غارة إسرائيلية على غرار “Ocean’s 11” سرقت آلاف الوثائق من قلب إيران تكشف مدى اقترابها من صنع قنبلة نووية.. فهل يمكن تصديقها؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/07/16 الساعة 19:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/07/17 الساعة 10:49 بتوقيت غرينتش
Israeli Prime minister Benjamin Netanyahu speaks during a news conference at the Ministry of Defence in Tel Aviv, Israel, April 30, 2018. REUTERS/ Amir Cohen

استغرق الأمر من عملاء الموساد الإسرائيلي 6 ساعات فقط لسرقة ما يبدو أنه أخطر الوثائق النووية الإيرانية، ليخرجوا بآلاف الأوراق السرية من قلب طهران المزدحم في 31 يناير/كانون الأول 2018.

والآن بعد أكثر من 6 أشهر من العملية السرية الهوليوودية، تواصل إسرائيل تسريب محتويات الوثائق، التي تتحدث عن وصول إيران لمستوى متقدم بطريق صنع الأسلحة النووية، آملة أن يحفز ذلك الأوروبيين على التخلي عن الاتفاق النووي مثلما فعل الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وذلك بعد أن كان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قد تحدث قبل شهرين عن هذه الوثائق دون الإفصاح عن تفاصيلها.

وقدمت صحيفتا The Washington Post وThe New York Times الأميركيتان تقريرين منفصلين عما اطلع عليه مراسلوهما من الوثائق الإيرانية التي سرقها الإسرائيليون، في حين لم يسمح لوكالة أسوشييتد برس الأميركية بالاطلاع على التفاصيل الجديدة لعملية الموساد، حسبما ذكرت The New York Times.

على شفا القنبلة النووية

تظهر تفاصيل جديدة عن مجموعة من الوثائق النووية الإيرانية، التي سرقها جواسيس إسرائيليون أوائل هذا العام (2018)، أنَّ طهران حصلت على معلوماتٍ صريحة من مصدرٍ أجنبي لتساعدها على تصميم أسلحة نووية، وأنَّها كانت على أعتاب إتقان التقنيات الرئيسية لصنع قنبلة نووية عندما أُمِرَ بإيقاف البحث قبل 15 عاماً، حسب تقرير لصحيفة The Washington Post الأميركية.

نتنياهو يستعرض وثائق نووية إيرانية قال إن جواسيس إسرائيليون سرقوها
نتنياهو يستعرض وثائق نووية إيرانية قال إن جواسيس إسرائيليون سرقوها

وأظهرت الوثائق أنَّ جهود إيران الطموحة والسرية للغاية لبناء أسلحة نووية شملت بحوثاً مُكثَّفة في صنع معادن اليورانيوم، بالإضافة إلى اختبارٍ مُتطوِّر للمعدات المستخدمة في توليد نيوترونات لبدء تفاعل تسلسلي نووي.

أوقَفوا أغلب الأعمال، ولكن هناك خطط سرية موازية

وفي حين أوقف المسؤولون الإيرانيون كثيراً من هذا العمل عام 2003، تُظهِر مذكراتٌ داخلية أنَّ عدداً من كبار العلماء يضعون خططاً مُكثَّفة لمواصلة الكثير من المشاريع، المخفية في إطار برامج الأبحاث العسكرية القائمة، سراً.

وتُعَد هذه الوثائق جزءاً من أرشيف يضم 100 ألف وثيقة ضُبِطَت في غارةٍ شنَّتها المخابرات الإسرائيلية (الموساد) على منشأة تخزين بطهران في يناير/كانون الثاني 2018.

وكتب عالم إيراني في إحدى هذه المذكرات المضبوطة: "سيُقسَّم العمل إلى قسمين: سري (هيكل وأهداف سرية) وعلني".

ولكن اللافت أنه لا يوجد نشاط جديد أو أي انتهاك للاتفاق

لا تحتوي الوثائق المسروقة على أيِّ دليلٍ يشير إلى نشاطٍ نووي حديث، أو أنَّ إيران انتهكت الاتفاق النووي لعام 2015، الذي عقدته مع الولايات المتحدة و5 قوى عالمية أخرى.

ولكن استغل رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الوثائق في الأسابيع الأخيرة لمهاجمة الاتفاق النووي، الذي يقول مسؤولون إسرائيليون إنَّه غير كافٍ لتقويض طموحات إيران النووية طويلة الأجل.

