يرى المتابع للشأن السوري أن ثمة اتفاقاً بات يلوح في الأفق حول التسوية النهائية التي تشارك فيها اطراف إقليمية ودولية لحل القضية السورية التي خلَّفت مئات الآلاف من القتلى وملايين المشردين.
الحل قد يكون وجود دولة من 3 أقاليم، كما تقول صحيفة Svabodnaya Pressa الروسية التي ترى سوريا تتخبط في وضع صعب لم تعهده من قبل. وبات جلياً للعيان أن البلاد انقسمت إلى ثلاثة أجزاء، حيث يسيطر الأسد على الجزء الأكبر، بينما تسيطر وحدات حماية الشعب الكردية على الجزء الثاني، أما الجزء الثالث فيقع تحت نفوذ تركيا وحلفائها داخل سوريا، بما في ذلك الجيش السوري الحر.
وفي ظل هذه الظروف، يغيب أفق حل يخوّل لسوريا تجاوز الأزمة وضمان مستقبل مشرق، فضلاً عن استمرار وجود الأسد على رأس الحكم.
الخيارات المحدودة أمام الأسد
بحسب الصحيفة الروسية، يقف الأسد أمام خيار جد صعب، يتمثل في ضرورة طرد المتدخلين الأجانب في الشؤون السورية. ويعتبر التخلي عن المعركة من طرف الأسد بمثابة اعتراف بعدم جدارته وفشله في انتشال سوريا من أزمتها وتحقيق الاستقرار. ناهيك عن ذلك، سيحرمه إقراره بانهيار الدولة من فرصة استمراره في الحكم ورئاسة سوريا، ويهدد الوحدة الإقليمية للبلاد، ويؤدي لظهور دولة ضعيفة وفقيرة، خاصة في ظل سيطرة الأكراد على أكبر موارد النفط السورية. من جهة أخرى، سيؤدي استمرار الأسد في خوض هذه الحرب وعدم التخلي عنها إلى تحويل سوريا إلى أفغانستان ثانية.
ولن تتنازل وحدات حماية الشعب الكردية عن سلطتها لصالح الأسد على الرغم من دخولها بشكل إرادي في مفاوضات مع سلطات دمشق الرسمية. وسيسمح الأكراد للمتخصصين السوريين والروس بإعادة بناء البنية التحتية، وسيقتصر الأمر على منحهم بعض الصلاحيات الطفيفة دون السماح لهم بالمضي قدماً.
في الأثناء، يُعدّ الضغط واستعمال القوة ضد الأكراد من أجل الانسحاب من بعض المناطق أمراً محفوفاً بالمخاطر، لا سيما أن الولايات المتحدة تعتبر الداعم الرئيسي للجماعات الكردية. وقد اكتسب الأكراد -بمن في ذلك الأكراد العراقيون- مكانة كبيرة خلال السنوات الأخيرة، جعلت منهم قوة هائلة في المنطقة.
من جانبها، أرسلت تركيا وحداتها العسكرية لتنفيذ بعض العمليات العسكرية ضد الأكراد، الذين يهددون وحدة المنطقة وفقاً لما تراه أنقرة. ولا يمكن مقارنة إمكانيات وقدرات جيش النظام السوري مع تركيا ولو نظرياً، خاصة في ظل تفوق القدرات العسكرية التركية على سوريا حتى قبل انطلاق الحرب الأهلية.
وعلى صعيد آخر، يعتبر تواصل الحرب في ظل الظروف الراهنة من ضمن الأمور التي تهدد الأسد وتنذر بهزيمته، علماً بأن قوته الرئيسية متأتية من مساعدة روسيا له، بالإضافة إلى مساهمة المستشارين الروس المختصين في تقديم التوجيهات العسكرية والدبلوماسية، كما تقول الصحيفة الروسية.
البقاء التركي داخل سوريا
وبحسب الصحيفة الروسية يمكن لروسيا أن تنسحب من الحرب التي لا نهاية لها، بينما ولأسباب أمنية ستضطر تركيا للبقاء؛ نظراً لأن سوريا من البلدان المجاورة لها. وبالتالي، ستؤثر الأحداث الواقعة فيها بشكل كبير على تركيا، الأمر الذي قد يستوجب منها البقاء لسنوات طويلة داخل الأراضي السورية. ووفقاً لوسائل الإعلام التركية، لا ينوي الأسد الدخول في مواجهة مع تركيا.
