أميركا تتسابق مع روسيا لإرضاء السيسي.. The National Interest تحذِّر من خطر قادم على مصر بسبب هذا التنافس

عربي بوست
تم النشر: 2018/07/22 الساعة 17:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/07/22 الساعة 17:59 بتوقيت غرينتش

احذروا فقدان مصر.

مصر تتقارب مع روسيا وتبتعد عن أميركا.

السيسي معجب ببوتين.

يبدو أن هناك مخاوف لدى بعض الجهات الأميركية من فقدان مصر كحليف استراتيجي مهم لصالح روسيا.

ولكن هناك خطر آخر يتهدَّد مصر، أكثر أهمية من الحفاظ عليها كحليف استراتيجي للولايات المتحدة الأميركية، بحسب مقال نشرته The National Interest الأميركية، كتبه كل من أندرو ميلر، نائب مدير السياسة بمشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط، والباحث غير المقيم بمركز كارنيغي للسلام الدولي، وميشيل دان، مديرة برنامج الشرق الأوسط بمركز كارنيغي للسلام الدولي، ومسؤولة سابقة في السفارة الأميركية بالقاهرة.

يشير كاتبا المقال إلى أنه فيما ينصبُّ معظم التركيز بخصوص التنافس الأميركي-الروسي في الشرق الأوسط على سوريا وإيران، يحاول الرئيس الروسي بهدوء شقّ طريقه تجاه مصر.

وفِي مواجهة ذلك طرح مقالٌ أخير كتبته آنا بورشفسكايا، الباحثة المهتمة بدور "روسيا في الشرق الأوسط" صورة مُقلِقة، تُوشِك الولايات المتحدة فيها على فقدان مصر لصالح روسيا.

يقول الكاتبان تعليقاً على مقال بورشفسكايا: قرأنا تلك الحجة من قبل، وهي التي عادةً ما يُعبِّر عنها أولئك المعارضون لربط المساعدات العسكرية الأميركية لمصر بأي شروط.

تقول تلك الحجة، احذروا الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لم يعد يؤمن بإمكانية اعتماده على الولايات المتحدة، بسبب التوترات الثنائية في السنوات الأخيرة. ثُمَّ تحذر النظرية من أنَّ القاهرة تتحول باتجاه روسيا، وربما تحرم أميركا من حليفٍ إقليمي مهم.

يبدو أن السيسي معجب ببوتين، ولكن هل الجيش المصري مستعد لمثل هذا التحول؟

العنصر الحقيقي في هذه الحجة هو أنَّ السيسي يبدو وأنَّه يحاول إحياء مناورة الحرب الباردة المُجرَّبة التي أثبتت فاعليتها، والمُتمثِّلة في التلاعب بالولايات المتحدة وروسيا.

ويبدو أنَّه معجب ببوتين كثيراً، فكلاهما ضابطا استخبارات ومستبدان. لكنْ لدى كاتبي المقال شكوك بخصوص ما إذا كانت المؤسسة العسكرية المصرية مستعدة حقاً للتحوُّل من الرعاية الغربية إلى الروسية.

كما يشكِّكان فيما إذا كانت مصر حليفاً عسكرياً مهماً للولايات المتحدة الآن، مثلما كانت في السابق.

فما يريده السيسي هو مزيد من الاستقلالية وأحياناً التلاعب برعاته

يجب النظر إلى الوتيرة المتزايدة للتعاون المصري-الروسي في السنوات الأخيرة، ضمن سياقٍ أوسع كثيراً من مثلث الولايات المتحدة- مصر- روسيا. فمصر ليست متحمسة لاستبدال الولايات المتحدة، بل بتكملة علاقتها مع الولايات المتحدة بالدعم الروسي.

 وعلاوة على ذلك، سعت مصر ما بعد الثورة للعودة إلى سياسة خارجية أكثر استقلالية، تتلاعب فيها برُعَاتها بعضهم ببعض.