بدأت الصفقة في التزعزع منذ الانسحاب أحادي الجانب لإدارة ترمب من الاتفاق في مايو/أيَّار 2018. وتقول إيران إنَّها تحترم شروط الاتفاقية وليس لديها أيُّ نيةٍ لصنع أسلحة نووية.

كما أن أميركا كانت على علم بأبحاث إيران

كان المسؤولون الأميركيون على علمٍ منذ فترةٍ طويلة بأبحاث إيران لصنع أسلحة نووية قبل عام 2004، تلك الأبحاث التي استشهدت بها إدارة أوباما صراحةً عندما كانت تحث إيران على قبول الاتفاق التاريخي الذي يحدُّ من قدرتها على إنتاج اليورانيوم المُخصَّب، ويضع منشآتها النووية تحت إشرافٍ دولي مُكثَّف.

واصل فريقٌ كبيرٌ من الخبراء الإسرائيليين فحص الوثيقة التي عثروا عليها بحثاً عن تفاصيل جديدة.

كما تشاركوا المذكرات في الوقت ذاته مع وكالاتٍ استخبارية أميركية وأوروبية، وكذلك مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهي الوكالة التي يُفتَرَض أنَّها مسؤولة عن مراقبة النشاط النووي الإيراني.

والآن ها هم الإسرائيليون يكشفونها للإعلام الغربي.. ولكن، هل يمكن الثقة بصحتها؟

وشارك المسؤولون الإسرائيليون هذه الاكتشافات الأخيرة مع ممثلي ثلاث من وسائل الإعلام الغربية الأسبوع الماضي، بحجة أنَّ الأدلة التي كُشِفَ حديثاً عن أبحاث الأسلحة النووية المتقدمة في طهران -إلى جانب جهودها المتقنة لإخفاء النشاط مع الحفاظ على المعرفة التقنية للاستخدام المستقبلي- تُظهِر أن إيران لا يمكن الوثوق بها.

ولا توجد طريقة للتأكد بشكل مستقل من صحة الوثائق، حسب The New York Times؛ إذ إن معظمها كان لا يقل عن 15 سنة، ويرجع تاريخها إلى فترة توقَّف فيها جهد ما يسمى إيرانياً مشروع "عماد" (اسم كودي للعملية)، وتم تحريك بعض الأعمال النووية بشكل أعمق تحت غطاء سري.

إسرائيل عرضت الوثائق في مؤتمر صحفي قبل أسابيع
إسرائيل عرضت الوثائق في مؤتمر صحفي قبل أسابيع

واختار الإسرائيليون الوثائق التي عُرضت على المراسلين، ما يعني أنه كان من الممكن استبعاد المواد التي تبرئ طهران، وفقاً للصحيفة.

في حين قال الإسرائيليون إن بعض المواد تم حجبها؛ لتجنُّب تقديم معلومات استخباراتية للآخرين الذين يسعون لصنع أسلحة.

ونفت طهران صحة الوثائق التي حصلت عليها إسرائيل، واصفةً إياها بأنها "مُزوَّرة". ولم يستجب أيٌّ من المسؤولين في بعثة الأمم المتحدة الإيرانية بنيويورك لطلبات التعليق.

وقال مسؤولٌ إسرائيلي كبير لصحافيين أميركيين في لقاء صحافي موجز بتل أبيب: "هذا الأرشيف يُفسِّر سبب شكوكنا". وأصرَّ المسؤول، مثل غيره من المشاركين، على عدم الكشف عن هويته في أثناء مناقشة الوثائق الحساسة للغاية وعمليات الاستخبارات.

وأضاف المسؤول أنَّ الأرشيف "يُفسِّر السبب في أنَّ وجود اتفاق نووي بالنسبة لنا أسوأ من غيابه؛ لأنَّه لا يتناول أجزاءً أساسية من البرنامج النووي. فهو لا يعيق طريق إيران نحو صنع القنابل النووية؛ بل يمهِّد له".

ولكن الخبراء يرون أن الوثائق تُثبِت ضرورة الصفقة النووية

في المقابل، يقول العديد من خبراء الأسلحة بالولايات المتحدة ومسؤولون أميركيون سابقون، إنَّ منتقدي الاتفاقية في إسرائيل لا يدركون الهدف منها، ويحاجُّون بأنَّ الكشف الجديد يُثبِت مدى ضرورة الصفقة النووية.