وأشار الأسد في وقت سابق إلى أن المبلغ المطلوب لإعادة بناء سوريا يقدر بحوالي 400 مليار دولار. ويعد هذا المبلغ متواضعاً جداً مقارنة بحجم الخسائر التي تكبدتها سوريا، حيث تم تدمير أكثر من نصف المباني في البلاد. ومع ذلك، لن يتمكن الأسد من الحصول على المبلغ المطلوب لإعادة البناء، إلا أنه تلقى في الآونة الأخيرة عرضاً مغرياً، يتمثل في إعلان الجانب التركي استعداده لإعادة بناء مدينة حلب السورية.
قبل اندلاع الحرب الأهلية، كانت حلب تضم حوالي 11% من مجموع سكان سوريا، لتضم اليوم أكثر من نصف مليون نسمة، نتيجة نزوح السكان من المدينة بسبب الحرب ولجوء معظمهم إلى الجارة تركيا.
لهذه الأسباب، تهتم تركيا بإعادة بناء المدينة، وتوفير الظروف اللازمة وجعلها مناسبة لعيش ملايين من السوريين. في الأثناء، يستعد الجانب التركي لتخصيص المبلغ المطلوب لإعادة بناء المدينة وتوفير مستلزمات الحياة لسكانها.
وبحسب الصحيفة الروسية فإن أنقرة مستعدة لتولي شؤون حلب، لكن شريطة تقديم بعض التنازلات من قبل الجانب السوري على غرار سحب الأسد لجيشه، وسيطرة تركيا بشكل كامل على المدينة. ووفقاً لما تداولته وسائل الإعلام التركية، لن يشارك الأسد في المفاوضات بشأن إعادة بناء حلب، بل سيوكل المهمة إلى موسكو، الأمر الذي قد يؤدي إلى نشوب بعض الخلافات بين الجانب التركي والروسي.
الاتفاق قد لا ينجح
من جهته، يشكك الخبير التركي تانر بكسوي في فرص نجاح هذا الاتفاق، إلا أنه يعترف بإمكانية إجراء هذه المفاوضات على أرض الواقع. لم تستعد تركيا نشاطها الاقتصادي بشكل تام بعد الانتخابات. ويرتكز الاقتصاد في فترة ما قبل الانتخابات وبعدها على قواعد مختلفة داخل كل دولة، حيث تقوم الجهات الحاكمة بتغيير استراتيجيتها من أجل الحصول على دعم إضافي من خلال المشاريع الاقتصادية. ومن المؤكد أن القرارات الاقتصادية في هذه الفترة ستكون إما فعالة للغاية أو فاشلة على المدى المتوسط. ولا تعد تركيا استثناء، حيث تطلبت الانتخابات أن تعمل على إعادة هيكلة معينة للاقتصاد، لم تنتهِ منها أنقرة بعد، بحسب الصحيفة الروسية.
وتعد مسألة إعادة بناء حلب من الأمور المهمة بالنسبة لتركيا، لا سيما في ظل عدم رضا سكان العديد من المدن التركية عن تزايد عدد اللاجئين، ما يخلق صعوبات كبيرة. وفي حال نجحت تركيا في إعادة اللاجئين إلى ديارهم سيكون ذلك بمثابة إنجاز عظيم نجحت السلطات التركية في تحقيقه. لكن من المرجح أن تظهر في إطار تنفيذ هذا المشروع العديد من العقبات، بما في ذلك الاقتصادية.
تتطلب عملية إعادة بناء حلب مبالغ طائلة من المال، في حين لن يثمن المجتمع التركي الاستثمارات الضخمة في المدينة السورية، في الوقت الذي ترى فيه البلاد ضرورة رفع الكفاءة الاقتصادية.
ومن جانبه، يعتقد الخبير التركي أن بشار الأسد لن يوافق على الدخول في مثل هذه الصفقة، كما أن استخدام القوة ضده في مثل هذه الحالة أمر غير ضروري.