على سبيل المثال، يحدث هذا باستمرار بين مصر ورعاتها السعوديين والإماراتيين.

وكان ذلك نموذج جمال عبدالناصر الأساسي أيضاً، قبل أن يتحالف علناً مع الاتحاد السوفييتي بعد حرب السويس 1956. مصر لم تعد راغبة في أن تكون معتمدة على روسيا أكثر من رغبتها في أن تكون معتمدة على الولايات المتحدة. والأكثر من ذلك، سعى السيسي لتوسيع العلاقات الدفاعية والتجارية مع ألمانيا وفرنسا بنفس قدر توقه تجاه روسيا.

كما أن هناك مبالغة فيما قد يقدمه الروس له في المقابل  

وفي خضم فورة الزيارات والإعلانات الثنائية، من السهل أيضاً المبالغة فيما تعرضه روسيا على مصر.

فالقروض الروسية، التي لا بد لمصر من سدادها، ليست بديلاً عن منح المساعدات الأميركية، وروسيا ليست في نفس موقع الولايات المتحدة فيما يتعلَّق بتسهيل دخول مصر للعواصم الأوروبية والمؤسسات المالية الدولية.

ما تحتاجه مصر هو الاستثمار الخاص، الكثير من الاستثمار الخاص، وليس ما يمكن لبوتين تقديمه. فضلاً عن ذلك، ليس من السهل تحويل أنظمة العمليات العسكرية فجأة، خصوصاً بعد أربعة عقود من اعتماد مصر على المعدات والتدريب الأميركي في كل المجالات باستثناء الدفاع الصاروخي.

 والسيسي قال "لا" بشأن المطارات العسكرية

وأيضاً بوتين ليس داعماً غير مشروط للسيسي مثلما يشير البعض، كما أنَّ السيسي لم يُرحِّب بكل مبادرات بوتين.

إذ يواصل بوتين رفض استئناف كل رحلات الطيران التجاري الروسية إلى مصر، المتوقفة منذ التفجير الإرهابي الكارثي لطائرة روسية، في أكتوبر/تشرين الأول 2015، بعد إقلاعها من شرم الشيخ. ووافق بوتين مؤخراً على السماح برحلات الطيران إلى القاهرة، لكن ليس إلى مطارات ساحل البحر الأحمر بعد، الذي كان نقطة الجذب الرئيسية للسياح الروس الذين اعتادوا السفر إلى مصر بأعداد كبيرة.

من جانبه، يبدو السيسي مستمراً في رفض طلبٍ روسي للوصول إلى مطارات مصرية عسكرية، ربما لأنَّ ذلك سيُعرِّض علاقاته مع الجيش الأميركي للخطر.

ما الذي تخسره واشنطن إذا انهارت علاقاتها العسكرية مع مصر؟

لكن ماذا لو انهارت العلاقات العسكرية الأميركية-المصرية لأي سبب، وسعى السيسي لتعويضها عن طريق التحالف علناً مع روسيا. ظاهرياً، سيبدو ذلك كما لو كان تقهقراً آخر للولايات المتحدة من موقعها الذي كان مُهيمناً في السابق على المنطقة. لكن من الناحية العملية، سيكون تأثير ذلك على المصالح الأميركية أقل كثيراً مما كان في الماضي.

فبعد سنوات من التآكل الداخلي للدولة المصرية، أصبحت مصر فاعلاً إقليمياً أقل قدرة مما كان قبل عدة عقود، وأصبح جيشها انعكاساً سيئاً للقوة التي عبَّرت عن نفسها بصورة جيدة عام 1973، حسب وصف الكاتبين.  

فهناك جيشان عربيان أكثر قدرة على العمل مع الأميركيين

وعلى سبيل المثال، أصبح الجيشان الأردني والإماراتي الآن أكثر قدرة بكثير على إبراز القوة داخل المنطقة، وأكثر قدرة على العمل بانسجام، إلى جانب القوات الأميركية من المصريين، وفقاً لما ورد في المقال.

