يفكّ أي شيفرة بغضون 3 دقائق وصنع شخصية إلكترونية وسرّب رسائل مهمّة قلبت الطاولة لصالح ترمب.. جهاز GRU الروسي قام بأعمال جريئة ومتهورة

عربي بوست
تم النشر: 2018/07/14 الساعة 18:30 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/07/15 الساعة 19:33 بتوقيت غرينتش
Female Government Employee Works in a Monitoring Room. In The Background Supervisor Holds Briefing. Possibly Government Agency Conducts Investigation.

يعمل ضباط الاستخبارات الروسية الذين وجَّه إليهم المحقق الخاص الأميركي روبرت مولر الثالث الاتهامات الجمعة 13 يوليو/تموز 2018، لحساب فرعٍ من الجيش الروسي يُعرف رسمياً بمديرية المخابرات الرئيسية (GRU)، التي ارتبط اسمها في السنوات الأخيرة بعددٍ من العمليات متزايدة الجرأة، وربما المتهورة، خارج روسيا.

المديرية وفق تقرير صحيفة New York Times الأميركية، هي أكبر جهاز استخبارات عسكري روسي، ومن ضمن جهاتٍ عدة مخول لها مهمة التجسس لصالح الحكومة الروسية، إلى جانب الأجهزة التي خلفت جهاز المخابرات السوفييتي المسمى لجنة أمن الدولة (KGB) بعد تفكك الاتحاد السوفييتي.

ومع أنَّ الولايات المتحدة استهدفت مديرية المخابرات الرئيسية بفرض العقوبات عدة مرات، منها ما تعلق بعمليات الاختراق التي شهدتها الانتخابات الرئاسية الأميركية في 2016، فإنَّ الاتهامات التي وجهها مكتب مولر هي أولى التهم الجنائية ضد مسؤولين بالحكومة الروسية؛ بسبب التدخل في الانتخابات.

كانت اتهاماتٌ سابقة قد وُجِّهت لممول وموظفي مزرعة حسابات وهمية خاصة في الظاهر، متمركزة بسان بطرسبرغ.

ورغم أنَّ الجهاز ما زال يُشار إليه بمديرية المخابرات الرئيسية (GRU)، فإنَّ الاسم تغير في 2010 إلى المديرية الرئيسية (GU)، واستمر خاضعاً للقيادة العسكرية الروسية.

من أين تقوم بعملها؟

من إسقاط طائرةٍ مدنية فوق أوكرانيا إلى تنفيذ عملياتٍ في سوريا إلى اختراق انتخابات الولايات المتحدة، ارتبط تاريخ المنظمة القريب بأكثر التحركات الروسية إثارةً للجدل، وفق محللين وباحثين أمنيين.

الاتهامات التي كُشِف عنها الجمعة 13 يوليو/تموز 2018، ركزت وفق  New York Times الأميركية على وحدتين لاستخبارات الإشارة يتمحور عملهما حول التجسس الحاسوبي، إحداهما مركزها بالقرب من متنزه غوركي وسط موسكو، والأخرى في ضاحيةٍ على أطراف المدينة بالقرب من مركز تسوق.

وزعمت الاتهامات أنَّ "هاتين الوحدتين نفذتا عملياتٍ سيبرانية واسعة النطاق بهدف التدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2016".

ضابطٌ من الضباط الذين حددتهم الاتهامات هو فيكتور نيتيكشو، قائد وحدة اخترقت اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي، ويحمل نفس اسم شخصٍ درس علوم الحاسوب لأعوام ونشر أطروحةً أكاديمية وورقةً بحثية واحدة على الأقل.

الأطروحة المنشورة في 2003 مقدمة إلى أكاديمية ذات صلة بجهاز الأمن الفيدرالي (FSB)، جهاز الاستخبارات الداخلية في روسيا. تدرس الأكاديمية علم التشفير، والأطروحة مرتبطة بحقلٍ في الرياضيات يُعرف بالمعادلات غير الخطية أو البوليانية.

وكانت أجهزة الاستخبارات الأميركية قد خلُصَت بالفعل "بثقةٍ كبيرة" إلى أن مديرية المخابرات الرئيسية GRU قد صنعت شخصيةً إلكترونية وهمية تحت اسم "غوسيفر 2.0″، وموقعاً بعنوان DCLeaks.com، بهدف نشر رسائل البريد الإلكتروني المسروقة من اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي ورئيس حملة هيلاري كلينتون جون بوديستا قبل إجراء الانتخابات الرئاسية في 2016 والذي أثّر عليها لصالح حملة ترمب.

وكان رئيس المديرية إيغور كوروبوف و3 من نوابه من أوائل الأشخاص الذين فرضت عليهم إدارة أوباما العقوبات في ديسمبر/كانون الأول 2016؛ لتدخلهم في الانتخابات. وفي مارس/آذار 2018، أعلنت وزارة المالية فرض عقوباتٍ جديدة على المديرية وكوروبوف.

كذلك، استهدفت العقوبات الأولية التي فرضتها إدارة أوباما، سيرغي غيزونوف، أحد نواب قائد المديرية. ما لم يُذكر حينها هو علاقة غيزونوف بجماعةٍ داخل المديرية تُعرف بالوحدة رقم 26165، التي وصفتها اتهامات الجمعة بأنَّها كانت محوريةً في عملية اختراق اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي.

أميركا تباهت بأنها تعرف أعضاء الجهاز

كان غيزونوف قائداً سابقاً بالوحدة 26165، وفق تقريرٍ نُشِر عام 2009 في صحيفة Rossiyskaya Gazeta الحكومية، التي أعلنت فوز غيزونوف بجائزةٍ تقديرية من الدولة في المجال العلمي.

