ربما تكون الحرب السورية قد أوشكت على الانتهاء، لكنَّ معاناة اللاجئين بدأت الآن.. الرجال مجبرون على التجنيد والنساء تحت رحمة “الشبيحة”

عربي بوست
تم النشر: 2018/07/17 الساعة 18:42 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/07/17 الساعة 18:42 بتوقيت غرينتش
Syrian refugees prepare to return to Syria from the Lebanese border town of Arsal, Lebanon June 28, 2018. REUTERS/Mohamed Azakir

تبدو الأجواء محمومة في نقطة التفتيش العسكرية هنا. تجمع مئاتٌ من اللاجئين السوريين مع بداية نشر الشمس لنورها في الأفق. وامتلأ المكان بجنود الجيش اللبناني، مستمرين في نوبات الحراسة، نظراً إلى أنَّ عشرات العائلات السورية، التي أُخبرت في اليوم السابق أنَّها ستغادر، كانت تحزم أمتعتها المتواضعة وتضعها في المركبات وتتأهب لرحلة العودة إلى سوريا، بلادهم التي فرُّوا منها قبل سنواتٍ في أعقاب ثورة تحولت إلى حمام دماء.

ومع مرور الصباح وارتفاع الشمس المشرقة في السماء، ينشغل العاملون في الصليب الأحمر خلال هذا الجو الحار. تستمر عقارب الساعة في دوراتها، وتسحب الجميع إلى ما بعد الظهيرة. يمسي الأطفال غير مرتاحين ويبدأون في البكاء. وتتوجع الجدات ويضبطن حجابهن المبلل. وبالرغم من درجات الحرارة المزعجة والتأخير، يبدو أنَّ قليلاً جداً من اللاجئين يشتكون، فهؤلاء الناس ليسوا غرباء على الانتظار، بحسب ما نقله تقرير لموقع The Daily Beast الأميركي.

معاناة اللاجئين السوريين تنطلق حتى قبل عودتهم من لبنان
معاناة اللاجئين السوريين تنطلق حتى قبل عودتهم من لبنان

ويوضح التقرير أنه عندما سُئلوا عن الشعور الذي ينتابهم حول الرحلة، بدا كثيرٌ من السوريين متوترين وغير مقبلين على تقديم ردود، على الأقل ليس على مسمعٍ من جنود الجيش اللبناني.

العودة إلى المجهول.. "شكراً لبنان"!

عندما يجيب اللاجئون عن مثل هذه الأسئلة، تبدو بعض الإجابات مكررة ومحفوظة كأنَّهم قد تدرَّبوا عليها. قالت امرأةٌ في منتصف العمر وعيناها إلى الأرض: "نحن سعداء جداً لأنَّنا ذاهبون إلى الوطن. اللبنانيون كانوا جيدين معنا". وعلى مسافةٍ قصيرة من الحشد، شرع في ترديد نفس الحديث رجلٌ ذو شعرٍ رمادي يبدو في الستينيات من العمر، ويرتدي غترة عليها مربعات مختلفة الألوان. بدأ الرجل حديثه وهو يضغط على أسنانه: "بكل تأكيد أنا سعيد. دائماً يكون المرء سعيداً بالعودة إلى وطنه".

ينكسر صوته فجأةً. ويشيح بوجهه بعيداً، وتغرورق عيناه بالدموع. يقول الرجل في أسى: "آمل أن أجد منزلي لا يزال قائماً عندما أعود إلى هناك، لكنَّنا لا نعرف أي شيء عما نحن عائدون إليه. الله وحده يعلم. إذا كُتِبَ لنا الموت، سنموت، لكنَّه أفضل من البقاء هنا".

ثم فجأة، تبدأ الهجرة الجماعية. شاحنات، وعربات نقل، وحافلات تمر عبر السلك الشائك، وتتمايل بجميع الممتلكات التي حاول مالكوها الإبقاء عليها بعد أن هربوا من حربٍ وعاشوا في بؤسٍ لأعوامٍ عديدة في أرضٍ غير ودودة بدرجةٍ كبيرة. والآن يعودون أخيراً إلى بلادهم، أو أيما يكون ما تبقى منها بعد سبع سنوات من صراعٍ لا يتوقف تقريباً.