وقال جيك سوليفان، المسؤول السابق بوزارة الخارجية الأميركية، والمشارك في مناقشات مبكرة مع إيران على ما أصبح فيما بعد خطة العمل المشتركة الشاملة (الاسم الشائع للصفقة النووية): "جلسنا إلى المائدة التفاوضية تحديداً؛ لأنَّنا كنَّا نعلم أنَّ إيران تطمح إلى بناء قنبلة نووية، وأردنا التوصُّل إلى اتفاقٍ يمكن التحقُّق منه لمنع هذه الطموحات. من وجهة نظري، لا تثبت الاكتشافات الأخيرة ضعف الصفقة؛ بل تُعزِّز الحاجة إليها".

المدهش هو كيفية حصول "الموساد" على هذه الوثائق الخطيرة

الطريقة التي حصل بها الإسرائيليون على هذه الأوراق من منشأة تخزين خفية في وسط طهران بدأت تخرج إلى النور للتو.

وتُعَد الوثائق المسروقة التي اطلع عليها صحافيون، جزءاً من الدلائل ذاتها التي بشَّرَ بها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في 30 أبريل/نيسان 2018، بعرضٍ دراماتيكي متلفز يهدف إلى إثارة قضية أنَّ "إيران كذبت"، كما أعلن رئيس الوزراء مراراً تلك الليلة.

وقال مسؤولون في الاستخبارات الإسرائيلية إنَّهم علموا في أوائل عام 2017، بأنَّ إيران بدأت بشكلٍ منهجي جمع سجلات حول أبحاث الأسلحة النووية السابقة في البلاد ونقلها إلى أحد المستودعات بمنطقة شوراباد في جنوب طهران.

لم يكن للمبنى، الذي يقع بين صف من المستودعات الصناعية، أي وجود أمني ظاهر، أو دلالات أخرى تلفت الانتباه إلى احتوائه على شيءٍ غير معتاد. وقال ضابط استخبارات إسرائيلي على درايةٍ ببعض التفاصيل، إنَّ عدداً صغيراً فقط من الإيرانيين كانوا يعلمون بوجوده فيما يبدو.

وأضاف الضابط: "أردنا أن نعرف ما الذي يخبِّئونه، ولماذا، بمجرد أن علمنا إلى أين تتجه السجلات، أعددنا فريق عمليات للاستيلاء عليها".

يبدو فيلماً هوليوودياً محكماً.. وقد يكون هناك عميل داخلي

توصَّلَ عملاء "الموساد" إلى التصميم الداخلي للمبنى، وضمن ذلك موقع 32 خزانة، وما تحويه من سجلات ورقية، وصور، وملفات تخزين إلكترونية لمشروع "عماد"، وهو الاسم الرمزي للمشروع النووي الإيراني. درس الجواسيس الخصائص الأمنية للمبنى، وتتبَّعوا حركات وجداول العاملين على الأرشيف. في النهاية، استقروا على زمن (31 يناير/كانون الثاني 2018)، ومدة زمنية (6 ساعات و29 دقيقة بالضبط) يمكنانهم من اختراق المنشأة، وفتح الخزائن، وإزالة نصف طن من الوثائق دون ترك أيِّ أثرٍ وراءهم.

واستخدم عملاء "الموساد" داخل المستودع، الذي يقع بمنطقة تجارية رهيبة في طهران، مواقد لحام تولّد حرارة حتى نحو 3600 درجة لقطع الخزائن.

ويشير تقرير صحيفة New York Times الأميركية إلى أن إسرائيل ربما تكون قد حصلت على مساعدة من الداخل؛ إذ كان عملاء "الموساد" يعرفون بالضبط ما هي الخزائن التي يمكن اختراقها، تاركين العديد من الخزائن الأخرى دون أن يمسوها.

في نهاية الليل، فر العملاء الإسرائيليون بنصف طن من المواد السرية، من ضمنها 50 ألف صفحة و163 قرصاً مضغوطاً تحتوي على ملفات ومقاطع فيديو وخطة.

ولأنَّ بعض المواد كانت كبيرة الحجم بما يعيق حملها، فتح القائمون على العملية الخزائن التي اعتقدوا أنَّها تحتوي على المواد الأكثر قيمة، ثم أخذوا فقط أهمها.

وُصِفَت التقنيات المستخدمة في العملية على نحوٍ غامض بأنَّها غير معتادة، وأشبه بسياق فيلم "Ocean's Eleven"، وهو فيلم هوليوودي يدور حول عملية سرقة تجري في أحد كازينوهات لاس فيغاس.

ولكن ما زالت وسيلة خروج هذه الكمية الهائلة من الملازم الورقية والأقراص المُدمَجة خارج البلاد غير معروفة بشكلٍ عام.

