قضية “الجزار” الذي أسقط كبار جنرالات الجزائر.. استمرار الإعفاءات ومؤشرات على دخول الجيش سباق الانتخابات

عربي بوست
تم النشر: 2018/07/13 الساعة 18:46 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/07/13 الساعة 21:27 بتوقيت غرينتش

في 04 يوليو/تموز كان اللواء نوبة مناد قائد أركان قيادة سلاح الدرك الوطني، وقائد الدرك الوطني الجزائري (المؤسسة الاستراتيجية في قلب المؤسسة العسكرية)، يمارس مهامه بشكل اعتيادي قبل أن يفاجأ بقرار الرئاسة المقتضب بإعفائه من منصبه وتجريده من كل صلاحياته.

ومنذ انفجار فضيحة محاولة إدخال 700 كيلوغرام من الكوكايين في 30 مايو/أيار 2018، وأخبار الإقالات المتتالية لرؤوس كبيرة في الأمن والجيش والقضاء وعدد من القطاعات الأخرى تتوالى.

ويربط الجزائريون بين الوضع السياسي العام للبلاد واقتراب الرئاسيات المزمع تنظيمها أواخر السنة 2019، ويجعلونها على رأس الأسباب التي جعلت الصراعات تندلع بين رأس السلطة ومؤسستي الأمن والجيش.

سقوط الجنرالات

البداية كانت بإعفاء مدير الأمن الوطني المقرب من بوتفليقة
البداية كانت بإعفاء مدير الأمن الوطني المقرب من بوتفليقة

السقوط المتتالي لجنرالات الأمن والجيش الجزائريين انطلق بتوقيف المدير العام للأمن الوطني اللواء عبد الغاني الهامل، الذي كان مقرباً من الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، بل واعتبر في وقت من الأوقات الأقرب لخلافته في سدة الحكم.

وجاءت تلك الإقالة على بعد 10 أيام فقط من موعد التقليد السنوي للرتب والترقيات في الجزائر، ووسط تكثيف التحقيقات وتوسع التوقيفات بشأن المتورطين في شبكة تهريب الكوكايين عن طريق البحر.

اللواء الهامل لم يبد وقتها أي تحفظ بشأن التحقيق، وصرح للصحافة بكون القضية كبيرة والتحقيقات تتطلب مجهودات أكبر، واختتم كلامه بالعبارة الشهيرة "من يريد أن يحارب الفساد يجب أن يكون نظيفاً".

الرئاسة لم تكتف بإقالة اللواء عبد الغني الهامل، بل وصلت إلى إنهاء مهام اللواء مناد نوبة القائد العام لجهاز الدرك الوطني، وهو أحد الفروع المهمة في الجيش الشعبي الوطني، وذلك ببيان رئاسي في 04 يوليو/تموز 2018.

نوبة مناد قائد أركان قيادة سلاح الدرك الوطني، وقائد الدرك الوطني الجزائري، وجاء تعيينه خلفاً للفريق أحمد بوسطيلة الذي أُحيل على التقاعد بعد قضائه 15 سنة على رأس الجهاز وذلك قبل 3 سنوات من الآن.

وشغل نوبة عدة مناصب في هرم قيادته، وكان يشغل منصب قائد أركان قيادة سلاح الدرك الوطني قبل توليه قائد أركان الدرك الوطني، وتمت ترقيته في يونيو/حزيران 2010 من عقيد إلى عميد.

https://www.youtube.com/watch?v=fEuTUPQj11Q

وفي 09 يوليو/حزيران 2018، قام المدير العام الجديد للأمن الوطني في الجزائر العقيد مصطفى لهبيري بإقالة رئيس أمن ولاية وهران، مراقب الشرطة، صالح نواصري، وتعيين الرقيب عبد المالك بومصباحي خليفة له في ذات المنصب.

موجة إقالات جديدة مرتقبة

ويتوقع الخبير والمحلل الأمني الجزائري أكرم خريف تسجيل إقالات أخرى في الأيام المقبلة في صفوف قيادات الأمن والدرك الوطنيين، وربما في قطاعات أخرى نظراً إلى حجم القضية المسماة بـ"البوشي" (رجل الأعمال المعتقل).

