نعم، الوضع الاقتصادي في البلاد بات صعباً، والجفاف يضرب الأراضي.. لكن روحاني يقول إن “واشنطن هي السبب وعلينا الاتحاد ضدها”

عربي بوست
تم النشر: 2018/07/20 الساعة 14:48 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/07/20 الساعة 14:56 بتوقيت غرينتش
FILE PHOTO: Iran's President Hassan Rouhani attends a news conference at the Chancellery in Vienna, Austria July 4, 2018. REUTERS/Lisi Niesner/File Photo

في حين تواجه إيران أسوأ موجة جفافٍ بالتاريخ الحديث في ظلِّ تناقص كميات المياه، وتكرار انقطاعات الكهرباء، التي تؤدي إلى قطع خدمة الإنترنت وتوقّف حركة المصاعد ومكيفات الهواء، في الوقت الذي تبلغ فيه درجة الحرارة 40 درجة مئوية- تحاول الحكومة الإيرانية من جانبها التغلب على الأزمة الاقتصادية الحالية، فضلاً عن تداعيات قرار الولايات المتحدة الأميركية الانسحاب من الاتفاق النووي.

وتدرس السُّلطات في طهران تقديم يوم العمل، ليبدأ من الـ6 صباحاً وينتهي الـ2 مساءً؛ لمساعدة العاملين على التكيُّف مع الوضع الحالي، حسبما قال تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.

وبحسب كلمات الشاب الإيراني محمد، (28 عاماً)، مصمم الغرافيك والعاطل عن العمل منذ 4 أشهر، فإن الحياة في إيران "تشبه سمكةً في بركة مياه تتقلَّص مساحتها بوتيرةٍ سريعة تحت الشمس الحارقة وسط الصحراء". وفي ظاهر تعليقاته يبدو أنه يتحدث عن المشكلات البيئية للبلاد.

مساعٍ حكومية لمواجهة الأزمة الاقتصادية

وتحاول السلطات الإيرانية إيجاد حلول عاجلة للأزمة الاقتصادية، في ظل دعوات لمؤازرة الحكومة، خاصة بعد قرار دونالد ترمب الانسحاب من الاتفاق النووي، ونقلت وكالة أنباء فارس عن قائد كبير بالحرس الثوري الإيراني قوله، الأربعاء 27 يونيو/حزيران 2018، إن من الواجب على جميع الإيرانيين مساعدة الحكومة في التغلب على المشكلات الاقتصادية.

المشكلة الاقتصادية ليست جديدة بطبيعة الحال، لكن قرار الولايات المتحدة الأميركية الانسحاب من الاتفاق النووي، في مايو/أيار 2018، تسبب في تفاقم الأزمة الاقتصادية، خاصة بعد إبلاغ واشنطن حلفاءها وقف واردات النفط الإيراني.

وقال الجنرال يحيى رحيم صفوي، وهو أيضاً مستشار كبير للزعيم الأعلى الإيراني، الأربعاء 27 يونيو/حزيران 2018: "من واجبنا جميعاً أن نعمل معاً لمساعدة حكومتنا الموقرة وبقية الفروع  الحكومية في حل المشكلات الاقتصادية"، وفقاً لوكالة الأنباء.

وما أدى إلى تعقيد الأزمة هو الضغوط الأميركية على الشركات الأوروبية

ورفضت الولايات المتحدة الأميركية طلباً فرنسياً بمنح إعفاءات لشركاتها العاملة في إيران، طلبته باريس بعد أن فرض الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، عقوبات على طهران.

وقال وزير المالية الفرنسي برونو لومير، في مقابلة نُشرت الجمعة 13 يوليو/تموز 2018 مع صحيفة "لوفيغارو": "تلقينا للتوّ ردَّ وزير الخزانة ستيفن منوتشين، وجاء سلبياً". وقال لومير إن أوروبا بحاجة إلى التصرف سريعاً وحماية سيادتها الاقتصادية.

كانت باريس اختارت قطاعات رئيسية تتوقع أن تُعفى الشركات الفرنسية العاملة بها من العقوبات، أو أن يتم تمديد فترات إنهاء نشاطها، وضمن ذلك قطاعات الطاقة والبنوك والأدوية والسيارات.

وقالت شركة سكور الفرنسية، المتخصصة في إعادة التأمين، الجمعة 13 يوليو/تموز 2018، إنها لن تسعى لإبرام عقود جديدة، أو تجديد أنشطة قائمة في إيران؛ بسبب العقوبات الأميركية.

لكن الشباب يرون أن الوضع ما زال أكثر تعقيداً

لكن محمد، الذي يعتمد على معاش والده للعيش مثل "علقة تتغذى على الدم"، على حد وصفه، لا يتحدث عن البيئة؛ بل يشير إلى أزمةٍ أوسع، يقول إنها خلقت إحساساً باليأس يتخلل المجتمع الإيراني، الذي لم ير كثيرون منه أزمةً بهذا الحجم منذ اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979.