لكن العودة ليست متاحة للجميع.. على الأقل الآن

يدور عشراتٌ من الجنود هنا وهناك، ويصيحون ويلوحون لهم أثناء المرور. وأوقف الجنود رجلاً عجوزاً فوق جرار كبير متهالك مُحمَّل بمراتب أسرة وحقائب جانباً، من أجل بعض الفحص غير المبرر وقليلٍ من الإذلال. ثم ذهب أكثر من 400 منهم، وابتلعتهم سحابة الغبار التي يُحدثها سير المركبات.

الكثير من السوريين يفضلون العودة على البقاء بالمخيمات
الكثير من السوريين يفضلون العودة على البقاء بالمخيمات

لكن ما يقرب من 4 آلاف آخرين سجلوا بالفعل أسماءهم للنظر فيها وتم ضمّهم إلى هذه المجموعة من أجل العودة. يجمعون أغلبهم أشياءهم ويعودون إلى خيامهم المشتعلة من الحرارة، أو غرفهم نصف المشطبة في خيبة أمل انتظاراً للمرة القادمة.

ويبدو واضحاً الآن أنَّ الرئيس السوري بشار الأسد الذي استعاد للتو مدينة درعا، آخر معقل رئيسي للمعارضة، ومهد الثورة السورية المشؤومة، سوف يحافظ على سيطرته على معظم أجزاء البلاد، ويتوق إلى إظهار أنَّ هذا الانتصار تامٌ بما يكفي لعودة اللاجئين إلى المناطق التي يُحكِم الآن سيطرته عليها.

تحمل عودة اللاجئين رمزيةً مفيدة للروس أيضاً، إذ تبرزهم في موضع من ساعد في استعادة نوعٍ من السلام. وإذا عقد الرئيس الأميركي دونالد ترمب صفقةً مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مثلما يتوقع كثيرون، فيمكن أن تتخلى الولايات المتحدة عن حلفاء أميركا السابقين في سوريا، أيما يكون المصير الذي ينتظرهم من الأسد. ولكن إذا كان اللاجئون يعودون إلى البلاد، فيمكن استخدام ذلك لتأييد الجدال القائل إنَّ الموقف الأمني ليس بتلك الدرجة من السوء.

رغم أن الساسة بلبنان طالبوا بإعادة اللاجئين

لم تلقَ أمنيات الأسد بعودة اللاجئين آذاناً صمّاء في لبنان. إذ تُسمَع نداءات ترتفع أصواتها بين الأحزاب السياسية اللبنانية المتفقة مع النظام من أجل إرسال اللاجئين السوريين إلى البلد الذي فرّوا منه. ففي يوم الخميس 12 يوليو/تموز، أعلن جبران باسيل، وزير الخارجية اللبناني ورئيس التيار الوطني الحر، وهو واحد من الأحزاب الكثيرة التي تتصارع على قيادة البلاد، أنَّ التيار الوطني الحر سوف يفتتح لجنةً لتسهيل عودة اللاجئين إلى سوريا.

وقال باسيل في الإعلان: "قضيتنا الرئيسية هي الحفاظ على الهوية (اللبنانية). لا نريد أن يحدث مع السوريين ما حدث مع الفلسطينيين".

وطاردت الحرب السورية ما يقرب من مليوني لاجئ إضافي إلى لبنان، ولكن لا يعرف أي شخص العدد الدقيق للسوريين الذين لا يزالون باقين. وطلبت الحكومة اللبنانية من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في عام 2015 التوقف عن تسجيل اللاجئين هناك.

وأثارت الأزمة موجةً متصاعدةً من الخطابات المناهضة للاجئين بين ساسةٍ مثل باسيل، الذي يجادل بأنَّ بلداً صغيراً يضم ستة ملايين نسمة لا يمكنه بعد الآن دعم مثل هذا الحجم الكبير من السكان النازحين.

