على خشبة مسرحٍ أعلى استاد الهوكي شمالي مدينة لاهور، يصيح أحد مقدمي المؤتمر الانتخابي في الميكروفون، ويصعد مؤيدو عمران خان إلى صفوف الكراسي ثم يتقدم أسطورة الكريكيت الباكستاني، البالغ من العمر 65 عاماً، إلى الأمام.
مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية العامة المُقرَّر إجراؤها يوم الأربعاء 25 يوليو/تموز 2018، فإن زعيم حزب حركة الإنصاف الباكستانية يبدو مثل "كرة كريكيت" تنطلق بعيداً عن نصر يسعى إليه بلا هوادة، منذ تخليه عن أسلوب حياة الشهرة والنوادي الليلية الساحرة في لندن قبل أكثر من 20 عاماً مضت.
وقال عمران خان، أمام حشد من 8000 شخص في ضاحية شاهدارا الفقيرة، حيث تتصادم الحشرات الطائرة مع الكشَّافات الضوئية القوية: "هذه فرصة لن تتكرَّر كثيراً لتغيير باكستان"، وفقاً لما ذكرته صحيفة The Guardian البريطانية، السبت 21 يوليو/تموز 2018.
ويستغل التجار داخل الاستاد شهرة خان لجمع الأموال، من خلال بيع القمصان وأغطية الهاتف والأعلام المزينة بملامح كابتن الكريكيت الوسيم، الذي قاد فريق باكستان للفوز بكأس العالم للكريكيت عام 1992.
لكن وعده بإنهاء الفساد، حوَّل مسؤولي الحزب الذي أسسه عام 1996، والذي لم يشغل سوى مقعد واحد في البرلمان حتى عام 2013، إلى قادة محتملين للحكومة المقبلة.
أدخل شريف السجن
مع ادعاء حدوث عمليات غسل أموال بقيمة 10 مليارات دولار سنوياً من باكستان، وبَّخ الزعيم الشعبوي المحافظ اجتماعياً "الخونة الذين جعلوا هذا البلد فقيراً".
وقالت الصحيفة البريطانية إن فرص خان السياسية ارتفعت بشكل مطرد خلال العام الجاري (2018)، منذ أن قدَّم التماساً إلى المحكمة العليا في باكستان لإقصاء رئيس الوزراء السابق نواز شريف بناءً على اتهامات بالفساد.
وفي وقت سابق من يوليو/تموز 2028، حُكم على شريف بالسجن 10 سنوات. ويزعم مسؤول في حزب حركة الإنصاف الباكستانية أنَّ أحد سجَّاني نواز شريف يقوم بتشغيل التلفزيون له خلال مسيرات خان، مما يجبره على مشاهدة من تسبَّب في الزجِّ به في السجن.
ويعتبر خان شخصيةٌ مستقطبة بعمق، وأدت تصريحات حملته الانتخابية اللاذعة إلى اشتعال التوترات السياسية، لا سيما بعدما وصف أنصار حزب "الرابطة الإسلامية" الباكستانية الذي كان يرأسه نواز شريف بـ"الحمير".
وبسبب هذا التصريح، أفادت جمعية خيرية للحيوان بأن مؤيدي حركة الإنصاف الباكستانية ضربوا أحد الحيوانات حتى أوشك على الموت.
وأشار خان في تغريدةٍ بعد مقتل 149 شخصاً في هجوم انتحاري –ادَّعى تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) مسؤوليته عنه– في 13 يوليو/تموز 2018 بإقليم بلوشستان الشرق، إلى أنَّ حزب "الرابطة الإسلامية" الباكستانية كان وراء هذا الهجوم، كوسيلةٍ لصرف الانتباه عن المشكلات القانونية التي يواجهها شريف.
قريب من الجيش
وهناك أمر أكثر تهديداً لوعود خان بأنه سيُغيِّر الأوضاع القائمة، وهو اتهامه بالاستفادة من دعم المؤسسة العسكرية الباكستانية القوية، التي حكمت البلاد ما يقرب من نصف تاريخها الزاخر بالانقلابات العسكرية على مدار 71 عاماً.
وتُظهر استطلاعات الرأي أنَّ الحزبين متقاربان، لكن يبدو قادة حزب "الرابطة الإسلامية" الباكستانية يائسين للغاية لدرجة أنهم تقبَّلوا عملياً عدم القدرة على تحقيق النصر.
وقال خان في تجمع شاهدارا: "إنَّ شريف يبكي على الانتخابات؛ لأنَّ هذه هي المرة الأولى التي لا يستطيع فيها استخدام حكمه الخاص".
ومن الناحية السياسية، يمتلك خان الكثير من الحوافز للبحث عن أساليب تختصر له طريق النصر، وفقاً لمحللين.
وحقق منافسه حزب "الرابطة الاسلامية" الباكستانية سجلاً إيجابياً على نطاق واسع في الحكومة على مدى السنوات الخمس االماضية؛ إذ قام الحزب بتقليل انقطاعات التيار الكهربائي بصورةٍ ملحوظة.
ووفقاً للمُعلِّق السياسي فاسي زاكا، إنَّ هذا يعني أنه "ما كان يمكن أن يترشح للانتخابات" دون حملة مدعومة من الجيش ضد حزب "الرابطة الإسلامية" تضمنت قطع البث عن القنوات الإعلامية الداعمة، والضغط على السياسيين لتغيير ولاءاتهم، واستهداف المحاكم لقادة الحزب بشكل انتقائي.