وأسهم مزيجٌ من عوامل، تبدأ من مظالم اقتصادية وافتقارٍ إلى الحرية السياسية والاجتماعية، وتصل إلى الضغط الدولي والعقوبات المفروضة على طهران، في وضع البلاد تحت ضغطٍ غير مسبوق. ويتفق العديد من الإيرانيين مع محمد في أن البلاد تواجه لحظةً فارقة.

يقول محمد: "الناس متلهفة للعثور على مَخرجٍ من الأزمة. إذا كانت الحرب هي الحل، فليكن، لكن علينا الإسراع بتحقيق هذا، إذا كان الحل في الوصول إلى اتفاق، فليكن، لكن علينا الإسراع. إذا كان الحل في تغيير النظام، فليكن، لكن علينا الإسراع".

ويشككون في قدرة روحاني على عبور الأزمة الحالية

وتسببت أسابيع من التظاهرات المتقطعة عبر البلاد ضد نقص المياه، وعدم دفع رواتب الموظفين، وانخفاض قيمة العملة، بالإضافة إلى الضغوط المتراكمة من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، والتي طالبت جميع الدول بالتوقف عن شراء النفط الإيراني بحلول 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، في تراكم الضغوط المفروضة على الرئيس الإيراني حسن روحاني.

وبات كثيرون يرون روحاني شخصاً غير كفء بعد أن أثبت عدم قدرته على محاربة المتشددين والدفع قدماً من أجل تنفيذ أجندته. الوعد الوحيد الذي تمكن من تحقيقه، وهو الاتفاق النووي البارز لعام 2015، ينحلّ بعد أن سحب ترمب الولايات المتحدة من الاتفاق في مايو/أيار 2018.

وينتقدون ارتفاعاً غير مسبوق للأسعار في البلاد

وأصبح سعر أداة تكنولوجية، وهو قلم تفاعلي كان قد اشتراه محمد مقابل 5 ملايين ريال إيراني خلال العام الماضي (2017)، 25 مليون ريال حالياً (576 دولاراً)، ليرتفع سعره 5 أضعاف.

وأثرت ارتفاعات مشابهة في الأسعار على سلعٍ أخرى، وخاصة تلك المستوردة من الخارج والتي تعتمد على سعر الدولار.

وبلغ سعر الريال الإيراني أدنى مستوى له، وتنسحب الشركات الأجنبية من إيران بوتيرةٍ متزايدة؛ لأنها تتخوف من الإجراءات الأميركية، التي ستجعل من الصعب على أشخاصٍ مثل محمد العثور على وظائف.

وهي المظاهر التي ردَّ عليها حسن روحاني، في مؤتمر صحافي له الأسبوع الماضي، بالقول إن الحكومة ليس لها أي دور في تدهور أسواق العملة، مشدداً على أن الحكومة "لَم تواجه نقصاً في الميزانية حتى ترفع أسعار الدولار". ونصح الإيرانيَّين بعدم المجازفة بدخول سوق العملة نتيجة تقلبات السوق الإيرانية، وأشار إلى عوامل غير اقتصادية وراء تقلبات سوق العملة، من دون تقديم تفاصيل.

ويقول محمد: "أودت كل هتافات (فلتسقط أميركا)، و(لتسقط إسرائيل) بنا إلى هذا العذاب. يفكر جميع الأشخاص حولي في الهجرة. إن الطريقة الوحيدة لخروجي من البلاد هي حصولي على تأشيرة سفر كطالبٍ، لكن التكلفة مرتفعةٌ، كما أنك لن تجد ميعاد مقابلة للحصول على تأشيرة السفر بسهولةٍ".

لكن روحاني يقول إنه استطاع خفض التضخم بشكل كبير السنوات القليلة الماضية

هذا ويدقُّ المتابعين ناقوس الخطر لبلدٍ يتجه صوب هاوية سياسية، واقتصادية؛ بل وبيئية، ويتخوف محللون من أن هذه التحذيرات تتعرض للتجاهل. ويقول صادق زيبا كلام، أستاذ السياسة في جامعة طهران، إن الوضع أصبح سيئاً إلى درجةٍ جعلت "الناس لا ترى ضوءاً في نهاية النفق".

وتابع: "بشكلٍ لم نره في أي وقتٍ مضى، بتنا نعاني الكثير من العذاب، والقلق، واليأس من مستقبل البلاد.حتى هذا المستوى من اليأس لم يكن موجوداً خلال سنوات حرب العراق-إيران. رغم كل المشكلات خلال الحرب، وترشيد الاستهلاك، كان هناك أملٌ؛ لأن الناس اعتقدت أن الحرب ستنتهي يوماً ما، لكن تبدو المشكلة حالياً كمَرَضٍ لا يُعالَج أبداً".

ويضيف: "ربما يصبح الوضع مثل العراق ونقايض النفط مقابل الغذاء. يقترب روحاني من المتشددين؛ فقد أصبح مثل فريق كرة القدم الذي خسر مباراته الأولى 3-0 ولم يعد لديه أمل في المباراة التالية. لقد أصبح شخصاً غير كفء".