فاللاجئون السوريون "أنهكوا الاقتصاد"

صحيحٌ أنَّ الاقتصاد اللبناني يترنح على حافة أزمة منذ سنوات؛ لكنَّ الأمر ينطبق أيضاً على التحالفات السياسية والطائفية المتزعزعة والمتحولة باستمرار، التي بالكاد تدعم الحكومة. أدى تدفق اللاجئين أيضاً إلى زيادة حجم الإنفاق في المناطق الريفية، فضلاً عن وفرة المساعدات التي تأتي من المنظمات الإنسانية، لذا فليس من الواضح معرفة مدى التأثير الدقيق للاجئين على الاقتصاد المضطرب للبلاد.

بالرغم من أنَّ السوريين يجهدون البنية التحتية اللبنانية بكل تأكيد، تحظر لبنان تأسيس المخيمات الدائمة، لذا فإنَّ الجزء الأكبر من مسؤولية الإيواء وتوفير الخدمات آل إلى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. ويمكن رؤية شعار المفوضية على الخيام التي تَغيَّر لونها بفعل الشمس، داخل عددٍ لا يُحصى من مخيمات اللاجئين المنتشرة في البلاد.

توفر المفوضية الإيواء، والمدارس، وإمدادات الطعام، والرعاية الطبية، والمساعدات الإنسانية الأخرى إلى السوريين منذ سبعة أعوام، وليس فقط في لبنان، بل في تركيا والأردن أيضاً، وهما البلدان اللذان يكافحان من أجل التعايش مع أزمات اللاجئين لديهما. لكنَّ خزائن الأمم المتحدة ليست غير قابلة للنفاد.

عشرات اللاجئين يغادرون لبنان كل يوم
عشرات اللاجئين يغادرون لبنان كل يوم

ففي شهر مايو/أيار، أعلنت المنظمة الدولية أنَّ "فجوةً خطيرة" في حجم تمويل اللاجئين السوريين والمجتمعات التي تستضيفهم قد تؤدي إلى خفضٍ كبير في الخدمات المهمة. إذ إنَّ الرعاية الصحية المقدمة لمرضى الغسيل الكلوي من اللاجئين السوريين في لبنان تواجه خطر تقليل تمويلاتها، فضلاً عن أنَّ مزيداً من خفض التمويل يبدو وشيكاً.

مع العلم أنهم يعيشون بؤساً لا مثيل له

ونظراً لمدى البؤس الذي صارت عليه ظروف الأشخاص الموجودين في الدول المستضيفة من جيران سوريا، تحذر مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من تكرار هجرةٍ جماعية من النوع المشهود في عام 2015، عندما فرَّ أكثر من مليون شخص إلى أوروبا بعد خفض التمويلات.

دفعت تلك الأزمة عدداً لا يُحصى من اللاجئين للجوء إلى المهربين، لنقلهم إلى أوروبا في قوارب، وهي رحلة صعبة ومحفوفة بالمخاطر أُولِي لها اهتمامٌ كبير لم يدُم طويلاً في أعقاب صورة الطفل آلان كردي، البالغ من العمر ثلاثة أعوام بهيئة جسده الواهن الصغير ملقى على الشاطئ. ومنذ أن انتشرت تلك الصورة، فَقَد أكثر من 8500 سوري حياتهم أثناء محاولتهم عبور البحر المتوسط، ولم يلق موتهم مزيداً من الاهتمام.  

وحتى الدول الأوروبية بدأت برفضهم

لكن أي لاجئ لديه ما يكفي من الجرأة أو البؤس لاختيار هذا الطريق، سوف يجد أنَّ البيئة التي تنتظره قد تغيَّرت تغييراً جذرياً منذ عام 2015. ففي يونيو/حزيران، أيَّد الاتحاد الأوروبي رسمياً سياسة الحكومة الشعبوية الإيطالية، وأدان قوارب الإنقاذ التي تحاول التقاط اللاجئين الذين يغرقون في البحر، وهو جزء ضمن تحولٍ متشدد في خطاب الغرب وسياسته تجاه الأزمة السورية.

