خسارة فادحة للاقتصاد والإعلام.. العراق بلا إنترنت بعد احتجاجات شعبية أزعجت الحكومة

تاجر خسر 250 ألف دولار، والعراق يخسر 40 مليونًا يوميًا بسبب قطع الإنترنت

عربي بوست
تم النشر: 2018/07/23 الساعة 14:42 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/07/23 الساعة 14:42 بتوقيت غرينتش
Riot police attempts to disperse crowds during the protest in Baghdad, Iraq July 20, 2018. REUTERS/Khalid Al-Mousily

أصبح العراقيون منقطعين تماماً عن العالم الخارجي، بعد أن قررت الحكومة العراقية قطع الاتصال بالإنترنت عن المستخدمين بسبب التظاهرات والاحتجاجات الشعبية التي شهدتها المدن والمحافظات العراقية.

الاحتجاجات الشعبية الكبيرة، أزعجت الحكومة التي استخدمت العنف المفرط في التعامل مع المتظاهرين، وهو ما خلّف حتى يوم أمس الأحد أكثر من 13 قتيلاً، وقرابة 600 جريح، ومثلهم من المعتقلين.

يقول مسؤول في وزارة الاتصالات العراقية لـ"عربي بوست"، إن "الضعف العام والانقطاع شبه التام لخدمة الإنترنت في المحافظات العراقية في الأسبوع الماضي جاء نتيجة صيانة وإدخال الخطوط الناقلة الجديدة للخدمة في المحافظات الجنوبية حسب ما أعلنته الوزارة بشكل رسمي، إلا أن الواقع يختلف عن ذلك جذرياً.

وأشار المسؤول إلى أن "الأمانة العامة لمجلس الوزراء أبلغت وزارة الاتصالات مساء الجمعة 13 تموز بإيقاف خدمة الإنترنت بشكل كلي في جميع المحافظات العراقية وإيقاف الخدمة إلى إشعار آخر، من أجل فرض السيطرة على التظاهرات والاحتجاجات الشعبية التي انطلقت في محافظات وسط وجنوب العراق، إلا أن الخدمة عادت للعمل بعد ثلاثة أيام متتالية من توقفها.

وأوضح المسؤول الذي رفض ذكر اسمه، "صباح يوم الإثنين 16 تموز 2018، أمرت الحكومة العراقية ووزارة الاتصالات بإعادة خدمة الإنترنت إلى العمل بشرط حجب جميع مواقع التواصل الاجتماعي بدون استثناء من فيسبوك وتويتر وواتساب وفايبر وجوجل وجيميل وعدد من المواقع الإلكترونية، الهدف من هذا القرار عدم نشر صور ومقاطع فيديو وأماكن التظاهرات.

الإنترنت توقف، لكن ليس الاحتجاجات

بعد انقطاع خدمة الإنترنت وحجب مواقع التواصل الاجتماعي في العراق على خلفية التظاهرات الشعبية في وسط وجنوب العراق، اعتمدا الناشطون على أسلوب الاحتجاج المناطقي، حسب ما يرى الناشط المدني حميد جحجيح.

استطاع العراقيون إيجاد بدائل للتواصل بعد انقطاع خدمة الإنترنت، الانقطاع الذي زاد من السخط ونشط الحركة الميدانية للاحتجاجات
استطاع العراقيون إيجاد بدائل للتواصل بعد انقطاع خدمة الإنترنت، الانقطاع الذي زاد من السخط ونشط الحركة الميدانية للاحتجاجات

حميد جحجيح يعتبر أحد قادة التظاهرات والاحتجاجات الشعبية في ساحة التحرير وسط العاصمة العراقية بغداد، يتحدث لـ"عربي بوست" قائلاً "بعد انقطاع خدمة الإنترنت وحجب المواقع واختفاء 37 مليون إنسان من الشبكة العنكبوتية، هذا الأمر انعكس على الوضع النفسي للمستخدمين لخدمة الإنترنت وأصبحوا فجأة في عزلة عن العالم لا يعرفون كيف يتخذون قرارات وأثر على استقرارهم النفسي وإشاعة نزعة الغضب لدى جميع العراقيين المتظاهرين وغيرهم من المواطنين، وعلى مستوى تبادل المعلومات والتنسيق أصبح من الصعب جداً أن تمد خطوط التواصل بين الناشطين لغرض تنظيم أو تنسيق احتجاجهم وتحديد أماكن معلومة وأوقات محددة للتظاهر أو نشر بيانات وأخبار دقيقة.

