بعد أيام من قمة دونالد ترمب وفلاديمير بوتين التي تعرضت لانتقادات شديدة، يواجه الرئيس الأميركي حملة جديدة؛ لتشكيكه في المبدأ الأساسي لحلف شمال الأطلسي، ولمهاجمته دولة مونتينيغرو "الصغيرة"، التي أثار انضمامها إلى الحلف غضب موسكو.
وجاءت تصريحات ترمب، التي وصفها سفير سابق للولايات المتحدة لدى الحلف الأطلسي، بأنها "هدية لبوتين"، في مقابلة مع شبكة "فوكس نيوز"، رداً على سؤال عن المادة الخامسة للدفاع المشترك داخل "الأطلسي" والتي تنص على أن الهجوم على أي دولة يُعتبر هجوماً على جميع الدول.
مونتينيغرو "قد تتسبب في حرب عالمية ثالثة"
وسأل المذيع تاكر كارلسون، ترمب، بقوله: "لو تعرضت مونتينيغرو لهجوم مثلاً، فلِم يتوجب على ابني أن يذهب إلى هذا البلد للدفاع عنها؟!".
وأجاب ترمب: "أتفهم ما تقوله، وطرحت السؤال نفسه". وأضاف أن "مونتينيغرو بلد صغير جداً يضم أناساً أقوياء جداً وعدوانيِّين جداً"، وصولاً للتلميح إلى أن هذه العدائية يمكن أن تشعل "حرباً عالمية ثالثة" إذا تولى الأعضاء الآخرون في الحلف الدفاع عن مونتينيغرو.
وأعلن الرئيس الأميركي، الخميس 19 يوليو/تموز 2018، أنه يتطلّع بفارغ الصبر إلى عقد "لقاء ثانٍ" مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مؤكداً أن قمتهما معاً في هلسنكي تكلّلت بالنجاح.
The Summit with Russia was a great success, except with the real enemy of the people, the Fake News Media. I look forward to our second meeting so that we can start implementing some of the many things discussed, including stopping terrorism, security for Israel, nuclear……..
— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) July 19, 2018
وقال ترمب في تغريدة على "تويتر"، إن "القمة مع روسيا حققت نجاحاً كبيراً، إلا بالنسبة إلى عدو الشعب الحقيقي؛ وسائل الإعلام الكاذبة"، بعد تعرُّضه لانتقادات حادة، حتى من الجمهوريين؛ بسبب تصريحاته التي اعتُبرت متهاونة تجاه روسيا. وأضاف ترمب: "أنتظر بفارغ الصبر لقاءنا الثاني؛ حتى نتمكن من البدء بتطبيق بعض الأمور التي تحدثنا عنها".
ما أغضب حكومة "الجبل الأسود" ودفعها للرد على ترمب
وردَّت مونتينيغرو بتأكيدها أنها "تسهم في الاستقرار والسلام، ليس في القارة الأوروبية وحدها؛ بل في العالم أجمع".
وفي بيان باللغتين المونتينيغرية والإنكليزية، دافعت حكومة الجبل الأسود عن تاريخها في "السياسة السلمية". وقالت إن البلاد "أسهمت في سلام واستقرار ليس فقط القارة الاوروبية؛ بل العالم أجمع"، وتعمل إلى "جانب القوات الأميركية في أفغانستان".
وأضافت أنها لعبت دور "قوة الاستقرار" في المنطقة التي شهدت حروباً خلال تفكك يوغوسلافيا السابقة في تسعينيات القرن الماضي.
وكانت مونتينيغرو أحد بلدين يوغوسلافيَّين سابقَين وحيدين لم يتسبب قرارهما الخروج من الاتحاد في حرب، رغم أن جنودها قاتلوا في إطار الجيش اليوغوسلافي ضد حرب الاستقلال الكرواتية في التسعينيات. والدولة الثانية هي مقدونيا. وأكد البيان أن التحالف مع الولايات المتحدة لا يزال "قوياً ودائماً".
وانضمت مونتينيغرو، الجمهورية اليوغوسلافية السابقة البالغ عدد سكانها 630 ألف نسمة، إلى حلف شمال الأطلسي العام الماضي (2017)، لتصبح العضو الـ29 فيه. ولا يتعدى تعداد جيشها 2000 جندي.
خاصة أن ما فعله ترمب يصبُّ في مصلحة موسكو
والمرة الأولى التي تم فيها تفعيل المادة الخامسة من ميثاق حلف الأطلسي، كانت من جانب الولايات المتحدة بعد اعتداءات 11 سبتمبر/أيلول.
وكتب نيكولاس بيرنز، الذي كان سفير الولايات المتحدة لدى الحلف بعد 11 سبتمبر/أيلول 2001، على "تويتر"، أن "ترمب يثير الشكوك مجدداً حول ما إذا كانت الولايات المتحدة، في ظل رئاسته، ستساعد حلفاءنا. إنها هدية أخرى لبوتين".