وفي مقابلة أخيرة مع صحيفة Dawn الباكستانية، أعرب خان عن أسفه أنَّ "باكستان ليست أوروبا؛ إذ لا يمكنك فقط إخبار الناس بالأفكار التي تمثلها وسوف يصوتون لك". هذا درس يبدو أنَّه قد تعلمه من انتخابات عام 2013 حين أنهك نفسه في العمل حتى إنه بنهاية المطاف سقط من على المسرح ودخل المستشفى.
ومنذ ذلك الحين، تطورت حملته من وعود "بباكستان جديدة" -مدارس أفضل، مستشفيات أفضل، إنهاء السرقة من الدولة- إلى شيء أكثر تقليدية، واتجه إلى تعيين نحو ثلث مرشحي حزبه هم من السياسيين القدامى المخضرمين، الذين انضموا مؤخراً للحزب، وهم "مُؤهلون للفوز في الانتخاب"، ويجلبون معهم كتلاً تصويتية، وفضائح فساد في أغلب الأحيان.
وهذه الشخصيات، كما يعتقد كثيرون، ستساعد حزب "حركة الإنصاف" الباكستانية في اختراق إقليم البنجاب الحاسم، الذي يعود إليه أكثر من نصف المقاعد الـ272 المنتخبة مباشرة في الجمعية الوطنية.
لكن حلفاء سابقين لخان قالوا لصحيفة The Guardian إنَّ "الكثيرين يعتقدون أنَّ الحزب قد ابتعد عن برنامجه لمكافحة الفساد".
ومن بين هؤلاء، اللواء سامسون شريف، وزير دفاع الظل السابق للحزب، والذي قال إنَّ خان أمامه الكثير من العراقيل، وإنه مثل "شخصية زمار هاملين الخيالية الذي يقود الناس إلى المجهول".
تبدل في المواقف
ووُلد خان، الذي تلقى تعليمه بأكسفورد، في لاهور عام 1952، وقد تعرَّض أيضاً لما يبدو أنه تحول شخصي كبير. ففي الوقت الذي اعتاد فيه الاحتفال مع مغني الروك الإنكليزي مايك جاغر، يدافع اليوم عن قوانين ازدراء الأديان الصارمة في باكستان وينتقد "الليبراليين الباكستانيين" المولعين بالغرب.
وفي عام 2017، منحت حكومة المقاطعة، التي يترشح لها حزبه على مدى السنوات الخمس الماضية في إقليم خيبر باختونخوا الشمالي، 3 ملايين دولار إلى مدرسة الحقانية، وهي عبارة عن ينبوع تخريج مقاتلي طالبان؛ مما أدى إلى همسات تتردد بعبارة "طالبان خان" من المقاهي التي يرتادها ليبراليو إسلام آباد.
ويشير آخرون إلى دائرة زيجاته؛ إذ تزوج عمران خان أولاً سيدة المجتمع البريطانية الفاتنة ووريثة الملياردير البريطاني غولدسميث، جيميما جولدسميث. وفي وقت سابق من هذا العام، تزوج خان سراً مرشدته الروحانية، بشرى مانيكا.
محاولة لكسر خان
وأُعيد إحياء شبح الماضي المسموم بالشهوات للمُرشَّح الانتخابي من جديد هذا الشهر (يوليو/تموز 2018( على يد زوجته الثانية، ريهام خان، وهي مذيعة أخبار سابقة.
إذ انتشرت مذكراتها التي كتبت فيها فضائح علاقاته العاطفية، وجرى تداول نسخ PDF من هذا الكتاب عبر تطبيقات WhatsApp في باكستان.
وتزعم ريهام أنه استهلك "6 غرامات" من الكوكايين في ليلة واحدة، وأن لديه العديد من الأطفال من علاقات غير شرعية، إضافة إلى تبادل رسائل إباحية مع أعضاء حزبه من النساء، وفقاً لما ذكرته The Guardian.
ويقول المؤيد زولفيقر علي خان عن ريهام: "إنها مجرد نجمة أفلام إباحية"، مكرراً حجة المطلعين على حركة الإنصاف الباكستانية، التي تقول إن حركة نشر مذكرات ريهام كانت بتنسيقٍ مع الرابطة الإسلامية الباكستانية (جناح نواز).
وإذا كانت المذكرات مجرد حركة احتيال، فمن المستبعد أن تؤتي ثمارها. ووفقاً لمجموعة Credit Suisse، تحظى "حركة الإنصاف" الباكستانية بفرصة بنسبة 75% لتشكيل حكومة ائتلافية تخضع لحكم خان.
ويحتفل بعض المؤيدين بزعم رجاحة كفة الجيش؛ نظراً إلى أنه دليل على أن المؤسسة تؤدي دورها.
ويقول عمير إقبال )25 عاماً): "إذا شارك المؤيدون، فسيصب ذلك في مصلحة باكستان". ويضيف شهزار )19 عاماً): "حتى وإن منحت صوتك للرابطة الإسلامية الباكستانية (جناح نواز)، فسيصب ذلك في مصلحة حركة الإنصاف الباكستانية. لا تملك الرابطة الإسلامية الباكستانية أي فرصة لتكوين حكومة؛ لأنها لا تتلقى أي دعم". وفي إشارة إلى الجيش، قال: "إنهم يعرفون كيف يقصونك خارج الساحة".
وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن هذا الأمر يبدو أنه يمثل طوق نجاة لخان في الوقت الحالي. ولكن نظراً إلى ما تعانيه البلاد من أزمة اقتصادية وعدم استقرار سياسي ومؤسسة سياسية متعنتة تمسك بزمام الأمور، فإن "القائد" التالي المحتمل لباكستان سيكون عليه حماية ركائزه بقوة.