وتخفِّض الدول الأوروبية وكذلك كندا بسرعة كبيرة عدد اللاجئين الذين يُمنحون حق اللجوء على أراضي هذه البلاد. أما الولايات المتحدة في ظل إدارة ترمب فهي لم تستقبل سوى أقل من 50 لاجئاً منذ شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي. يترك هذا البلاد التي تطغى عليها آثار الأزمة، مثل لبنان، لتحمل على عاتقها مثل هذا العدد الهائل من اللاجئين، مما يؤدي إلى تزعزع الاقتصاد واستياءٍ يجري التعبير عنه عبر حالةٍ من رهاب الأجانب، وهو ما يثير خطاباتٍ محمومة تطالب بعودتهم إلى بلادهم.

دون مراعاة للوضع "الخطير" في سوريا

وجادلت المنظمات غير الحكومية التي تقدم مساعداتٍ إلى اللاجئين بأنَّ الظروف في سوريا ليست آمنةً بما يكفي لعودتهم، ليس فقط لأنَّ القتال لا يزال مستمراً هناك، بل أيضاً نتيجةً لوحشية النظام. إذ إنَّ كثيراً من التقارير تشير إلى أنَّ السوريين الذين يعودون إلى البلاد يتعرضون للتعذيب، والسجن، والقتل، وهو ما يتسق مع نموذج من الفظائع التي رعاها النظام خلال الحرب وقبلها.

وقال بسام خواجا، وهو باحث متخصص في شؤون لبنان في قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمنظمة هيومن رايتس ووتش: "لم نصل بعد إلى نقطةٍ يمكن فيها أن يكون لديك حركات عودة منظمة وواسعة النطاق، والسبب ببساطة أنَّ الظروف ليست مواتية. لا شك أنَّه لا تزال هناك حالة عامة مستمرة من العنف، لكنَّنا أيضاً كنا نوثّق (منذ فترةٍ طويلة) أدلةً على وجود تعذيبٍ جماعي من النظام السوري، واستهداف اللاجئين، وبرامج الاعتقال الجماعي. ونرى قوائم مسربة لعددٍ كبير من الناس المطلوبين من جانب النظام، ولذا ففي ظل ذلك الموقف يصعب جداً المجادلة بأنَّ سوريا آمنة في الواقع من أجل عودة الناس إليها".

ومستقبلهم بعد العودة مجهول

يبدو مبهماً للغاية أيضاً ما إذا كان اللاجئون العائدون سوف يمتلكون منازل حتى ليعيشوا فيها فور عودتهم. فقد دُمرت مناطق كثيرة من سوريا بسبب القصف المستمر منذ سبعة أعوام، وإذا كانت هناك فرصة لأن تكون منازلهم أو شققهم ما زالت على حالتها دون ضرر، فإنَّ استعادة اللاجئين لها تبدو عمليةً محفوفة بالشك بدرجةٍ كبيرة.

البحث عن المنزل أكثر ما يؤرق اللاجئين
البحث عن المنزل أكثر ما يؤرق اللاجئين

ففي شهر أبريل/نيسان، مرّرت الحكومة السورية قانوناً طالب السوريين النازحين بالعودة من أجل استعادة منازلهم بصورةٍ شخصية، في مطلع مايو/أيار، أو قد يواجهون خطر مصادرتها ونقل ملكيتها إلى الدولة، وهو أحد التدابير التي يُنظر إليها على نطاقٍ كبير على أنَّها محاولة لتغيير التركيبة السكانية لصالح النظام.

ينتمي أغلب اللاجئين إلى السُّنَّة، فيما تنتمي حكومة الأسد إلى الطائفة العلوية، لذا يبرز عنصرٌ طائفي في آفاق هذه المناورات القانونية. ويقول النقاد إنَّها محاولة ماكرة لتجريد المعارضين السياسيين للأسد من ممتلكاتهم وإعادة تسكين المناطق الحيوية بالموالين له.

