بينما يتواصل “نزيف” الحكومة في تونس بانسحاب أحزاب جديدة، الأطراف الدولية الداعمة تؤيد الشاهد، فهل تُنقذه؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/07/18 الساعة 14:52 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/07/18 الساعة 15:07 بتوقيت غرينتش
Tunisia's Prime Minister Youssef Chahed speaks at the Assembly of People's Representatives in Tunis, Tunisia September 11, 2017. REUTERS/Zoubeir Souissi

خلال الأسبوع الماضي، عبر ثمانية من الأطراف الدولية الداعمة لتونس، ومن بينها الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، عن تأييدهم للحكومة، وذلك بالتزامن مع تزايد الانتقادات والتململ من مختلف الإجراءات التقشفية التي تم اتخاذها، والتي وصلت حد مطالبة رئيس الحكومة يوسف الشهاد بتقديم استقالته.

وفي هذا السياق، قالت إحدى الجهات، في تقرير نشرته صحيفة Les Echos الفرنسية "نحن مستعدون بصفتنا أطرافاً مانحة لمواصلة دعم هذه الجهود، ولكن هناك إصلاحات أخرى من الضروري القيام بها".

إجراءات مفروضة "لخدمة المواطنين التونسيين"

بالنسبة لهذه الجهات المانحة، فإن "الإجراءات التي تم فرضها لا تهدف لإرضاء الجهات الأجنبية، بل خدمة المواطنين التونسيين"، وذلك بحسب ما أعلنه المفوض الأوروبي لشؤون الجوار ومحادثات الانضمام، يوهانس هان، الذي ترأس الوفد الذي زار تونس.

أكد هان أن "هدف هذه الجهات هو تصدير الاستقرار إلى تونس"، رداً على الانتقادات الحادة التي تتعرَّض لها هذه الجهات، على خلفية فرضها إجراءات تقشفية مثل رفع الضرائب، وخفض قيمة الدينار التونسي، والحد من حجم الإنفاق العمومي.

الوضع الاجتماعي متأزم
الوضع الاجتماعي متأزم

وخلال الفترة الممتدة بين سنة 2011 و2018، منحت المؤسسات المالية الدولية تونس قروضاً تصل قيمتها الإجمالية إلى عشرة مليارات يورو، وكانت نتائج هذه المساعدات متضاربة.

لكن كل المؤشرات تؤكد أن التونسي يعاني

بعد سبع سنوات من اندلاع الثورة، نجحت تونس في استعادة معدل نمو اقتصادي إيجابي سنة 2017، ولكن المناخ الاجتماعي لا يزال متوتراً، وما زاد الطين بلة تواصل ارتفاع معدلات تضخم الأسعار. ومن المنتظر أن تبلغ نسبة التضخم سنة 2018 حوالي 8%، إلى جانب بقاء نسبة البطالة مرتفعة عند مستوى 15%، وهي متفشية بشكل خاص بين صفوف الشباب بنسبة 30%.

يتوقع صندوق النقد الدولي أن تُحقق تونس نمواً اقتصادياً بمعدل يناهز 2.4% سنة 2018، إلا أن يوسف الشاهد الذي يترأس حكومة الوحدة الوطنية منذ سنة 2016، بدعم من حركة النهضة، يتعرَّض لانتقادات علنية ومتزايدة.

ما دفع الأحزاب السياسية الموجودة بالحكومة للمطالبة بإقالة الشاهد

فمنذ ثلاثة أشهر، أعلنت بعض الأحزاب السياسية، من بينها شِق من حزب نداء تونس الحاكم، إلى جانب الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي يمثل مركزية نقابية ذات وزن، عن مطالبتهم برحيل الشاهد، بدعوى فشله في حلِّ المشاكل الاقتصادية.

ومن أبرز خصوم الشاهد حافظ قائد السبسي، ابن رئيس الدولة، والشخصية رقم واحد في حزب نداء تونس، الذي يطالب أعضاؤه برحيل ابن الرئيس عن زعامة الحزب.

كما وصف القيادي بحركة نداء تونس خالد شوكات، الأربعاء 18 يوليو/تموز 2018، حكومة يوسف الشاهـد بـ"أفشل حكومة في تاريخ تونس". وقال شوكات خلال استضافته بأحد البرامج الإذاعية التونسية: "هذه أفشل حكومة في تاريخ تونس منذ عهد علّيسة، على جميع المستويات والمؤشرات"، ودعا يوسف الشاهد إلى الاستقالة أو التوجّه إلى البرلمان لتجديد طلب الثقة، مضيفاً: "فليذهب الشاهد إلى البرلمان ويطلب تجديد الثقة، وإذا نجح في مسعاه فسيُكمّم جميع الأفواه".

وعبَّر عن استغرابه من تشبُّث رئيس الحكومة بالحكم، رغم أنَّ الحزب الذي عيَّنه بهذا المنصب طلب منه الانسحاب، وترك مكانه لغيره بسبب فشله في مهمَّته.