ويؤكد خريف لعربي بوست بأن دخول الجيش خط التحقيقات بكل ذلك الحجم، "يوحي بوجود رؤوس كبيرة أخرى قد تسقط في المستقبل".

معتبراً أن إقالة شخصيتين بحجم المدير العام للأمن الوطني عبد الغاني الهامل وقائد أركان جهاز الدرك مناد نوبة، رسالة إلى قيادات وشخصيات أخرى، ويعكس حجم التحقيقات التي تدور في قشية كمال البوشي.

تستمر موجة الإقالات لتطال أسماء وازنة في الجيش والأمن
تستمر موجة الإقالات لتطال أسماء وازنة في الجيش والأمن

وهو ما يذهب إليه المحلل السياسي والأستاذ بجامعة الجزائر مراد لحاج، الذي يرى بأن مسلسل الإقالات سيتواصل على طول الأشهر المتبقية من العام الجاري 2018، وستمس في نظره شخصيات عسكرية وأمنية وحتى مدنية كبيرة.

حجم القضية كما قال لحاج لعربي بوست يظهر أيضاً في تدخل أطراف خارجية في مجريات توجيه المعلومات خاصة من الجانب الإسباني، وكذا التحرك الثقيل لمؤسسة الجيش الشعبي، والتي ستكون "آلتها حادة لاجتثاث أي فرد أو جماعة تهدد الأمن والوطن" حسب تعبيره.

قيادات مسيسة تهدد النفوذ

أسباب السقوط المستمر للقيادات داخل مؤسسة الجيش الجزائري يردها الخبير والمحلل الأمني أكرم خريف إلى ثلاثة عوامل رئيسية. الأول فصل جميع المتورطين، ليس فقط في قضية الكوكايين، بل في شبكة أعمال كمال البوشي، الذي تشير التحقيقات الأولية إلى ضلوعه في أعمال فساد ضخمة إلى جانب المخدرات.

والثاني يلخصه الباحث في كون الجزائريين يلقبون شهر يونيو/حزيران بشهر الاستقلال وقد اعتادوا فيه معايشة تغييرات حكومية وتقليد مناصب لمسؤولين جدد كل سنة.

أما العامل الثالث فيتمثل في رغبة أصحاب النفوذ داخل النظام في التخلص من الأمنيين "المسيسين" الذين يمكن أن يكون لهم دور في مرحلة ما بعد بوتفليقة.

لذا فرئيس أركان الجيش في الجزائر في نظره "اعتبر قضية البوشي فرصة لفك الخناق داخل المؤسسة العسكرية وترك المؤيدين فقط" يضيف الباحث.

صيف ساخن سياسي.. والغرض رئاسي

رئيس أركان الجيش اعتبر قضية البوشي فرصة لتنظيف المؤسسة العسكرية
رئيس أركان الجيش اعتبر قضية البوشي فرصة لتنظيف المؤسسة العسكرية

ويربط الخبير في علم الاجتماع السياسي ناصر جابي، ما حدث ويحدث في الجزائر من إقالات بالملف السياسي مباشرة، واعتبر أن ملف الفساد طغى على المشهد بمحاولة إدخال 07 قناطير من الكوكايين".

فتداعيات فضيحة الكوكايين، كما قال "ذات ارتباط واضح بالانتخابات الرئاسية المقبلة، التي من المقرر أن تحصل في 2019، ليتم التحضير لها عملياً خلال هذا الصيف الحار سياسياً، بعد أن انطلقت حملتها الانتخابية بطريقة غير رسمية منذ منتصف هذه السنة".

ويتوقع أن ترتفع وتيرة "الحملة الانتخابية بداية من الخريف المقبل، في انتظار الإعلان عن الترشح الرسمي لها من قبل الرئيس الحالي، كما جرت العادة عنده في تأخير الإعلان عن ترشحه الرسمي".

