اتهم نائب المدعي العام الأميركي، رود روزنشتاين 12 جاسوساً روسيّاً باختراق وتسريب رسائل البريد الإلكتروني لكبار الديمقراطيين خلال حملة الانتخابات الرئاسية عام 2016.
وقد صاغ المحقق الخاص روبرت مولر هذه الاتهامات الأخيرة بعناية حسب صحيفة The Guardian البريطانية. ويبدو واضحاً مدى ضرر توقيتها؛ إذ يزيد ذلك، الضغطَ على ترمب قبل اجتماعه يوم الإثنين 16 يوليو/تموز 2018، في مدينة هلسنكي، مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الرجل الذي تُلبي مديرية الاستخبارات الرئيسية (GRU) -أحد أفرع الجيش الروسي- وجنرالاتها في نهاية المطاف أوامره.
ظل ترمب طيلة عامين يراوغ في مواجهة السؤال البسيط
هل اخترقت موسكو الانتخابات الأميركية لمساعدته حتى يُصبح رئيساً ولتدمير هيلاري كلينتون؟ ورغم الأدلة التي قدمتها وكالات الاستخبارات الأميركية، ألقى ترمب على نحو مختلف باللوم على "رجل يبلغ وزنه 160 كيلوغراماً" جالس على سرير، مشيراً إلى أن الإجابة مجهولة وغامضة، وقال إنَّه لا يستطيع الجزم بأنَّ روسيا أو الصين هي من فعلت ذلك.
لكن قائمة الاتهام الأخيرة التي أصدرها مولر تسرد الحقائق بتفاصيل دقيقة. تصف الوثيقة كيف تمكنت مجموعة من الجواسيس الروس الذين عملوا في مبنى كلاسيكي مجهول بوسط موسكو من اختراق نظام اللجنة الوطنية الديمقراطية. لقد كانت عملية خداع نموذجية، تضم أشخاصاً مزيفين، ومدفوعات بالعملات المشفرة، أو لنقل إنّها كانت عملية احتيال إلكتروني خاطفة وسهلة.
وفي أثناء لقائه مع بوتين الإثنين 16 يوليو/تموز 2018، قد يطلب ترمب تسليم ضباط جهاز الاستخبارات الذين ذكرهم مولر والبالغ عددهم 12 ضابطاً، بعدما أصبحت أسماؤهم معروفة الآن، وضمنهم فيكتور بوريسوفيتش، وهو المسؤول عن عملية القرصنة التي نفذتها وحدتان من وحدات مديرية الاستخبارات في موسكو. ولكن بوتين سينفي تورط بلاده.
وإذا لم يسأله ترمب ذلك، فسوف يفشل بوضوح في الدفاع عن مصالح الولايات المتحدة بوجه هجوم إلكتروني غير مسبوق نفذته قوة أجنبية معادية. وإذا طلب تسليم الضباط، فهذا يعني اعترافاً بأنَّ تحقيق مولر في التواطؤ بين حملته وروسيا ليس "تصيُّداً". فهناك متآمرون متهمون بالفعل. وتبين أنَّهم يعملون لصالح الاستخبارات الروسية.
وتشير كل الأدلة إلى أن ترمب سيستمر في إنكار تدخل موسكو. وقال روزنشتاين الجمعة 13 يوليو/تموز 2018، إنَّه أبلغ الرئيس قبل عدة أيام، بأحدث لائحة اتهام، ويبدو أن ترمب قد تجاهلها. ويوم الخميس 12 يوليو/تموز 2018، وفي أثناء انعقاد قمة حلف شمال الأطلسي (ناتو) في بروكسل، أثنى ترمب على بوتين مجدداً؛ بل أشار إلى أن زعيم روسيا أقدم على فعل أشياء جيدة بشبه جزيرة القرم، بعد ضم الإقليم في عام 2014، وضمن ذلك بناء جسر وقاعدة غواصات.
لا يمكن استبعاد وجود واشٍ داخل مقار جهاز الاستخبارات في موسكو
وتثير لائحة الاتهام تلك المزيد من الأسئلة المثيرة للاهتمام فيما يتعلق بكيفية اكتشاف الولايات المتحدة الهويات والرتب الدقيقة لضباط مديرية الاستخبارات الرئيسية البالغ عددهم 12 ضابطاً، وأحدهم يحمل رتبةً كبيرةً. ولا يمكن استبعاد وجود واشٍ داخل مقار جهاز الاستخبارات في موسكو -التي زارها مايكل فلين في عام 2013، وهو أول من اختاره ترمب لشغل منصب مستشار الأمن القومي، لكن يبدو ذلك احتمالاً ضعيفاً.
يعتبر الأمر الأكثر احتمالاً هو أن وكالات الاستخبارات الأميركية قد اتخذت بدورها تدابير واسعة مضادة للقرصنة لاعتراض هذا الاختراق، بالإضافة إلى اعتمادها على معلومات حصلت عليها من الحلفاء الأوروبيين وضمن ذلك بريطانيا، وهي الحليف نفسه الذي أساء إليه ترمب الخميس 12 يوليو/تموز 2018، خلال هجومه المثير للدهشة على دول حلف الناتو بسبب ما يعتبره نقصاً في الإنفاق العسكري.
وذكرت تقارير أن جهاز المخابرات الهولندي اخترق في صيف عام 2014 إحدى الخلايا السرية التابعة لمديرية الاستخبارات الرئيسية الروسية، والتي تعمل داخل مبنى إحدى الجامعات بالقرب من الساحة الحمراء في موسكو. وتمكنت هولندا من الوصول إلى الحواسيب التي استخدمتها مجموعة (Cozy Bear). وتمكن الهولنديون حتى من التجسس على الاستخبارات الروسية عن طريق منظومة كاميرات المراقبة، وشاهدوا أنشطتهم مباشرة آنذاك.
ويبدو أنَّ مجتمع الاستخبارات الأميركية -الذي انتقده ترمب بانتظام باعتباره قوة خبيثة- يجيد إنجاز مهامه. وقد وصف مايكل ماكفول، السفير الأميركي السابق في موسكو، انطباعه عما يجري الجمعة 13 يوليو/تموز 2018، قائلاً إنَّه "معجب للغاية" بالاتهام الذي أصدره مولر. وكتب ماكفول في تغريدة على "تويتر"، أن صحيفة الاتهام أظهرت "قدرات لا تصدق لمجتمعنا الاستخباراتي، وسينتبه الكرملين لذلك".
ولن يسمح بوتين بمحاكمة ضباط الاستخبارات الروس بالولايات المتحدة في أي وقت قريب. ولكن إذا طلب ترمب تسليمهم، فقد يخفف ذلك من الانطباع بأنَّه مَدين لبوتين، وأنَّ فريق حملته الانتخابية قد تواطأ مع الكرملين في أثناء رحلته إلى البيت الأبيض.