ولم تكن مصر مستعدة لنشر قواتها في الخارج، باستثناء ليبيا، التي تُعَد أكثر أهمية للأوروبيين منها للمصالح الأميركية.

وقد انتقلت القوة في المنطقة إلى الخليج، بعدما أصبح النفوذ الاقتصادي مهماً على نحوٍ متزايد، في حين تجاوزت دولٌ عربية أخرى وفي شمال إفريقيا مصر في مجالات مثل التنمية البشرية.

وضع قناة السويس آمن وحتى معاهدة السلام مع إسرائيل أصبحت قوية

وفِي حين تبدو إدارة ترمب مؤمنة بأنَّ مصر طرف أساسي فيما يتعلَّق بالسلام الإسرائيلي-الفلسطيني، فعلى الأرجح لن يتخلَّى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أو رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس عن خطوط حمراء معلنة بالنسبة لكليهما، بناءً على طلب السيسي.

إنَّ أسس معاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية متينة الآن، ولم تعد العلاقات الثنائية، الحارة على المستوى الرسمي، والفاترة على المستوى الشعبي، مُعتمِدةً على تشجيع أو إدارة الولايات المتحدة.

ومن المُرجَّح كثيراً أنَّ مصر ستواصل السماح للسفن الأميركية بعبور قناة السويس، وهو ما تدفع البحرية الأميركية مقابله بسخاء. وربما تحرم مصر الطائرات الأميركية من حقوق التحليق في أجوائها أو الهبوط في مطاراتها، لكنَّ قيمة ذلك أصبحت أقل كثيراً مما كانت عليه سابقاً، وذلك في ظل مواصلة الولايات المتحدة تعزيز مركزها في قطر.

 كما أنَّ التوجه العربي الأكثر مرونة الآن تجاه إسرائيل قد يفتح مسارات جديدة للطائرات المدنية والعسكرية على حدٍّ سواء، بعد أن سمحت السعودية بتحليق طائرات قادمة لإسرائيل عبر أجوائها.

وبالنسبة لمكافحة الإرهاب تبدو السياسات المصرية تجعل الأمور أسوأ

وأخيراً، من الصعب تقدير القيمة الصافية للتعاون المصري مع واشنطن في مكافحة الإرهاب.

يقول كاتبا المقال: لكننا نعلم أنَّ السياسات المصرية تجعل، بطريقةٍ ما، مشكلة الإرهاب أسوأ.

 وفي كل الأحوال من مصلحة القاهرة الإبقاء على العمليات الخاصة بها لمكافحة الإرهاب، مهما كانت حالة العلاقات مع الولايات المتحدة.

ولكن الخطر الحقيقي هو: ماذا سيحدث لمصر إذا فشل السيسي؟

الخطر الحقيقي بالنسبة للولايات المتحدة لا يتمثَّل في إمكانية فقدانها لمصر، بل في إمكانية أن يغرق ذلك البلد ذو المائة مليون نسمة تقريباً في حالة من الضبابية والغموض، أو حتى فشل الدولة بسبب سوء الحكم والنمو السكاني السريع والهشاشة الاقتصادية.

ومن شأن ذلك أن يكون مؤسفاً، لأنَّ وجود مصر قوية قد يُمثِّل مصدراً مهماً للاستقرار في الشرق الأوسط. لكنَّ التنافس (الأميركي) مع موسكو على ولاء مصر لن يغير مسار البلاد المُنحدِر.

في الواقع، إنَّ الولايات المتحدة، باسترضائها السيسي ومسايرة سياساته الخاطئة، خوفاً من إمكانية لجوئه إلى روسيا، لن تساهم إلا في زيادة احتمالية حدوث تلك النتائج المظلمة. لم تعد مصر جائزة استراتيجية تفوز بها الولايات المتحدة أو روسيا، بل تحدٍّ تجب إدارته عبر الدبلوماسية الحذرة، والقسرية إن لزم الأمر.

 

علامات:
تحميل المزيد