بالتأكيد سمعت عن الاحتجاجات في جنوب العراق، لكن هل تعلم ما الذي أشعلها، ولماذا تعد مختلفة هذه المرة؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/07/15 الساعة 10:52 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/07/15 الساعة 13:01 بتوقيت غرينتش
Iraqi protesters shout slogans during a protest in Kerbala, Iraq July 14, 2018. Picture taken July 14, 2018. REUTERS/Abdullah Dhiaa al-Deen

تتواصل الاضطرابات الواسعة في محافظات جنوبي العراق في ظلِّ حالةٍ من الإحباط في أوساط العراقيين جراء نقص الكهرباء والماء والوظائف، وقد نفَّس العراقيون عن غضبهم بإضرام النيران في مكاتب جهات سياسية ومهاجمة مباني البنى التحتية الحكومية على نحو زاد من المخاوف حول مستقبل البلاد السياسي الهشّ.

قطعت الحكومة العراقية، أمس السبت 14 يوليو/تموز 2018، خدمات الإنترنت عن معظم محافظات العراق في محاولةٍ واضحة لاحتواء الغضب الحالي ومنعه من التفاقم. أمرت وزارة الدفاع بوضع قوَّات الأمن في حالةِ تأهُّبٍ قصوى بعد أن امتدت التظاهرات التي اندلعت قبل 6 أيام في مدينة البصرة بين عشيِّة وضحاها إلى أجزاء عديدة من محافظات جنوب العراق التي تسكنها أغلبية شيعية. ويذكر أنّ موجةً حارةً ضربت هذه المحافظات قد أدت إلى تفاقم سوء الأوضاع المعيشية فيها.

متظاهرون عراقيون يحرقون إطارات ويغلقون الطريق عند مدخل مدينة البصرة
متظاهرون عراقيون يحرقون إطارات ويغلقون الطريق عند مدخل مدينة البصرة

وأفاد بعض السكَّان بأن التظاهرات قد استؤنفت مساء أمس السبت، وهاجم المتظاهرون في محافظة كربلاء مبنى الحكومة المحلي، وقطع المتظاهرون الطرق في البصرة والنجف، بالرغم من فرض السلطات المحلية حظر التجوال.

ووقعت بعض أحداث العنف الأسوأ في البلاد مساء الجمعة 13 يوليو/تموز في مدينة النجف، التي تعد وجهةً للحجَّاج الشيعة من جميع أنحاء العالم. واقتحم المتظاهرون المطار ومقرَّات الأحزاب السياسية الشيعية الرئيسية، بما في ذلك المقر المحلي لحزب الدعوة الذي يترأسه رئيس الوزراء حيدر العبادي، والذي أضرم المتظاهرون النيران فيه.

وفي مدن الناصرية والكوت وكربلاء وبابل والعمارة، هاجم آلاف المتظاهرين البنية التحتية الحكومية ومكاتب الأحزاب السياسية. وهاجم متظاهرون في البصرة فندقاً كان العبادي قد أقام فيه أثناء زيارةٍ مقتضبة إلى المدينة لتهدئة الأوضاع. أما بغداد فلم تشهد سوى تظاهرةٍ واحدة صغيرة في وقتٍ مُبكِّر من يوم السبت، أضرم خلالها المتظاهرون النار في إطارات السيارات وأغلقوا لفترةٍ قصيرة الطريق السريعة الرئيسية المؤدية إلى الأردن.

وقت حرج للحكومة العراقية

وتأتي هذه الانتفاضة في وقتٍ حرج بالنسبة للحكومة العراقية، التي ضرب الشلل أوصالها منذ عقد الانتخابات التي شابتها مخالفات ولم تُحسَم نتيجتها بعد في مايو/أيار الماضي. يعيد العراق فرز أصوات هذه الانتخابات إثر ادعاءات بحدوث تزوير. وبالرغم من أن النتائج الإجمالية لا يُنتظر منها أن تُحدِث تغييراً كبيراً، فإن إعادة الفرز أخَّرت انعقاد برلمان جديد وتشكيل حكومة جديدة، بحسب صحيفة The Washington Post الأميركية.

وليست هذه المرة الأولى التي تؤدي فيها التظاهرات، التي كانت شرارة انطلاقتها انقطاع الكهرباء في أشهر الصيف الحارة، إلى زعزعة استقرار محافظات جنوب العراق، حيث يعيش سكان العراق منذ الغزو الأميركي حر الصيف دون مراوح أو أجهزة تكييف للهواء، بسبب الانقطاع المستمر للكهرباء. وزادت الأوضاع سوءاً هذا العام بسبب الجفاف الشديد الذي أدى إلى شح المياه، وقرار إيران قطع الكهرباء التي تصدرها للعراق بسبب خلافٍ حول سداد المستحقات ما أسفر عن تقلص إمدادات الكهرباء.