وتقول آلاء باري، الباحثة بمعهد تشاتام هاوس، وهي مؤسسة فكرية في لندن، إن "كثيراً من اللاجئين الذين فرّوا من البلاد فقدوا أوراقهم، بما في ذلك وثائق ملكية ممتلكاتهم. وينص القانون رقم 10 على مصادرة ممتلكات هؤلاء غير القادرين على إثبات حقهم في تملكها، ومن ثم فإنَّ هؤلاء العائدين من لبنان مؤخراً قد يواجهون خطر النزوح الداخلي…".

فالرجال مجبرون على التجنيد بالجيش السوري

جرى التفاوض على حركات العودة الأخيرة من عرسال مع حالة مؤكدة من الغموض، بل وبشروطٍ مقلقة. كانت المطالبات الأولى للنظام بأن يُستَجوَب اللاجئون العائدون إلى البلاد، وتعالج أوضاعهم عن طريق الاستخبارات السورية. ويُجبَر أغلب الرجال الذين تقل أعمارهم عن 45 عاماً على التجنيد في الجيش السوري، بغض النظر عما إذا كانوا بالفعل قد أنهوا خدمتهم العسكرية قبل الفرار من البلاد أم لا.

وفور وصولهم إلى سوريا، يَستقبل اللاجئين الجيش السوري، الذي يأخذهم في الحال إلى البلديات المحلية كي يدفعوا مصروفات جميع الخدمات التي توجَّب عليهم أن يدفعوها خلال سنوات غيابهم. ثم يُفتَرَض أن يمروا عبر عمليةٍ محيرة من محاولة استعادة منازلهم أو شققهم وتسجيلها، وهو ما يحمل خطورةً، خاصةً في ظل القانون الذي مُرِّرَ في أبريل/نيسان الماضي.

والنساء في مواجهة "الشبيحة"

لكنَّ عديداً من السوريين يرون أنَّ الذعر الذي ينتظرهم في سوريا يفوقه البؤس الذي شهدته حياتهم في لبنان. وفي أحد مخيمات عرسال، يجلس خالد، الذي غيّر اسمه خوفاً من اضطهاد النظام، جلسة القرفصاء في غرفة إسمنتية صغيرة ذات أغطية تبطن الأرضية. يُسجل سائق الشاحنات السابق ذو البنية القوية والبالغ من العمر 36 عاماً اسمه في القائمة، ليُنظر في عودته إلى سوريا، بالرغم من معرفته أنَّه بكل تأكيد سوف يُجبر على التجنيد في الجيش السوري عندما يعود.

يمكن أن يؤدي ذلك إلى ترك زوجته وبناته الثلاث وحدهن لمجابهة مخاطر مثل الشبيحة، وهي عصابات سيئة السمعة موالية للأسد، تشتهر بارتكابها أعمال عنفٍ جنسي، ويُقال إنهم كانوا يرهبون اللاجئين فور عودتهم.  

يقول خالد: "إذا كنت أريد العيش هنا، فأنا لا أستطيع أن أعمل". تبدو عيناه محمرةً ومرهقة. ويضيف: "إنَّني سجين في هذه الخيمة. لا يمكنني أن أفعل شيئاً. يمكنني بالكاد أن أُطعم أطفالي. إنَّها ظروف لا يمكن تحملها. لا يمكن لأي شخص أن يحيا هكذا. ولا أستطيع الحصول على عودةٍ آمنة إلى سوريا، ولكن ما الذي يمكنني أن أفعله؟ إنَّه كابوسٌ حي. ما زلتُ لا أفهم كيف انتهى بي الحال في هذا الموقف. أشعر أنَّه حلم".  

ما يجعل مصطلح "العودة الاختيارية" مشكوكاً فيه

بالرغم من أنَّ الحكومة اللبنانية تحمّلت غصةً في حلقها لتصف موجات العودة الأخيرة بأنَّها "اختيارية"، يقول خبراء إنَّ ثمة منطقة رمادية فيما يتعلق بهذا المصطلح. فبينما كان موقف السوريين في لبنان رهيباً لأعوامٍ طويلة، صار هذا الموقف أسوأ بكثير في الأشهر الأخيرة. إذ تزيد حالات الاعتقال والاحتجاز التعسفي ضد السوريين.