إلا أن الجهات الدولية المانحة كان لها رأي آخر

في ظلِّ هذه الظروف، أتى دعم الأطراف الدولية المانحة في وقت مناسب جداً بالنسبة ليوسف الشاهد، الذي يعول أيضاً على مساندة وزرائه، حتى المستقيلين منهم.

أعلن مهدي بن غربية، الذي كان مكلفاً بحقيبة وزارة حقوق الإنسان، عن دعمه لرئيس الحكومة، حيث قال في بيان نشره مؤخراً: "منذ أشهر، وعلى الرغم من أنه كان من المفترض أن تتمحور النقاشات السياسية حول الإصلاحات الاقتصادية، إلا أن البعض كانوا لا يتحدثون إلا عن تغيير الحكومة، كما لو أن كل مشاكل البلاد سببها رئيس الحكومة، مع العلم أنه الشخص السابع الذي يشغل هذا المنصب منذ سنة 2011. للأسف، هذا التعامل ليس جدياً، وهو لن ينفع البلاد في شيء، هذه إضاعة للوقت".

رئيس الحكومة يوسف الشاهد رفقة الرئيس الباجي قائد السبسي
رئيس الحكومة يوسف الشاهد رفقة الرئيس الباجي قائد السبسي

من جهته قال النائب عن حركة النهضة عبداللطيف المكي: "إنه تمّ اجتزاء كلام الرئيس التونسيّ الباجي قايد السبسي، بشأن طلب استقالة الشاهد"، مشيراً إلى أنَّ "الرئيس ضمنياً مع استمرار الحكومة مع بعض تغيير في الفريق الحكومي".

وأكَّد المكي "أنَّ الرئيس التونسي قال أولاً، إن على الحكومة توحيد الموقف السياسي، وفي حال فشلها يمكن اللجوء إلى طرح الثقة، معتبراً أنَّ "الشاهد لن يترشَّح لرئاسة الجمهورية في حال ترشّح السبسي، ولا خوف من احتمال كهذا".

المكي شدَّد على أن "النهضة ليست وحدها المساندة للشاهد، العديد من القوى السياسية المشاركة في حوار قرطاج معها، حتى إن موقف نداء تونس ليس موحَّداً في مطلب استقالة رئيس الحكومة وطرح الثقة".

وأضاف: "نحن في النهضة تبنَّينا خطاً سياسياً يحول دون الاصطدام الداخلي، جاء على حساب الأجندة التنموية، ونشارك في الحكم، لكننا لسنا من يقود الحكم، معتبراً أنه لا انفراط للعقد بين النهضة والنداء، والجميع مقتنعون بالائتلاف من أجل إنجاح التجربة الانتقالية"، مضيفاً: "لو كان الرئيس مصرّاً على استقالة الحكومة لاستعمل حقَّه الدستوري في إقالتها".

غير أن الضربات لـ"حكومة الشاهد" لم تتوقف

فقد أعلن حزب "المسار الديمقراطي الاجتماعي" التونسي، الأربعاء 18 يوليو/تموز 2018، انسحابه من حكومة يوسف الشاهد، في تطوُّر لافت قد يزيد من تعميق جراح حكومة الشاهد، التي تواجه بدورها وضعاً حرجاً، بحسب مراقبين.

وأكّد حزب المسار الديمقراطي الاجتماعي،  في بيان له، أنه أصبح غير معنيٍّ بمستقبل حكومة الشاهد وبسياساتها وتوجُّهاتها، وبكل ما يشوبها من تجاذبات وصراعات لا تمتّ للمصلحة الوطنية بصلة.

 وأشار إلى أنّه تنفيذاً لقرارات المجلس المركزي للحزب، سيوقّع سمير الطيب على تجميد مسؤوليته كأمين عام للحزب، ما دام محتملاً لمسؤولية في حكومة الشاهد كوزير للفلاحة.

وتعليقاً على هذا القرار، أكد مراقبون أن انسحاب الحزب يوجّه ضربة جديدة لحكومة الشاهد، التي تواجه وضعاً دقيقاً وحرجاً، بسبب حالة الاحتقان الاجتماعي، وفشلها في إيجاد حلول للوضع الاقتصادي المتردّي.

إزاء ذلك، قال المحلل السياسي هشام الحجي لـ"إرم نيوز"، إن "حكومة الشاهد أصبحت في وضع حرج، بعد أن حاصرتها الأزمات، وبعد أن تصاعدت الدعوات إلى إقالتها بسبب فشلها في تحقيق الأهداف المرجوَّة، وبعد أن تحوَّلت إلى مشكلة بدل أن تكون هي الحلّ، في ضوء الجدل المتصاعد حول مصير حكومة الشاهد واتّهامها بالفشل في إنقاذ الوضع الاقتصادي.


اقرأ أيضا

نجل السبسي في مواجهة الشاهد.. صراعات سياسية مستعرة بتونس مع اقتراب انتخابات الرئاسة المقررة في 2019

نهاية "النداء" كما نعرفه.. كيف يبدو مستقبل الحزب الحاكم في تونس؟

علامات:
تحميل المزيد