الصحافيون لمسوا الوثائق بالقفازات

ولمواجهة الادعاءات الإيرانية بأنَّ الوثائق مُزوَّرة، سمح المسؤولون الإسرائيليون للصحافيين برؤية بضع صفحات من الملفات الأصلية ولمسها بالقفازات، ومن ضمنها مذكرات مكتوبة بخط اليد، وقَّعها محسن فخري زاده، الفيزيائي الإيراني الذي تقول وكالات الاستخبارات الغربية إنَّه مسؤول عن المشروع.

مُنِحَ عددٌ من الصحافيين نسخاً من بعض الوثائق، ضمنها الكثير مما لم ينشر منها من قبل، وفي حين سُمح لآخرين بالاطلاع عليها فترة وجيزة، ولكن بعض الوثائق لم يطلع أحد على أي منها قط، بحجة أنَّها تحتوي على تفاصيل تقنية صريحة يمكن استخدامها لصنع أسلحة نووية.

والإسرائيليون رفضوا مشاركة الوثائق عن المساعدة الأجنبية التي نالتها إيران.. فمن المشتبه فيه؟

ومن بين السجلات التي قال الإسرائيليون إنَّهم لن يستطيعوا مشاركتها، الوثائق التي تحتوي على معلومات تصميم قنبلة نووية. وقال مسؤولون إسرائيليون إنَّ مصدراً أجنبياً قدم هذه الوثائق إلى الإيرانيين، لكنَّهم لن يحددوا ما إذا كان ذلك المصدر شخصاً أو حكومة، يعمل بشكل مستقل.

ومن المعروف أنَّ إيران اكتسبت معلومات عن بناء أجهزة طرد مركزي لتخصيب اليورانيوم من العالم الباكستاني عبد القدير خان، وهو عالم اشتهر في أواخر الثمانينيات ببيع وتسريب المعلومات النووية الحساسة.

ويعتقد مسؤولو الاستخبارات الأميركية، حسب The Washington Post، أنَّ خان مرَّر مُخطَّطات جزئية لصنع جهاز نووي صيني إلى واحد على الأقل من زبائنه الدوليين.

وخمنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أيضاً أنَّ إيران حصلت على معلومات عن تصميم الأسلحة، لكنَّهم عجزوا عن الإمساك بدليل على ذلك، وأنكر المسؤولون الإيرانيون هذا الادعاء.

ولكن هل يعني كل ذلك أن الإيرانيين صنعوا بالفعل قنبلة نووية؟

قال مسؤول استخباراتي إسرائيلي: "إنَّنا نرى مواد صريحة تتعلق بالأسلحة النووية من مصادر مختلفة، بعضها ليس إيراني الأصل".

ولكن، رفض المسؤولون الإسرائيليون القول ما إذا كانت مخططات الأسلحة التي حصل عليها الإيرانيون قد أنتجت قنبلة نووية فعالة.

تعزِّز الوثائق الصادرة مؤخراً، في مجملها، خط القصة التي عُرفت علناً منذ أكثر من 10 سنوات، والقائلة بأنَّ إيران أنشأت برنامجاً سرياً بدأ أواخر ثمانينيات القرن الماضي، لامتلاك أسلحة نووية، ثم أوقفت هذا الجهد في عام 2003 بعد الغزو الأميركي لدولة العراق المجاورة والكشفت عن منشأة سرية لتخصيب اليورانيوم كانت إيران تبنيها بالقرب من مدينة نطنز.

اسرائيل قالت إن إيران كانت قريبة من صنع القنبلة النووية
اسرائيل قالت إن إيران كانت قريبة من صنع القنبلة النووية

وكانت الخطوط العريضة لأبحاث إيران معروفة لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية. الجديد هنا هو التفاصيل، التي بعضها "مُفزِع"، حسب وصف التقرير، حول تطوُّر الجهود النووية الإيرانية ومدى تقدُّم علماء إيران قبل تجميد المشروع.

حتى إنهم أجروا اختباراً مرتبطاً بإطلاق تفجير نووي

وتتضمَّن السجلات صوراً لم تكن معروفة سابقاً لغرفة اختبار أسطوانية كبيرة، قيل إنَّ إيران أجرت فيها اختبارات على جهاز داخلي الانفجار من النوع المستخدم في إطلاق تفجير نووي. وتُظهِر وثائق أخرى أُصدِرَت حديثاً الإيرانيين وهم يقيسون الإشعاعات الناجمة عن اختبار تفجيري مُولِّد للنيوترونات داخل الغرفة نفسها في عام 2002. وفي تصميم الأسلحة النووية الحديثة، يُطلِق مُولِّد النيوترونات جسيماتٍ مُشِعَّة؛ للمساعدة في تمديد تفاعل تسلسلي نووي قوي.