أما السيناتور الجمهوري جون ماكين، الذي وصف قمة برمب مع بوتين في هلسنكي، الإثنين 16 يوليو/تموز 2018، بأنها "غلطة مأساوية"، فقال إن ما يفعله ترمب "يصب تماماً في مصلحة كل يريده بوتين".
وأضاف أن "شعب مونتينيغرو قاوم بشجاعةٍ، الضغط الذي مارسته روسيا (برئاسة) بوتين ليتبنى الديمقراطية"، و"مجلس الشيوخ صوَّت (بغالبية) 97 مقابل 2 دعماً لانضمامها (مونتينيغرو) إلى الحلف الأطلسي".
غير أن المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، هيذر ناورت، رفضت التعليق مباشرة على تصريحات ترمب، قائلة إن الرئيس "أكد من جديد الأسبوع الماضي، التزامنا القوي بالدفاع الجماعي داخل حلف الأطلسي".
وشددت على أن البيان الذي صدر في ختام قمة بروكسل "ينص بوضوح على أن أي هجوم ضد حليف سيُعتبر هجوماً على الجميع".
وهو ما سبَّب لها مشاكل مع "عدو الحلف الأول" روسيا
تدهورت العلاقات بين مونتينيغرو وروسيا في السنوات الأخيرة، مع توجه الدولة الصغيرة للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي. وتأمل مونتينيغرو الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وهي الخطوة التي ستُغضب بوتين، الذي يرى أن الغرب يسعى للتمدّد إلى حدود روسيا.
واتُّهمت موسكو بالتدخل في انتخابات مونتينيغرو وفي الانقلاب الفاشل في 2016، الذي يُشتبه في أن موالين لروسيا يقفون وراءه.
وانتقد رئيس مجلس العلاقات الخارجية بالولايات المتحدة الأميركية، ريتشارد هاس، بدوره، تصريحات ترمب، وقال في تغريدة على "تويتر": "لم يكتفِ الرئيس بالانتقاد الحاد لمونتينيغرو؛ بل إنه يجعل التزام الولايات المتحدة بحلف شمال الأطلسي مشروطاً، ويوضح استياءه من المادة الخامسة والأمن المشترك، الذي يعتبر جوهر التحالف".
ولم يتضح لماذا وصف ترمب شعب مونتينيغرو بأنه "عدواني جداً" رغم أن جيش البلاد صغير جداً.
ونشر على الإنترنت مقطع فيديو التُقط خلال القمة السابقة للحلف الأطلسي، يظهر فيه ترمب وهو يزيح رئيس وزراء مونتينيغرو من مكانه بخشونةٍ في أثناء التقاط صورة تذكارية.
ويقول الباحث في معهد "ليبريتاريان كاتو"، دوغ باندو، إن تصريحات ترمب تعكس -على الأرجح- غضبه من الحلف الاطلسي أكثر مما تعكس مخاوف روسية بشأن مونتينيغرو.
وكان ترمب أعرب مراراً عن غضبه من الحلف، واتهم أعضاءه بأنهم لا يقدِّمون التمويل الكافي لجيوشهم المشاركة في الحلف، ويعتمدون بشكل مفرط على الولايات المتحدة.
مع العلم أن التحاق الجمهورية "الصغيرة" بالناتو تم في عهد ترمب
ويضيف باندو: "لا أفهم فكرة أن شعب مونتينيغرو عدواني إلى درجة أنه بجيشه، الذي لا يتجاوز 2000 جندي، يمكن أن يطلق حرباً عالمية ثالثة".
ويشير إلى أن مونتينيغرو انضمت إلى حلف شمال الأطلسي خلال رئاسة ترمب، قائلاً: "هذا الرئيس سمح لذلك بأن يحدث العام الماضي (2017). فإذا كان سمح بذلك فلِم يشتكِ الآن؟!".
ويشير المستشار في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات جون هانا، الذي كان مستشاراً أمنياً لنائب الرئيس الأميركي ديك تشيني، إلى أن ترمب ينتقد الحلف الأطلسي بسبب تعدد الأطراف فيه.
ويقول إن فكرة أن بلداً صغيراً، مثل مونتينيغرو، "يمكن أن يفعل شيئاً من شأنه إغضاب أو إزعاج قوة عظمى جارة مثل روسيا، وجرّ الولايات المتحدة تلقائياً إلى حرب كبيرة، يتعارض مع كل أفكار ترمب. فهذه ليست (أميركا أولاً) بالنسبة له؛ بل العكس. إنها الولايات المتحدة تتعرض للخداع".
اقرأ أيضا
وَصَف شعبها بـ"شديد العدوانية".. ترمب: إذا غضبت هذه الدولة فهنيئاً لكم بالحرب العالمية الثالثة