ويضيف أن "الناشطين أجبروا على اعتماد أسلوب الاحتجاج المناطقي والانتشار الأوسع جغرافياً في المدن والمحافظات، والذي يعد أسلوباً أصعب من حيث انتشار القوات الأمنية في الشوارع الرئيسية، خلاف ما كان معمولاً به في السابق بوجود خدمة الإنترنيت.

العودة إلى الرسائل النصية القصيرة

بشأن تواصل الناشطين وتحديد موعد التظاهرات لفت جحجيح إلى أن "الناشطين اعتمدوا على إيجاد طرق للتواصل بدلاً عن الإنترنت باستخدام الرسائل النصية sms أو الاتصالات، بعد ثلاثة أيام ممتالية وعودة الإنترنت ذهب الجميع لاستخدام برامج VPN وسايفون وغيرها من البرامج لكسر حجب مواقع التواصل الاجتماعي للتواصل مع الناشطين الآخرين وتغطية التظاهرات والاحتجاجات ونقلها من المدن والمحافظات العراقية.

وأوضح الناشط المدني، "أعتقد أن خيار حجب المواقع وقطع الخدمة وتقليل سرعة خدمة الإنترنت كان خياراً أمنياً غير ناجح واستشارة ليست ذكية بل جاءت نتائجها عكسية وصعد من سخط الجماهير، وأثبت أن الجمهور المحتج قادر على إيجاد بدائل للتواصل وإيجاد حلول، انقطاع خدمة الإنترنت زاد من السخط ونشط الحركة الميدانية للاحتجاجات.

انقطاع الإنترنت ترك الصحفيين بلا أعين ولا آذان

عملنا يعتمد على الإنترنت في تغطية الأخبار وإرسالها إلى المؤسسات الإعلامية، الصحفيون العراقيون أصبحوا شبه مشلولين وعميان بسبب حجب خدمة النت بشكل كلي ثلاثة أيام متتالية، حسب ما تتحدث عنه الصحفية سؤدد الصالحي مراسلة عدد من المواقع والصحف الأجنبية في العراق.

تقول الصالحي لـ"عربي بوست"، إن "الصحفيين يعتمدون على الإنترنت بشكل شبه كامل. حجب خدمة النت بشكل كلي لثلاثة أيام في البداية تركنا كصحفيين شبه مشلولين وعميان، في اليومين الأولين لحجب خدمة النت شعرت أن عالمي الواسع تقلص ليتحول إلى غرفة صغيرة ليس لها إلا منفذ واحد، الاتصالات الهاتفية هي المنفذ الوحيد الذي أبقانا على اتصال بمصادرنا وبغرف التحرير في مؤسساتنا خارج العراق، وحتى هذا المنفذ كان ضيقاً ومليئاً بالمطبات فالاتصالات مهما تعددت تظل قاصرة عن تغطية مساحات واسعة من مناطق الحدث.

ولفتت الصالحي إلى "استخدام الهاتف خلال الأيام الأولى لإرسال أبرز الأحداث مع بعض الاقتباسات التي كنت أحصل عليها من مصادري وحاولت قدر الإمكان تجنب أية معلومات لم أتمكن من التحقق منها لعجزي عن الوصول إلى مصادري، فاتنا الكثير خلال تلك الأيام لأنك ومهما كان حجم الميزانية المرصودة للاتصالات الهاتفية، لن تتمكن من الاتصال بالجميع فرغم علمك بوجود حدث ما إلا أن جهلك بمكان الحدث يجعلك تتخبط وتضيع الكثير من الجهد والمال.