تُسلِّط أوراقٌ وصورٌ أخرى الضوء على التجارب الإيرانية في صنع شكل من معدن اليورانيوم يمكن استخدامه كمصدرٍ نيوتروني، وتصف أوراقٌ وصورٌ أخرى مشاكل التلوُّث الإشعاعي الناجم عن اليورانيوم خارج غرفة الاختبار، التي كانت موجودة في قاعدة بارشين العسكرية خارج طهران.

وبعد سنوات، عندما طلب المُفتِّشون النوويون التابعون للأمم المتحدة تفتيش موقع اختبار بارشين، سمح المسؤولون الإيرانيون بالزيارة فقط بعد أن قاموا بتفكيك غرفة الاختبار بالكامل وكشط عدة أطنان من التربة السطحية وقطع الأشجار القريبة وتغطية المنطقة بأكملها بطبقة أسفلت جديدة.

كما أن هناك وثائق أخرى تكشف دور روحاني و"الحرس الثوري"

تستمر وثائق أخرى في وصف كيف جرى توجيه وتنظيم مشروع "". تدرج إحدى القوائم الرئيس الإيراني الحالي، حسن روحاني، كجزءٍ من "مجلسٍ للتقنيات المتطوِّرة" الذي وافق على المبادرة.

وتشير سجلات أخرى إلى دورٍ داعمٍ من جانب الحرس الثوري الإسلامي الإيراني، بالإضافة إلى "فيلق القدس"، وهو وحدة النخبة العسكرية التي تصفها الحكومة الأميركية بأنها داعمٍ رئيسي للجماعات الإرهابية الدولية.

وتتضمَّن الوثائق التي أطلقتها إسرائيل في وقتٍ سابق، مسودة عقد يجعل الجيش الإيراني مسؤولاً عن تحويل اليورانيوم منخفض التخصيب إلى وقود صالح لصنع أسلحة مناسبة للقنابل النووية.

كل ذلك يعزز وجهات نظر الاستخبارات الأميركية بشأن برنامج إيران النووي

تعزِّز السجلات بشكل أكبر وجهة النظر -التي طالما تبنَّتها وكالات الاستخبارات الأميركية- والقائلة بأنَّ إيران حافظت على الجوهر الفكري لبرنامجها النووي. تصف الوثائق سلسلة من الاجتماعات في أواخر عام 2003، ناقش فيها مديرو مشروع "عماد" طرقاً لإبقاء علماء البرنامج مشغولين بالأبحاث ذات الصلة النووية بعد إنهاء المبادرة.

وحسب الوثائق، ستستمر منظمة الابتكار والبحوث الدفاعية الإيرانية في العمل كمنصةٍ للأبحاث بالمجالات ذات الصلة النووية، مثل توليد النيوترون وتدريب العلماء الجدد مع الحرص على إخفاء التجارب التي قد لا يمكن شرحها بسهولة للأجانب، كما يقول المسؤولون في الوثائق.

كتب أحد المسؤولين الإيرانيين بمذكرة مؤرخة في 3 سبتمبر/أيلول 2003: "ينبغي ألا يكون هناك خطأ: لن يقل عدد الأفراد في الأجزاء العلنية والسرية". وأضاف: "لن تصبح المنشأة أصغر، وسيشرف كل مشروع فرعي على كلٍّ من أجزائه العلنية والسرية".

والإسرائيليون يحاولون تأويلها لإثبات أن إيران لم تتخلَّ عن حلمها الحقيقي

مثل هذه التصريحات هي أساس وجهة النظر الإسرائيلية القائلة بأنَّ إيران لم تتخلَّ قط عن نيتها بناء أسلحة نووية. وقال المسؤول الإسرائيلي الكبير إنَّه عندما تنتهي صلاحية بعض قيود "خطة العمل الشاملة المشتركة" بغضون بضع سنوات، ستكون إيران في وضعٍ يُمكِّنها من استئناف العمل على جهاز نووي، ترى إسرائيل أنَّه يُشكِّل تهديداً لوجودها.

وأضاف المسؤول: "هذه الوثائق قديمة، لكنها تحمل دلالةً على المستقبل". وأضاف: "إنَّها ليست درساً تاريخياً. هم يمتلكون قدرات يمكنهم استخدامها في المستقبل".