إضافةً إلى أن أصحاب الأراضي ذات الملكية الخاصة في لبنان رفعوا أسعار الإيجار للاجئين مؤخراً، وبمساعدة البلديات المحلية، ونفذوا عمليات إجلاء جماعية من المخيمات التي لم يستطع ساكنوها دفع إيجارها. وفي واقع الأمر، يقع المخيم الذي يعيش فيه خالد على حافة خطر الهدم وإجلاء مئات السوريين الذين يعيشون هناك، إذا لم يتمكنوا من جمع أربعة آلاف دولار بينهم مع نهاية الشهر.

وتقول امرأة هناك اسمها سعاد، كانت ترتدي حجاباً أسود، وتحمل ابتسامتها لمحاتٍ من الصلابة، إنَّ الضغط تزايد على اللاجئين كي يرحلوا.

قد تضطر للانتظار لأيام لتغادر الحدود
قد تضطر للانتظار لأيام لتغادر الحدود

وتوضح: "في الشهر الماضي أرادوا تدمير أربعةٍ من مخيماتنا في عرسال، لكنَّ وزير الداخلية أوقف الأمر. يريدون أن نغادر هذه الغرف ذات الجدران، وأن ينقلونا إلى خيام. لا يمكننا أن نعيش في خيام. ففي الشتاء سوف يغمرها الماء. وذلك جزء من الضغط الذي يضعونه علينا"

يمكن أن يكون السبب في هذا أنَّ الحكومة اللبنانية نفسها ليست على وفاقٍ حول ما تقوم به مع اللاجئين. وكونها منقسمة حول القضايا السياسية، يبدو أنَّ الدولة لا تملك نهجاً متسقاً لموجات العودة هذه.

وتضطلع المجموعات القوية التي على شاكلة التيار الوطني الحر وحزب الله، وهو الميليشيا المدعومة من إيران التي تقاتل في سوريا نيابةً عن الأسد، بحملاتٍ من أجل تيسير عودة اللاجئين إلى سوريا. إلا أنَّ آخرين في الحكومة ممن هم على وفاق مع رئيس الوزراء سعد الحريري، مثل معين المهربي وزير الدولة لشؤون النازحين، يقولون إنَّ الظروف ليست كافية لضمان أمن اللاجئين العائدين.

خاصة أن الحكومة اللبنانية لا تملك حلاً

لكن بالرغم من معارضة الساسة من أمثال المهربي، لا يبدو أنَّه لدى الحكومة أي خططٍ لوقف موجات العودة المستقبلية، التي من المقرر أن تتواصل. وفي ظل غياب أي تحرك نحو اتخاذ أي استجابةٍ كافية لهذه الأزمة من جانب المجتمع الدولي، يُرجَّح أنَّ الضغط من أجل عودة اللاجئين إلى سوريا من لبنان سوف تتعاظم قوته، تاركاً وراءه اللاجئين من أمثال سعاد أمام خياراتٍ محدودة. ومن داخل المخيم في عرسال، تتعثر ابتسامة سعاد وهي تناقش ما تسمعه عن اللاجئين الذي عادوا مؤخراً.

إذ تقول: "لا أحد يعلم ما الذي يحدث في سوريا. سمعتُ أنهم أخذوا الرجال إلى الجيش، وأنَّ الرجال الآخرين فُقدوا في اللحظة التي عادوا فيها… أنا شخصياً لا أريد العودة. فلا أملك منزلاً هناك بعد الآن، وهو ليس آمناً لي. إذا صارت العودة إلزامية في المستقبل، فالله وحده قادر على مساعدتنا".


اقرأ أيضا

النازحون في سوريا ربما يكونون قد فقدوا ديارهم إلى الأبد

النازحون من مخيم اليرموك في سوريا.. هربوا من سجون الأسد فوجدوا أنفسهم مسجونين في المخيمات

تحميل المزيد