الأوسع انتشاراً

غير أن هذه التظاهرات تبدو أوسع انتشاراً واتخذت بحلول يوم الجمعة طابعاً سياسياً ونكهة معادية لإيران على نحوٍ لا تخطئه عين. وكان للأحزاب السياسية الشيعية التي هيمنت على الساحة السياسية العراقية منذ الإطاحة بصدَّام حسين عام 2003 نصيبُ الأسد من غضب المتظاهرين، وصبَّ المتظاهرون جام غضبهم أيضاً على إيران، التي تعد حليفاً مقرباً من المؤسسة السياسية الشيعية.

متظاهرون عراقيون يتصادمون مع قوات الأمن خلال مظاهرة في كربلاء
متظاهرون عراقيون يتصادمون مع قوات الأمن خلال مظاهرة في كربلاء

ويلقي العراقيون باللائمة على الحكومة، بما في ذلك العبادي وغيره كُثُر من الساسة الشيعة، لإخفاقها في توفير فرص عمل وبنية تحتية وتحسين حالة الاقتصاد. وتنتشر في أوساط العراقيين مزاعم بوجود فساد ضارب على جميع المستويات في الحكومة، وعمَّقَت العلاقة الوثيقة بين إيران والعديد من أفراد النخبة السياسية الشيعية حالة الغضب في صدور العراقيين.

وقال عبدالرحمن محمد (36 عاماً) المشارك في تظاهرات البصرة: "سئمنا تلك الأحزاب التي تقدِّم مصالح إيران علينا وتعامل الشعب كأنه حطبٌ توقِد فيه النار كلما احتاجت إلى المال".

وأضاف: "ما يحدث الآن هو انفجارٌ أعقب سنواتٍ من الضغط. نريد حقوقنا، وليس لدينا ما نخسره لأنهم سلبونا كل شيء".

ويُظهِر مقطع فيديو للهجوم على مقر حزب الدعوة في النجف عباراتٍ أطلقها متظاهرٌ تحمل ازدراءً لأداء الحزب الذي هيمن على الساحة السياسية العراقية منذ عام 2006 بقوله: "حزب الدعوة الإيراني". وكذلك يمكن في مقاطع فيديو أخرى سماع المتظاهرين وهم يهتفون: "احرقوا الأحزاب الإيرانية".

وقال حيدر الطايع (24 عاماً)، وهو طالبٌ بكلية الطب في النجف وأحد المشاركين في حرق مقر حزب الدعوة في النجف: "نريد أن ننهي وجود هذه الأحزاب السياسية الفاسدة كما أنهينا وجود صدَّام حسين". وأضاف: "هذا الحزب يمصّ دماءنا منذ عام 2003، انظر إلى أعضائه الآن: إنهم أغنى أغنياء العراق".

وقد اندلعت التظاهرات يوم الأحد الماضي 8 يوليو/تموز في البصرة، المحافظة الغنيِّة بالنفط التي تشهد أيضاً قدراً من الفقر المدقع في البلاد. وسقط خلال الأسبوع اثنان من المتظاهرين على يد قوات الأمن التي كانت تحاول احتواء الاضطرابات بعد استهداف المتظاهرين لمنشآت نفطية ومحاولتهم إغلاق ميناء أم قصر.

تصريحات السيستاني أشعلت التظاهرات

وبدت انتفاضة الجمعة قد عُزِّزَت على الأقل بشكلٍ جزئي بتعليقاتٍ أدلى بها آية الله علي السيستاني، الزعيم الروحي للأغلبية الساحقة من الشيعة العراقيين، أشار فيها إلى تعاطفه مع مظالم المتظاهرين.

وقال في بيانٍ صدر نيابةً عنه، في إشارةٍ إلى البصرة: "ليس من الإنصاف بل وليس من المقبول أبداً أن تكون هذه المحافظة المعطاءة من أكثر مناطق العراق بؤساً وحرماناً".

متظاهرون عراقيون يتصادمون مع قوات الأمن خلال مظاهرة في كربلاء
متظاهرون عراقيون يتصادمون مع قوات الأمن خلال مظاهرة في كربلاء

ووفقاً للنتائج الأولية للانتخابات، فاز الحزب الموالي للزعيم الشيعي الشعبي مقتدى الصدر بمعظم المقاعد في انتخابات مايو/أيَّار، ويعقد الصدر مشاوراتٍ مع الأحزاب الشيعية الرئيسية لتشكيل حكومة ائتلافية. وبدا أن معظم مكاتب تلك الأحزاب استُهدِفَت في التظاهرات، بخلاف الصدر الذي اتخذ موقفاً معارضاً للنفوذ الإيراني في العراق.

وأشار الصدر في تغريدةٍ له يوم الجمعة إلى أنه أيضاً يشارك المتظاهرين مظالمهم، ووصف تظاهراتهم بأنها "ثورة جياع".

وبالرغم من مزاعم بعض الساسة العراقيين بأن الصدر يؤجِّج تلك الاضطرابات في البلاد، نفى المتظاهرون الذين تواصلنا معهم عبر الهاتف توجيه أي طرفٍ سياسيّ للتظاهرات.

وقال الطايع، المشارك في تظاهرات النجف: "هذه ثورة شعب. ولن نسمح لأيِّ أحزابٍ سياسية أن تشارك فيها، لأننا نتظاهر ضدهم".

 

علامات:
تحميل المزيد