعى فيه الناشطة البوسنية، وتروي فيه قصة "محمدوفيتش" خلال لقائهما في النصب التذكاري في سربرنيتسا عام 2014، كتبت فيه: وفاة "خديجة" جعلتني أشعر بالحزن والمرارة على جميع ضحايا الحرب في البوسنة والهرسك، إلا أنني على يقين من أنني لست الوحيدة التي ستذكر مسيرتها بكل امتنان وإجلال لجهودها.

وأضافت "جولي": يمكننا تعلم الكثير من الإبادة الجماعية التي حدثت في سربرنيتسا، لكن "خديجة محمدوفيتش" تعكس لحظة انعكاس لقوة حياة الشخص الفردية.

كما نعاها وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، عبر حسابه على تويتر قائلاً: "سنظل نتذكر محمدوفيتش، التي أمضت عمرها وهي تبحث عن العدالة لضحايا مجزرة سربرنيتسا، رحمة الله عليها، قضيتها ستبقى حية إلى الأبد".

 

بعدما سلّم المسلمون أسلحتهم تُركوا دون حماية، وبعد المذبحة تمزقت الجثث واستحال دفنها .. القصة الكاملة لسربرنيتسا

تحميل المزيد