انقطاع خدمة الإنترنت لم يوقف الاحتجاجات، الاقتصاد المتدهور أصلًا كان الخاسر الأكبر
انقطاع خدمة الإنترنت لم يوقف الاحتجاجات، الاقتصاد المتدهور أصلًا كان الخاسر الأكبر

وأوضحت الصالحي أن "المواقع الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي هي التي تكشف وتشير عادة إلى موقع الحدث ويبقى علينا التحقق والحصول على مزيد من التفاصيل، إلا أن غياب هذا النوع من التخادم بين الصحفي والمواقع الإخبارية  ومواقع التواصل الاجتماعي تركنا في ظلام شبه دامس، العراق ينقطع العراق عن العالم الخارجي فغالبية العراقيين يستخدمون النت لأغراض شخصية ولم يصلوا بعد لاستخدامه لإنجاز أعمالهم، كما أن القنوات التلفزيونية والوكالات التي تمتلك القدرة على الارتباط وتخطي الحظر المحلي والارتباط بالأقمار الصناعية سدت جزءاً من الفراغ الكبير الذي خلفه غياب البقية، كما أن الصحفيين الذين تواجدوا في كردستان عوضوا جزءاً آخر من النقص في تغطية الأخبار.

خسارة اقتصادية فادحة للتجار

إلى ذلك أعلن رجل الأعمال العراقي أحمد العقابي خسارته 250 ألف دولار نتيجة انقطاع خدمة الإنترنت وحجب مواقع التواصل الاجتماعي وتوقف الخدمات المصرفية عبر الإنترنت.

يقول العقابي لـ"عربي بوست"، إن "انقطاع خدمة الإنترنت قد كلفنا الكثير من الخسائر، الكثير من التجار يتعاملون مع دول شرق آسيا باستخدام خدمة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي في اختيار البضائع واستيرادها وتحويل الأموال باستخدام الخدمات المصرفية عبر الإنترنت، انقطاع الخدمة عن العراق كلفنا خسائر مالية تقدر بـ250 ألف دولار.

وأوضح أن "استمرار انقطاع خدمة الإنترنت سيكلف الاقتصاد العراقي خسائر كثيرة، إضافة إلى ارتفاع أسعار البضائع، قد قدمنا طلباً للحكومة العراقية لإعادة خدمة الإنترنت وإرجاعها بصورة طبيعية، الكثير حالياً من المستورد والبائع والمستهلك يعتمد على خدمة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي في شراء وبيع البضائع والمواد الغذائية".

والخسارة الاقتصادية تطال الدولة ككل

بدورها كشفت شركة ماركت وينغز  للتسويق الرقمي واستشارات التواصل الاجتماعي عن خسارة العراق 40 مليون دولار يومياً نتيجة انقطاع خدمة الإنترنت.

ذكر بيان للشركة اطلع عليه "عربي بوست"، أن "الإنترنت جزء من الحياة والحاجة اليومية للناس في مختلف القطاعات كالتعليم والصحة والأمن والتجارة، ولا يمكن للحكومات أن تتذرع بذرائع واهية وتسلب هذا الحق من الناس وفقاً لرغباتها، وأن بيانات (كوست تول وبيت بلوكس) التي خمنت الآثار والفرص، تظهر بأن إغلاق خطوط الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي يجعل العراق يخسر 40 مليون دولار يومياً.

وبينت الشركة في البيان الصحفي، أنه "سنتابع من خلال شركائنا في العالم هذه المسألة بدقة، وسنواصل العمل على إعادة الحقوق الرقمية للناس.

وكانت خدمة الإنترنت قد انقطعت بشكل كلي عن العراق يوم الجمعة 13 تموز 2018 لمدة ثلاثة أيام متتالية، بعد دخول المتظاهرين مطار النجف الأشرف واحتراق عدد من المباني الحكومية والمقرات التابعة للأحزاب والكتل السياسية في محافظات وسط وجنوب العراق المستقرة أمنياً.

علامات:
تحميل المزيد