وما يحدث في الجزائر من تطورات كما يرى جاءت لتخدم "ملف ترشح الرئيس بوتفليقة لعهدة جديدة، فقد تعودت الجزائر على حملتين انتخابيتين واحدة غير رسمية تقودها الأحزاب الموالية والكثير من مؤسسات الدولة، تنطلق شهوراً عديدة قبل انطلاق الحملة الرسمية التي تتأخر لغاية الشهور الأخيرة".

الجيش لا يريد فقدان سمعته

لا يتفق الخبير والمحلل الأمني والعسكري الجزائري أكرم خريف، مع الذين يتحدثون عن وجود صراع أجنحة في رئاسة الجمهورية، ولا ينفي في نفس السياق وجود بعض الخلافات، لكنه يركز على التحرك السريع والحاسم للجيش.

فمؤسسة الجيش الشعبي كما قال لعربي بوست "وبمجرد تحصلها على معلومات من إسبانيا بقدوم سفينة محملة بلحوم مشكوكة، أعطت أوامر لحفر السواحل لتوقيفها، مع تشديد الرقابة والتفتيش".

ويستمر مسلسل الإعفاءات حتى رئاسيات 2019
ويستمر مسلسل الإعفاءات حتى رئاسيات 2019

بعدها مباشرة يضيف "سمعنا عن سلسلة التحقيقات والإقالات والحبس لعدد من المتورطين في الفضيحة وعلى رأسهم العقل المدبر رجل الأعمال كمال البوشي".

وبإقحام مؤسسة الدرك الوطني في مجريات التحقيق كما قال "كان لزاماً على الجيش حمايته من كل التلاعبات، وتبييض صورة المؤسسة بإقالة قائد الأركان مناد نوبة، لأن الجيش يعلم جيداً قيمة أن يبقى دورك لامعاً".

وبالتالي يردف "نستطيع القول إن الصراع القائم على أعلى رتب مؤسسة الجيش الوطني الشعبي، هو صراع نفوذ، وبسط القوة والحفاظ على الدور الريادي، وليس كما يروج له البعض حول تحركات نائب وزير الدفاع قائد الأركان للترشح للرئاسيات المقبلة".

وكانت قوات خفر السواحل الجزائرية قد قامت بحجز باخرة قادمة من البرازيل في 29 مايو/أيار 2018، بميناء وهران غري الجزائر، بعد معلومات وصلت المخابرات الجزائرية من نظيراتها الإسبانية تفيد بوجود باخرة تحمل مواد مشبوهة.

وقد عرضت حينها وزارة الدفاع صورة فيديو استغلتها وسائل إعلام محلية، توثق لحظة اقتحام السفينة وحجز الكمية.

الفديو الخاص بعملية إحباط محاولة إغراق الجزائر بكمية ضخمة من الكوكايين

الفديو الخاص بعملية إحباط محاولة إغراق الجزائر بكمية ضخمة من الكوكايين بميناء وهران والتي كانت مُحملة على متن سفينة تجارية تحمل راية دولة ليبيريا

Gepostet von Journal el Bilad am Donnerstag, 31. Mai 2018

وقد باشرت التحقيقات بعد ذلك مصالح الدرك الوطني التابعة للجيش، وتوصلت إلى توقيف الرأس المدبر رجل الأعمال المختص في استيراد اللحوم  كمال شيخي المعروف باسم كمال البوشي، وشقيقيه.

ولا يزال التحقيق مستمراً، والإقالات تتوالى وفي شتى الرتب والمناصب، وفي المقابل أكد محامي كمال شيخي المتورط في شحن 07 قناطير من الكوكايين، بأن موكله بريء، وقد قدم كل الوثائق المتعلقة بصفقة شراء اللحوم من البرازيل والتي تمت بكل الطرق القانونية.


مواضيع متعلقة بقضية الكوكايين:

لماذا أقال بوتفليقة عبد الغني هامل أقرب الشخصيات لخلافة الرئيس الجزائري؟.. 3 أسباب وراء القرار المفاجئ

إقالة اللواء هامل تُنبئ بقتال داخلي بين فروع النظام الجزائري أم أن الرجل "المرشح لخلافة" بوتفليقة سيظهر بمنصب جديد؟

تحميل المزيد