وكتب مايكل ماكفول، سفير الولايات المتحدة لدى روسيا سابقاً، على "تويتر" يوم الجمعة: "أنا منبهرٌ جداً بقدرة مولر على تسمية ضباط المديرية الاثني عشر في الاتهامات الجديدة. يُظهر هذا القدرات المبهرة لمجتمعنا الاستخباراتي".

ووجه الكونغرس الأميركي أنظاره أيضاً إلى الاستخبارات العسكرية الروسية. ففي أغسطس/آب 2017، وسَّعت إدارة أوباما نطاق عقوباتها لتستهدف ضابطين إضافيين بالاستخبارات العسكرية الروسية في قانون لفرضٍ العقوبات.

فمديرية المخابرات الرئيسية، وفقاً لبيان وزارة المالية، "انخرطت بصورةٍ مباشرة في التدخل بالانتخابات الأميركية لعام 2016 عبر أنشطةٍ مدعومة سيبرانياً"، إضافةً إلى هجوم "نوتبيتيا" في عام 2017، الذي تسبب في خسائر تقدَّر بمليارات الدولارات في أنحاء أوروبا وآسيا والولايات المتحدة، وعرقل حركة الشحن والتجارة الدولية، وقطع اتصالات عددٍ من المستشفيات الكبرى.

جديرٌ بالذكر أنَّ الوحدة 26165، وهي وحدةٌ من الوحدتين المذكورتين في اتهامات الجمعة، لها سُمعة الصفوة داخل روسيا. في 2016، وصفت بوابة Vzglyad الإخبارية أعضاء الوحدة بأنَّهم "قادرون على فك أي شيفرة في غضون 3 دقائق وإعادة تشفيرها دون التوقف عن كتابة أطروحة لرسالة دكتوراه عن فيزياء الكم".

وفرض الاتحاد الأوروبي عقوباتٍ على شخصيةٍ روسية محورية بصفته ضابطاً بجهاز GRU؛ بسبب التوغل العسكري الروسي بشرق أوكرانيا في ثياب المتطوعين الوطنيين. هذا الشخص هو إيغور غيركين، واسمه المستعار إيغور ستريلكوف، أو إيغور القناص، وهو من قاد عملية السيطرة على بلدة سلوفيانسك الأوكرانية في 2014.

تأسست كمكتب لفك تشفير الإشارات يتبع الجيش السوفييتي

وقد عرَّفت جماعة Bellingcat، التي تُجري أبحاثاً مفتوحة المصدر على النزاع الأوكراني، الضابط العسكري الروسي الذي أسقط طائرة الخطوط الجوية الماليزية رقم 17 في 2014، وفق الصحيفة بأنَّه عضوٌ في مديرية المخابرات الرئيسية (GRU).

وفرضت الولايات المتحدة في وقتٍ سابق من العام (2018)، عقوباتٍ على المديرية؛ لاختراقها قانون منع انتشار الأسلحة الخاص بإيران وكوريا الشمالية وسوريا، والذي يحظر على الهيئات تزويد هذه البلاد بمعداتٍ أو تقنيات يمكن استخدامها في تصنيع أسلحة الدمار الشامل أو أنظمة الصواريخ الباليستية. وهذا على الأرجح بسبب العمليات في سوريا، التي لعبت فيها القوات الخاصة التابعة للمديرية، المعروفة باسم "سبيتسناز"، دوراً رئيساً في قتال تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) واستعادة مدنٍ مثل حلب وتدمر إلى سيطرة حكومة الأسد.

ومثل الـ"سبيتسناز"، لوحدات استخبارات الإشارة العسكرية تاريخٌ متعدد الطبقات يمتد إلى الحرب الباردة.

يُرجِع كتاب التاريخ الروسي بعنوان Security Systems of the U.S.S.R، المنشور في 2013، أصول الوحدة رقم 26165 إلى الحرب الباردة، حين تأسست كمكتب لفك تشفير الإشارات يتبع الجيش السوفييتي. تمركزت الوحدة، وفقاً للكتاب، في المبنى نفسه الذي ذكرته الاتهامات المنشورة يوم الجمعة باعتباره مقر الوحدة الحالي في وسط موسكو.

ظهر اسم غيزونوف أيضاً كشخصيةٍ محورية في نزاعٍ نشب مؤخراً بين الاستخبارات العسكرية الروسية وجهاز الأمن الفيدرالي (FSB)، الجهاز الرئيس الذي خلف جهاز KGB. وهي عداوة قديمة عادت إلى السطح في أثناء تنفيذ عملية اختراق الانتخابات، حسبما أشارت شركة الأمن السيبراني Crowd Strike التي عينها الحزب الديمقراطي. وأفادت Crowd Strike بأنَّ الاستخبارات العسكرية وجهاز الأمن الفيدرالي كلاهما اخترق خوادم اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطية، ومن المحتمل أنَّ كلا الطرفين لم يكن على علمٍ بتحركات الطرف الآخر.

بعد عام، في 2017، استعمل المدير السابق للوحدة رقم 26165 عملاء بالاستخبارات العسكرية الروسية في الكشف عن عملية سيبرانية تابعة لجهاز الأمن الفيدرالي (FSB) كانت تستهدف أوكرانيا وقضايا داخلية، وفقاً لوسائل إعلامية روسية. ويُزعم أنَّ عملاء الاستخبارات العسكرية كشفوا عن صلاتٍ تربط دائرة للجريمة السيبرانية تعرف باسم شالتاي بولتاي بالوحدة السيبرانية التابعة لجهاز الأمن الفيدرالي، المعروفة بمركز الأمن المعلوماتي.

علامات:
تحميل المزيد