مظاهرات ضد إنسحاب ترمب من الإتفاق النووي
مظاهرات ضد إنسحاب ترمب من الإتفاق النووي

ويقول زيبا كلام إن المجتمع الإيراني أدار ظهره لكل من المحافظين والإصلاحيين؛ إذ لم يعد الشعب يرى أي إمكانية للتصالح مع الولايات المتحدة.

ويعتقد أنه إذا ازداد -أو بالأحرى عندما يزداد- الوضع سوءاً سيصبح المتشددون أقوى، ما يعني أن "الجانب غير المنتخَب من مؤسسة الدولة سيتنزع مزيداً من السلطة".

وعلى الرغم من أنها تخوفات مشروعة بطبيعة الحال، فإن روحاني حاول تبديدها بكلمة ألقاها في أثناء لقاء كبار المسؤولين مع قائد الثورة الإسلامية، قائلاً: "بلا شك، إذا كان الجميع وراء  قائد الثورة، فبإمكاننا التغلب على المشكلات".

واعتبر روحاني أن حل مشكلة البطالة وتوفير فرص العمل بحاجة إلى عزيمة وطنية كبرى، وأوضح أنه يتعين إيجاد أكثر من 900 ألف فرصة عمل سنوياً؛ من أجل تحقيق خطة التنمية السادسة، مضيفاً: "من أجل توفير الوظائف، نحن بحاجة إلى الاستثمار، وإصلاح النظام المصرفي، وزيادة مهارات الشباب، وتطوير الشركات المعرفية".

لكن رغم حالة التفاؤل التي خلقتها الثورة، فالوضع ما زال يقلق الجميع

مهدت حالة التفاؤل، التي سادت في أعقاب الثورة الإيرانية وساعدت الناس على التعايش والخروج من الحرب العراقية-الإيرانية، الطريق لتأسيس دولة اليأس في ظل نضوب الموارد السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية للبلاد.

واصلت قيمة العملة الإيرانية تراجعها أمام الدولار منذ اندلاع الثورة الإسلامية عام 1979، عندما كان الدولار يشتري 70 ريالاً. وخلال الأسبوع الجاري، جرى تبادل الدولار مقابل 75 ألف ريال وسط طهران.

يقول أنصاري إن روحاني رفع سقف التوقعات عندما انتُخِبَ رئيساً للبلاد عام 2013، لكنه لم يتمكن من الوفاء بوعوده. ويتابع: "يسلط الجميع انتباههم على ترمب. أجل، إن ترمب مشكلة يواجهها روحاني، دعونا لا نقلل من شأن هذا الأمر، لكن المشكلة الحقيقية المسكوت عنها هي المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي".

ويضيف: "إن الأولوية الرئيسية لخامنئي هي الثورة الإسلامية وليست الجمهورية الإسلامية. ولطالما أيَّد خامنئي سياسة استعراض القوة. لكن، تأتي أوقات يجب أن نسأل فيها عن معنى هذا الأمر؟ استعرض الرئيس السوري، بشار الأسد، قوته في سوريا، لكن كيف كانت عواقب هذا الأمر بالنسبة له على المدى الطويل؟".

مظاهرات ضد روحاني في طهران
مظاهرات ضد روحاني في طهران

بالنسبة للإيرانيين العاديين، أصبح اليأس جلياً. يصف سام، وهو محاضر جامعي من مدينة شيراز الإيرانية، محنة إيران بأنها "كالسكين النافذ إلى العظام"، وهو مَثَل إيراني يعني "القشة التي قصمت ظهر البعير".

ويبدو ماتان، (25 عاماً)، وهو من مدينة أصفهان ويتقاضى 115 دولاراً شهرياً لقاء عمله في عيادة أسنان ويعيش مع والديه، أكثر تشاؤماً؛ إذ يقول: "نحن نسير صوب الهاوية مثل فنزويلا".

ومنذ أن أعلنت الولايات المتحدة، في مايو/أيار 2018، خروجها من الاتفاق الدولي حول البرنامج النووي الإيراني في 2015، وتشديد عقوباتها على الجمهورية الإسلامية- تكثف طهران الاتصالات الدبلوماسية على الساحة الدولية من أجل التصدي لتأثير هذه العقوبات خارج أراضيها.

وتم توقيع الاتفاق النووي في 14 يوليو/تموز 2015 بين إيران ومجموعة 5+1 (الصين والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا وألمانيا).

وحصلت إيران، بموجب الاتفاق، في مقابل التعهد بعدم امتلاك سلاح نووي وقبول مراقبة منشآتها النووية، على رفع تدريجي للعقوبات الاقتصادية الدولية، مع فتح آفاق جديدة للاستثمار لإعادة إنعاش الاقتصاد الإيراني.

علامات:
تحميل المزيد