ومن وجهة نظر صحيفة The New York Times، فإنه لا يبدو أن هذه المادة تقدم دليلاً على أن إيران لم تلتزم باتفاقها النووي مع القوى العالمية في عام 2015.

الوثائق تثبت أن الوكالة الدولية لديها فهم جيد بالفعل للبرنامج

ومع ذلك، فإنَّ السؤال الذي يبقى غير مُجاب عنه في الوثائق الجديدة، حسب The Washington Post، هو ما إذا كانت طموحات إيران إلى امتلاك الأسلحة النووية سيجرى احتواؤها بشكلٍ أفضل، من خلال الإبقاء على الاتفاق النووي الحالي كما هو.

ففي إطار "خطة العمل الشاملة المشتركة"، لا يوجد لدى إيران سبيلٌ على المدى القصير للحصول على المواد الانشطارية التي تحتاجها لبناء حتى قنبلة نووية واحدة. في حين أنَّ بعض القيود الرئيسية على برنامج إيران للطاقة النووية المدنية ستبدأ صلاحيتها في الانتهاء بغضون 6 سنوات، ويقول المؤيدون إنَّ الميثاق يحتوي على أحكامٍ دائمة ستنبِّه المُفتِّشين ووكالات التجسُّس بسرعة إذا بدأت إيران العمل على سلاحٍ فعلي.

وقال جيمس أكتون، الفيزيائي النووي والرئيس المشارك في برنامج السياسة النووية بمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي: "ما يبدو أن الوثائق الإسرائيلية تؤكِّده هو أنَّ الوكالة الدولية للطاقة الذرية -ومن المفترض وكالات الاستخبارات أيضاً- لديها حقاً فهمٌ جيد بشكلٍ ملحوظ لبرنامج إيران على الرغم من الاطلاع المنقوص".

وأوضح أكتون أنَّه على الرغم من العيوب في "خطة العمل الشاملة المشتركة" (الاتفاق النووي)، فإنها تمثل "أقل الخيارات خطورةً لمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية مع فرصةٍ أكبر للنجاح من أي خيارٍ آخر".

وقال أكتون إنَّ الانسحاب من الاتفاق "قد يكون -بل في الواقع على الأرجح سيكون- له تأثير ترحيل هذه المشاكل إلى سنوات عديدة قادمة".

ولكن البعض يرى أن الوثائق تكشف ثغرة بالاتفاق النووي وحاجته لتعديل بعينه

هناك آخرون على درايةٍ بالإفصاحات الإسرائيلية، قالوا إنَّ الوثاق تظهر، على الأقل، أنَّ إيران لديها الكثير لتفصح عنه.

ولم يُلزِم الاتفاق النووي، الذي تم التوصُّل إليه عام 2015، إيران بالاعتراف بكل نشاطها السابق، ويعتقد بعض الخبراء أنَّ هذا القصور قد سمح لطهران بالاحتفاظ بأسرارٍ نووية وبنية تحتية علمية تُمكِّنها من امتلاك أسلحة سريعاً في المستقبل، إذا اختارت القيام بذلك.

وتساءل أولي هاينونين، الخبير النووي الفنلندي الذي قاد فرق تفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى إيران في منتصف العقد الأول من الألفية: "لماذا قامت إيران بتخزين مثل هذه المعلومات؟".

وأشار هاينونين إلى أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية طلبت من دولٍ أخرى، مثل العراق وليبيا، تدمير المعدات وقواعد البيانات التقنية المُتعلِّقة بأبحاثها النووية السابقة. وقال إنَّ التسريبات الإسرائيلية ينبغي أن يترتب عليها، على الأقل، إجراء تعديل في "خطة العمل الشاملة المشتركة" بحيث لا تُرفَع أيٌّ من القيود المفروضة على إنتاج اليورانيوم إلى أن يتحقَّق المُفتِّشون من إغلاق جميع أبحاث الأسلحة الإيرانية.

وقال هاينونين: "إلى أن يتلقى المجتمع الدولي ضماناتٍ موثوقة بانتهاء العمل المرتبط بالأسلحة النووية -وتفكيك جميع الأجهزة ذات الاستخدام لمرةٍ واحدة والقدرات المتعلِّقة بالأسلحة وتدمير الوثائق بطريقة يمكن التحقُّق منها- ينبغي لإيران الامتناع عن توسيع قدراتها لتخصيب اليورانيوم".

علامات:
تحميل المزيد